أزمة هجرة الأطباء أو ما يسمى بهجرة الأدمغة
يتواصل نزيف هجرة الأطباء والكوادر الصحية في المغرب نحو الخارج و أروبا بشكل مهول، في الوقت الذي يعاني القطاع الصحي بالمملكة من خصاص كبير على مستوى العنصر البشري الصحي والكفاءات الطبية.
لقد كشفت مجموعة من الهيئات الحكومية والنقابية والمدنية، عن أرقام وإحصائيات توصف بالمفزعة وتتطلب تدخلا عاجلا وجادا.
إن المنظومة الصحية بالمغرب أصبحت في خطر أمام الوضعية الراهنة لهجرة الأطباء والنقص الحاد في عددهم. ولهذا ولتحسين معوقات وعراقيل المنظومة الصحية وجب الحد من هذه الظاهرة. الشيء الذي أجمع عليه العديد من المهنيين في القطاع، حيث أن عدد الأطباء الذين هاجروا خارج المغرب يتراوح عددهم بين 10 آلاف إلى 14 ألف طبيبا حسب تقرير وضعه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ما يعني أن طبيبا واحدا من كل ثلاثة أطباء يمارس خارج أرض الوطن، فهجرة المئات من الأطباء سنويا نحو البلدان الأوروبية خاصة، أدى إلى نقص حاد في الأطر الطبية في المغرب، إذ تصل حاجة البلاد إلى 32 ألف طبيب إضافي بينما يعمل حاليا في القطاع 23 ألف طبيب فقط يتوزعون على 9021 ألف طبيب بالقطاع العام و14 ألف و622 طبيب في القطاع الخاص.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تدارك الخصاص في الأطر الطبية وتوظيف الخريجين الجدد، نجد عدد كبير من الطلبة يريدون المغادرة لإكمال مسارهم الدراسي والمهني في الخارج. وترجع رغبة هؤلاء الطلبة في المغادرة، إلى عدد من التحديات، منهم من اعتبر أن ظروف التدريب في الخارج أفضل، ومنهم من اعتبر أن ظروف العمل جيدة مقارنة مع المغرب، وآخرون يرجعون ذلك إلى جودة الحياة في الخارج، بينما تطرق البعض منهم إلى هزالة الأجور وبالتالي تبخيس قيمة الطبيب.
وتجدر الإشارة إلى أن المعطيات الصادمة التي خلصنا إليها، وخلص إليها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ترجع هذه الأزمة إلى الظروف الاقتصادية زد على ذلك وما زاد في الطين بلة، جائحة كورونا التي ساهمت في معدل هجرة الأطباء نحو الخارج. وأمام تنامي الظاهرة أعلنت الحكومة مجموعة من الإجراءات للحد من هجرة الأطباء، كان من بينها:
– توفير عدد أكبر من خريجي الأطر الصحية لسد الخصاص والنقص الذي تشكو منهما المنظومة الصحية على مستوى الموارد البشرية بسبب هجرة الأطباء وكوادر طبية أخرى،
– مراجعة وضعية الأطباء وظروف اشتغالهم، وإصلاح وضعية ممارسة المهنة من خلال توسيع مجالات التكوين والتدريب بالمستشفيات الجامعية الجديدة أو التي في طور البناء أو الدراسة. إضافة إلى هذه الإجراءات، توصلت النقابات المهنية إلى اتفاق مع الحكومة لزيادة أجور الأطباء، وذلك بعد سنوات من الإضرابات عن العمل والوقفات الاحتجاجية التي قادتها النقابات المهنية.
خصاص مفزع
إن تقرير مجلس حقوق الإنسان لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق أن أصدرت عدد من التقارير منها تقرير البرلمان للجنة الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية سنة 2021، حيث اعتبر أن القطاع الصحي يعاني من غياب نظام تحفيزي للرأسمال البشري للقطاع الصحي العمومي وأن الموارد البشرية تواجه في القطاع الصحي خصاصا حادا وتباينا على مستوى توزيع الموارد البشرية بين المجالين الحضري والقروي. وهو ما يؤكد ضعف الاستثمار البشري الخاص بالمنظومة الصحية كأحد التحديات التي تطرحها الظرفية الراهنة. ووفقا للوضعية الحالية، فإن عدد الأطباء الذين غادروا المغرب هو عدد ضخم بالمقارنة مع عدد خريجي كليات الطب والصيدلة بالمغرب، الشيء الذي أدى إلى وجود خصاص حاد في عدد الأطر الطبية وشبه الطبية في المغرب، لهذا فإن ظاهرة هجرة الأطباء تعود بالأساس إلى مجموعة من العوامل أهمها، غياب التحفيزات المادية والوسائل اللوجستيكية التي تشجع الأطباء على العمل في القطاع العمومي وفي المناطق والقرى النائية والبقاء داخل أرض الوطن.
الهجرة الداخلية للأطباء
لا تقتصر هجرة الأطباء المغاربة على الخارج فقط، بل إن المئات منهم يرفضون الذهاب للعمل في عدد من جهات المملكة خصوصا منها البعيدة عن المركز والتي تعرف تفاوتا كبيرا على مستوى البنيات التحتية والمرافق والشبكة الطرقية مقارنة مع باقي الجهات. فبالإضافة إلى التفاوتات في البنيات التحتية هناك توزيع غير عادل للأطر الصحية سواء من الأطباء، أو الممرضين أو باقي الأطر الصحية بين جهات المملكة لأنه أكثر من نصف الأطباء يشتغلون في محور الدار البيضاء الرباط القنيطرة، وثلثين من الأطر الصحية يتمركزون في جهات أخرى، بينما يتوزع الثلث الأخير على باقي الجهات. هذا التوزيع الغير عادل للأطر الطبية على جهات المملكة، يؤثر سلبا على نوعية وجودة الخدمات الصحية وعلى ولوج المريض للاستشارات الطبية الأولية ويؤثر حتى على مردودية الأطباء وعلى نفسيتهم لأنهم يعيشون في عطالة. فالمواطن لا يرى الطبيب إلا مرات قليلة، وحتى وإن مرض فلا يستطيع الولوج للعلاج، أو يواجه طول أمد المواعيد أو ضعف العرض الصحي سواء في القطاع العام أو الخاص.
إن ظروف الاشتغال والنزيف الداخلي الذي يعيشه القطاع دفع العديد من الأطباء لتقديم استقالاتهم، كما أن عددا من الأطباء أقدموا على ترك الوظيفة العمومية رغم تبعياتها المادية، بحيث أن هناك أطباء يكونون قد أنهو 8 سنوات من العمل في القطاع العام محددة في قانون الوظيفة العمومية لكن ترفض استقالاتهم بحكم الخصاص المهول في القطاع وضرورة المصلحة، مما يضطرهم للتخلي عن الوظيفة العمومية.
زيادة على ذلك فإن الأطباء المتخصصين وحتى حديثي العهد بالتوظيف، يعملون سنة إلى سنتين في القطاع العام بعدها يلجؤون إلى ترك الوظيفة العمومية رغم المستحقات الكبيرة التي يجب عليهم دفعها للدولة.
أسباب الهجرة
أمام الأرقام الصادمة لهجرة الأطباء، يرجع العديد من خبراء الصحة أن من بين أسباب تفاقم ظاهرة هجرة الأطباء نحو الخارج إلى عدة عوامل متداخلة.
فرغم أن المغرب يسجل نقصا كبيرا في الأطباء إلا أنه يخسر مئات الكوادر الطبية سواء التي تختار الهجرة نحو الخارج، أو الهجرة الداخلية من القرى إلى المدن المركزية، أو الهجرة من القطاع العام إلى الخاص.
إن من بين أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تضخم ظاهرة هجرة الأطباء، أجورهم الهزيلة مقارنة مع أجور الأطباء بالدول الأوروبية. إلى جانب غياب الحافز المادي، كما يعاني الأطباء سوء ظروف العمل وضعف التجهيزات والمعدات الطبية مقابل اكتظاظ المستشفيات، الأمر الذي يثقل كاهلهم ويدفعهم لتقديم الاستقالة والهجرة.
إن قرار الهجرة لدى مجموعة من الأطباء لها علاقة وطيدة بظروف العمل، بحيث أن هناك أطباء يهاجرون لإكمال تكوينهم والاستفادة من البحث العلمي المتطور، إذ أن البعض يشعر بالاغتراب العلمي داخل وطنه، فضلا عن هزالة وضعف الأجور إذا قارنها بالسنوات التي استثمرها الطبيب في دراسته. إن الطبيب لكي يحصل على دبلوم الطب العام يجب أن يدرس من 7 إلى 8 سنوات وبعدها يقضي بين 4 إلى 5 سنوات في التخصص حسب هل تخصصه طبي أم جراحي.
إن أي إنسان يسعى للعمل وإنجاح مساره المهني، لكن أيضا يسعى لتوفير ظروف عيش أفضل له ولأسرته وتحقيق الأمن الأسري. فحين يجد الظروف الملائمة للعمل والعيش لا يغادر بلده ولا يقرر المغادرة إلا عندما يشعر بأن سقف طموحاته أصبح بعيدا عن واقعه المعاش، فاصطدام الطبيب بواقع مرير بسبب ضعف التجهيزات وقلة الأدوية وفي بعض الأحيان غيابها فضلا عن غياب مكاتب للعمل يزيد من إحساسه بالإحباط، فالطبيب يشعر بالعجز عندما يجد نفسه أمام مريض يبيع ممتلكاته للعلاج، كما أن هذا الاخير يصطدم بطول المواعيد وعدم إرشاده للعلاج الصحيح بسبب ضعف التجهيزات، فيضطر الطبيب إلى إرساله لجهة أخرى توجد فيها مستشفيات جامعية، في حين أن هذا المواطن لا يصل إلى الطبيب إلا بمشقة الأنفس.
زد على ذلك أن المواجهة المباشرة بين المواطن والطبيب تعرض هذا الأخير في بعض الأحيان إلى اعتداءات جسدية وللعنف اللفظي والسب والشتم من طرف المرضى وأسرهم، وهذا ما يعتبره الطبيب احتقارا وإهانة له، بحيث أنه في الدول المتقدمة يتم توفير الحماية للأطر الطبية وتقدم لهم كل التحفيزات المادية والمعنوية.
الحلول والمقترحات للحد من ظاهرة هجرة الأطباء
للحد من ظاهرة هجرة الأطر الطبية وتجاوز النقص الحاد في الموارد البشرية، يجب اتخاذ مجموعة من التدابير الرامية لاستقطاب الأطقم الطبية وتحفيزهم على الاشتغال داخل الوطن، مع توزيعهم بشكل عادل بين كافة جهات المملكة، وذلك من خلال تطوير منظومة الوظيفة العمومية الصحية وجعلها محفزة ماديا ومعنويا للأطر الطبية وشبه الطبية، مع بحث إمكانية الزيادة في عدد توظيف الأطباء وتنويع الخبرات في القطاع الصحي.
كما يجب استكمال إحداث كليات الطب والمستشفيات الجامعية والمعاهد المعتمدة للمهن شبه الطبية والبيوطبية والإدارة والتدبير الصحي والاقتصاد الصحي بجميع جهات المملكة.
كما أن غياب التحفيزات الضريبية والعقارية على المستوى الجهوي التي تشجع القطاع الخاص على الاستثمار في المجال الصحي خاصة بالمناطق التي تعرف تأطيرا طبيا ضعيفا، وضعف التغطية الصحية الشاملة كما وكيفا، فضلا عن التعريفة المرجعية للخدمات الصحية التي أصبحت متقادمة، هي كلها مظاهر وتجليات للإكراهات التي يعيشها القطاع الصحي بالمغرب وبالتالي تحتاج تظافر جهود مجموع المتدخلين قصد تجاوزها.
إن مواكبة المشروع الذي أطلقه المغرب لتعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض وإصلاح المنظومة الصحية، يستوجب رفع التحفيزات المادية للأطر الصحية وخلق المزيد من مناصب الشغل السنوية الخاصة بقطاع الصحة، بالموازاة مع افتتاح عدد من كليات الطب والصيدلة ومعاهد التمريض في جميع جهات المملكة، خلال السنوات المقبلة.
* بقلم الدكتورة: إلهام الوادي، أستاذة القانون بوزارة الصحة إقرأ المزيد
يتواصل نزيف هجرة الأطباء والكوادر الصحية في المغرب نحو الخارج و أروبا بشكل مهول، في الوقت الذي يعاني القطاع الصحي بالمملكة من خصاص كبير على مستوى العنصر البشري الصحي والكفاءات الطبية.
لقد كشفت مجموعة من الهيئات الحكومية والنقابية والمدنية، عن أرقام وإحصائيات توصف بالمفزعة وتتطلب تدخلا عاجلا وجادا.
إن المنظومة الصحية بالمغرب أصبحت في خطر أمام الوضعية الراهنة لهجرة الأطباء والنقص الحاد في عددهم. ولهذا ولتحسين معوقات وعراقيل المنظومة الصحية وجب الحد من هذه الظاهرة. الشيء الذي أجمع عليه العديد من المهنيين في القطاع، حيث أن عدد الأطباء الذين هاجروا خارج المغرب يتراوح عددهم بين 10 آلاف إلى 14 ألف طبيبا حسب تقرير وضعه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ما يعني أن طبيبا واحدا من كل ثلاثة أطباء يمارس خارج أرض الوطن، فهجرة المئات من الأطباء سنويا نحو البلدان الأوروبية خاصة، أدى إلى نقص حاد في الأطر الطبية في المغرب، إذ تصل حاجة البلاد إلى 32 ألف طبيب إضافي بينما يعمل حاليا في القطاع 23 ألف طبيب فقط يتوزعون على 9021 ألف طبيب بالقطاع العام و14 ألف و622 طبيب في القطاع الخاص.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تدارك الخصاص في الأطر الطبية وتوظيف الخريجين الجدد، نجد عدد كبير من الطلبة يريدون المغادرة لإكمال مسارهم الدراسي والمهني في الخارج. وترجع رغبة هؤلاء الطلبة في المغادرة، إلى عدد من التحديات، منهم من اعتبر أن ظروف التدريب في الخارج أفضل، ومنهم من اعتبر أن ظروف العمل جيدة مقارنة مع المغرب، وآخرون يرجعون ذلك إلى جودة الحياة في الخارج، بينما تطرق البعض منهم إلى هزالة الأجور وبالتالي تبخيس قيمة الطبيب.
وتجدر الإشارة إلى أن المعطيات الصادمة التي خلصنا إليها، وخلص إليها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ترجع هذه الأزمة إلى الظروف الاقتصادية زد على ذلك وما زاد في الطين بلة، جائحة كورونا التي ساهمت في معدل هجرة الأطباء نحو الخارج. وأمام تنامي الظاهرة أعلنت الحكومة مجموعة من الإجراءات للحد من هجرة الأطباء، كان من بينها:
– توفير عدد أكبر من خريجي الأطر الصحية لسد الخصاص والنقص الذي تشكو منهما المنظومة الصحية على مستوى الموارد البشرية بسبب هجرة الأطباء وكوادر طبية أخرى،
– مراجعة وضعية الأطباء وظروف اشتغالهم، وإصلاح وضعية ممارسة المهنة من خلال توسيع مجالات التكوين والتدريب بالمستشفيات الجامعية الجديدة أو التي في طور البناء أو الدراسة. إضافة إلى هذه الإجراءات، توصلت النقابات المهنية إلى اتفاق مع الحكومة لزيادة أجور الأطباء، وذلك بعد سنوات من الإضرابات عن العمل والوقفات الاحتجاجية التي قادتها النقابات المهنية.
خصاص مفزع
إن تقرير مجلس حقوق الإنسان لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق أن أصدرت عدد من التقارير منها تقرير البرلمان للجنة الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية سنة 2021، حيث اعتبر أن القطاع الصحي يعاني من غياب نظام تحفيزي للرأسمال البشري للقطاع الصحي العمومي وأن الموارد البشرية تواجه في القطاع الصحي خصاصا حادا وتباينا على مستوى توزيع الموارد البشرية بين المجالين الحضري والقروي. وهو ما يؤكد ضعف الاستثمار البشري الخاص بالمنظومة الصحية كأحد التحديات التي تطرحها الظرفية الراهنة. ووفقا للوضعية الحالية، فإن عدد الأطباء الذين غادروا المغرب هو عدد ضخم بالمقارنة مع عدد خريجي كليات الطب والصيدلة بالمغرب، الشيء الذي أدى إلى وجود خصاص حاد في عدد الأطر الطبية وشبه الطبية في المغرب، لهذا فإن ظاهرة هجرة الأطباء تعود بالأساس إلى مجموعة من العوامل أهمها، غياب التحفيزات المادية والوسائل اللوجستيكية التي تشجع الأطباء على العمل في القطاع العمومي وفي المناطق والقرى النائية والبقاء داخل أرض الوطن.
الهجرة الداخلية للأطباء
لا تقتصر هجرة الأطباء المغاربة على الخارج فقط، بل إن المئات منهم يرفضون الذهاب للعمل في عدد من جهات المملكة خصوصا منها البعيدة عن المركز والتي تعرف تفاوتا كبيرا على مستوى البنيات التحتية والمرافق والشبكة الطرقية مقارنة مع باقي الجهات. فبالإضافة إلى التفاوتات في البنيات التحتية هناك توزيع غير عادل للأطر الصحية سواء من الأطباء، أو الممرضين أو باقي الأطر الصحية بين جهات المملكة لأنه أكثر من نصف الأطباء يشتغلون في محور الدار البيضاء الرباط القنيطرة، وثلثين من الأطر الصحية يتمركزون في جهات أخرى، بينما يتوزع الثلث الأخير على باقي الجهات. هذا التوزيع الغير عادل للأطر الطبية على جهات المملكة، يؤثر سلبا على نوعية وجودة الخدمات الصحية وعلى ولوج المريض للاستشارات الطبية الأولية ويؤثر حتى على مردودية الأطباء وعلى نفسيتهم لأنهم يعيشون في عطالة. فالمواطن لا يرى الطبيب إلا مرات قليلة، وحتى وإن مرض فلا يستطيع الولوج للعلاج، أو يواجه طول أمد المواعيد أو ضعف العرض الصحي سواء في القطاع العام أو الخاص.
إن ظروف الاشتغال والنزيف الداخلي الذي يعيشه القطاع دفع العديد من الأطباء لتقديم استقالاتهم، كما أن عددا من الأطباء أقدموا على ترك الوظيفة العمومية رغم تبعياتها المادية، بحيث أن هناك أطباء يكونون قد أنهو 8 سنوات من العمل في القطاع العام محددة في قانون الوظيفة العمومية لكن ترفض استقالاتهم بحكم الخصاص المهول في القطاع وضرورة المصلحة، مما يضطرهم للتخلي عن الوظيفة العمومية.
زيادة على ذلك فإن الأطباء المتخصصين وحتى حديثي العهد بالتوظيف، يعملون سنة إلى سنتين في القطاع العام بعدها يلجؤون إلى ترك الوظيفة العمومية رغم المستحقات الكبيرة التي يجب عليهم دفعها للدولة.
أسباب الهجرة
أمام الأرقام الصادمة لهجرة الأطباء، يرجع العديد من خبراء الصحة أن من بين أسباب تفاقم ظاهرة هجرة الأطباء نحو الخارج إلى عدة عوامل متداخلة.
فرغم أن المغرب يسجل نقصا كبيرا في الأطباء إلا أنه يخسر مئات الكوادر الطبية سواء التي تختار الهجرة نحو الخارج، أو الهجرة الداخلية من القرى إلى المدن المركزية، أو الهجرة من القطاع العام إلى الخاص.
إن من بين أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تضخم ظاهرة هجرة الأطباء، أجورهم الهزيلة مقارنة مع أجور الأطباء بالدول الأوروبية. إلى جانب غياب الحافز المادي، كما يعاني الأطباء سوء ظروف العمل وضعف التجهيزات والمعدات الطبية مقابل اكتظاظ المستشفيات، الأمر الذي يثقل كاهلهم ويدفعهم لتقديم الاستقالة والهجرة.
إن قرار الهجرة لدى مجموعة من الأطباء لها علاقة وطيدة بظروف العمل، بحيث أن هناك أطباء يهاجرون لإكمال تكوينهم والاستفادة من البحث العلمي المتطور، إذ أن البعض يشعر بالاغتراب العلمي داخل وطنه، فضلا عن هزالة وضعف الأجور إذا قارنها بالسنوات التي استثمرها الطبيب في دراسته. إن الطبيب لكي يحصل على دبلوم الطب العام يجب أن يدرس من 7 إلى 8 سنوات وبعدها يقضي بين 4 إلى 5 سنوات في التخصص حسب هل تخصصه طبي أم جراحي.
إن أي إنسان يسعى للعمل وإنجاح مساره المهني، لكن أيضا يسعى لتوفير ظروف عيش أفضل له ولأسرته وتحقيق الأمن الأسري. فحين يجد الظروف الملائمة للعمل والعيش لا يغادر بلده ولا يقرر المغادرة إلا عندما يشعر بأن سقف طموحاته أصبح بعيدا عن واقعه المعاش، فاصطدام الطبيب بواقع مرير بسبب ضعف التجهيزات وقلة الأدوية وفي بعض الأحيان غيابها فضلا عن غياب مكاتب للعمل يزيد من إحساسه بالإحباط، فالطبيب يشعر بالعجز عندما يجد نفسه أمام مريض يبيع ممتلكاته للعلاج، كما أن هذا الاخير يصطدم بطول المواعيد وعدم إرشاده للعلاج الصحيح بسبب ضعف التجهيزات، فيضطر الطبيب إلى إرساله لجهة أخرى توجد فيها مستشفيات جامعية، في حين أن هذا المواطن لا يصل إلى الطبيب إلا بمشقة الأنفس.
زد على ذلك أن المواجهة المباشرة بين المواطن والطبيب تعرض هذا الأخير في بعض الأحيان إلى اعتداءات جسدية وللعنف اللفظي والسب والشتم من طرف المرضى وأسرهم، وهذا ما يعتبره الطبيب احتقارا وإهانة له، بحيث أنه في الدول المتقدمة يتم توفير الحماية للأطر الطبية وتقدم لهم كل التحفيزات المادية والمعنوية.
الحلول والمقترحات للحد من ظاهرة هجرة الأطباء
للحد من ظاهرة هجرة الأطر الطبية وتجاوز النقص الحاد في الموارد البشرية، يجب اتخاذ مجموعة من التدابير الرامية لاستقطاب الأطقم الطبية وتحفيزهم على الاشتغال داخل الوطن، مع توزيعهم بشكل عادل بين كافة جهات المملكة، وذلك من خلال تطوير منظومة الوظيفة العمومية الصحية وجعلها محفزة ماديا ومعنويا للأطر الطبية وشبه الطبية، مع بحث إمكانية الزيادة في عدد توظيف الأطباء وتنويع الخبرات في القطاع الصحي.
كما يجب استكمال إحداث كليات الطب والمستشفيات الجامعية والمعاهد المعتمدة للمهن شبه الطبية والبيوطبية والإدارة والتدبير الصحي والاقتصاد الصحي بجميع جهات المملكة.
كما أن غياب التحفيزات الضريبية والعقارية على المستوى الجهوي التي تشجع القطاع الخاص على الاستثمار في المجال الصحي خاصة بالمناطق التي تعرف تأطيرا طبيا ضعيفا، وضعف التغطية الصحية الشاملة كما وكيفا، فضلا عن التعريفة المرجعية للخدمات الصحية التي أصبحت متقادمة، هي كلها مظاهر وتجليات للإكراهات التي يعيشها القطاع الصحي بالمغرب وبالتالي تحتاج تظافر جهود مجموع المتدخلين قصد تجاوزها.
إن مواكبة المشروع الذي أطلقه المغرب لتعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض وإصلاح المنظومة الصحية، يستوجب رفع التحفيزات المادية للأطر الصحية وخلق المزيد من مناصب الشغل السنوية الخاصة بقطاع الصحة، بالموازاة مع افتتاح عدد من كليات الطب والصيدلة ومعاهد التمريض في جميع جهات المملكة، خلال السنوات المقبلة.
* بقلم الدكتورة: إلهام الوادي، أستاذة القانون بوزارة الصحة إقرأ المزيد