HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

العزلة السياسية …


بقلم : أمل مسعود
السبت 14 مارس 2015




العزلة السياسية …

السياسي لا يخاف شيئا في حياته أكثر مما يخاف العزلة. و لهذا يعجبه إحداث الهرج و المرج عند دخوله إلى مقر الحزب. يصافح هذا و يضحك مع ذاك و يربت على كتف آخر و يحكي نكت و طرائف و يستأثر بالحديث. كما أنه يخطط دائما لكي لا يدخل وحيدا. فهو في الغالب محاط بأصدقاء و أنصار و خصوم و أعداء و مناضلين و انتهازيين و معجبين و منافقين. لديه قدرة كبيرة على أن يستحمل مختلف الاطياف البشرية و يتعايش معهم لأن المهم لديه هو ألا يكون وحيدا.
فإذا كان العلماء و الفنانون يجدون في العزلة ملاذا و مصدرا للإلهام فإن العزلة بالنسبة للسياسي هي أقسى عقوبة يمكن أن تمارس عليه. فالسياسي يدرك تماما بأنه متى تم عزله فإنه سيسهل الاستفراد به و من تم فإن مصيره السياسي لن يصبح بيده فيبدأ العد التنازلي لسقوطه الحر .
والدول نفسها عندما تريد أن تضعف خصومها و تعاقب الدول التي تزعجها فإنها تبحث أن تمارس عليهم عقوبة العزلة السياسية.
و لكن كيف ينتهي بالسياسي، و بعد أن كان له أنصار و أصدقاء، فإذا به يدير وجهه ليبحث عنهم، فيجد نفسه وحيدا؟
السياسة عالم اللامرئي، حيث توجد ميكانيزمات في السياسة يستشعرها السياسي و لكن يصعب عليه وصفها أو حتى البرهنة عليها. و ربما لهذا السبب الكتابات السياسية التي تستطيع أن تحلل بتدقيق الأوضاع السياسية و أسباب سقوط حزب و صعود آخر أو أسباب هزيمة سياسي و نجاح أخر تبقى قليلة جدا إذا لم تكن منعدمة. كما أن معظم السياسيين يجدون صعوبة في كتابة مذكراتهم لأنه من جهة، كثير من الأحداث تبقى مجرد تأويلات و تخمينات بدون دليل قاطع، و من جهة أخرى لأن السياسي في خضم صراعاته السياسية سيجد نفسه في مواجهة جبهات مختلفة و متناقضة، و سيجد نفسه في أحيان كثيرة في مواجهة شرسة مع من يدافع عنهم على أرض الواقع، مما سيجعله في حالة من الحيرة و الارتباك و الإحباط، و سينتهي به الأمر إلى أن يعترف في أعماقه بأنه لن يستطيع أبدا أن يفهم أصل الأشياء التي تربط بعضها ببعض.
كثير من السياسيين و من القياديين يستشعرون الخطر و يقرؤون المؤامرات التي تحاك ضدهم ، فحواسهم أصبحت تشبه جهاز لاسلكي يستقبل الإشارات و الرسائل المشفرة. و لكن بدل مقاومتهم هذا الإحساس الجامح و صمودهم في وجه الخوف و الخطر القادم الذي قد يأتي و قد لا يأتي فإنهم يستسلمون له و يقدمون تنازلات عن طواعية على أمل تجنب الخطر الذي قد يهددهم ، و لكنهم يتجاهلون أن الخوف الشديد من العزلة هي العزلة بعينها، لان هذا الخوف أرغمهم على تقديم تنازلات و قبول قرارات ضدا عما يؤمنون به و ضدا عما يسوقونه في خطبهم و بدون الرجوع إلى قواعدهم.
إن السياسي أولا و أخيرا إنسان يتفاعل و يضطرب في المجتمع. فليس عادلا أن نعاقبه على لحظات ضعفه و قلقه. و لكن عندما يعمل السياسي على استعمال شعبيته و مصداقيته لخداع من و ثقوا به، و عندما يبدأ في تمرير قرارات لا شعبية، لا تخدم إلا ذوو النفوذ و المصالح المتشعبة ، و عندما يرضى على نفسه أن يتحول إلى أداة لقمع الفئة المستضعفة من المجتمع من معطلين و صغار الموظفين ذوو الأجور الهزيلة و في نفس الوقت يحابي أصحاب المال و الموظفين الكبار النافذين في هرم الدولة، فإنه ببساطة يعبد طريقه بطواعية نحو العزلة السياسية.







         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير