HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

تصفية الحساب


محمد الساسي
الثلاثاء 4 سبتمبر 2012




تصفية الحساب
عرفت حركة 20 فبراير تراجعا كبيرا في الشهور الأخيرة. بعد أن نجحت الحركة سابقا في تعبئة عشرات الآلاف من المواطنين في تظاهراتها ومسيراتها التي كانت تتم في أكثر من مائة نقطة جغرافية خلال يوم واحد، انحسرت رقعة الحركة وخفت وميضها وانكمش نشاطها ونضب معينها، وأصبحت مسيراتها تضم المئات فقط، وفي نقط محدودة.

حركة 20 فبراير توجد اليوم في مرحلة جزر بعد مرحلة المد. في لحظة الانبثاق، نزل إلى الشارع رجال أعمال وأكاديميون وإعلاميون وقادة أحزاب ومحامون وأطباء ورموز من المجتمع المدني. نزلوا جميعا لمساندة ثلة من الشباب الذين التقوا في البيت الافتراضي، وأعلنوا انطلاق حركة مسيرات من أجل التغيير.

هناك من يعتبر أن ضمور الحركة يجب عزوه إلى مسلسل المراجعة الدستورية الذي قد يكون أوقف مد الحركة. حسب هذا الرأي، فالمراجعة الدستورية شخَّصت التغيير المنتظر واستجابت للمطلب المركزي، ورسمت حدا فاصلا بين مرحلتين في تاريخ النظام السياسي المغربي، وقطعت آخر أواصر علاقته بالاستبداد. لكن المظاهرات التي أعقبت الإعلان عن مشروع الدستور الجديد كانت حاشدة، وأظهرت أن حركة 20 فبراير لم تتأثر كثيرا بالمستجد الدستوري.

هناك، في نظرنا، ثلاثة عوامل كان لها أثر حاسم على الصحة الجسدية والمعنوية لحركة 20 فبراير، وتسببت في إدخالها إلى حالة من العياء والهزال والإجهاد:

العامل الأول هو انسحاب جماعة العدل والإحسان التي كان لها ثقل بشري بارز في بنية الحركة؛ وكانت، من بعض الأوجه، تـُضفي على الحركة -نوعا ما- طابعا تعدديا، حتى وإن كان ذلك لا يعني تسليم كافة مكونات الحركة بالجوهر الفلسفي للتعددية؛

العامل الثاني هو تنصيب حكومة عبد الإله بنكيران التي شكلت حدثا مؤسسيا نوعيا واعتمادا لوصفة جديدة، غير مجربة في الماضي، وكانت مستبعدة إلى حد كبير. جزء من الطبقات المتوسطة اعتبر أن التصويت على حزب العدالة والتنمية والترحيب بميلاد الحكومة الجديدة يمثلان وفاء لذات المنطق الذي كان منطلق تأييد ودعم حركة 20 فبراير. والأمل أضحى معلقا على هذه الحكومة من أجل محاربة الفساد ومنح المؤسسة الحكومية القدر المطلوب من الجدية والفعالية والنجاعة والاستقلالية وبناء علاقة جديدة مع المواطن والناخب، وإعادة الاعتبار إلى حكم صناديق الاقتراع، وسن إجراءات اجتماعية واقتصادية جديدة ونوعية تحد من اتساع الفقر والهشاشة والفوارق الطبقية وترسي دعائم الاستثمار المنتج والتضامن الوطني والتخليق العام.

العامل الثالث، والأقل تأثيرا، هو ظهور عدد من المشاكل الداخلية في تدبير حركة 20 فبراير، وخاصة بعد التحاق التيارات السياسية بها، وحصول بعض التضارب في الشعارات وعدم الوضوح في الأهداف، والتعامل التكتيكي مع الحركة بمحاولة تسخيرها ربما في خدمة مشاريع لـ »التغيير » غير مطابقة للمرجعيات الأصلية للحركة. ومع ذلك، فإن الجموع العامة، المنظمة من طرف تنسيقيات الحركة، حافظت على روح التداول الجماعي في اتخاذ القرارات.

