HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

العمل التنموي في اطار الجمعيات التنموية وسيلة للعمالة، ونهب المال العام ... !


محمد الحنفي
الخميس 1 مارس 2012




العمل التنموي في اطار الجمعيات التنموية وسيلة للعمالة، ونهب المال العام ... !
العمل التنموي هو عمل يهدف، في الأصل، إلى إحداث تنمية اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ومدنية، وسياسية، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، بالخصوص.

وهذا العمل، ومن هذا النوع، لا يمكن أن تنظمه إلا الدولة، التي تعتبر المسؤولة الأولى عن التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. وبعدها يأتي ما يمكن أن نسميه بالبرجوازية الوطنية، التي توظف ثرواتها لصالح خدمة الجماهير الشعبية الكادحة، والتي تبيع قوة عملها لهذه البورجوازية، حتى تستطيع توفير قوتها اليومي، وعلى مستوى واسع.

وبما أن الدولة لم تعد تقوم بدورها في الاتجاه المشار إليه، إلا في أطر ضيقة جدا، حتى تترك المجال للسيطرة الاقتصادية التي صارت للتحالف البورجوازي الإقطاعي المهيمن على العمل التنموي، الذي يوظف لصالح ذلك التحالف.

وبما أن البورجوازية الوطنية غير موجودة، بتحولها إلى برجوازية تابعة تحت رعاية الدولة، فان العمل التنموي لصالح الجماهير الشعبية الكادحة صار موكولا إلى ما صار يعرف بالجمعيات التنموية.

وبما أن هذه الجمعيات المعروفة بالتنموية هي جمعيات غير ديمقراطية، وغير تقدمية، وغير جماهيرية، وغير مستقلة عن الجهات الممولة لها، ولمشاريعها، فان هذه الجمعيات تصير، بالضرورة، نخبوية. والنخبوية في العمل الجمعوي هي الوسيلة المثلى لجعل العمل الجمعوي التنموي خير وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية للنخبة المسيطرة على العمل الجمعوي التنموي.

وهذه النخبة المشكلة للعمل الجمعوي التنموي تتصف ب:

1) كونها نخبة بيروقراطية متحكمة في التقرير، والتنفيذ، ولا توجد في ممارستها ولو ذرة من الديمقراطية. وهو ما يعني أن عملها الجمعوي التنموي، لا يوجد إلا لخدمة التطلعات الطبقية للنخبة المذكورة، كما يحصل في العديد من الجمعيات التنموية، أو التي تدعي أنها كذلك على أرض الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي: محليا، وإقليميا، ووطنيا.

وادعاء خدمة مصالح كادحي الشعب المغربي، ما هو إلا لذر الرماد في العيون، حتى يعتقد الشعب المغربي أن ما تقوم به الجمعيات التنموية هو لصالحه.

2) نخبة رجعية متخلفة، لا تسعى إلى إحداث تطور نوعي في المجالات الاقتصادية: الصناعية، والتجارية، والخدماتية، والاجتماعية: في التعليم، والصحة، والسكن، والنقل، والترفيه، والتشغيل، والثقافية، والمدنية، والسياسية؛ لان سعيها إلى ذلك، لا يخدم مصلحتها بقدر مايخدم مصلحة المواطنين.

ولذالك فنخبة العمل الجمعوي التنموي، تلتمس الممارسة النظرية، والعملية الرجعية، التي تلتصق بمسلكياتها الفردية، والجماعية، بما في ذالك ممارساتها لأدلجة الدين الإسلامي، إيغالا في تضليل الجماهير الشعبية الكادحة، التي صارت أدلجة الدين الإسلامي ملتصقة بحياتها الفردية، والجماعية.

وممارسة كهذه، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى تعميق استغلال الجماهير الشعبية الكادحة، عن طريق العمل الجمعوي التنموي، من اجل التسريع بتحقيق التطلعات الطبقية لنخبة العمل الجمعوي التنموي الرجعية.

3) كونها نخبة مفصولة بنظريتها، وممارستها عن الجماهير الشعبية الكادحة، التي تدعي أنها مستهدفة بعملها الجمعوي التنموي، وإذا كان هناك ارتباط بين هذه النخبة، والجماهير الشعبية الكادحة، فلأجل استغلالها، على المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والإعلامية، حتى تتهيأ لتعميق استغلالها. وهو ما يساعد على الصعود السريع للنخبة الرجعية، في أفق الالتحاق بالتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، وتعميق هبوط الجماهير الشعبية الكادحة إلى أعماق الكدح المضاعف، سعيا إلى الحصول على قوتها اليومي. ذالك الكدح الذي يستغرق سحابة يومها، من أجل أن تضمن عيشها.

4) كونها غير مستقلة، نظرا لتبعية نخبة العمل الجمعوي التنموي إما لأحد أجهزة الدولة، أو إلى حزب سياسي معين، أو تعتبر عملها التنموي عملا حزبيا صرفا، أو خاضعة لإرادة الجهاز البيروقراطي المتحكم في العمل الجمعوي التنموي.

ولان الاستقلالية في العمل الجمعوي لا يمكن أن تخدم مصالح نخبة العمل الجمعوي التنموي، لكونها تقطع الطريق أمام تبعيتها لإحدى الجهات التي تساعدها على تحقيق تطلعاتها الطبقية، وفي نفس الوقت فإن الاستقلالية تفرض ديمقراطية العمل الجمعوي التنموي، وتقدميته، وجماهيريته: أي أن الاستقلالية تقطع الطريق إمام إمكانية استفادة نخبة العمل الجمعوي التنموي. وهذه الإمكانية هي التي تجعل نخبة العمل الجمعوي التنموي تتمسك بالتبعية لجهة معينة، أو لحزب سياسي معين، حتى تتضاعف استفادتها عن طريق العمل الجمعوي التنموي، وعن طريق التبعية نفسها.

وكون نخبة العمل الجمعوي التنموي بيروقراطية، ورجعية، وغير جماهيرية، وتابعة... يجعل العمل الجمعوي التنموي في خدمة مصالحها فقط، ولا شئ آخر، مما يجعل العمل الجمعوي التنموي مساهما بشكل، أو بآخر في نهب الثروات العامة، المرصودة من هذه الجهة، أو تلك، لإحداث تنمية معينة، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة في زمن ما، وفي مكان ما. وهذا النهب هو نفسه الذي تتعرض له الثروات العامة عن طريق المشاريع التنموية التي تشرف الدولة، او الجماعات المحلية على إنجازها. وعملية النهب تلك، هي التي تقف وراء التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي تعاني منه الجماهير الكادحة. ومادام العمل الجمعوي التنموي، كالعمل التنموي للدولة، وللجماعات المحلية، لا يخدم إلا مصالح الطبقة / النخبة، التي تحصد الخيرات المادية، والمعنوية، التي تتمثل بالخصوص في الثروات الهائلة التي صارت تحت تصرفها، وبالمكانة التي صارت مفروضة على المجتمع ككل، فان هذا العمل يصير طريقا لتحقيق هدفين أساسيين:

الهدف الأول: تحقيق التطلعات الطبقية لنخبة العمل الجمعوي التنموي، الذين يركبون كافة الحيل لتمرير الأموال المرصودة لانجاز المشاريع التنموية، التي يشرفون على تنفيذها، إلى حسابهم الخاص، لتصير المشاريع المذكورة في خبر كان.

والهدف الثاني: تنظيم العمالة، وتطويرها إلى الجهات الممولة، والتي غالبا ما تكون خارجية، والتي تشترط في تمويلها للمشاريع خدمة أهداف محددة، تؤدي إلى جعل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية تحت رحمتها.

وهذان الهدفان متلازمان، ومتكاملان، لكونهما يقودان نخبة العمل الجمعوي التنموي إلى المزيد من الانبطاح، والقبول بإهدار الكرامة الإنسانية، إن كانت لنخبة العمل الجمعوي التنموي كرامة إنسانية.

ومما يؤكد قيام هذين الهدفين على أرض الواقع، هو غياب المراقبة، والمحاسبة التي يجب أن تخضع لها نخبة العمل الجمعوي التنموي، والتي يجب أن تستهدف:

1) مجالات صرف الأموال المرصودة للمشاريع على أرض الواقع، حتى يتبين:

هل تم صرف تلك الأموال على المشاريع المرصودة لها، أم لا ؟

2) ما مدى إقامة تلك المشاريع على أرض الواقع، وهل تم إنجازها بنسبة %100أو 50 %أو 00% ؟

وفي حالة إنجازها بنسبة معينة:

هل تم في ذلك الإنجاز احترام دفتر تحملات المشروع؟

وما هي نسبة ذلك الاحترام؟

2) وما العمل في حالة عدم الانجاز مع صرف الأموال بنسبة معينة؟

هل يتم إرجاع تلك الأموال إلى الجهة الممولة؟

أم أن إجراء من هذا النوع غير وارد؟

إن العديد من نخب العمل الجمعوي التنموي متورطة في العديد من المشاريع التنموية. وكان يفترض محاسبتها، ومقاضاتها على ذلك، لولا عمالتها لأجهزة الدولة من جهة، وللجهات الممولة من جهة أخرى.

والمشكل الذي يصادفنا هنا أن نخب العمل الجمعوي التنموي، الذين أوكل إليهم الإشراف على العمل الجمعوي التنموي، من أجل إحداث تنمية اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة المحرومة من الاستفادة من التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، التي تقوم بها الدولة، أو يقوم بها القطاع الخاص؛ لأن المشاريع التنموية للدولة، تكون في خدمة التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، وفي خدمة تشجيع القطاع الخاص، الذي يملكه هذا التحالف، تنخرط في عملية تضليل الجماهير، وتوظف المشاريع التنموية لصالحها، وتصير بسرعة فائقة جزءا لا يتجزأ من البورجوازية التابعة.

فهل تقوم هذه النخبة بمراجعة ممارستها الهادفة إلى الاستيلاء على الأموال المرصودة لتمويل المشاريع التنموية، التي تقوم بها الجمعيات التنموية، التي تتحكم فيها النخبة المذكورة؟

وهل تقوم الجهات الممولة بالمراقبة الدقيقة لعمليات إنجاز المشاريع التنموية؟

وهل تقوم بالإجراءات الضرورية، في حالة ثبوت تصرفات مخالفة لدفتر تحملات المشاريع الممولة؟

وهل تتحرك الدولة في اتجاه مساءلة المتصرفين في أموال المشاريع التنموية بطريقة مشبوهة؟

وهل تنتبه الجماهير المتعاملة مع الجمعيات التنموية إلى أن نخبة العمل الجمعوي التنموي ليست إلا نخبة تمارس الاحتيال على نهب المال العام، لصالح تحقيق تطلعاتها الطبقية؟

وهل تعمل هذه الجماهير على فضح ممارساتهم، أثناء الظهور بمظهر العمل على تنفيذ المشاريع الوهمية على أرض الواقع؟

هل تدفع في اتجاه مقاضاتها على عدم تنفيذ المشاريع، أو عدم الالتزام بدفتر التحملات أثناء التنفيذ، إن كان هناك تنفيذ؟

إننا، ونحن نطرح هذه الأسئلة، لا ننطلق من الفراغ، بقدر ما ننطلق مما نشاهده في الواقع، وعلى يد أناس يدعون النضال، ومن مشارب مختلفة، وهدفنا هو تسجيل أن التنمية الحقيقية تحتاج إلى إرادة سياسية تعتمدها الطبقة، او التحالف الطبقي المسيطر على أجهزة الدولة الديمقراطية القائمة على أساس دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، ويضمن فصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية، وعن السلطة القضائية، كما يضمن العمل على ملاءمة جميع القوانين المعمول بها مع المواثيق، والاتفاقيات والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان، ويقف وراء إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تشرف على برمجة تنمية اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، لصالح مجموع أفراد الشعب المغربي.

أما اعتماد الجمعيات التنموية لإنجاز تنمية معينة لصالح هذه المنطقة، أو تلك، فلا يمكن اعتباره إلا ضحكا على الشعب، من فبل الطبقة الحاكمة، التي من مصلحتها إعادة إنتاج نفس الهياكل الرأسمالية القائمة، عن طريق السكوت على نهب الثروات المرصودة للمشاريع التنموية، من قبل نخب العمل الجمعوي التنموي، التي تزداد انتفاخا من ذالك النهب.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

الخميس 19 ديسمبر 2024 - 18:57 اغتيال عمر بنجلون جريمة لا تغتفر

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير