إننا عندما نتكلم عن الديمقراطية، لا نتكلم عنها من فراغ؛ بل لا بد أن نستحضر مختلف التجارب، التي تم إنجازها في الشرق، وفي الغرب، وفي الشمال، وفي الجنوب، سعيا إلى تحقيق الديمقراطية، ومنها التجارب التي أنجزها الشعب المغربي، في أفق تحقيق الديمقراطية، من الشعب، وإلى الشعب، كما كان يقول الفقيد: أحمد بنجلون، القائد الأممي، والقائد التاريخي لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.
فنحن عندما نسترجع مختلف التجارب الانتخابية، التي عرفها المغرب، منذ بداية الستينيات، من القرن العشرين، نجد أنها لا تمت إلى الديمقراطية بأية صلة؛ لأن الديمقراطية، بتحققها على أرض الواقع، تقطع مع الفساد، كما تقطع مع الاستبداد.
وما عرفه المغرب، كان منتجا لكل أشكال الفساد، التي أفسدت الشعب المغربي، بجعل كل حياته ملوثة بكل أشكال الفساد، التي أفسدت الشعب المغربي، وجعلت كل حياته، قائمة على كل أشكال الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يجري، في ظل تشكيل كل أشكال الاستبداد: بالسلطة، وبالاقتصاد، وبالاجتماع، وبالثقافة، وبالسياسة.
ونحن، عندما نستحضر تجارب الفساد، التي عرفها المغرب، والتي أثمرت نهب ثروات الشعب المغربي، التي لا زالت تتعرض للنهب، إلى يومنا هذا.
وهذا الفساد، المذكور أعلاه، المصحوب بالنهب، جاء مصحوبا بقيام وزارة الداخلية، في عهد إدريس البصري، بصناعة أحزاب من الفاسدين، الناهبين لثروات الشعب المغربي، سواء كانت هذه الثروات عينية، أو مالية، حتى تقوم الأحزاب المصطنعة، بتنظيم الفاسدين الناهبين، الذين سيطروا على الجماعات الترابية، وعلى البرلمان، بغرفتيه، فكان التجمع الوطني للأحرار، وما تفرع عنه، وكان الاتحاد الدستوري، بعد ذلك، وكانت من قبلهما الحركة الشعبية، وحركة كديرة، التي لم تعمر طويلا، وأسماء أخرى، لا داعي لذكرها الآن، والتي توجت جميعها، بلجوء الدولة المغربية، إلى العمل على تأسيس حزب الدولة، أو حزب الأصالة، والمعاصرة، الذي جمع، في صفوفه، كل من هب، ودب، وكيفما كانت هويته، حتى وإن كان من تجار الممنوعات، أو من الناهبين، المشهورين بنهب ثروات الشعب المغربي.
وهذه الأحزاب، التي تم تكوينها، على أساس انتشار الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بهدف العمل على إفساد الشعب المغربي، والعمل على نشر الفساد في صفوفه، عن طريق الأحزاب الإدارية الفاسدة، وخاصة حزب الحركة الشعبية، الذي يعتبر أول حزب إداري، تأسس في المغرب، وبقي حيا، بخلاف جبهة كديرة، التي لم تعمر طويلا، ليستمر إنتاج الفساد، إلى ما لا نهاية.
والسبب في إنتاج الفساد السياسي، والفساد الحزبي، بالخصوص، هو استعباد الشعب المغربي، والاستبداد به: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. الأمر الذي ترتب عنه: الانسحاب النهائي من الميدان، بالنسبة لقطاعات عريضة من الشعب المغربي، الذي صار يفقد الثقة في المؤسسات، المسماة: (المنتخبة)، التي لا يدعي تمثيل المواطنين فيها، إلا الفاسدون، الذين لا يخدمون إلا مصالحهم: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تنهل من الفساد، أو الذي تربت عليه، وتسعى إلى تربية الأجيال على الفساد من بعدها، إلى درجة أنها: لا تقوى على غير إنتاج الفساد، ولا تسعى إلا إلى ممارسة الفساد، مهما كانت نتائج ممارسة الفساد في الواقع: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومهما كانت سمعة العناصر الفاسدة، المترتبة عن اعتماد أحزاب إدارية فاسدة.
ولذلك، ولجعل الشعب يقوم بدوره، ولأجله، لا بد من العمل على تحقيق مهمتين أساسيتين:
المهمة الأولى: تحرر الشعب المغربي من العبودية، ومن التبعية، ومن الفساد، ومن التهريب، ومن كل الأشكال التجارية الممنوعة، ومن التفكير في الريع، وتحرير الأرض من الاحتلال الأجنبي.
فتحرير الشعب من العبودية، يفرض التخلص من كل الممارسات المسيئة إلى كرامة الإنسان، وإلى كرامة الشعب، كما يفرض التخلي عن كل الممارسات التي تصنف الناس إلى: غني، وفقير، وإلى: عامل، وعاطل، وإلى رجل سلطة، وامرأة سلطة، ورجل عادي، وامرأة عادية، وفلان يتمتع بكل الحقوق، وغيره لا يتمتع بأي حق من الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وبأي حق من حقوق الشغل، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبحقوق الشغل، وإلى: أسياد، وعبيد، وإلى: محتل، ومتحرر من الاحتلال؛ لأن كل هذه التصنيفات، لا تعني، في عمق الأشياء، إلا أن الإنسان في الواقع الشعبي، غير متحرر: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا، وسياسيا. وعدم تحريره، ينعكس سلبا على الواقع، الذي يبقى متخلفا، إلى ما لا نهاية.
كما أن تحرر الشعب، لا يتم، إلا بتحرره من التبعية، التي ترهنه بالديون، التي يخدمها، وخاصة منها: إذا تعلق الأمر بالسياسة الخارجية، التي تصير موجهة 100/، لخدمة مصالح صهيونية إسرائيل، ومصالح الصهيونية العالمية، التي التحقت خدمة الأعراب بها، وخدمة من يدور في فلكهم.
والشعب المغربي، عندما يتحرر من التبعية، لا بد أن يشق طريقه، في أفق أن يصير متقدما، ومتطورا، تعبيرا عن تحرره من التبعية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
كما أن تحرر الشعب المغربي، من التهريب، سيكون في خدمة الاقتصاد الوطني، الذي صار يعاني كثيرا من الكساد، والذي يميل به إلى التدهور، الأمر الذي يترتب عنه: ضرورة منع المهربين، من تسويق البضائع غير المشروع، من المغرب، وإلى المغرب، من أجل المحافظة على استقلاله الاقتصادي الوطني، من أي شكل من أشكال التدهور الاقتصادي، الناجم عن التهريب، من المغرب، وإلى المغرب، والذي يقف وراءه تدهور دخل الأسر، كما نجم عن كون الصناعة الداخلية، ضعيفة الجودة، ومرتفعة القيمة، سواء تعلق الأمر بالمواد الغذائية، أو بالتجهيزات المنزلية، أو بالملابس، وغير ذلك، مما هو معروض للبيع، في مختلف الأسواق، التي تعرض المنتوجات، التي لم تعد صالحة للاستعمال، أو التجهيزات المنزلية المستعملة.
كما أن تحرر الشعب المغربي، من تجارة الممنوعات، سيجنبها الكثير من المضار، التي تلحق أفراده، وتجعلهم غير قادرين على تحرير أنفسهم، من استهلاك المواد التي تضرهم، وتصير بمثابة عقاب جسدي، إلى درجة التحول إلى إلحاق الأضرار المادية بأسرهم، وبأصدقائهم، وبعامة الناس في الواقع، بالإضافة إلى الأضرار المعنوية، التي تصيب عامة الناس منهم. وهو ما يقتضي: ضرورة العمل على وضع حد للاتجار في الممنوعات، لما يترتب عنها من أضرار. إلا أن السلطات: تعرف مصادر التجارة في الممنوعات، ولا تقف موقفا مشرفا، بوضع حد لها؛ لأن الفاسدين، صاروا رجال سلطة، والفاسد المستفيد من الفساد، لا يمكن أن يقف ضد الفساد.
كما أن تحرر الشعب من التفكير في الريع، الذي كاد يحول جميع أفراد الشعب المغربي، إلى مصطفين أمام مكاتب المسؤولين، في مختلف الأقاليم، والجهات، وعلى المستوى الوطني، طلبا للريع من المسؤولين، الذين يمتلكون التأثير الكبير في الواقع، في تجلياته المختلفة، ويدركون، جيدا، من من العملاء يستحق امتياز الريع، ومن لا يستحقه، ومن يستحق شراءه بامتياز الريع، ومن لا يستحق؛ لأن الريع، يعطى لإرضاء العملاء، أو لشراء الموالين للدولة المخزنية.
فالتحرر، هو عملية عميقة، تهدف إلى جعل الإنسان المتحرر، يحطم كل القيود، التي تحول دون وقوفه إلى جانب الشعب المغربي، ويضحي من أجل رفع الحيف عنه، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
وهذا المفهوم، هو الذي ينسحب على المتحررين من العبودية، ومن التبعية الرأسمالية، ومن التهريب، ومن تجارة الممنوعات، ومن الريع، حتى يحافظ على كرامته، وعلى كرامة الشعب، وحتى لا ينصاع المتحرر، إلى إرادة الحكام.
والمهمة الثانية: هي تحطيم الاستبداد في الفكر، وفي الممارسة، وفي الاقتصاد، وفي الاجتماع، وفي الثقافة، وفي السياسة، وفي الحكم. وهو ما فرض احتكار الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، والحكم، وتوظيف كل ذلك لخدمة مصالح الأشخاص المحتكرين، الذين يجعلون تكديس الثروات كوسيلة، وكهدف. وهو ما وقفت ضده، ودعت إلى تحطيمه: حركة 20 فبرار، التي أدانت كل أشكال الاستبداد، والاحتكار، وخاصة: عندما يقع الجمع بين السلطة، والثروة.
فتحطيم الاستبداد في الفكر، وفي الممارسة، يشمل المستبد، والمستبد بهم، على جميع المستويات: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية.
فالاستبداد في الفكر، يشمل المستبد، والمستبد به.
فالمستبد، يفكر في إيجاد نظرية للسيطرة على الحكم، وفق ما يرضي الحكم.
والمستبد به، يفكر في كيفية قبول تلك النظرية، التي يصير بموجبها، تحت سيطرة الحاكم، ورهن إشارته، على جميع المستويات المذكورة أعلاه.
وبناء على ما رأينا، فإن الحاكم المستبد، يبني ممارسته للسيطرة وفق ما تقتضي نظرية السيطرة، التي لا تكون إلا طبقية، سواء كان الحاكم من الإقطاع، أو من البورجوازية، أو من التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، الذي يتخذ له حاشية من (المفكرين)، الذي يعملون، باستمرار، على إيجاد نظرية للسيطرة. والمستبد به، ينتج ممارسة، تكرس قبوله للسيطرة الطبقية، كما يراها الحاكم المستبد، الذي يخدم مصالح الإقطاع، أو مصالح البورجوازية، أو مصالح التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف. وهو ما يجعل محاربة الاستبداد في الفكر، وفي الممارسة، في أفق التحرر منه، بالنسبة للمستبد بهم.
والمستبد، كذلك، يفكر في السيطرة على الاقتصاد الوطني، من أجل أن يجعله في خدمة الطبقة الإقطاعية، والبورجوازية، أو التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، حتى يحرم الكادحون من حقهم في الاقتصاد، الذي تذهب نسبة كبيرة منه، لصالح الطبقة، أو الطبقات المسيطرة، التي ينتمي إليها الحكام، خاصة، وأن الحاكم المستبد، لا يفكر، أبدا، في التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، كما لا يفكر، أبدا، في التوزيع العادل، للثروة المادية، والمعنوية، كما لا يفكر، أبدا، في معاناة الكادحين، وفي حرمان العديد منهم، من القوت اليومي، وفي تعرضه لكل أشكال البؤس، وفي نومه في العراء، وفي افتقاد القدرة على العلاج من مختلف الأمراض، التي تنخر كيانه، في الوقت الذي يتمتع فيه الإقطاعيون، والبورجوازيون، مهما كان مصدر ثروتهم، بكل الخيرات، وينعمون، هم، وأولادهم: ذكورا، وإناثا، بالمساكن الفاخرة، وينامون جميعا، على الحرير، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت. بالإضافة إلى امتلاك وسائل التدفئة، في وقت القر، ووسائل التبريد، في وقت الحر.
والمستبد، كذلك، يحرص على السيطرة على كل ما هو اجتماعي، كالتعليم، والصحة، والسكن، والشغل، والترفيه، والسياحة، حتى يوجه العمل الاجتماعي، عن طريق تشجيع الخدمات الاجتماعية، التي يتحول تقديمها إلى خدمة تحقيق الربح، لخدمة الرأسمال، الذي يعرف نموذجا صارخا، عن طريق بيع التعليم، وبيع الصحة، واستغلال السكن، لتحقيق أرباح طائلة، لا حدود لها، لينمو الرأسمال، نموا سرطانيا، ويعمل على جعل الإنسان، مجرد سلعة، يتم الاتجار بها، من خلال السيطرة على كل الخدمات، التي تقدم له، والتي تهدف إلى تحقيق المزيد من الأرباح الطائلة، التي تصبح دخلا، يزداد نموا، باستمرار، سواء تعلق الأمر بخدمة التعليم، أو بخدمة الصحة، أو بخدمة السكن، أو بخدمة السياحة، أو غير ذلك، مما تزداد الخدمات فيه، ويزداد نموا، بسبب المحتوى، بسبب التحولات التي يعرفها المجتمع، باستمرار.
وعلى المناضلين الأوفياء، للشعب المغربي، وللعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من المغاربة، أن يعملوا على توعية المغاربة، بخطورة تسليع الخدمات، التي تقدم لهم، بتكلفة مرتفعة، كالتعليم، والصحة، والسكن، والشغل، والسياحة، والترفيه، حتى يمتلكوا القدرة الفكرية، والعملية، بممارسة الضغط، في أفق فرض مجانية تلك الخدمات، أو بمقابل غير منهك للقدرة الشرائية للمواطنين، الذين لهم دخل محدود: متوسط، أو متدني إلى أقصى درجة، من التدني. إلا أنه، لا يكفي حتى في الأكل، والشرب. وهو ما يعني ضرورة التحرر، من الاستبداد بالخدمات الاجتماعية، التي صارت مستغلة، ومكلفة لكل أفراد الشعب، الذين لا يستطيعون مسايرة تكاليفها، نظرا للخدمات التي ترتفع قيمة تقديمها، مع مرور الأيام. والمطلوب، أن تصير كل الخدمات مجانية، أو بقابل رمزي، لا يتجاوز التكلفة، نظرا للوضعية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يعاني منها غالبية أفراد الشعب.
والمستبد، كذلك، يسعى إلى السيطرة على المجال الثقافي، الذي يعرف التسليع، بالإضافة إلى تحويل المجال الثقافي، إلى مجال لممارسة السيطرة الثقافية، عن طريق اعتماد الوسائل التثقيفية، التي تصير منتجة للقيم الثقافية: الإقطاعية، أو البورجوازية. وفي أحسن الأحوال، قيم البورجوازية الصغرى، التي تعتمد الغموض في الفكر، وفي الممارسة، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بهدف تكريس الحرمان الأبدي، من كل الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في حق الشعب الكادح، بصفة عامة، وفي حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بصفة خاصة.
والمستبد بالسياسة، لا يهدأ له بال، إذا لم يوظف السياسة، للسيطرة على المجتمع، ومن أجل أن يوجه السياسة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية نفسها، حتى تصير في خدمة المستبد، وفي خدمة المحيطين به، ممن ينتهزون فرصة أي استفادة منه، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى للحكام، أن يصيروا من أكابر القوم، على مستوى تكديس الثروات، التي تعود المقربون من الحكام، تكديسها، ليعيش الكادحون: أملا في التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.
ذلك أن الحرص على تكريس الاستبداد السياسي، باعتباره مدخلا لتكريس الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. غير أن الديمقراطية، تصبح بمثابة جريمة، يتجنب الناس ذكرها؛ بل إن مؤدلجي الدين الإسلامي، يعتبرونها دخيلة على مجتمعنا، بل إن منهم من يعتبرها كفرا، وإلحادا، حتى لا يتأتى التفكير في العمل على تحقيقها، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، بما في ذلك صيرورة الانتخابات: حرة، ونزيهة.
أما المستبد بالحكم، فهو، في نفس الوقت، المستبد بالاقتصاد، والمستبد بالاجتماع، والمستبد بالثقافة، والمستبد بالسياسة، ومن موقع الحكم، بفرض ما يخدم مصلحته اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
وما نسعى إليه، هو تحطيم الاستبداد، على مستوى الحكم، وعلى مستوى الاقتصاد، وعلى مستوى الاجتماع، وعلى مستوى الثقافة، وعلى مستوى السياسة، بالحرص على طرح المطلب الديمقراطي، باعتباره مطلبا شعبيا. والمطلب الشعبي يبقى قارا، ودائم الطرح، مهما كان الحكام، الذين توالوا على الحكم، ومهما كان تماديهم في انتهاك الحق، وفي تجاوز القانون، بالتعليمات؛ لأن الاستبداد بالحكم، بما في ذلك الاستبداد بكل ما يجري، في الحياة، الذي يصير مسخرا لخدمة مصالح الحاكم المختلفة.
فالديمقراطية، مطلب شعبي، ودور المناضل الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي، هو توعية الشعب، بحقه في تحقيق الديمقراطية، حتى يستفيد منها؛ لأن الديمقراطية، لا تكون إلا من الشعب، وإلى الشعب، ولا تصير إلا في خدمة الشعب.
فتحقيق الديمقراطية الحقيقية، لا يكون إلا من الشعب، ولا تعود إلا على الشعب، بالنفع العميم. وتحقيقها يقتضي: تحمل المناضلين الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعماليين، مسؤوليتهم في توعية الشعب، بالديمقراطية، كمفهوم، وبمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبضرورة النضال من أجلها، وبالتصدي لديمقراطية الحكام، التي كان يسميها الفقيد: أحمد بنجلون، القائد الأممي، والكاتب العام التاريخي، لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. وديمقراطية الإقطاع، والبورجوازية، والأوليغارشية، وأصحاب المال غير المشروع، الذي يتم توظيفه، في شراء ضمائر الناخبين؛ لأن أصحاب الثروات، يعتقدون أن ثرواتهم، في مجتمع متخلف، هي التي توصلهم إلى المجالس المنتخبة، بما فيها مجلس النواب، ومجلس المستشارين.
وإذا كان الأمر يتعلق بالممارسة الديمقراطية الحقيقية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية؛ فإن العمل على تحرير الشعب المغربي، من العبودية، ومن الفساد، ومن التبعية، ومن خدمة الدين الخارجي ... إلخ، والعمل على تحطيم كل أشكال الاستبداد: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بالإضافة إلى تحطيم الاستبداد بالحكم، حتى يتحول الشعب المغربي، إلى شعب ديمقراطي، ويتحول الحكم، إلى حكم ديمقراطي، لا وجود في ممارسته، لأي شكل من أشكال الاستبداد.
لأن الديمقراطية الحقيقية، لا تأتي إلا من الشعب، ولا تخدم إلا مصالح الشعب: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وتحقيقها، يفرض إعادة تربية الشعب على الديمقراطية، والتمرس على أن تكون الدولة دولة المؤسسات.
فهل يعمل الشعب المغربي على إنضاج شروط تحقيق الديمقراطية؟
وهل يحرص على تحقيقها، إن عاجلا، أو آجلا، حتى يكون العمل على تقرير المصير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؟
هل يتحول الشعب، إلى شعب للمصالح، أم يحرص على أن يكون ديمقراطيا؟
هل يحرص الشعب على أن تكون الدولة، ديمقراطية، ودولة المؤسسات؟
فالديمقراطية، مطلب شعبي، وسيبقى مطلبا شعبيا. وهذا المطلب لا بد أن يتحقق، إن عاجلا، أو آجلا.
ذلك أن الديمقراطية، تعتبر جزءا من الترسيمة، التي أبدعها الشهيد عمر بنجلون:
تحرير ــ ديمقراطية ــ اشتراكية
والذي يهمنا من هذه الترسيمة، هو الديمقراطية، بمضامينها المذكورة، من الشعب، وإلى الشعب، كما كان يقول الفقيد أحمد بنجلون، الكاتب العام التاريخي، لحزب الطليعة الديمقراطي، الاشتراكي.
فنحن عندما نسترجع مختلف التجارب الانتخابية، التي عرفها المغرب، منذ بداية الستينيات، من القرن العشرين، نجد أنها لا تمت إلى الديمقراطية بأية صلة؛ لأن الديمقراطية، بتحققها على أرض الواقع، تقطع مع الفساد، كما تقطع مع الاستبداد.
وما عرفه المغرب، كان منتجا لكل أشكال الفساد، التي أفسدت الشعب المغربي، بجعل كل حياته ملوثة بكل أشكال الفساد، التي أفسدت الشعب المغربي، وجعلت كل حياته، قائمة على كل أشكال الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يجري، في ظل تشكيل كل أشكال الاستبداد: بالسلطة، وبالاقتصاد، وبالاجتماع، وبالثقافة، وبالسياسة.
ونحن، عندما نستحضر تجارب الفساد، التي عرفها المغرب، والتي أثمرت نهب ثروات الشعب المغربي، التي لا زالت تتعرض للنهب، إلى يومنا هذا.
وهذا الفساد، المذكور أعلاه، المصحوب بالنهب، جاء مصحوبا بقيام وزارة الداخلية، في عهد إدريس البصري، بصناعة أحزاب من الفاسدين، الناهبين لثروات الشعب المغربي، سواء كانت هذه الثروات عينية، أو مالية، حتى تقوم الأحزاب المصطنعة، بتنظيم الفاسدين الناهبين، الذين سيطروا على الجماعات الترابية، وعلى البرلمان، بغرفتيه، فكان التجمع الوطني للأحرار، وما تفرع عنه، وكان الاتحاد الدستوري، بعد ذلك، وكانت من قبلهما الحركة الشعبية، وحركة كديرة، التي لم تعمر طويلا، وأسماء أخرى، لا داعي لذكرها الآن، والتي توجت جميعها، بلجوء الدولة المغربية، إلى العمل على تأسيس حزب الدولة، أو حزب الأصالة، والمعاصرة، الذي جمع، في صفوفه، كل من هب، ودب، وكيفما كانت هويته، حتى وإن كان من تجار الممنوعات، أو من الناهبين، المشهورين بنهب ثروات الشعب المغربي.
وهذه الأحزاب، التي تم تكوينها، على أساس انتشار الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بهدف العمل على إفساد الشعب المغربي، والعمل على نشر الفساد في صفوفه، عن طريق الأحزاب الإدارية الفاسدة، وخاصة حزب الحركة الشعبية، الذي يعتبر أول حزب إداري، تأسس في المغرب، وبقي حيا، بخلاف جبهة كديرة، التي لم تعمر طويلا، ليستمر إنتاج الفساد، إلى ما لا نهاية.
والسبب في إنتاج الفساد السياسي، والفساد الحزبي، بالخصوص، هو استعباد الشعب المغربي، والاستبداد به: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. الأمر الذي ترتب عنه: الانسحاب النهائي من الميدان، بالنسبة لقطاعات عريضة من الشعب المغربي، الذي صار يفقد الثقة في المؤسسات، المسماة: (المنتخبة)، التي لا يدعي تمثيل المواطنين فيها، إلا الفاسدون، الذين لا يخدمون إلا مصالحهم: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تنهل من الفساد، أو الذي تربت عليه، وتسعى إلى تربية الأجيال على الفساد من بعدها، إلى درجة أنها: لا تقوى على غير إنتاج الفساد، ولا تسعى إلا إلى ممارسة الفساد، مهما كانت نتائج ممارسة الفساد في الواقع: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومهما كانت سمعة العناصر الفاسدة، المترتبة عن اعتماد أحزاب إدارية فاسدة.
ولذلك، ولجعل الشعب يقوم بدوره، ولأجله، لا بد من العمل على تحقيق مهمتين أساسيتين:
المهمة الأولى: تحرر الشعب المغربي من العبودية، ومن التبعية، ومن الفساد، ومن التهريب، ومن كل الأشكال التجارية الممنوعة، ومن التفكير في الريع، وتحرير الأرض من الاحتلال الأجنبي.
فتحرير الشعب من العبودية، يفرض التخلص من كل الممارسات المسيئة إلى كرامة الإنسان، وإلى كرامة الشعب، كما يفرض التخلي عن كل الممارسات التي تصنف الناس إلى: غني، وفقير، وإلى: عامل، وعاطل، وإلى رجل سلطة، وامرأة سلطة، ورجل عادي، وامرأة عادية، وفلان يتمتع بكل الحقوق، وغيره لا يتمتع بأي حق من الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وبأي حق من حقوق الشغل، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبحقوق الشغل، وإلى: أسياد، وعبيد، وإلى: محتل، ومتحرر من الاحتلال؛ لأن كل هذه التصنيفات، لا تعني، في عمق الأشياء، إلا أن الإنسان في الواقع الشعبي، غير متحرر: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا، وسياسيا. وعدم تحريره، ينعكس سلبا على الواقع، الذي يبقى متخلفا، إلى ما لا نهاية.
كما أن تحرر الشعب، لا يتم، إلا بتحرره من التبعية، التي ترهنه بالديون، التي يخدمها، وخاصة منها: إذا تعلق الأمر بالسياسة الخارجية، التي تصير موجهة 100/، لخدمة مصالح صهيونية إسرائيل، ومصالح الصهيونية العالمية، التي التحقت خدمة الأعراب بها، وخدمة من يدور في فلكهم.
والشعب المغربي، عندما يتحرر من التبعية، لا بد أن يشق طريقه، في أفق أن يصير متقدما، ومتطورا، تعبيرا عن تحرره من التبعية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
كما أن تحرر الشعب المغربي، من التهريب، سيكون في خدمة الاقتصاد الوطني، الذي صار يعاني كثيرا من الكساد، والذي يميل به إلى التدهور، الأمر الذي يترتب عنه: ضرورة منع المهربين، من تسويق البضائع غير المشروع، من المغرب، وإلى المغرب، من أجل المحافظة على استقلاله الاقتصادي الوطني، من أي شكل من أشكال التدهور الاقتصادي، الناجم عن التهريب، من المغرب، وإلى المغرب، والذي يقف وراءه تدهور دخل الأسر، كما نجم عن كون الصناعة الداخلية، ضعيفة الجودة، ومرتفعة القيمة، سواء تعلق الأمر بالمواد الغذائية، أو بالتجهيزات المنزلية، أو بالملابس، وغير ذلك، مما هو معروض للبيع، في مختلف الأسواق، التي تعرض المنتوجات، التي لم تعد صالحة للاستعمال، أو التجهيزات المنزلية المستعملة.
كما أن تحرر الشعب المغربي، من تجارة الممنوعات، سيجنبها الكثير من المضار، التي تلحق أفراده، وتجعلهم غير قادرين على تحرير أنفسهم، من استهلاك المواد التي تضرهم، وتصير بمثابة عقاب جسدي، إلى درجة التحول إلى إلحاق الأضرار المادية بأسرهم، وبأصدقائهم، وبعامة الناس في الواقع، بالإضافة إلى الأضرار المعنوية، التي تصيب عامة الناس منهم. وهو ما يقتضي: ضرورة العمل على وضع حد للاتجار في الممنوعات، لما يترتب عنها من أضرار. إلا أن السلطات: تعرف مصادر التجارة في الممنوعات، ولا تقف موقفا مشرفا، بوضع حد لها؛ لأن الفاسدين، صاروا رجال سلطة، والفاسد المستفيد من الفساد، لا يمكن أن يقف ضد الفساد.
كما أن تحرر الشعب من التفكير في الريع، الذي كاد يحول جميع أفراد الشعب المغربي، إلى مصطفين أمام مكاتب المسؤولين، في مختلف الأقاليم، والجهات، وعلى المستوى الوطني، طلبا للريع من المسؤولين، الذين يمتلكون التأثير الكبير في الواقع، في تجلياته المختلفة، ويدركون، جيدا، من من العملاء يستحق امتياز الريع، ومن لا يستحقه، ومن يستحق شراءه بامتياز الريع، ومن لا يستحق؛ لأن الريع، يعطى لإرضاء العملاء، أو لشراء الموالين للدولة المخزنية.
فالتحرر، هو عملية عميقة، تهدف إلى جعل الإنسان المتحرر، يحطم كل القيود، التي تحول دون وقوفه إلى جانب الشعب المغربي، ويضحي من أجل رفع الحيف عنه، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
وهذا المفهوم، هو الذي ينسحب على المتحررين من العبودية، ومن التبعية الرأسمالية، ومن التهريب، ومن تجارة الممنوعات، ومن الريع، حتى يحافظ على كرامته، وعلى كرامة الشعب، وحتى لا ينصاع المتحرر، إلى إرادة الحكام.
والمهمة الثانية: هي تحطيم الاستبداد في الفكر، وفي الممارسة، وفي الاقتصاد، وفي الاجتماع، وفي الثقافة، وفي السياسة، وفي الحكم. وهو ما فرض احتكار الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، والحكم، وتوظيف كل ذلك لخدمة مصالح الأشخاص المحتكرين، الذين يجعلون تكديس الثروات كوسيلة، وكهدف. وهو ما وقفت ضده، ودعت إلى تحطيمه: حركة 20 فبرار، التي أدانت كل أشكال الاستبداد، والاحتكار، وخاصة: عندما يقع الجمع بين السلطة، والثروة.
فتحطيم الاستبداد في الفكر، وفي الممارسة، يشمل المستبد، والمستبد بهم، على جميع المستويات: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية.
فالاستبداد في الفكر، يشمل المستبد، والمستبد به.
فالمستبد، يفكر في إيجاد نظرية للسيطرة على الحكم، وفق ما يرضي الحكم.
والمستبد به، يفكر في كيفية قبول تلك النظرية، التي يصير بموجبها، تحت سيطرة الحاكم، ورهن إشارته، على جميع المستويات المذكورة أعلاه.
وبناء على ما رأينا، فإن الحاكم المستبد، يبني ممارسته للسيطرة وفق ما تقتضي نظرية السيطرة، التي لا تكون إلا طبقية، سواء كان الحاكم من الإقطاع، أو من البورجوازية، أو من التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، الذي يتخذ له حاشية من (المفكرين)، الذي يعملون، باستمرار، على إيجاد نظرية للسيطرة. والمستبد به، ينتج ممارسة، تكرس قبوله للسيطرة الطبقية، كما يراها الحاكم المستبد، الذي يخدم مصالح الإقطاع، أو مصالح البورجوازية، أو مصالح التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف. وهو ما يجعل محاربة الاستبداد في الفكر، وفي الممارسة، في أفق التحرر منه، بالنسبة للمستبد بهم.
والمستبد، كذلك، يفكر في السيطرة على الاقتصاد الوطني، من أجل أن يجعله في خدمة الطبقة الإقطاعية، والبورجوازية، أو التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، حتى يحرم الكادحون من حقهم في الاقتصاد، الذي تذهب نسبة كبيرة منه، لصالح الطبقة، أو الطبقات المسيطرة، التي ينتمي إليها الحكام، خاصة، وأن الحاكم المستبد، لا يفكر، أبدا، في التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، كما لا يفكر، أبدا، في التوزيع العادل، للثروة المادية، والمعنوية، كما لا يفكر، أبدا، في معاناة الكادحين، وفي حرمان العديد منهم، من القوت اليومي، وفي تعرضه لكل أشكال البؤس، وفي نومه في العراء، وفي افتقاد القدرة على العلاج من مختلف الأمراض، التي تنخر كيانه، في الوقت الذي يتمتع فيه الإقطاعيون، والبورجوازيون، مهما كان مصدر ثروتهم، بكل الخيرات، وينعمون، هم، وأولادهم: ذكورا، وإناثا، بالمساكن الفاخرة، وينامون جميعا، على الحرير، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت. بالإضافة إلى امتلاك وسائل التدفئة، في وقت القر، ووسائل التبريد، في وقت الحر.
والمستبد، كذلك، يحرص على السيطرة على كل ما هو اجتماعي، كالتعليم، والصحة، والسكن، والشغل، والترفيه، والسياحة، حتى يوجه العمل الاجتماعي، عن طريق تشجيع الخدمات الاجتماعية، التي يتحول تقديمها إلى خدمة تحقيق الربح، لخدمة الرأسمال، الذي يعرف نموذجا صارخا، عن طريق بيع التعليم، وبيع الصحة، واستغلال السكن، لتحقيق أرباح طائلة، لا حدود لها، لينمو الرأسمال، نموا سرطانيا، ويعمل على جعل الإنسان، مجرد سلعة، يتم الاتجار بها، من خلال السيطرة على كل الخدمات، التي تقدم له، والتي تهدف إلى تحقيق المزيد من الأرباح الطائلة، التي تصبح دخلا، يزداد نموا، باستمرار، سواء تعلق الأمر بخدمة التعليم، أو بخدمة الصحة، أو بخدمة السكن، أو بخدمة السياحة، أو غير ذلك، مما تزداد الخدمات فيه، ويزداد نموا، بسبب المحتوى، بسبب التحولات التي يعرفها المجتمع، باستمرار.
وعلى المناضلين الأوفياء، للشعب المغربي، وللعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من المغاربة، أن يعملوا على توعية المغاربة، بخطورة تسليع الخدمات، التي تقدم لهم، بتكلفة مرتفعة، كالتعليم، والصحة، والسكن، والشغل، والسياحة، والترفيه، حتى يمتلكوا القدرة الفكرية، والعملية، بممارسة الضغط، في أفق فرض مجانية تلك الخدمات، أو بمقابل غير منهك للقدرة الشرائية للمواطنين، الذين لهم دخل محدود: متوسط، أو متدني إلى أقصى درجة، من التدني. إلا أنه، لا يكفي حتى في الأكل، والشرب. وهو ما يعني ضرورة التحرر، من الاستبداد بالخدمات الاجتماعية، التي صارت مستغلة، ومكلفة لكل أفراد الشعب، الذين لا يستطيعون مسايرة تكاليفها، نظرا للخدمات التي ترتفع قيمة تقديمها، مع مرور الأيام. والمطلوب، أن تصير كل الخدمات مجانية، أو بقابل رمزي، لا يتجاوز التكلفة، نظرا للوضعية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يعاني منها غالبية أفراد الشعب.
والمستبد، كذلك، يسعى إلى السيطرة على المجال الثقافي، الذي يعرف التسليع، بالإضافة إلى تحويل المجال الثقافي، إلى مجال لممارسة السيطرة الثقافية، عن طريق اعتماد الوسائل التثقيفية، التي تصير منتجة للقيم الثقافية: الإقطاعية، أو البورجوازية. وفي أحسن الأحوال، قيم البورجوازية الصغرى، التي تعتمد الغموض في الفكر، وفي الممارسة، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بهدف تكريس الحرمان الأبدي، من كل الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في حق الشعب الكادح، بصفة عامة، وفي حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بصفة خاصة.
والمستبد بالسياسة، لا يهدأ له بال، إذا لم يوظف السياسة، للسيطرة على المجتمع، ومن أجل أن يوجه السياسة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية نفسها، حتى تصير في خدمة المستبد، وفي خدمة المحيطين به، ممن ينتهزون فرصة أي استفادة منه، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى للحكام، أن يصيروا من أكابر القوم، على مستوى تكديس الثروات، التي تعود المقربون من الحكام، تكديسها، ليعيش الكادحون: أملا في التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.
ذلك أن الحرص على تكريس الاستبداد السياسي، باعتباره مدخلا لتكريس الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. غير أن الديمقراطية، تصبح بمثابة جريمة، يتجنب الناس ذكرها؛ بل إن مؤدلجي الدين الإسلامي، يعتبرونها دخيلة على مجتمعنا، بل إن منهم من يعتبرها كفرا، وإلحادا، حتى لا يتأتى التفكير في العمل على تحقيقها، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، بما في ذلك صيرورة الانتخابات: حرة، ونزيهة.
أما المستبد بالحكم، فهو، في نفس الوقت، المستبد بالاقتصاد، والمستبد بالاجتماع، والمستبد بالثقافة، والمستبد بالسياسة، ومن موقع الحكم، بفرض ما يخدم مصلحته اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
وما نسعى إليه، هو تحطيم الاستبداد، على مستوى الحكم، وعلى مستوى الاقتصاد، وعلى مستوى الاجتماع، وعلى مستوى الثقافة، وعلى مستوى السياسة، بالحرص على طرح المطلب الديمقراطي، باعتباره مطلبا شعبيا. والمطلب الشعبي يبقى قارا، ودائم الطرح، مهما كان الحكام، الذين توالوا على الحكم، ومهما كان تماديهم في انتهاك الحق، وفي تجاوز القانون، بالتعليمات؛ لأن الاستبداد بالحكم، بما في ذلك الاستبداد بكل ما يجري، في الحياة، الذي يصير مسخرا لخدمة مصالح الحاكم المختلفة.
فالديمقراطية، مطلب شعبي، ودور المناضل الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي، هو توعية الشعب، بحقه في تحقيق الديمقراطية، حتى يستفيد منها؛ لأن الديمقراطية، لا تكون إلا من الشعب، وإلى الشعب، ولا تصير إلا في خدمة الشعب.
فتحقيق الديمقراطية الحقيقية، لا يكون إلا من الشعب، ولا تعود إلا على الشعب، بالنفع العميم. وتحقيقها يقتضي: تحمل المناضلين الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعماليين، مسؤوليتهم في توعية الشعب، بالديمقراطية، كمفهوم، وبمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبضرورة النضال من أجلها، وبالتصدي لديمقراطية الحكام، التي كان يسميها الفقيد: أحمد بنجلون، القائد الأممي، والكاتب العام التاريخي، لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. وديمقراطية الإقطاع، والبورجوازية، والأوليغارشية، وأصحاب المال غير المشروع، الذي يتم توظيفه، في شراء ضمائر الناخبين؛ لأن أصحاب الثروات، يعتقدون أن ثرواتهم، في مجتمع متخلف، هي التي توصلهم إلى المجالس المنتخبة، بما فيها مجلس النواب، ومجلس المستشارين.
وإذا كان الأمر يتعلق بالممارسة الديمقراطية الحقيقية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية؛ فإن العمل على تحرير الشعب المغربي، من العبودية، ومن الفساد، ومن التبعية، ومن خدمة الدين الخارجي ... إلخ، والعمل على تحطيم كل أشكال الاستبداد: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بالإضافة إلى تحطيم الاستبداد بالحكم، حتى يتحول الشعب المغربي، إلى شعب ديمقراطي، ويتحول الحكم، إلى حكم ديمقراطي، لا وجود في ممارسته، لأي شكل من أشكال الاستبداد.
لأن الديمقراطية الحقيقية، لا تأتي إلا من الشعب، ولا تخدم إلا مصالح الشعب: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وتحقيقها، يفرض إعادة تربية الشعب على الديمقراطية، والتمرس على أن تكون الدولة دولة المؤسسات.
فهل يعمل الشعب المغربي على إنضاج شروط تحقيق الديمقراطية؟
وهل يحرص على تحقيقها، إن عاجلا، أو آجلا، حتى يكون العمل على تقرير المصير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؟
هل يتحول الشعب، إلى شعب للمصالح، أم يحرص على أن يكون ديمقراطيا؟
هل يحرص الشعب على أن تكون الدولة، ديمقراطية، ودولة المؤسسات؟
فالديمقراطية، مطلب شعبي، وسيبقى مطلبا شعبيا. وهذا المطلب لا بد أن يتحقق، إن عاجلا، أو آجلا.
ذلك أن الديمقراطية، تعتبر جزءا من الترسيمة، التي أبدعها الشهيد عمر بنجلون:
تحرير ــ ديمقراطية ــ اشتراكية
والذي يهمنا من هذه الترسيمة، هو الديمقراطية، بمضامينها المذكورة، من الشعب، وإلى الشعب، كما كان يقول الفقيد أحمد بنجلون، الكاتب العام التاريخي، لحزب الطليعة الديمقراطي، الاشتراكي.