هل حركة 20 فبراير في حالة احتضار؟

لا يمكن، في نظرنا، الانتهاء إلى هذه الخلاصة بهذه السهولة، فما يجري بالمنطقة المغاربية والعربية يثبت حتى الآن أن حراك الشارع يخبو أحيانا، لكنه ما يلبث أن يشتعل ثانية، وهذا هو ما يحصل في موريطانيا والبحرين والأردن، إضافة إلى تصاعد نشاط المعارضة في الكويت، وما يعتمل من مخاضات في جوف المجتمع السعودي نفسه..

الربيع الديمقراطي لم ينته بعد في المنطقة ككل، وحركة 20 فبراير لم تكن هي الشكل الوحيد للحراك في الشارع المغربي، بل كان يرافقها نوع آخر من الحراك الاحتجاجي الاجتماعي ذي الطابع الفئوي أو القطاعي أو المحلي. هذا النوع الأخير من الحراك ازداد اتساعا بعد الضعف الذي أصاب حركة 20 فبراير، بل إنه استلهم بعضا من طقوسها وشعاراتها وأساليبها في العمل، بمعنى أن تحوُّل الشارع إلى حلبة مركزية للاحتجاج ونزول فئات جديدة إليه، كالقضاة الذين انتخبوا هياكل ناديهم بالشارع العام، وتبادل التأثير بين مختلف أنواع الحراك، هي عناصر كافية للتدليل على أننا لم نبرح قط منطق الزمن السياسي الجديد.

الوهن الذي ألـَمَّ بحركة 20 فبراير أوحى إلى الحاكمين، ربما، بأن الحركة في الأصل لم تكن حركة اجتماعية جماهيرية، وأنها كانت دائما معزولة عن الشعب وبعيدة عن انتظاراته، وأن التغيير الذي يريده الشعب هو فقط « تسريع وتيرة الإصلاحات »، وأن حركة 20 فبراير لا تستحق كل الهالة التي أُحيطت بها، وأن لا مبرر لتغيير المسار بالنسبة إلى نظام يعتبر أنه اختط قبل 20 فبراير 2011 طريق التغيير الحقيقي، وأن ما بدا كعاصفة قد مرَّ وانتهى، وبالتالي يجب أن تعود الأمور إلى سابق عهدها وأن تـُرَدَّ إلى نصابها.

بعد تراجع حركة 20 فبراير، وجدنا أنفسنا وجها لوجه أمام ثلاثة أنواع من الممارسات :

1)

حصل تراجع من طرف الحكومة الحالية عن التزامات كانت الحكومة السابقة أخذتها على عاتقها حيال فئة من المعطلين حاملي الشهادات العليا.. القضية قبل أن تكون قضية احترام القانون، هي قضية تقدير سياسي جديد للمرحلة؛ فلو كانت حركة 20 فبراير قد حافظت على زخمها، وظلت في مستوى لياقتها البدنية الأولى أو زادت عليه، لوجدت الحكومة نفسها مدفوعة إلى فعل أي شيء لحل مشكلة محضر 20 يوليوز 2011. كان الهدف في السابق هو ألا تصب حركة المعطلين والاحتجاجات الفئوية الأخرى في مجرى حركة 20 فبراير، وأن يُعمد إلى تجفيف منابع تزويد الحركة بطاقات إضافية، وأن تـُستخدم للوصول إلى الهدف كل الصيغ الاستثنائية. كان الهاجس هو إضعاف 20 فبراير وإخلاء الشارع من المحتجين وعزل الديناميات الاحتجاجية عن بعضها البعض؛ لكن بعد أن ضَعُفت حركة 20 فبراير، لم تعد السلطة تشعر بأنها مجبرة على تقديم المزيد من التنازلات أو إبراء ذمتها مما بها من دين.. زمن التنازلات انتهى بـ »قرب انتهاء حركة 20 فبراير »؛

2)

تمت العودة بسرعة البرق إلى إعمال الدستور العرفي، ولم تعد السلطة ترى أن دستور 2011 في كامل بنوده يشكل مرجعا ملزما، بل هو مجرد وثيقة معلقة التنفيذ في انتظار ظهور ميزان قوى جديد، أما ميزان القوى الحالي فلا يرقى إلى مستوى الدستور الجديد الذي جاء كجواب استثنائي على ظرفية استثنائية. أما قَدَرُ هذا الدستور اليوم فهو السقوط بعدم الاستعمال بعد خسوف تلك الظرفية. نحن اليوم لسنا بصدد إعادة قراءة الدستور الحالي، نحن في الواقع بصدد إعادة كتابته مجددا، فكأننا أمام صحيفة بيضاء يضعون فيها من القواعد ما يستطيعون فرضه بقوة الأمر الواقع؛

3)

جرى شن حملة من الاعتقالات والمحاكمات والمتابعات القضائية في حق عدد من أبرز رموز ونشطاء حركة 20 فبراير، وأشدهم حيوية، وأكثرهم حضورا. أصبح مطلوبا من هؤلاء أن يؤدوا، في زمن الجزر، ثمن ما صنعوه في زمن المد، وأن يعلموا بأن للسلطة ذاكرة، وأنها قد تمهل ولا تهمل، وقد تتنازل ولا تتهاون، وقد تمارس جزءا من القمع في حق من تعتبرهم متطاولين عليها، وتقرر إرجاء تطبيق جزء آخر. وهكذا، تَمَّ تكثيف نشاط الآلة القضائية في مواجهة شباب 20 فبراير بعدة مناطق، كفاس والخميسات وآسفي وسطات وتازة والدار البيضاء وبنسليمان وبني بوعياش والحسيمة.. إلخ. ويتم ذلك في زمن تولي حزب العدالة والتنمية حقيبة العدل، فكأن هناك من يدفع الحزب إلى جَزِّ غصن الشجرة الذي يقف فوقه.

تستند المتابعات التي يتعرض لها عدد من شباب الحركة، حسب المصادر الحقوقية، إلى ثلاثة أنواع من التهم :

- تهمة تنظيم مظاهرات غير مرخص بها. وهذه التهمة تثير السخرية في البلدان التي يعلم الجميع بأن السلطة فيها لا تمنح ترخيصا بتنظيم مظاهرات مناوئة لها، وفي بلدان يكون هدف المتظاهرين الأساسي فيها هو الاحتجاج على مصادرة الحريات، والاحتجاج بالضبط على عدم الترخيص بالمظاهرات !

- تهمة إهانة موظف عمومي، ورجال القانون المغاربة يعرفون كيف يمكن أن يتحول بسهولة فائقة رفع سيف هذه التهمة إلى تجريم شبه مطلق لأي شكل من أشكال الاحتجاج على رجالات وأعوان السلطة، بدعوى أن ذلك الاحتجاج يمس بـ »هيبة الدولة »؛

- تهمة المس بالمقدسات والمس برموز الدولة ومؤسساتها، استنادا إلى ما قد يرد بأناشيد أو أغان أو كتابات أو كاريكاتور أو شعارات أو مواد منشورة عبر الأنترنيت. وفي هذا الصدد، فنحن لا نستطيع أن نقنع أحدا في العالم بأن إيداع مغني حركة 20 فبراير معاد بلغوات (الحاقد) وشاعر الحركة يونس بنخديم السجنَ بسبب أغنية أو قصيدة زجل، يُعتبر عاديا في ديمقراطيات القرن الواحد والعشرين كما هو الأمر عندنا، ولا يمكن أن نقنع أحدا بأن ذلك الإيداع لا علاقة له بموضوع حركة 20 فبراير ككل.

نقول للذين يعتبرون أن تراجع حركة 20 فبراير هو مؤشر على « نهاية المشاكل » ومبرر للعودة إلى ما قبل 20 فبراير 2011: هل تقدِّرون حجم الخطر المتمثل في احتمال الانفجار الاجتماعي بسبب الفوارق والإقصاء والتهميش؟ ألن يحرجكم أن يؤدي التقدم الديمقراطي الذي قد يحصل في بلدان الجوار إلى تدحرج ترتيب المغرب في سلم الديمقراطية؟ ألا تخشون أن يؤدي فشل « وصفة بنكيران » بفئات واسعة من الطبقة المتوسطة إلى تجذير مواقفها؟..

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

الخميس 19 ديسمبر 2024 - 18:57 اغتيال عمر بنجلون جريمة لا تغتفر

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير