هل في مدينة الدارالبيضاء رجال لهم من القدرة والكفاءة والغيرة ما يجعلهم في مستوى مواجهة التحدي الذي تطرحه أمام ساكنتها لكي يعيشوا فيها دونما اضطراب وقلق وفقد لانسانيتهم، مدينة الدارالبيضاء هي ملتقى كل الفعاليات الاقتصادية والمالية والتجارية والصناعية، كما أنها ملتقى رجال الأعمال ومرفئ السفن المحملة بكل حاجيات البلاد من مواد خام ومصنعات وآليات العمل في الحقول والمعامل، هي القلب النابض بكل الدماء التي تحملها شرايين الحياة والاقتصادية والمالية. حركة مستمرة في المعامل والمصانع والأوراش والمتاجر والأسواق الكبرى والصغرى، الكل فيها يعدو ويجري بدءا من صباح اليوم وحتى مسائه المتأخر، جاذبة للطاقات، موزعة للقدرات والكفاءات على كل مناطقها حسب حاجات كل منطقة، هي مستقر المدارس والمعاهد والجامعات وحاضنة المشاريع الصناعية والتجارية الكبرى، ملاذ القادمين المهاجرين من القرى والبوادي والضواحي ليتخذوا من أكواخ القصدير منازل يختبئون فيها، وهي أيضا ملاذ القادمين من شتى البلدان والأقاليم والأحياء للنزول في فنادقها على اختلاف مستوياتها واختلاف عدد نجومها، هي الدار التي لا يمكن أن يعيش فيها الأغنياء دون الفقراء، ولا يمكن أن تكون مدينة الأحياء الراقية دون الأحياء الهشة والضعيفة، ولا يمكن أن يشعر المحظوظ بالسعادة إذا لم يشعر المقهور بالتعاسة. كان تصميمها منذ البدء تصميما لتجاور وتساكن والفقر والغنى، وأن تكون خريطتها مرسومة كما يجري ماء العيون من شمالها إلى جنوبها، من غربها إلى شرقها، من عين السبع إلى عين الذياب ومن عين الشق إلى عين برجة وعين حرودة، ترصع فضاءها الممتد أسماء أحياء عتيقة من الحي المحمدي إلى الحي الحسني وحي الإنارة وحي الفرح وحي لالة مريم ودرب غلف ودرب السلطان ودرب ميلان ودرب الفقراء، وشوارعها الكبرى بدءا من شارع محمد الخامس إلى شارع الحسن الثاني وشارع محمد السادس وشارع الزرقطوني وشارع الروداني وشارع 2 مارس وشارع أم الربيع وشارع ابن سينا وشارع غاندي.
لابد للداخل إليها الراغب في التكيف مع أجوائها ومناطقها بأن يكون على علم بهذه الأحياء والدروب والشوارع.
وليكن في علم القارئ العزيز بأنه إذا ما علمنا بأن إسم مدينة الدارالبيضاء هو الترجمة الحرفية للفظ الإسباني "كازابلانكا"، فإننا تاريخيا نعرف أيضا أن البرتغاليين بنوها سنة 1515، حيث شيد فيها منزل طلي بالجبص الأبيض على رأس تل مرتفع عن سطح البحر، وكان قباطنة السفن يسترشدون به، وكانوا عند اقترابهم منه يقولون: "وصلنا الدارالبيضاء"، وقيل: سميت المدينة بهذا الإسم نسبة لسيدة جميلة كان إسمها "لالة البيضاء" أي "السيدة البيضاء"، وكان الزبائن يفدون إلى متجر زوجها حيث طغى لقب الزوجة على إسم زوجها، ولغريب الصدف وسوئها أن المدينة اليوم لا علاقة لها بأوصاف تلك المرأة التي قيل بأن المدينة سميت نسبة إليها، اليوم كل الزبائن يعرفون هذه المدينة بأسماء دروبها ومواقعها السوداء وأحيانا المسجلة خطرا.
لم تعد "كازا" إحدى عرائس المحيط الأطلسي" كما يسميها القدماء، فهي الآن تئن تحت رحمة تدبير سيء لمسؤولين اختاروا المصلحة الشخصية على ما سواها، ولعله من غريب الصدف أن تحمل أسماء بعض المناطق أوصاف بعض المسؤولين، "فعين السبع" ليست إلا عين ذلك المسؤول الذي ينظر إلى الفريسة ولا يهمه تلك البذور والنباتات الجميلة التي يدكها في سرعته نحو الانقضاض عليها.
أما "عين الذئب" الماكر فهي تتصيد كل الفرص للكيد والإيقاع بالضحية دون الاكتراث لبراءة المحيطين ولا رغبتهم في العيش الكريم.
لم تعد مدينة الدارالبيضاء إذا ذلك المنزل الأبيض الدال على النقاء والنظافة من جهة، ولا تمتح من دلالة جمال "لالة البيضاء" ونضارتها شيئا من جهة أخرى. كما لم تعد تحمل معنى المدينة بالمعايير العمرانية والحضارية والوظيفية. فمنذ أن تبلور مفهوم المدينة في وعي الانسان تحددت المعايير التي تتقوم بها وأصبحت عند علماء "المدينة" تعني ذلك المفهوم الذي يكتمل فيه الانسان قبل أن تعني ما تعنيه من أبنية ومنشآت وعمران. ومن هنا يجب أن ندرك العمق الانساني في تشييد المدن.
ولعلنا نرى في المدينة الخالدة روما مفهوما قويا لمفهوم المدينة، وليست وحدها، بل إن معظم المدن الإيطالية شاهدة على الحقبة الإنسية التي أبدع مهندسوها في تصاميم مدنهم. ورغم مرور السنين فإن مرفولوجية المدن الإنسية غاية في الاتقان والفنية والخلود، من هذه المحددات نرى في مدينتنا البيضاء، مدينة رغم كبر حجمها وكبر إسمها وشموخ تاريخها هي مدينة منكوبة وليست النكبة هنا شيئا سوى انفلات المدينة وانزياحها عن المفهوم الإنساني، وقد عرف الروائي التشيكي ميلان كونديرا مدينة نيويورك على ما فيها من عنفوان أنها مدينة الفوضى والعشوائيات،ومقارنا إياها ببعض المدن الأروبية رائعة التنسيق. وإذا اقتبسنا كلام علماء الاجتماع فإن مدينتنا لا تخرج عن نطاق "النكبة"، إن المدينة شبيهة بالجسد البشري، الطرقات تطابق الدورة الدموية، والمراكز الاستهلاكية تطابق الجهاز الهضمي، والإدارة تطابق الدماغ والقلب، ومن البديهي فإن الجسم بالغ التنظيم والانسجام شأنه في ذلك شأن المدينة، كيف تستحق أن تكون مدينة وإلا فإنه جسد منكوب كما تنكب المدينة، والحال من الصور التي نراها من أحياء البيضاء تطابق الكوارث. ربما كان ينبغي لمدينة أن تبعث روح تاريخها من جديد وأن تحيي رمزية عيونها. ربما كان صدفة أن تسمى عيون في البيضاء وعلى الشاكلة التي نسمعها اليوم، لكن عمق الأسماء يوحي بأن تلك العيون شاهدة على عنفوان غابر لم يبق منه إلا الإسم، إن عيون البيضاء تخفي معنيين: معنى الخير واليمن ومعنى القوة والهيبة والعنفوان، فكلمة عين وحدها ترمز للنماء واليمن، فمثلا عين الشق ألا تعني في شقها الثاني إلى الفلق والفرق بين شيئين. ألا يمكن أن تعني الفرق بين الجذب والماء وبين القحط والزرع، وبين عصرين عصر جفاف وعصر ماء، وعين السبع ألا تعني الهيبة والعنفوان والسيادة. ألا يمكننا أن نلاحظ ذلك في زعم أبناء البيضاء على أنهم شجعان وأنهم ملوك الشهامة من بين باقي المدن، ألا نلاحظ ذلك في سلوكاتهم ويومياتهم بل حتى في مناصرتهم لأنديتهم الرياضية. وعين الذئاب أليست بدورها تأييدا للعين السابقة، أليست رمزا للذكاء والغلبة ولذلك جاءت بالجمع وليس بالمفرد، فالمعروف أن الذئاب تأخذ رمزية قوتها بالجمع على خلاف السبع. إن البيضاء عيون جف معينها ولم تبق سوى نقاط متفرقة كبقايا القطرات المطرية الحائرة على دفتر تشرين، فهل يمكن لهذه المدينة أن تنبعث من رقادها كطائر الفينيق أم أنها تظل عيونا بدون ماء وأجراسا بلا رنين.
في افتتاح الدورة البرلمانية لهذه السنة، دق ملك البلاد الجرس بقوة، واهتزت لصوته الضمائر التي ماتت والتي أرادت بموتها أن تقتل مدينة بكل عظمتها ورمزيتها في الحضارة المغربية المعاصرة، لقد كان خطاب دافع اليقظة الضرورية لكي يدرك من أوكلت إليهم أمور تدبير شؤون هذه المدينة العزيزة على قلوب كل المغاربة وملاذ كل ذي حاجة إلى العيش بالساعد والعيش بالتجارة مهما كان حجم رأسمالها بدءا من مائة درهم إلى مئات الآلاف من الدراهم. هي باختصار مجمع للساكنة المغربية على اختلاف مناطقها وألوانها ولغاتها وتقاليدها، غير أن إرادة إعادة هيكلتها بما يجعل القاطنين فيها يشعرون بالفخر والاعتزاز لكون كل فضاءاتها صممت بمعيار ضمان العمل والسكن في ظروف أحسن وأجمل، إننا ننتظر وإننا نفكر في أن تتوالى دقات الجرس الباعث على الحركة واليقظة، إننا ننتظر وهذا واقع الحال منذ سنين أن نتلقى خطابا ملكيا ثوريا لربما يأخذ المغرب طريق الاصلاح الحقيقي والنهضة الحقيقية بهذه المبادرات التي لابد منها، فلقد تبين أن طريق الاصلاح تعبده إرادة البناء بالمنطوق الملكي إلى أن تتهأ الأجواء الوطنية بالتعبئة الشاملة التي تنخرط فيها كل القوى الحية في البلاد وكل الجماهير حينما تصبح كل الطرق سالكة ومضاءة.
لابد للداخل إليها الراغب في التكيف مع أجوائها ومناطقها بأن يكون على علم بهذه الأحياء والدروب والشوارع.
وليكن في علم القارئ العزيز بأنه إذا ما علمنا بأن إسم مدينة الدارالبيضاء هو الترجمة الحرفية للفظ الإسباني "كازابلانكا"، فإننا تاريخيا نعرف أيضا أن البرتغاليين بنوها سنة 1515، حيث شيد فيها منزل طلي بالجبص الأبيض على رأس تل مرتفع عن سطح البحر، وكان قباطنة السفن يسترشدون به، وكانوا عند اقترابهم منه يقولون: "وصلنا الدارالبيضاء"، وقيل: سميت المدينة بهذا الإسم نسبة لسيدة جميلة كان إسمها "لالة البيضاء" أي "السيدة البيضاء"، وكان الزبائن يفدون إلى متجر زوجها حيث طغى لقب الزوجة على إسم زوجها، ولغريب الصدف وسوئها أن المدينة اليوم لا علاقة لها بأوصاف تلك المرأة التي قيل بأن المدينة سميت نسبة إليها، اليوم كل الزبائن يعرفون هذه المدينة بأسماء دروبها ومواقعها السوداء وأحيانا المسجلة خطرا.
لم تعد "كازا" إحدى عرائس المحيط الأطلسي" كما يسميها القدماء، فهي الآن تئن تحت رحمة تدبير سيء لمسؤولين اختاروا المصلحة الشخصية على ما سواها، ولعله من غريب الصدف أن تحمل أسماء بعض المناطق أوصاف بعض المسؤولين، "فعين السبع" ليست إلا عين ذلك المسؤول الذي ينظر إلى الفريسة ولا يهمه تلك البذور والنباتات الجميلة التي يدكها في سرعته نحو الانقضاض عليها.
أما "عين الذئب" الماكر فهي تتصيد كل الفرص للكيد والإيقاع بالضحية دون الاكتراث لبراءة المحيطين ولا رغبتهم في العيش الكريم.
لم تعد مدينة الدارالبيضاء إذا ذلك المنزل الأبيض الدال على النقاء والنظافة من جهة، ولا تمتح من دلالة جمال "لالة البيضاء" ونضارتها شيئا من جهة أخرى. كما لم تعد تحمل معنى المدينة بالمعايير العمرانية والحضارية والوظيفية. فمنذ أن تبلور مفهوم المدينة في وعي الانسان تحددت المعايير التي تتقوم بها وأصبحت عند علماء "المدينة" تعني ذلك المفهوم الذي يكتمل فيه الانسان قبل أن تعني ما تعنيه من أبنية ومنشآت وعمران. ومن هنا يجب أن ندرك العمق الانساني في تشييد المدن.
ولعلنا نرى في المدينة الخالدة روما مفهوما قويا لمفهوم المدينة، وليست وحدها، بل إن معظم المدن الإيطالية شاهدة على الحقبة الإنسية التي أبدع مهندسوها في تصاميم مدنهم. ورغم مرور السنين فإن مرفولوجية المدن الإنسية غاية في الاتقان والفنية والخلود، من هذه المحددات نرى في مدينتنا البيضاء، مدينة رغم كبر حجمها وكبر إسمها وشموخ تاريخها هي مدينة منكوبة وليست النكبة هنا شيئا سوى انفلات المدينة وانزياحها عن المفهوم الإنساني، وقد عرف الروائي التشيكي ميلان كونديرا مدينة نيويورك على ما فيها من عنفوان أنها مدينة الفوضى والعشوائيات،ومقارنا إياها ببعض المدن الأروبية رائعة التنسيق. وإذا اقتبسنا كلام علماء الاجتماع فإن مدينتنا لا تخرج عن نطاق "النكبة"، إن المدينة شبيهة بالجسد البشري، الطرقات تطابق الدورة الدموية، والمراكز الاستهلاكية تطابق الجهاز الهضمي، والإدارة تطابق الدماغ والقلب، ومن البديهي فإن الجسم بالغ التنظيم والانسجام شأنه في ذلك شأن المدينة، كيف تستحق أن تكون مدينة وإلا فإنه جسد منكوب كما تنكب المدينة، والحال من الصور التي نراها من أحياء البيضاء تطابق الكوارث. ربما كان ينبغي لمدينة أن تبعث روح تاريخها من جديد وأن تحيي رمزية عيونها. ربما كان صدفة أن تسمى عيون في البيضاء وعلى الشاكلة التي نسمعها اليوم، لكن عمق الأسماء يوحي بأن تلك العيون شاهدة على عنفوان غابر لم يبق منه إلا الإسم، إن عيون البيضاء تخفي معنيين: معنى الخير واليمن ومعنى القوة والهيبة والعنفوان، فكلمة عين وحدها ترمز للنماء واليمن، فمثلا عين الشق ألا تعني في شقها الثاني إلى الفلق والفرق بين شيئين. ألا يمكن أن تعني الفرق بين الجذب والماء وبين القحط والزرع، وبين عصرين عصر جفاف وعصر ماء، وعين السبع ألا تعني الهيبة والعنفوان والسيادة. ألا يمكننا أن نلاحظ ذلك في زعم أبناء البيضاء على أنهم شجعان وأنهم ملوك الشهامة من بين باقي المدن، ألا نلاحظ ذلك في سلوكاتهم ويومياتهم بل حتى في مناصرتهم لأنديتهم الرياضية. وعين الذئاب أليست بدورها تأييدا للعين السابقة، أليست رمزا للذكاء والغلبة ولذلك جاءت بالجمع وليس بالمفرد، فالمعروف أن الذئاب تأخذ رمزية قوتها بالجمع على خلاف السبع. إن البيضاء عيون جف معينها ولم تبق سوى نقاط متفرقة كبقايا القطرات المطرية الحائرة على دفتر تشرين، فهل يمكن لهذه المدينة أن تنبعث من رقادها كطائر الفينيق أم أنها تظل عيونا بدون ماء وأجراسا بلا رنين.
في افتتاح الدورة البرلمانية لهذه السنة، دق ملك البلاد الجرس بقوة، واهتزت لصوته الضمائر التي ماتت والتي أرادت بموتها أن تقتل مدينة بكل عظمتها ورمزيتها في الحضارة المغربية المعاصرة، لقد كان خطاب دافع اليقظة الضرورية لكي يدرك من أوكلت إليهم أمور تدبير شؤون هذه المدينة العزيزة على قلوب كل المغاربة وملاذ كل ذي حاجة إلى العيش بالساعد والعيش بالتجارة مهما كان حجم رأسمالها بدءا من مائة درهم إلى مئات الآلاف من الدراهم. هي باختصار مجمع للساكنة المغربية على اختلاف مناطقها وألوانها ولغاتها وتقاليدها، غير أن إرادة إعادة هيكلتها بما يجعل القاطنين فيها يشعرون بالفخر والاعتزاز لكون كل فضاءاتها صممت بمعيار ضمان العمل والسكن في ظروف أحسن وأجمل، إننا ننتظر وإننا نفكر في أن تتوالى دقات الجرس الباعث على الحركة واليقظة، إننا ننتظر وهذا واقع الحال منذ سنين أن نتلقى خطابا ملكيا ثوريا لربما يأخذ المغرب طريق الاصلاح الحقيقي والنهضة الحقيقية بهذه المبادرات التي لابد منها، فلقد تبين أن طريق الاصلاح تعبده إرادة البناء بالمنطوق الملكي إلى أن تتهأ الأجواء الوطنية بالتعبئة الشاملة التي تنخرط فيها كل القوى الحية في البلاد وكل الجماهير حينما تصبح كل الطرق سالكة ومضاءة.