بعيدا عن السجال القانوني والحقوقي ومساطر المجالس التأديبية سنحاول طرح قضية الكاتب والباحث سعيد ناشيد من زاوية أخرى، ربما مغايرة بعض الشيء وبعيدة عن معظم النقاشات الجارية حاليا. هذا لا يعني أننا نستهين أو نبخس كل ما ورد في الملف التأديبي سواء من مساطر أو ملفات طبية أدلى بها المعني بالأمر، ومختلف التعليلات الإدارية التي ربما تكون صائبة أو مخطئة وكذا إمكانية أن يكون التحكيم عادلا أو بالعكس وقع في حيف وشطط إداري من حيث لا يدري. هذا الملف التأديبي الذي استغربنا للطريقة التي تم بها تداوله وتسريبه في غياب شبه تام للسر المهني وهو الأمر الذي يستدعي في حد ذاته فتح تحقيق.
بعيدا عن كل ذلك سنتساءل في البداية بكل براءة وسذاجة: هل تشجع المنظومة التعليمية بالمغرب البحث والإنتاج الفكري وكذا التكوين والتكوين المستمر لدى رجال ونساء التعليم؟ باستعراض وقائع هذه القضية التي، حسب اعتقادنا الراسخ، تتجاوز كونها قضية تأديبية عادية إذ يمكن أن نلاحظ أن العنصر المغيب بشكل كبير هو دور البحث والإنتاج الفكري والاجتهاد بصفة عامة لدى هذه الفئة الاجتماعية المثقفة المفروض فيها أن تجدد معارفها باستمرار. لدرجة أنه كان يعاب على السيد سعيد ناشيد، في بعض الأحيان، كونه توقف عن التدريس نظرا لإصابته بانزلاق غضروفي بالظهر تسبب له في عجز حركي، لكن مع ذلك بقي ينتج ويكتب ويتابع الندوات ويحاضر وينشر… وكأن الجهات “الإدارية أو الوصية ” تريد أن يتوقف عن الإنتاج والنشر مثلما توقف عن التدريس والحراسة والتنقل اليومي إلى المؤسسة نتيجة المرض، وإلا لاعتبر ذلك حجة ضده تدينه أشد إدانة (أي الكتابة والإنتاج الفكري). ولعمري إن في ذلك منطقا يبخس الاجتهاد والإنتاج ويظهر أنه منطق لا يعبأ بما قد يبذل الأستاذ من مجهودات في التحصيل العلمي قصد الرفع من مستواه وتحسين وضعيته. وهنا لا يمكن إلا أن نستحضر بعض القامات الفكرية الشامخة مثل المرحوم محمد عابد الجابري، التي ابتدأت بالتدريس بالتعليم الابتدائي وتدرجت في مسارها الفكري وبلغت التدريس بالجامعة إلى أن سطع نجمها على الصعيد العربي والدولي كمفكر وفيلسوف مغربي متميز. لا يمكن أن نتجاهل رجال ونساء التعليم الذين بذلوا مجهودات ذاتية عصامية في ظروف صعبة ومعيقات يحبل بها محيطهم الاجتماعي والمهني.
واقعة أخرى تمثلت في إرجاع السيد سعيد ناشيد إلى التعليم الابتدائي بعد أن أمضى سنين طوال في تدريس الفلسفة بأقسام الثانوي، واجتهد في ذلك لدرجة أن أصبحت دروسه ومؤلفاته مرجعا من المراجع الرئيسية سواء بالنسبة للتلميذ أو الأستاذ في هذه المادة بالذات. كل من سمع بهذه الواقعة، دون اطلاع على المساطر الإدارية المعمول بها وكذلك القوانين المطبقة بحذافيرها، سيعتقد بدون أدنى شك أن ذلك هو بمثابة عـقـوبة بل وإهانة لشخص اجتهد وكـد وأصبح سلطة علمية في مجال اشتغاله أي تدريس الفلسفة. في حين أن ما وقع للأستاذ سعيد ناشد يمكن أن يقع لمئات الأساتذة تطبيقا لقوانين إدارية جاهزة تمارس بدوغمائية ولا تراعي عدة أبعاد علمية وشخصية لدى الأستاذ وسترجعه لوضعيته الأصلية، وكأن رجل التعليم لا يتطور ولا يتأقلم مع واقع جديد بل تفترض أنه بقي على حاله منذ تكوينه. وهذه المساطر الإدارية الجاهزة للاستعمال والمسلطة فوق رأس رجل التعليم مثل سيف داموقليطس تحمل تسميات غريبة مثل: “التكليف بسلك آخر” أو “سد الخصاص” “آخر من التحق”… فلأسف منظومة مثل هذه لا يمكن إلا أن تنتج الرداءة وتعيد إنتاجها لتجعل منها القاعدة السائدة.
هنا سنفتح قوسا ونتساءل: لماذا لا تستفيد منظومة التعليم والبحث العلمي بالمغرب من الفعاليات والطاقات التي تجتهد وتنتج، وذلك بإعطائها المكانة التي تستحقها وبالتالي الاستفادة منها ومكافئتها في نفس الوقت. ففي المنظومة الجامعية الأنغلوساكسونية والأمريكية على الخصوص تبحث الجامعات عن أساتذة وباحثين من بين أولئك الذين ينتجون ويتألقون في ميدانهم، بالرغم من عدم توفرهم على مسار أكاديمي وجامعي كلاسيكي أي كشواهد الدكتوراه أو التأهيل الجامعي… هذه المنظومة تبحث عن الفعاليات العلمية المتميزة التي تنتج في ميدان اشتغالها، فتجد الجامعات تتنافس في ما بينها على التعاقد مع الباحثين المتألقين وتمنحهم عدة تحفيزات لجلبهم ومن ثمة الاستفادة من خبرتهم. فمنظومتنا، للأسف، ما زالت تبحث عن مدرسين/ملقنين لملء الفراغات واستعمالات الزمن دون إعارة أي قيمة للاستحقاق والاجتهاد والإنتاج الفكري. فماذا استفادت جامعاتنا من الاستقلالية البيداغوجية والإدارية والمالية التي جاء بها القانون 01 00 إن لم يمكنهم ذلك من البحث عن الباحث المجتهد المتألق حتى عندما لا يتوفر على مسار أكاديمي عاد. فلماذا لا يضع رؤساء الجامعات على رأس أولويات المشاريع (مشاريع تطوير الجامعات) التي يتقدمون بها كل أربع سنوات العنصر البشري والباحث الذي يتوفر على خبرة وتجربة في ميدانه. فالمشاريع إذا أهملت العنصر البشري ستكون مجرد أوراش بناء لتوسيع الجامعات وخلق مؤسسات دون أي إضافات نوعية. فبالنسبة لنا باحث ومفكر مثل سعيد ناشيد كان من الممكن أن تتنافس عليه بعض المؤسسات الجامعية ليدرس بها ولو بشكل عرضي ومؤقت فما أحوج شعب وأقسام الفلسفة الفتية لمفكرين وباحثين من أمثاله.
بعيدا عن كل ذلك سنتساءل في البداية بكل براءة وسذاجة: هل تشجع المنظومة التعليمية بالمغرب البحث والإنتاج الفكري وكذا التكوين والتكوين المستمر لدى رجال ونساء التعليم؟ باستعراض وقائع هذه القضية التي، حسب اعتقادنا الراسخ، تتجاوز كونها قضية تأديبية عادية إذ يمكن أن نلاحظ أن العنصر المغيب بشكل كبير هو دور البحث والإنتاج الفكري والاجتهاد بصفة عامة لدى هذه الفئة الاجتماعية المثقفة المفروض فيها أن تجدد معارفها باستمرار. لدرجة أنه كان يعاب على السيد سعيد ناشيد، في بعض الأحيان، كونه توقف عن التدريس نظرا لإصابته بانزلاق غضروفي بالظهر تسبب له في عجز حركي، لكن مع ذلك بقي ينتج ويكتب ويتابع الندوات ويحاضر وينشر… وكأن الجهات “الإدارية أو الوصية ” تريد أن يتوقف عن الإنتاج والنشر مثلما توقف عن التدريس والحراسة والتنقل اليومي إلى المؤسسة نتيجة المرض، وإلا لاعتبر ذلك حجة ضده تدينه أشد إدانة (أي الكتابة والإنتاج الفكري). ولعمري إن في ذلك منطقا يبخس الاجتهاد والإنتاج ويظهر أنه منطق لا يعبأ بما قد يبذل الأستاذ من مجهودات في التحصيل العلمي قصد الرفع من مستواه وتحسين وضعيته. وهنا لا يمكن إلا أن نستحضر بعض القامات الفكرية الشامخة مثل المرحوم محمد عابد الجابري، التي ابتدأت بالتدريس بالتعليم الابتدائي وتدرجت في مسارها الفكري وبلغت التدريس بالجامعة إلى أن سطع نجمها على الصعيد العربي والدولي كمفكر وفيلسوف مغربي متميز. لا يمكن أن نتجاهل رجال ونساء التعليم الذين بذلوا مجهودات ذاتية عصامية في ظروف صعبة ومعيقات يحبل بها محيطهم الاجتماعي والمهني.
واقعة أخرى تمثلت في إرجاع السيد سعيد ناشيد إلى التعليم الابتدائي بعد أن أمضى سنين طوال في تدريس الفلسفة بأقسام الثانوي، واجتهد في ذلك لدرجة أن أصبحت دروسه ومؤلفاته مرجعا من المراجع الرئيسية سواء بالنسبة للتلميذ أو الأستاذ في هذه المادة بالذات. كل من سمع بهذه الواقعة، دون اطلاع على المساطر الإدارية المعمول بها وكذلك القوانين المطبقة بحذافيرها، سيعتقد بدون أدنى شك أن ذلك هو بمثابة عـقـوبة بل وإهانة لشخص اجتهد وكـد وأصبح سلطة علمية في مجال اشتغاله أي تدريس الفلسفة. في حين أن ما وقع للأستاذ سعيد ناشد يمكن أن يقع لمئات الأساتذة تطبيقا لقوانين إدارية جاهزة تمارس بدوغمائية ولا تراعي عدة أبعاد علمية وشخصية لدى الأستاذ وسترجعه لوضعيته الأصلية، وكأن رجل التعليم لا يتطور ولا يتأقلم مع واقع جديد بل تفترض أنه بقي على حاله منذ تكوينه. وهذه المساطر الإدارية الجاهزة للاستعمال والمسلطة فوق رأس رجل التعليم مثل سيف داموقليطس تحمل تسميات غريبة مثل: “التكليف بسلك آخر” أو “سد الخصاص” “آخر من التحق”… فلأسف منظومة مثل هذه لا يمكن إلا أن تنتج الرداءة وتعيد إنتاجها لتجعل منها القاعدة السائدة.
هنا سنفتح قوسا ونتساءل: لماذا لا تستفيد منظومة التعليم والبحث العلمي بالمغرب من الفعاليات والطاقات التي تجتهد وتنتج، وذلك بإعطائها المكانة التي تستحقها وبالتالي الاستفادة منها ومكافئتها في نفس الوقت. ففي المنظومة الجامعية الأنغلوساكسونية والأمريكية على الخصوص تبحث الجامعات عن أساتذة وباحثين من بين أولئك الذين ينتجون ويتألقون في ميدانهم، بالرغم من عدم توفرهم على مسار أكاديمي وجامعي كلاسيكي أي كشواهد الدكتوراه أو التأهيل الجامعي… هذه المنظومة تبحث عن الفعاليات العلمية المتميزة التي تنتج في ميدان اشتغالها، فتجد الجامعات تتنافس في ما بينها على التعاقد مع الباحثين المتألقين وتمنحهم عدة تحفيزات لجلبهم ومن ثمة الاستفادة من خبرتهم. فمنظومتنا، للأسف، ما زالت تبحث عن مدرسين/ملقنين لملء الفراغات واستعمالات الزمن دون إعارة أي قيمة للاستحقاق والاجتهاد والإنتاج الفكري. فماذا استفادت جامعاتنا من الاستقلالية البيداغوجية والإدارية والمالية التي جاء بها القانون 01 00 إن لم يمكنهم ذلك من البحث عن الباحث المجتهد المتألق حتى عندما لا يتوفر على مسار أكاديمي عاد. فلماذا لا يضع رؤساء الجامعات على رأس أولويات المشاريع (مشاريع تطوير الجامعات) التي يتقدمون بها كل أربع سنوات العنصر البشري والباحث الذي يتوفر على خبرة وتجربة في ميدانه. فالمشاريع إذا أهملت العنصر البشري ستكون مجرد أوراش بناء لتوسيع الجامعات وخلق مؤسسات دون أي إضافات نوعية. فبالنسبة لنا باحث ومفكر مثل سعيد ناشيد كان من الممكن أن تتنافس عليه بعض المؤسسات الجامعية ليدرس بها ولو بشكل عرضي ومؤقت فما أحوج شعب وأقسام الفلسفة الفتية لمفكرين وباحثين من أمثاله.