تشكل كلمة المصالحة المفتاح الرئيسي في قراءة العهد الجديد للملكية المغربية منذ العام 1999 ، فقد مثلت المصالحة المدخل الرئيسي في صوغ مشروعية الملكية لما بعد تلك المرحلة مباشرة ، وشكل ذلك نوعا من التقويم للعهد السابق واطارا جديدا لاعادة تركيب معادلة العرش والشعب التي كانت قائمة في السابق على مشروعية النضال المشترك ضد الاستعمار ، واصبحت قائمة في العهد الجديد على السير المشترك نحو اصلاح الاعطاب السابقة للدولة ومد جسور الثقة بين الدولة والمواطن .
وظهر هذا التوجه بداية في الاهتمام الملكي بالمنطقة الشمالية والشرقية منذ الاشهر الاولى لتولى محمد السادس للحكم ، وتمثل في الجولات والزيارات التي قام بها الملك للمناطق والاقاليم التي كان الملك الراحل يضعها ضمن المربع المغضوب عليه في مملكته ، بسبب تركة الماضي السياسي اللاحق على مرحلة الانعتاق من الاحتلال الفرنسي وسنوات المواجهة بين القصر والمعارضة .كما تمثلت تلك المصالحة ايضا في مسعى الملك الجديد الى طى صفحة الماضي والتصالح مع الذاكرة الوطنية ،من خلال تشكيل هيئة الانصاف والمصالحة وتعويض ضحايا ما سمي بسنوات الرصاص على عهد المرحلة السابقة .
وقد اطلقت هذه المصالحة دينامية سياسية وثقافية جديدة في المغرب ، الى درجة ان مرحلة ما بعد تولى محمد السادس الحكم اصبحت تنعت بالعهد الجديد ، كناية على الانتقال الشامل والقطيعة مع العهد السابق واسلوبه في الحكم والتسيير ، وهو ما كان وراء ميلاد –المفهوم الجديد للسلطة – ايضا في تلك المرحلة ، اذ بدا المغرب وكانه عاش ربيعه قبل ازيد من عشر سنوات من ظهور – الربيع العربي – عام 2011
وقد تكثفت الاشارات الملكية القوية اتجاه الاصلاح والتغيير منذ السنوات القليلة الاولى لحكم محمد السادس ، فبعد هيئة الانصاف والمصالحة وانشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ثم وضع مدونة جديدة للاسرة بهدف الانتصار لفائدة القضية النسائية ، ناهيك عن اصلاح الحقل الديني لاراجه من اى استغلال سياسوي او طائفي وجعله مجالا محفوظا لامارة المؤمنين في اطار خصوصية مغربية توازن بين ثوابت المملكة الدينية والانفتاح على قيم الحداثة والديمقراطية .