قبل الإجابة على الأسئلة المطروحة، لا بد من:
أولا: توجيه الشكر، والتقدير، والاحترام اللا محدود، لمنبر الحوار المتمدن، كمنبر مناضل، يرجع له الفضل الكبير، في إعادة الاعتبار لليسار، واليساريين، وفي إعادة الحياة إلى التراث اليساري، وفي إتاحة الفرصة أمام جملة من الإبداعات اليسارية، والديمقراطية، والعلمانية، مما يعد، بحق، مساهمة فعالة في إغناء الفكر اليساري الموجه للممارسة اليسارية، التي سعت إلى قتلها الأنظمة الاستبدادية، ومعها مؤدلجو الدين الإسلامي، على اختلاف ألوانهم، الذين عملوا كل ما في وسعهم، من أجل اجتثاث جذور اليسار، من الأرض التي انغرس فيها، منذ عهد الاحتلال الأجنبي للبلاد العربية، كامتداد للمد اليساري، الذي عرفته مختلف القارات، في مراحل تاريخية معينة.
ثانيا: توجيه الشكر، والتقدير، إلى المشرفين على الحوار المتمدن، الذين يستميتون من أجل جعل هذا المنبر، يقوم بدوره كاملا، في دعم قوى اليسار على المستوى القطري، وعلى المستوى العربي، وعلى المستوى الإسلامي، وعلى المستوى العالمي، ويحرصون على أن يكون دورهم مكملا لدور الحركات اليسارية في البلاد العربية، وفي كل بلدان المسلمين، وعلى المستوى العالمي.
ثالثا: أن أعلن أن إحياء ذكرى تأسيس الحوار المتمدن، يجب أن يعرف إضافة جديدة، تتمثل في إعطاء الأهمية ل:
1) إعادة توضيح المفاهيم اليسارية، انطلاقا من الواقع المتغير باستمرار، خاصة، وأننا أمام أجيال لا علاقة لها بمفاهيم اليسار.
2) توضيح فهم اليسار للدين الإسلامي، كدين يومن به من اختاره دينا له، وللدين الإسلامي المؤدلج، الذي يسمونه كذلك ب: الإسلام السياسي.
3) العمل على نقض أدلجة الدين الإسلامي، مقابل التأكيد على ضرورة احترام المعتقدات الدينية المختلفة، ومنها الدين الإسلامي.
4) التأكيد على أن الهجوم على الإسلام، كدين، وعلى النص الديني، كمنتوج تاريخي، لا يخدم اليسار في شيء، بقدر ما يقلص الدائرة، أو المجال الذي يتحرك فيه اليسار.
5) وضع حد نهائي للهجوم المتبادل بين أطراف اليسار، أو بين مكوناته، مقابل الاعتراف المتبادل فيما بينها، والسعي إلى إقامة تحالفات يسارية على المدى القريب، أو المتوسط، أو البعيد، حول ما هو مشترك في برامجها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
السؤال الأول: هل كانت مشاركة القوى اليسارية، والنقابات العمالية، مؤثرة في هذه الثورات؟ وإلى أي مدى؟
إن من المسلمات الموضوعية، التي نعتبر الانطلاق منها ضروريا، للإجابة على هذا السؤال، تتمثل في:
أولا: أن اليسار، لا يمكن أن يعمل إلا في صفوف الجماهير، وطليعتها الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
ثانيا: أن هذا الحراك الجماهيري، الذي تعرفه البلاد العربية، والذي سماه السؤال ب "الثورات"، مستهدف من قبل كل الأطراف، التي عانت كثيرا من الأنظمة العربية، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
وبما أن ميزان القوى في البلاد التي تعرف حراكا جماهيريا، ليس لصالح اليسار، فإن تأثير قوى اليسار، على مستوى الأفكار، وضبط مسار الحراك، في أفق تحقيق الأهداف المسطرة، كان بارزا إلى حد كبير، على مستوى العمل المشترك، بين مختلف المكونات، ولكن على مستوى الإقناع، والاقتناع بوجهة نظر اليسار، في إعادة هيكلة الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، أي في إعادة هيكلة الدولة، يبقى التأثير ضعيفا إلى حد ما، ولكن هذا لا يعني أن على اليسار الانسحاب من الميدان، بل إن المجال صار مفتوحا أمام اليسار، من أجل إعادة صياغة الأفكار اليسارية، تجاه الواقع المتجدد، الذي أصبح يفرض التعامل معه، والفعل فيه، وخاصة بعد إسقاط الاستبداد، من أجل إعادة تشكيل العمل الجماهيري، في أفق خلق الاقتناع بضرورة تحييد الدين، بدل توظيفه، كما هو حاصل من المكونات المستفيدة من الحراك الجماهيري.
أما بالنسبة للنقابات، التي ينخرط فيها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإن علينا أن نفصل بين النقابات المناضلة فعلا، والنقابات التي لا علاقة لها بالنضال، لبيروقراطيتها، أو لحزبيتها، أو لتبعيتها لجهة معينة، أو لاعتبارها مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين.
فالنقابات المناضلة، ونظرا لديمقراطيتها، وتقدميتها، وجماهيريتها، واستقلاليتها، ووحدويتها، تضع برامجها النضالية، التي من بينها دعم الحراك الجماهيري، والتأثير فيه، والمشاركة في إنجازه، وتعبئ العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حول تلك البرامج، لتلعب بذلك دورا كبيرا في دفع الحراك الجماهيري، في اتجاه تحقيق الأهداف المرسومة، وخاصة على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لكون النقابات المناضلة، تربط بين النضال النقابي، والنضال السياسي.
أما النقابات التي لا علاقة لها بالنضال، نظرا لما ذكرنا سابقا، فإن تأثيرها في الحراك الجماهيري، لا يكون إلا سلبيا؛ لأن الحراك الجماهيري، لا يمكن أن يكون في صالح النقابات المذكورة، التي لا يمكن أن تنتج إلا البلاطجة.
وما قلناه في النقابات، يمكن أن نقوله، كذلك، في الإطارات الجماهيرية، أو الاتحادات الجماهيرية، كما ورد في السؤال، والتي تنقسم بدورها إلى اتحادات مناضلة، واتحادات لا علاقة لها بالنضال. فالاتحادات الجماهيرية المناضلة، تضع برامج نضالية، ومن بينها: المساهمة في الحراك الجماهيري في البلاد العربية، وتعبئة الجماهير الشعبية، من أجل الانخراط في تنفيذ تلك البرامج، من أجل تحقيق الأهداف المسطرة، بما فيها أهداف الحراك الجماهيري.
أما الاتحادات الجماهيرية، التي لا علاقة لها بالنضال، فإن برامجها لا تتجاوز تحقيق أهداف نخبتها، التي تصب في خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، وسائر الطبقات المستفيدة من الاستغلال.
السؤال الثاني: هل كان للاستبداد، والقمع في الدول العربية ،الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية، واليسارية، دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية، واليسارية؟
إن تاريخ الشعوب الحديث، في البلاد العربية، من المحيط إلى الخليج، هو تاريخ قمع الحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية. هذا القمع الذي اتخذ أبعادا متعددة: أيديولوجية، وسياسية، وقمعية، تتمثل في الاغتيالات، وفي الاعتقالات، وفي المحاكمات، وفي الأحكام الجائرة، التي استهدفت المناضلين الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعماليين، مما جعل هذه الشعوب تتجنب اتباع الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعماليين، حتى لا توصف بأحد أوصافهم، ومن أجل أن لا تصير مستهدفة بالقمع، في مستوياته المختلفة. وهو ما أدى إلى محاصرة كل الحركات المناضلة، وتحجيمها.
ومنذ استقلال الأنظمة العربية السياسي، وهذه الأنظمة تدعم الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، نظرا لدورها في:
أولا: تضليل الجماهير الشعبية الكادحة، عن طريق توهيمها، بأن أدلجة الدين الإسلامي، هي الإسلام الحقيقي، الذي عليهم أن يأخذوا به، وأن يتجنبوا اتباع الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعماليين، الذين يأخذون بما عند الغرب، كما يزعم مؤدلجوا الدين الإسلامي، ليصيروا كفارا، وملحدين.
ثانيا: القمع الأيديولوجي للمقتنعين بما عليه الأحزاب المذكورة، من أجل إثنائهم عن اتباع تلك الأحزاب.
ثالثا: العمل على اغتيال خيرة المناضلين الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعلمانيين، حتى يظهر للرأي العام: أن كل من اختار أن يصير مناضلا من أجل الديمقراطية، بصفته ديمقراطيا، أو من أجل تحقيق الاشتراكية، بصفته تقدميا، أو يساريا، أو عماليا، أو مناضلا من أجل أن تصير الدولة علمانية، بصفته علمانيا، فإن مصيره التصفية الجسدية. وهو ما أدى إلى أحد أمرين، كلاهما مر:
الأمر الأول: تخلي الحركة الديمقراطية، أو التقدمية، أو اليسارية، أو العمالية، عن أيديولوجيتها، وعن مواقفها السياسية، وانخراطها في منظومة التبعية للطبقة الحاكمة، في كل بلد من البلاد العربية، مما يجعل الجماهير الشعبية تحكم على الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، بخيانة الجماهير، التي كانت تنتظر منها أن تفعل شيئا من أجلها.
والأمر الثاني: الانكماش على الذات، وتجنب التحرك في الاتجاه الصحيح، لتجنب الاغتيال، كما حصل مع الشهداء: عمر بنجلون، ومهدي عامل، وحسين مروة، وفرج فودة، وغيرهم، ممن تم اغتيالهم على أيدي مؤدلجي الدين الإسلامي، أو خفافيش الظلام.
وإلى جانب ما يقوم به مؤدلجو الدين الإسلامي في حق المناضلين الأوفياء: الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، فإن البلاد العربية، عرفت، ومنذ استقلال دولها، اعتقالات، ومحاكمات سياسية، نتجت عنها أحكام جائرة، وصلت إلى حد حكم الإعدام، أو المؤب،د كما حصل في العديد من البلاد العربية. وهو ما جعل الجماهير الشعبية تتجنب الانخراط في هذه الأحزاب، وتلتمس أن تصير محايدة، وأن تبيع ضمائرها، في كل انتخابات تجري في هذا البلد، أو ذاك، من منطلق أن الذين يترشحون، لا يسعون إلا لخدمة مصالحهم.
ولذلك نجد أن الشروط الموضوعية، التي حكمت وجود الحركات الديمقراطية، واليسارية، والتي عرفت تحالفا تلقائيا، بين مؤدلجي الدين الإسلامي، وبين الأنظمة الحاكمة، من أجل اجتثاث تلك الحركات من الواقع العربي، مما أدى إلى نتيجتين أساسيتين:
النتيجة الأولى: استفحال أمر الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي حول الأنظمة العربية إلى أنظمة مستثمرة، عن طريق نهب ثروات الشعوب، وتهريبها إلى الأبناك الخارجية.
والنتيجة الثانية: اتساع دائرة الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، والتي أعتبرها شخصيا محرفة له، وهو ما جعل مرحلة الربيع العربي، فارزة لأنظمة قائمة على أساس أدلجة الدين الإسلامي.
السؤال الثالث: هل أعطت هذه الانتفاضات، والثورات، دروسا جديدة، وثمينة للقوى اليسارية، والديمقراطية، لتجديد نفسها، وتعزيز نشاطها، وابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
إن الانتفاضات التي تجري في إطار ما صار يعرف بالحراك العربي، أو في إطار الثورات العربية، من أجل تغيير الأنظمة القائمة، والتي أدت، بالفعل، إلى إسقاط بعضها، وإشراف البعض الآخر على السقوط، لا يمكن أن تمر هكذا، دون دروس تقدم للأجيال القادمة، والتي سيدونها التاريخ الإنساني، قبل أي تاريخ آخر. ومن هذه الدروس نجد:
أولا: إعادة الاعتبار للشعوب في البلاد العربية، التي عانت كثيرا من الأنظمة المستبدة، والمستعبدة للشعوب في البلاد العربية، والمكرسة لاستغلالها الهمجي، والناهبة لثرواتها، والواقفة وراء حرمان غالبيتها من الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
ثانيا: إسقاط الاستبداد، بسقوط الأنظمة المستبدة. فالعديد من البلاد العربية، وخاصة في تونس، وفي مصر، وفي ليبيا، وفسح المجال أمام إمكانية تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لإعادة صياغة أنظمة جديدة، تتحقق في إطارها طموحات الشعوب المقهورة.
ثالثا: إسقاط الاستعباد، الذي كان مفروضا على الشعوب في البلاد العربية، والسعي إلى تحقيق الحرية، بمضامينها المختلفة، التي ترجع للإنسان العربي مكانته، التي يجب أن يحظى بها في وطنه، وعلى المستوى العالمي، بتمكينه دستوريا، وقانونيا، وواقعيا، من التعبير عن رأيه في القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يصير كائنا فاعلا في واقعه، الذي لم يعد ثابتا، كما كان من قبل قيام الحراك العربي، كما لم يعد رهينا بإرادة الأنظمة المستبدة.
رابعا: فسح المجال أمام إمكانية التقليص من حدة الاستغلال المادي، والمعنوي، مما يجعل الشعوب في البلاد العربية، تطمح، على المدى المتوسط، والبعيد، إلى وضع حد له، وبصفة نهائية، من أجل أن تبقى ثروات الشعوب للشعوب، بدل أن تصير تلك الثروات في أيدي قلة، تقف وراء كل هذا البؤس، وهذا الشقاء، الذي عانت، وتعاني منه الشعوب في البلاد العربية.
خامسا: تمكين جميع التنظيمات، التي كانت تعتبر تنظيمات غير مشروعة، من فرض شرعيتها النضالية، والدستورية، والقانونية. وهو ما يمكنها من المساهمة، من موقعها، في إعادة صياغة الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، كما هو الشأن بالنسبة للعديد من التنظيمات اليسارية، والتنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي، والتنظيمات الليبرالية، وغيرها، مما كان يعتبر في ظل الأنظمة المستبدة محرما دستوريا، وقانونيا، وواقعيا.
سادسا: إتاحة الفرصة أمام الحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، من أجل إعادة تقييم مسارها النضالي، والبحث عن السبل الأنجع، لجعل الجماهير الشعبية ترتبط بها، والوصول إعلاميا، وميدانيا، إلى كل أفراد الشعب، الذين قد يتعرفون، لأول مرة، على برامج الحركات المذكورة، حتى تصير لها على المدى المتوسط، والبعيد، مكانة متميزة، بين جميع أفراد الشعب، في أي بلد من البلاد العربية.
سابعا: بيان الأهمية البالغة للعمل المشترك، وهو ما يؤدي، ولا شك، إلى إعادة هيكلة الحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، في إطار تحالفات، أو جبهات معينة، سعيا إلى تحقيق الأهداف المشتركة على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.
ثامنا: فسح المجال أمام إمكانية الاندماج بين التنظيمات الديمقراطية، أو التقدمية، أو اليسارية، أو العمالية، سعيا إلى قيام تنظيمات قوية، وقادرة على مواجهة مختلف التحديات، التي قد تواجهها مستقبلا.
تاسعا: فسح المجال أمام مختلف التنظيمات المذكورة، من أجل تكريس تفاعلها الإيجابي، مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في إطار العلاقة الجدلية، التي يجب أن تقوم بين الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
عاشرا: أن تجاوز الأزمات الداخلية للحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، سيؤهلها للعب دور كبير، وأساسي، في البلاد العربية، لإعداد الشعوب في هذه البلاد، للانخراط في النضال من أجل تحقيق الاشتراكية، باعتبارها حلما للجماهير الشعبية الكادحة.
وهده الدروس مجتمعة، لا بد أن تجعل من الحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، محور اهتمام الجماهير الشعبية الكادحة.
السؤال الرابع: كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة، بشكل فاعل، في العملية السياسية، التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية؟ وما هو شكل هذه المشاركة؟
إن زوال الأنظمة الاستبدادية، لا يعني في نهاية المطاف، إلا زوال كل الحواجز، التي تحول دون المشاركة السياسية، بشكل فاعل، في العملية السياسية، وهو ما يعني:
أولا: تمكين اليسار بمختلف مكوناته، إما بشكل فردي، أو في إطار تحالفات معينة، من المشاركة السياسية، بعد تسوية الوضعية القانونية، حتى يمتلك شرعية الوجود القانوني، إلى جانب الشرعية النضالية القائمة في الواقع.
ثانيا: الانخراط الواسع في كل المحطات السياسية، وبشكل إيجابي، من أجل الوصول إلى الجماهير، وسعيا إلى صيرورته معروفا فيما بينها، حتى تقدم على دراسته، ودراسة برامجه، والتعرف على مواقفه من الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ودراسة البديل الاشتراكي، الذي يطرحه على المستوى القريب، والمتوسط، والبعيد.
ثالثا: الحرص على التواجد في مختلف المؤسسات المنتخبة، لتحقيق هدفين أساسيين:
الهدف الأول: مواجهة جميع المشاريع، التي تلحق الأضرار اللا محدودة، بالجماهير الشعبية الكادحة.
والهدف الثاني: طرح المشاريع البديلة، التي تستجيب إلى طموحات الجماهير الشعبية الكادحة، والدفاع عنها، وفضح كل الممارسات التي تحول دون الأخذ بها على المستوى الإعلامي، حتى يجعل الجماهير الشعبية الكادحة تواكب عمل اليسار، في مختلف المؤسسات المنتخبة: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية.
رابعا: إيجاد مؤسسة إعلامية يسارية: مرئية، ومسموعة، وورقية، وإليكترونية، تمكن من التواصل الإيجابي مع الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، ومن توضيح أطروحات اليسار: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن تفنيد مواقف الأطرف الأخرى السلبية من اليسار، ومن فضح كل المخططات التي تستهدف إعادة تنظيم الاستغلال الهمجي للجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.
وبالإضافة إلى ما ذكرنا، فإن على اليسار أن يتخلص من مرض الوثوقية، الذي كبل اليسار، ونمطه لعقود طويلة، والتعاطي جدلا مع الواقع، وبمنطق اشتراكي علمي دقيق، حتى يمتلك اليسار القراءة العلمية للواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يمكنه من المشاركة الفعالة في:
أولا: تفعيل المنظمات النقابية، التي تعتبر إطارات لارتباط اليسار بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والعمل على توعيتهم بأوضاعهم المادية، والمعنوية، في أفق ربطهم بالحركة اليسارية.
ثانيا: تفعيل الجمعيات الحقوقية، والثقافية، والتربوية، التي تعتبر إطارات للارتباط بأوسع الجماهير الشعبية، وبث الوعي اليساري في صفوفها.
ثالثا: الحرص على التواجد في المؤسسات المنتخبة، في مستوياتها المختلفة، من أجل المساهمة في تفعيلها، وتوجيه عملها لصالح الجماهير الشعبية الكادحة.
رابعا: الحرص، ومن منطلق مبدئي، على التواجد في الحكومة، من أجل تمكين وجهة نظر اليسار من التفعيل في مختلف القطاعات التي تدبرها الدولة.
والحرص على مشاركات من هذا النوع، ومن منطلق مبدئي، هو الذي يمكن اليسار من المشاركة الفعالة، في تغيير الواقع الموضوعي، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة.
السؤال الخامس: القوى اليسارية، في معظم الدول العربية، تعاني بشكل عام، من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة، تضم كل القوى اليسارية، والديمقراطية، والعلمانية، ببرنامج مشترك، في كل بلد عربي، مع الإبقاء على تعددية المنابر، يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية، والسياسية، وحركتها، وتأثيرها الجماهيري؟
إن مشكل قوى اليسار، والقوى الديمقراطية، والقوى العلمانية، هو التشتت، والتشرذم، اللذين يضعفان الفعل اليساري، في صفوف الجماهير الشعبية، وطليعتها الطبقة العاملة.
ولتجاوز التشتت، والتشرذم، نرى أنه من الضروري أن:
أولا: يفتح نقاش بين أطراف اليسار المختلفة، حول القضايا الأساسية: الأيديولوجية، والسياسية، والتنظيمية، بهدف الوصول إلى إيجاد قواسم مشتركة فيما بينها، تصير منطلقا لقيام تحالف يساري صرف، يقود العمل المشترك: أيديولوجيا، وتنظيميا، وجماهيريا، وسياسيا.
ثانيا: يفتح نقاش بين الحركات الديمقراطية، واليسار جزء منها، من أجل صياغة برنامج مشترك، يصير منطلقا لإقامة جبهة للنضال من أجل الديمقراطية؟
ثالثا: يفتح نقاش واسع بين الحركات العلمانية، من منطلق: أن اليسار جزء لا يتجزأ من الحركات العلمانية، ومن منطلق: أن الحركات الديمقراطية، كذلك، حركات علمانية، وعلى قاعدة أن العلمانية لا تتناقض مع الانتماء إلى اليسار، ومع الديمقراطية من أجل الوصول إلى وضع برنامج مشترك، تقوم على أساسه جبهة علمانية.
واليسار الذي تقتضي شروط تفعيل الحراك الجماهيري، في كل بلد من البلاد العربية، يطرح عليه توحيد جهود أطرافه، في إطار جبهة اليسار، التي صارت ضرورة تاريخية، قبل أي شيء آخر، كما يطرح عليه توحيد جهود الديمقراطيين، في إطار جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية، لقطع الطريق أمام الحركات التي لا تقتنع بالديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ويطرح عليه، كذلك، توحيد جهود العلمانيين: حركات، وأفرادا، في إطار جبهة علمانية، لتحقيق غايتين أساسيتين:
الغاية الأولى: تكريس الفهم العلمي، والصحيح للعلمانية، حتى لا توظف توظيفا سلبيا.
والغاية الثانية: النضال من أجل تحقيق نظام اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، وسياسي علماني، يخلص المجتمع العربي من الأنظمة المستغلة للدين، والمؤدلجة له، ويعمل على قطع الطريق أمام إقامة نظام سياسي، كما تتصوره الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي.
ولتوحيد جهود العلمانيين، لا بد من إقامة جبهة علمانية، ودون أن يشكل ذلك حرجا لليسار.
والجبهات الثلاث، تتكامل فيما بينها، في أفق تحقيق الأهداف المشتركة.
السؤال السادس: هل تستطيع الأحزاب اليسارية، قبول قيادات شابة، ونسائية، تقود حملاتها الانتخابية، وتتصدر واجهة هذه الأحزاب، بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير، وآفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية؟
إن الأحزاب اليسارية، بانخراطها في الحراك الجماهيري، في البلاد العربية، من خلال مناضليها الأوفياء، ومن خلال شبابها، وشاباتها، والمتعاطفين معها، تكون قد واتتها فرصة لا تعوض، من أجل ارتباطها بالجماهير بصفة عامة، وبالشباب والنساء بصفة خاصة، مما يجعلها ملزمة بالتعاطي مع الواقع الجديد، الذي يقتضي فسح المجال أمام المناضلات، والمناضلين الجدد، من النساء، والشباب، من التنظيم في الأحزاب اليسارية أولا، واستيعاب تاريخها، وأدبياتها، وبرامجها ثانيا، والانخراط في النضال من أجل تحقيق أهدافها ثالثا، من أجل التمرس على العمل الحزبي، بالإضافة إلى التمرس على العمل الجماهيري، من خلال الانخراط في الحراك الجماهيري في البلاد العربية، وحينها تكتسب النساء اليساريات، والشباب اليساري، تجربة الجدارة في التواجد في الأجهزة الحزبية، وتجربة تمثيل الحزب في مختلف المنظمات الجماهيرية، والمنتديات النسائية، والشبابية، على مستوى البلاد العربية، وعلى المستوى العالمي، بالإضافة إلى اكتساب جدارة الترشيح في مختلف المحطات الانتخابية، التي تجري في هذا البلد، أو ذاك، من البلاد العربية، من أجل التواجد في المؤسسات المنتخبة، باسم الأحزاب اليسارية، ومن أجل تحمل مسؤوليات المؤسسات المنتخبة، باسم الأحزاب اليسارية، ومن أجل تحمل مسؤوليات مختلف المؤسسات، بما فيها المؤسسة الحكومية، وإلا فإن أحزاب اليسار، ستعرف جمودا يقود إلى انحسارها، ويحول دون توسعها، وتطورها.
فالقيادات النسائية، والشابة، تعتبر إضافة جديدة لعمل الأحزاب اليسارية على المستوى النظري، وعلى مستوى الممارسة. وعلى القيادات اليسارية الحالية، أن تدرك أهمية تمكين الشباب الحزبي اليساري، من المسؤوليات، التي تتيح الفرصة أمام التوسع التنظيمي الحزبي، وأمام ارتباط الأحزاب اليسارية بأوسع الجماهير الشعبية، وفي مقدمتها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وإتاحة الفرصة أمام النساء، والشباب، لقيادة العمل الحزبي، ولتمثيل الأحزاب اليسارية في المؤسسات المنتخبة، وفي مختلف المنتديات، لا بد أن يؤدي إلى:
أولا: تطور، وتطوير نظريات الأحزاب اليسارية، حول الواقع الموضوعي في البلاد العربية، وفي كل بلد عربي على حدة، وعلى المستوى العالمي.
ثانيا: تطور، وتطوير أيديولوجيات الأحزاب اليسارية، في البلاد العربية، حتى تصير قادرة على السيادة، بصيرورتها أيديولوجيات الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.
ثالثا: تطور، وتطوير الصيغ التنظيمية اليسارية، تبعا لتطور، وتطوير أيديولوجيات الأحزاب اليسارية، مما يؤدي إلى التوسع التنظيمي اليساري في البلاد العربية.
رابعا: تطور، وتطوير المواقف السياسية، التي تصير معبرة عن طموحات الجماهير الشعبية الواسعة، التي من حقها أن تتمتع بالحرية، والديمقراطية، وأن تكون محكومة بالنظام الاشتراكي.
فالنساء، والشباب، عندما يلتحقون بالأحزاب اليسارية، لا بد أن يكون لهم دور بارز حزبيا، وجماهيريا، وإيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا.
السؤال السابع: قوى اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة، ومساواتها، ودورها الفعال. كيف يمكن تنشيط، وتعزيز ذلك داخل أحزابها، وعلى صعيد المجتمع؟
في البلاد العربية، تعتبر حقوق المرأة مهضومة، وكرامتها مهدورة، واليسار هو الجهة الوحيدة التي عرفت النضال المتواصل، من أجل تمتيع المرأة بحقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومن أجل حفظ كرامتها في المجتمع الاستغلالي الرأسمالي التبعي، المشبع بأدلجة الدين الإسلامي بالخصوص.
واليسار عندما يسعى إلى تمتيع المرأة بحقوقها، وحفظ كرامتها، فلأنه يرى أنها كالرجل، لا فرق بينهما، لا في الحقوق، ولا في الواجبات، تجاه المجتمع، وتجاه الإنسانية بصفة عامة.
ولتنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزاب اليسار، فالمرأة اليسارية، كالرجل اليساري، لا فرق بينهما، إذا توفرت الشروط المفترضة أيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا: نظريا، وممارسة، لإسناد المسؤوليات الحزبية الأساسية للمرأة، كما للرجل، ولتمثيل الحزب اليساري في مختلف المنتديات، واللقاءات، على مستوى البلد العربي الواحد، أو على مستوى البلاد العربية، أو على المستوى الدولي؛ لأن مساواة المرأة للرجل في الحقوق، وفي الواجبات، مع ضرورة استحضار خصوصية المرأة في شروط معينة، هو الذي يميز الأحزاب اليسارية، في تعاملها تنظيميا مع المرأة.
أما على مستوى المجتمع، فإن اليسار يسلك نفس المنهجية، عندما يتحمل المسؤوليات الحكومية، وعندما يصل إلى البرلمان، وعندما يتحمل المسؤوليات الجماعية. فهو عندما يتعامل مع المرأة، يستحضر كونها مساوية للرجل، ولها نفس الحقوق، وتزيد عليها بسبب خصوصيتها، وعليها نفس الواجبات، وهي كالرجل في الترشيح للانتخابات، والوصول إلى المؤسسات المنتخبة، وتحمل المسؤوليات الحكومية، أو البرلمانية، أو الجماعية، وتشغل نفس الوظائف الحكومية المركزية، والقطاعية، وأن تمارس الأعمال الحرة، كما يمارسها الرجل.
والشكل القائم في البلاد العربية، كما في بلدان المسلمين، أن المرأة تقبل بتكريس الدونية عليها، وتخضع، باختيارها، لإرادة الطبقة الحاكمة، ولمؤدلجي الدين الإسلامي في كل بلد من البلاد العربية، كما تقبل وصاية الرجل عليها، واعتبارها مجرد بضاعة تباع، وتشترى، في سوق الرقيق الأبيض. وقلما نجد قلة من النساء اللواتي يتحدين الواقع النمطي، المفروض على المرأة في البلاد العربية، والارتباط باليسار، والتنظيم فيهن والانخراط في نضالاته، من أجل رفع الحيف، الذي يلحق المجتمع ككل، والذي يلحق المرأة بالخصوص، وصولا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية كأهداف كبرى، تحقق العدالة في مستوياتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية للمرأة، كما للرجل، ولكن بعد نضال مرير، وبعد تقديم المزيد من التضحيات، التي تقتضيها مسارات اليسار النضالية.
السؤال الثامن: هل تتمكن الأحزاب اليسارية، والقوى العلمانية، في المجتمعات العربية، من الحد من تأثير الإسلام السياسي السلبي، على الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وقضايا المرأة، والتحرر؟
إن على الأحزاب اليسارية، والقوى العلمانية، في البلاد العربية، أن تعرف من هي؟ وماذا تريد؟ وتؤسس على معرفتها التدقيق في المفاهيم، التي يستعملها اليسار، أو يستعملها العلمانيون، سعيا إلى الوصول إلى مصوغات مفاهيمية يسارية، أو علمانية، مقبولة في صفوف الجماهير الشعبية، المعنية بالخطاب اليساري، وبالخطاب العلماني في نفس الوقت.
ولعل من المفاهيم التي يجب الوقوف عندها، مفهوم الإسلام السياسي، هذا المفهوم الذي يثير حساسية في صفوف الجماهير الشعبية، التي تومن بالإسلام كدين، وتعتقد أن ما يسمى في السؤال بالإسلام السياسي، هو الإسلام الصحيح. ولذلك نرى: أن على اليساريين، والعلمانيين، أن يميزوا في خطابهم بين مستويين:
أولا: مستوى الإسلام كدين يومن به غالبية أفراد المجتمع، في كل بلد من البلاد العربية.
ثانيا: مستوى الإسلام، أو الدين الإسلامي المؤدلج، الذي لا علاقة له بالدين الإسلامي، والموصوف بالإسلام السياسي، والموظف أيديولوجيا، وسياسيا للدين الإسلامي.
فالإسلام كدين، وكمعتقد للمسلمين، وكنص ديني تاريخي، يحترم كما تحترم كل المعتقدات، التي يومن بها أفراد الشعوب، في كل البلاد العربية.
أما الإسلام، كدين إسلامي مؤدلج، وكتوظيف سياسي للدين الإسلامي، من أجل الوصول إلى حشر المسلمين وراء الأنظمة المؤدلجة للدين الإسلامي، ووراء الأحزاب، والنقابات، والجماعات، والجمعيات المؤدلجة له كذلك، فإن على اليساريين، والعلمانيين، أن يعملوا على تفكيك أدلجته، وتفنيد طروحات المؤدلجين، أنى كانوا، والعمل على فضح ممارساتهم السياسية، التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي، سعيا إلى جعل المسلمين يميزون بين الدين الإسلامي، الذي يومنون به، وبين الدين الإسلامي المؤدلج، الذي يوظفه المؤدلجون في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، من منطلق أن الأدلجة تحريف للدين الإسلامي، وخروج عنه، وأن الدين الإسلامي يجب أن يبقى بعيدا عن الأيديولوجية، والسياسة، وأن المؤسسات الدينية يجب أن تبقى محايدة، وأن القيمين على تلك المؤسسات يجب أن يبتعدوا عن توظيفه إيديولوجيا، وسياسيا.
ومعلوم أن البلاد العربية، تأثرت سلبا بسيادة أدلجة الدين الإسلامي، على يد الدول، أو على يد الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، والجماعات، بجعل الدين الإسلامي قائما على الرهبانية، مع أنه لا رهبانية في الإسلام، ومثيرا للنعرات الطائفية، تبعا لتعدد المؤدلجين، الذين يتحولون إلى زعماء لطوائف، يقودون الصراع الطائفي / الطائفي، بالإضافة إلى تحريض المسلمين ضد المومنين بالمعتقدات الأخرى، وضد اللا دينيين، الذين من حقهم أن يطمئنوا على سلامة حياتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وهو ما يعني أن المؤدلجين يفسدون الحياة، وعن قصد، من أجل تسييد أيديولوجيتهم، في أفق وصولهم إلى السلطة، من أجل تكريس الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل.
ومعلوم، كذلك، أن الاستبداد الديني لا يعترف بشيء اسمه الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وقضية المرأة، والتحرر؛ لأن كل ذلك، في نظر المستبدين باسم الدين، خروج عن الدين الإسلامي. فهو كافر، وملحد. وفي عرفهم، فإن الكافر، والملحد، يجب تصفيته جسديا باسم الدين الإسلامي. وهو ما يتناقض مع الدين الإسلامي نفسه.
ولذلك، فمهمة مؤدلجي الدين الإسلامي، مهمة لا يمكن أن تقود إلا إلى تكريس تخلف البلاد العربية، وهذا التخلف، يفرض على اليساريين، وعلى العلمانيين، أن يجعلوا منه قضية مركزية في برامجهم، وفي تحالفاتهم، وفي إبداعاتهم النظرية، مهما كانت التضحيات التي يقدمونها، لأن المرحلة القادمة، بعد نجاح الثورات العربية، وبعد وصول مؤدلجي الدين الإسلامي إلى الحكم ،كما حصل في تونس، وفي ليبيا، ستعرف مواجهة أيديولوجية، وسياسية بين اليساريين، والعلمانيين من جهة، وبين مؤدلجي الدين الإسلامي من جهة ثانية. وعلى اليساريين والعلمانيين أن يستعدوا لذلك.
السؤال التاسع: ثورات العالم أثبتت دور، وأهمية تقنية المعلومات، والأنتيرنيت، وبشكل خاص الفيسبوك، والتويتر... إلخ. ألا يتطلب ذلك نوعا جديدا، وآليات جديدة، لقيادة الأحزاب اليسارية، وفق التطور العلمي، والمعرفي الكبير؟
إن تقنية المعلومات، والأنتيرنيت، والتويتر، والفيسبوك، أثبتت جدارتها في الحراك الشعبي، في البلاد العربية، أو في الثورات العربية، لكونها حطمت كل حواجز الرقابة الإعلامية، وقربت المسافات، وجعلت المعلومة رهن إشارة المتتبع، بعيدا عن الصحافة المكتوبة، وعن الفضائيات التي لا تمجد إلا الأنظمة الاستبدادية، ولا تروج إلا الفكر المكرس للاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
وهذا المعطى الجديد في مسار الإنسان في البلاد العربية، يجب أخذه بعين الاعتبار، باعتباره متاحا لكل إنسان، شرط أن يمتلك القدرة على استخدام الحاسوب، حتى يتمكن من فتحه، والشروع في عملية البحث، والتواصل مع الأصدقاء، والمعجبين، وأصحاب المجموعات، وغير ذلك، مما يمكن من توصيل المعلومة، واستقبالها، وبالسرعة الفائقة.
وهذا التطور الحاصل في المجال المعلوماتي، لا بد أن يؤدي إلى إعادة النظر في كل الآليات التقليدية، التي كانت معتمدة في تفعيل الأحزاب اليسارية بالخصوص، على مستوى تشبيب القيادات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، وعلى مستوى التواصل مع مختلف الأجهزة الحزبية، ومع جميع مناضلي الأحزاب اليسارية، وعلى مستوى أساليب التسيير اليومي للحزب، وعلى مستوى تفعيل القرارات الحزبية، في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، باعتماد التكنولوجية الحديثة، التي تجعل جميع أفراد المجتمع حاضرين في المشهد اليساري، ومساهمين في تطوره، وتطويره، عن طريق التفاعل الإيجابي مع أيديولوجيته، ومع الفكر اليساري، ومع الممارسة اليسارية، مما يعد بحق حافزا لاعتماد التكنولوجية الحديثة، للتعرف على التراث الاشتراكي، الذي أصبح متداولا، وبشكل كبير، في العديد من المواقع الإليكترونية. وهو ما يعطي دفعة كبيرة لليسار على المدى المتوسط، والبعيد، إذا قام مفكرو اليسار بنقض أدلجة الدين الإسلامي، وبالتمييز بينها، وبين الدين الإسلامي كمعتقد يجب احترامه، وإشاعة ذلك النقض، عن طريق التكنولوجية المعلوماتية المتطورة، التي تمكن اليسار من الوصول إلى أي نقطة من العالم.
وباعتماد التكنولوجية المعلوماتية الحديثة، والمتطورة، يجد اليسار نفسه مضطرا، كذلك، لمواكبة التطور العلمي، والمعرفي، الذي يساعد كثيرا على تطوير النظرية، والممارسة، والمنهج الاشتراكي العلمي، ويساعد على تطور، وتطوير التعاطي مع التكنولوجية الحديثة.
السؤال العاشر: بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن. كيف تقيمون مكانته الإعلامية، والسياسية، وتوجهه اليساري المنفتح، ومتعدد المنابر؟
للحوار المتمدن مسار نضالي إعلامي متميز، منذ تأسيسه قبل عشر سنوات. وهذا المسار النضالي، وقف وراء:
أولا: إعادة الاعتبار للتراث الماركسي، باعتباره تراثا إنسانيا، مما يجعله حاضرا في الفكر، وفي الممارسة النظرية، والعملية للمهتمين بالتراث الماركسي الإنساني، الذي تؤكد كل الشروط الموضوعية القائمة الآن في العالم، وعلى مستوى البلاد العربية، ضرورة الرجوع إليه.
ثانيا: التأكيد على أهمية دعم الحركة الديمقراطية في العالم، وعلى مستوى البلاد العربية بالخصوص، باعتبارها حركة مناضلة، من أجل إسقاط الاستبداد، وتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الحقوقية، وفسح المجال أمام الشعوب، من أجل أن تقوم بدورها الكامل في تقرير مصيرها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
ثالثا: فسح المجال أمام الحركة العلمانية، من أجل أن تتواصل مع القارئات، والقراء، من أجل حضور الفكر العلماني في الممارسة اليومية، وجعل هذا الفكر فاعلا في الواقع، في تجلياته المختلفة، وصولا إلى الاقتناع بضرورة علمنة المجتمع، وقيام الدولة العلمانية.
رابعا: إنضاج شروط إعادة الاعتبار لليسار على المستوى الإعلامي، وعلى مستوى الممارسة اليومية، التي أخذت تعيد لليسار مكانته، من خلال الفعل اليومي، حتى يتأتى له إعادة الانتشار من جديد، بعد أن عرف انكماشا، وتقوقعا، خلال السبعينيات، والثمانينيات، والتسعينيات من القرن العشرين، وخاصة بعد أن سقط الاتحاد السوفيتي السابق.
خامسا: تقوية الحركة العمالية، ودعمها من خلال تقوية أحزابها، التي تنطلق من أن الطبقة العاملة هي طليعة المجتمعات في البلاد العربية، وأن أحزاب الطبقة العاملة، التي تعتبر ديمقراطية، ويسارية، إلى جانب كونها عمالية، تلعب دورا أساسيا في قيادة النضالات السياسية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باعتبارها المعنية، بالدرجة الأولى، بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في أفق العمل على الانتقال إلى المرحلة الاشتراكية، على أسس علمية، وموضوعية دقيقة.
وهذا الوقوف وراء إعادة الاعتبار إلى التراث الماركسي، والتأكيد على أهمية دعم الحركة الديمقراطية، وفسح المجال أمام الحركة العلمانية، وإنضاج شروط إعادة الاعتبار لليسار، وتقوية الحركة العمالية، لا يمكن أن يضع الحوار المتمدن إلا في صدارة المواقع، التي تعطي أهمية قصوى لخدمة مصالح الكادحين: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعل منه بحق، منبرا للحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، بالإضافة إلى كونه منبرا علمانيا بامتياز.
ولذلك، وبهذه المناسبة: مناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، المتعدد المنابر، والذي يعتبر بحق، مؤسسة متعددة التخصصات، أتوجه بالاحترام والتقدير الكبيرين، إلى هيأة الحوار المتمدن، المشرفة على جميع منابر هذا الموقع، الذي يزداد زواره يوما بعد يوم، وإلى مؤسسيه بالخصوص، وإلى كل الكتاب الديمقراطيين، واليساريين، الذين يساهمون في تنشيطه.
وإني أنتظر المزيد من العطاء، ومن الإبداع، على صفحات الحوار المتمدن.
محمد الحنفي:
عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.
ابن جرير في 16 / 11 2011
أولا: توجيه الشكر، والتقدير، والاحترام اللا محدود، لمنبر الحوار المتمدن، كمنبر مناضل، يرجع له الفضل الكبير، في إعادة الاعتبار لليسار، واليساريين، وفي إعادة الحياة إلى التراث اليساري، وفي إتاحة الفرصة أمام جملة من الإبداعات اليسارية، والديمقراطية، والعلمانية، مما يعد، بحق، مساهمة فعالة في إغناء الفكر اليساري الموجه للممارسة اليسارية، التي سعت إلى قتلها الأنظمة الاستبدادية، ومعها مؤدلجو الدين الإسلامي، على اختلاف ألوانهم، الذين عملوا كل ما في وسعهم، من أجل اجتثاث جذور اليسار، من الأرض التي انغرس فيها، منذ عهد الاحتلال الأجنبي للبلاد العربية، كامتداد للمد اليساري، الذي عرفته مختلف القارات، في مراحل تاريخية معينة.
ثانيا: توجيه الشكر، والتقدير، إلى المشرفين على الحوار المتمدن، الذين يستميتون من أجل جعل هذا المنبر، يقوم بدوره كاملا، في دعم قوى اليسار على المستوى القطري، وعلى المستوى العربي، وعلى المستوى الإسلامي، وعلى المستوى العالمي، ويحرصون على أن يكون دورهم مكملا لدور الحركات اليسارية في البلاد العربية، وفي كل بلدان المسلمين، وعلى المستوى العالمي.
ثالثا: أن أعلن أن إحياء ذكرى تأسيس الحوار المتمدن، يجب أن يعرف إضافة جديدة، تتمثل في إعطاء الأهمية ل:
1) إعادة توضيح المفاهيم اليسارية، انطلاقا من الواقع المتغير باستمرار، خاصة، وأننا أمام أجيال لا علاقة لها بمفاهيم اليسار.
2) توضيح فهم اليسار للدين الإسلامي، كدين يومن به من اختاره دينا له، وللدين الإسلامي المؤدلج، الذي يسمونه كذلك ب: الإسلام السياسي.
3) العمل على نقض أدلجة الدين الإسلامي، مقابل التأكيد على ضرورة احترام المعتقدات الدينية المختلفة، ومنها الدين الإسلامي.
4) التأكيد على أن الهجوم على الإسلام، كدين، وعلى النص الديني، كمنتوج تاريخي، لا يخدم اليسار في شيء، بقدر ما يقلص الدائرة، أو المجال الذي يتحرك فيه اليسار.
5) وضع حد نهائي للهجوم المتبادل بين أطراف اليسار، أو بين مكوناته، مقابل الاعتراف المتبادل فيما بينها، والسعي إلى إقامة تحالفات يسارية على المدى القريب، أو المتوسط، أو البعيد، حول ما هو مشترك في برامجها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
السؤال الأول: هل كانت مشاركة القوى اليسارية، والنقابات العمالية، مؤثرة في هذه الثورات؟ وإلى أي مدى؟
إن من المسلمات الموضوعية، التي نعتبر الانطلاق منها ضروريا، للإجابة على هذا السؤال، تتمثل في:
أولا: أن اليسار، لا يمكن أن يعمل إلا في صفوف الجماهير، وطليعتها الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
ثانيا: أن هذا الحراك الجماهيري، الذي تعرفه البلاد العربية، والذي سماه السؤال ب "الثورات"، مستهدف من قبل كل الأطراف، التي عانت كثيرا من الأنظمة العربية، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
وبما أن ميزان القوى في البلاد التي تعرف حراكا جماهيريا، ليس لصالح اليسار، فإن تأثير قوى اليسار، على مستوى الأفكار، وضبط مسار الحراك، في أفق تحقيق الأهداف المسطرة، كان بارزا إلى حد كبير، على مستوى العمل المشترك، بين مختلف المكونات، ولكن على مستوى الإقناع، والاقتناع بوجهة نظر اليسار، في إعادة هيكلة الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، أي في إعادة هيكلة الدولة، يبقى التأثير ضعيفا إلى حد ما، ولكن هذا لا يعني أن على اليسار الانسحاب من الميدان، بل إن المجال صار مفتوحا أمام اليسار، من أجل إعادة صياغة الأفكار اليسارية، تجاه الواقع المتجدد، الذي أصبح يفرض التعامل معه، والفعل فيه، وخاصة بعد إسقاط الاستبداد، من أجل إعادة تشكيل العمل الجماهيري، في أفق خلق الاقتناع بضرورة تحييد الدين، بدل توظيفه، كما هو حاصل من المكونات المستفيدة من الحراك الجماهيري.
أما بالنسبة للنقابات، التي ينخرط فيها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإن علينا أن نفصل بين النقابات المناضلة فعلا، والنقابات التي لا علاقة لها بالنضال، لبيروقراطيتها، أو لحزبيتها، أو لتبعيتها لجهة معينة، أو لاعتبارها مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين.
فالنقابات المناضلة، ونظرا لديمقراطيتها، وتقدميتها، وجماهيريتها، واستقلاليتها، ووحدويتها، تضع برامجها النضالية، التي من بينها دعم الحراك الجماهيري، والتأثير فيه، والمشاركة في إنجازه، وتعبئ العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حول تلك البرامج، لتلعب بذلك دورا كبيرا في دفع الحراك الجماهيري، في اتجاه تحقيق الأهداف المرسومة، وخاصة على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لكون النقابات المناضلة، تربط بين النضال النقابي، والنضال السياسي.
أما النقابات التي لا علاقة لها بالنضال، نظرا لما ذكرنا سابقا، فإن تأثيرها في الحراك الجماهيري، لا يكون إلا سلبيا؛ لأن الحراك الجماهيري، لا يمكن أن يكون في صالح النقابات المذكورة، التي لا يمكن أن تنتج إلا البلاطجة.
وما قلناه في النقابات، يمكن أن نقوله، كذلك، في الإطارات الجماهيرية، أو الاتحادات الجماهيرية، كما ورد في السؤال، والتي تنقسم بدورها إلى اتحادات مناضلة، واتحادات لا علاقة لها بالنضال. فالاتحادات الجماهيرية المناضلة، تضع برامج نضالية، ومن بينها: المساهمة في الحراك الجماهيري في البلاد العربية، وتعبئة الجماهير الشعبية، من أجل الانخراط في تنفيذ تلك البرامج، من أجل تحقيق الأهداف المسطرة، بما فيها أهداف الحراك الجماهيري.
أما الاتحادات الجماهيرية، التي لا علاقة لها بالنضال، فإن برامجها لا تتجاوز تحقيق أهداف نخبتها، التي تصب في خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، وسائر الطبقات المستفيدة من الاستغلال.
السؤال الثاني: هل كان للاستبداد، والقمع في الدول العربية ،الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية، واليسارية، دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية، واليسارية؟
إن تاريخ الشعوب الحديث، في البلاد العربية، من المحيط إلى الخليج، هو تاريخ قمع الحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية. هذا القمع الذي اتخذ أبعادا متعددة: أيديولوجية، وسياسية، وقمعية، تتمثل في الاغتيالات، وفي الاعتقالات، وفي المحاكمات، وفي الأحكام الجائرة، التي استهدفت المناضلين الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعماليين، مما جعل هذه الشعوب تتجنب اتباع الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعماليين، حتى لا توصف بأحد أوصافهم، ومن أجل أن لا تصير مستهدفة بالقمع، في مستوياته المختلفة. وهو ما أدى إلى محاصرة كل الحركات المناضلة، وتحجيمها.
ومنذ استقلال الأنظمة العربية السياسي، وهذه الأنظمة تدعم الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، نظرا لدورها في:
أولا: تضليل الجماهير الشعبية الكادحة، عن طريق توهيمها، بأن أدلجة الدين الإسلامي، هي الإسلام الحقيقي، الذي عليهم أن يأخذوا به، وأن يتجنبوا اتباع الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعماليين، الذين يأخذون بما عند الغرب، كما يزعم مؤدلجوا الدين الإسلامي، ليصيروا كفارا، وملحدين.
ثانيا: القمع الأيديولوجي للمقتنعين بما عليه الأحزاب المذكورة، من أجل إثنائهم عن اتباع تلك الأحزاب.
ثالثا: العمل على اغتيال خيرة المناضلين الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعلمانيين، حتى يظهر للرأي العام: أن كل من اختار أن يصير مناضلا من أجل الديمقراطية، بصفته ديمقراطيا، أو من أجل تحقيق الاشتراكية، بصفته تقدميا، أو يساريا، أو عماليا، أو مناضلا من أجل أن تصير الدولة علمانية، بصفته علمانيا، فإن مصيره التصفية الجسدية. وهو ما أدى إلى أحد أمرين، كلاهما مر:
الأمر الأول: تخلي الحركة الديمقراطية، أو التقدمية، أو اليسارية، أو العمالية، عن أيديولوجيتها، وعن مواقفها السياسية، وانخراطها في منظومة التبعية للطبقة الحاكمة، في كل بلد من البلاد العربية، مما يجعل الجماهير الشعبية تحكم على الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، بخيانة الجماهير، التي كانت تنتظر منها أن تفعل شيئا من أجلها.
والأمر الثاني: الانكماش على الذات، وتجنب التحرك في الاتجاه الصحيح، لتجنب الاغتيال، كما حصل مع الشهداء: عمر بنجلون، ومهدي عامل، وحسين مروة، وفرج فودة، وغيرهم، ممن تم اغتيالهم على أيدي مؤدلجي الدين الإسلامي، أو خفافيش الظلام.
وإلى جانب ما يقوم به مؤدلجو الدين الإسلامي في حق المناضلين الأوفياء: الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، فإن البلاد العربية، عرفت، ومنذ استقلال دولها، اعتقالات، ومحاكمات سياسية، نتجت عنها أحكام جائرة، وصلت إلى حد حكم الإعدام، أو المؤب،د كما حصل في العديد من البلاد العربية. وهو ما جعل الجماهير الشعبية تتجنب الانخراط في هذه الأحزاب، وتلتمس أن تصير محايدة، وأن تبيع ضمائرها، في كل انتخابات تجري في هذا البلد، أو ذاك، من منطلق أن الذين يترشحون، لا يسعون إلا لخدمة مصالحهم.
ولذلك نجد أن الشروط الموضوعية، التي حكمت وجود الحركات الديمقراطية، واليسارية، والتي عرفت تحالفا تلقائيا، بين مؤدلجي الدين الإسلامي، وبين الأنظمة الحاكمة، من أجل اجتثاث تلك الحركات من الواقع العربي، مما أدى إلى نتيجتين أساسيتين:
النتيجة الأولى: استفحال أمر الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي حول الأنظمة العربية إلى أنظمة مستثمرة، عن طريق نهب ثروات الشعوب، وتهريبها إلى الأبناك الخارجية.
والنتيجة الثانية: اتساع دائرة الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، والتي أعتبرها شخصيا محرفة له، وهو ما جعل مرحلة الربيع العربي، فارزة لأنظمة قائمة على أساس أدلجة الدين الإسلامي.
السؤال الثالث: هل أعطت هذه الانتفاضات، والثورات، دروسا جديدة، وثمينة للقوى اليسارية، والديمقراطية، لتجديد نفسها، وتعزيز نشاطها، وابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
إن الانتفاضات التي تجري في إطار ما صار يعرف بالحراك العربي، أو في إطار الثورات العربية، من أجل تغيير الأنظمة القائمة، والتي أدت، بالفعل، إلى إسقاط بعضها، وإشراف البعض الآخر على السقوط، لا يمكن أن تمر هكذا، دون دروس تقدم للأجيال القادمة، والتي سيدونها التاريخ الإنساني، قبل أي تاريخ آخر. ومن هذه الدروس نجد:
أولا: إعادة الاعتبار للشعوب في البلاد العربية، التي عانت كثيرا من الأنظمة المستبدة، والمستعبدة للشعوب في البلاد العربية، والمكرسة لاستغلالها الهمجي، والناهبة لثرواتها، والواقفة وراء حرمان غالبيتها من الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
ثانيا: إسقاط الاستبداد، بسقوط الأنظمة المستبدة. فالعديد من البلاد العربية، وخاصة في تونس، وفي مصر، وفي ليبيا، وفسح المجال أمام إمكانية تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لإعادة صياغة أنظمة جديدة، تتحقق في إطارها طموحات الشعوب المقهورة.
ثالثا: إسقاط الاستعباد، الذي كان مفروضا على الشعوب في البلاد العربية، والسعي إلى تحقيق الحرية، بمضامينها المختلفة، التي ترجع للإنسان العربي مكانته، التي يجب أن يحظى بها في وطنه، وعلى المستوى العالمي، بتمكينه دستوريا، وقانونيا، وواقعيا، من التعبير عن رأيه في القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يصير كائنا فاعلا في واقعه، الذي لم يعد ثابتا، كما كان من قبل قيام الحراك العربي، كما لم يعد رهينا بإرادة الأنظمة المستبدة.
رابعا: فسح المجال أمام إمكانية التقليص من حدة الاستغلال المادي، والمعنوي، مما يجعل الشعوب في البلاد العربية، تطمح، على المدى المتوسط، والبعيد، إلى وضع حد له، وبصفة نهائية، من أجل أن تبقى ثروات الشعوب للشعوب، بدل أن تصير تلك الثروات في أيدي قلة، تقف وراء كل هذا البؤس، وهذا الشقاء، الذي عانت، وتعاني منه الشعوب في البلاد العربية.
خامسا: تمكين جميع التنظيمات، التي كانت تعتبر تنظيمات غير مشروعة، من فرض شرعيتها النضالية، والدستورية، والقانونية. وهو ما يمكنها من المساهمة، من موقعها، في إعادة صياغة الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، كما هو الشأن بالنسبة للعديد من التنظيمات اليسارية، والتنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي، والتنظيمات الليبرالية، وغيرها، مما كان يعتبر في ظل الأنظمة المستبدة محرما دستوريا، وقانونيا، وواقعيا.
سادسا: إتاحة الفرصة أمام الحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، من أجل إعادة تقييم مسارها النضالي، والبحث عن السبل الأنجع، لجعل الجماهير الشعبية ترتبط بها، والوصول إعلاميا، وميدانيا، إلى كل أفراد الشعب، الذين قد يتعرفون، لأول مرة، على برامج الحركات المذكورة، حتى تصير لها على المدى المتوسط، والبعيد، مكانة متميزة، بين جميع أفراد الشعب، في أي بلد من البلاد العربية.
سابعا: بيان الأهمية البالغة للعمل المشترك، وهو ما يؤدي، ولا شك، إلى إعادة هيكلة الحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، في إطار تحالفات، أو جبهات معينة، سعيا إلى تحقيق الأهداف المشتركة على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.
ثامنا: فسح المجال أمام إمكانية الاندماج بين التنظيمات الديمقراطية، أو التقدمية، أو اليسارية، أو العمالية، سعيا إلى قيام تنظيمات قوية، وقادرة على مواجهة مختلف التحديات، التي قد تواجهها مستقبلا.
تاسعا: فسح المجال أمام مختلف التنظيمات المذكورة، من أجل تكريس تفاعلها الإيجابي، مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في إطار العلاقة الجدلية، التي يجب أن تقوم بين الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
عاشرا: أن تجاوز الأزمات الداخلية للحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، سيؤهلها للعب دور كبير، وأساسي، في البلاد العربية، لإعداد الشعوب في هذه البلاد، للانخراط في النضال من أجل تحقيق الاشتراكية، باعتبارها حلما للجماهير الشعبية الكادحة.
وهده الدروس مجتمعة، لا بد أن تجعل من الحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، محور اهتمام الجماهير الشعبية الكادحة.
السؤال الرابع: كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة، بشكل فاعل، في العملية السياسية، التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية؟ وما هو شكل هذه المشاركة؟
إن زوال الأنظمة الاستبدادية، لا يعني في نهاية المطاف، إلا زوال كل الحواجز، التي تحول دون المشاركة السياسية، بشكل فاعل، في العملية السياسية، وهو ما يعني:
أولا: تمكين اليسار بمختلف مكوناته، إما بشكل فردي، أو في إطار تحالفات معينة، من المشاركة السياسية، بعد تسوية الوضعية القانونية، حتى يمتلك شرعية الوجود القانوني، إلى جانب الشرعية النضالية القائمة في الواقع.
ثانيا: الانخراط الواسع في كل المحطات السياسية، وبشكل إيجابي، من أجل الوصول إلى الجماهير، وسعيا إلى صيرورته معروفا فيما بينها، حتى تقدم على دراسته، ودراسة برامجه، والتعرف على مواقفه من الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ودراسة البديل الاشتراكي، الذي يطرحه على المستوى القريب، والمتوسط، والبعيد.
ثالثا: الحرص على التواجد في مختلف المؤسسات المنتخبة، لتحقيق هدفين أساسيين:
الهدف الأول: مواجهة جميع المشاريع، التي تلحق الأضرار اللا محدودة، بالجماهير الشعبية الكادحة.
والهدف الثاني: طرح المشاريع البديلة، التي تستجيب إلى طموحات الجماهير الشعبية الكادحة، والدفاع عنها، وفضح كل الممارسات التي تحول دون الأخذ بها على المستوى الإعلامي، حتى يجعل الجماهير الشعبية الكادحة تواكب عمل اليسار، في مختلف المؤسسات المنتخبة: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية.
رابعا: إيجاد مؤسسة إعلامية يسارية: مرئية، ومسموعة، وورقية، وإليكترونية، تمكن من التواصل الإيجابي مع الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، ومن توضيح أطروحات اليسار: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن تفنيد مواقف الأطرف الأخرى السلبية من اليسار، ومن فضح كل المخططات التي تستهدف إعادة تنظيم الاستغلال الهمجي للجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.
وبالإضافة إلى ما ذكرنا، فإن على اليسار أن يتخلص من مرض الوثوقية، الذي كبل اليسار، ونمطه لعقود طويلة، والتعاطي جدلا مع الواقع، وبمنطق اشتراكي علمي دقيق، حتى يمتلك اليسار القراءة العلمية للواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يمكنه من المشاركة الفعالة في:
أولا: تفعيل المنظمات النقابية، التي تعتبر إطارات لارتباط اليسار بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والعمل على توعيتهم بأوضاعهم المادية، والمعنوية، في أفق ربطهم بالحركة اليسارية.
ثانيا: تفعيل الجمعيات الحقوقية، والثقافية، والتربوية، التي تعتبر إطارات للارتباط بأوسع الجماهير الشعبية، وبث الوعي اليساري في صفوفها.
ثالثا: الحرص على التواجد في المؤسسات المنتخبة، في مستوياتها المختلفة، من أجل المساهمة في تفعيلها، وتوجيه عملها لصالح الجماهير الشعبية الكادحة.
رابعا: الحرص، ومن منطلق مبدئي، على التواجد في الحكومة، من أجل تمكين وجهة نظر اليسار من التفعيل في مختلف القطاعات التي تدبرها الدولة.
والحرص على مشاركات من هذا النوع، ومن منطلق مبدئي، هو الذي يمكن اليسار من المشاركة الفعالة، في تغيير الواقع الموضوعي، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة.
السؤال الخامس: القوى اليسارية، في معظم الدول العربية، تعاني بشكل عام، من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة، تضم كل القوى اليسارية، والديمقراطية، والعلمانية، ببرنامج مشترك، في كل بلد عربي، مع الإبقاء على تعددية المنابر، يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية، والسياسية، وحركتها، وتأثيرها الجماهيري؟
إن مشكل قوى اليسار، والقوى الديمقراطية، والقوى العلمانية، هو التشتت، والتشرذم، اللذين يضعفان الفعل اليساري، في صفوف الجماهير الشعبية، وطليعتها الطبقة العاملة.
ولتجاوز التشتت، والتشرذم، نرى أنه من الضروري أن:
أولا: يفتح نقاش بين أطراف اليسار المختلفة، حول القضايا الأساسية: الأيديولوجية، والسياسية، والتنظيمية، بهدف الوصول إلى إيجاد قواسم مشتركة فيما بينها، تصير منطلقا لقيام تحالف يساري صرف، يقود العمل المشترك: أيديولوجيا، وتنظيميا، وجماهيريا، وسياسيا.
ثانيا: يفتح نقاش بين الحركات الديمقراطية، واليسار جزء منها، من أجل صياغة برنامج مشترك، يصير منطلقا لإقامة جبهة للنضال من أجل الديمقراطية؟
ثالثا: يفتح نقاش واسع بين الحركات العلمانية، من منطلق: أن اليسار جزء لا يتجزأ من الحركات العلمانية، ومن منطلق: أن الحركات الديمقراطية، كذلك، حركات علمانية، وعلى قاعدة أن العلمانية لا تتناقض مع الانتماء إلى اليسار، ومع الديمقراطية من أجل الوصول إلى وضع برنامج مشترك، تقوم على أساسه جبهة علمانية.
واليسار الذي تقتضي شروط تفعيل الحراك الجماهيري، في كل بلد من البلاد العربية، يطرح عليه توحيد جهود أطرافه، في إطار جبهة اليسار، التي صارت ضرورة تاريخية، قبل أي شيء آخر، كما يطرح عليه توحيد جهود الديمقراطيين، في إطار جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية، لقطع الطريق أمام الحركات التي لا تقتنع بالديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ويطرح عليه، كذلك، توحيد جهود العلمانيين: حركات، وأفرادا، في إطار جبهة علمانية، لتحقيق غايتين أساسيتين:
الغاية الأولى: تكريس الفهم العلمي، والصحيح للعلمانية، حتى لا توظف توظيفا سلبيا.
والغاية الثانية: النضال من أجل تحقيق نظام اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، وسياسي علماني، يخلص المجتمع العربي من الأنظمة المستغلة للدين، والمؤدلجة له، ويعمل على قطع الطريق أمام إقامة نظام سياسي، كما تتصوره الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي.
ولتوحيد جهود العلمانيين، لا بد من إقامة جبهة علمانية، ودون أن يشكل ذلك حرجا لليسار.
والجبهات الثلاث، تتكامل فيما بينها، في أفق تحقيق الأهداف المشتركة.
السؤال السادس: هل تستطيع الأحزاب اليسارية، قبول قيادات شابة، ونسائية، تقود حملاتها الانتخابية، وتتصدر واجهة هذه الأحزاب، بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير، وآفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية؟
إن الأحزاب اليسارية، بانخراطها في الحراك الجماهيري، في البلاد العربية، من خلال مناضليها الأوفياء، ومن خلال شبابها، وشاباتها، والمتعاطفين معها، تكون قد واتتها فرصة لا تعوض، من أجل ارتباطها بالجماهير بصفة عامة، وبالشباب والنساء بصفة خاصة، مما يجعلها ملزمة بالتعاطي مع الواقع الجديد، الذي يقتضي فسح المجال أمام المناضلات، والمناضلين الجدد، من النساء، والشباب، من التنظيم في الأحزاب اليسارية أولا، واستيعاب تاريخها، وأدبياتها، وبرامجها ثانيا، والانخراط في النضال من أجل تحقيق أهدافها ثالثا، من أجل التمرس على العمل الحزبي، بالإضافة إلى التمرس على العمل الجماهيري، من خلال الانخراط في الحراك الجماهيري في البلاد العربية، وحينها تكتسب النساء اليساريات، والشباب اليساري، تجربة الجدارة في التواجد في الأجهزة الحزبية، وتجربة تمثيل الحزب في مختلف المنظمات الجماهيرية، والمنتديات النسائية، والشبابية، على مستوى البلاد العربية، وعلى المستوى العالمي، بالإضافة إلى اكتساب جدارة الترشيح في مختلف المحطات الانتخابية، التي تجري في هذا البلد، أو ذاك، من البلاد العربية، من أجل التواجد في المؤسسات المنتخبة، باسم الأحزاب اليسارية، ومن أجل تحمل مسؤوليات المؤسسات المنتخبة، باسم الأحزاب اليسارية، ومن أجل تحمل مسؤوليات مختلف المؤسسات، بما فيها المؤسسة الحكومية، وإلا فإن أحزاب اليسار، ستعرف جمودا يقود إلى انحسارها، ويحول دون توسعها، وتطورها.
فالقيادات النسائية، والشابة، تعتبر إضافة جديدة لعمل الأحزاب اليسارية على المستوى النظري، وعلى مستوى الممارسة. وعلى القيادات اليسارية الحالية، أن تدرك أهمية تمكين الشباب الحزبي اليساري، من المسؤوليات، التي تتيح الفرصة أمام التوسع التنظيمي الحزبي، وأمام ارتباط الأحزاب اليسارية بأوسع الجماهير الشعبية، وفي مقدمتها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وإتاحة الفرصة أمام النساء، والشباب، لقيادة العمل الحزبي، ولتمثيل الأحزاب اليسارية في المؤسسات المنتخبة، وفي مختلف المنتديات، لا بد أن يؤدي إلى:
أولا: تطور، وتطوير نظريات الأحزاب اليسارية، حول الواقع الموضوعي في البلاد العربية، وفي كل بلد عربي على حدة، وعلى المستوى العالمي.
ثانيا: تطور، وتطوير أيديولوجيات الأحزاب اليسارية، في البلاد العربية، حتى تصير قادرة على السيادة، بصيرورتها أيديولوجيات الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.
ثالثا: تطور، وتطوير الصيغ التنظيمية اليسارية، تبعا لتطور، وتطوير أيديولوجيات الأحزاب اليسارية، مما يؤدي إلى التوسع التنظيمي اليساري في البلاد العربية.
رابعا: تطور، وتطوير المواقف السياسية، التي تصير معبرة عن طموحات الجماهير الشعبية الواسعة، التي من حقها أن تتمتع بالحرية، والديمقراطية، وأن تكون محكومة بالنظام الاشتراكي.
فالنساء، والشباب، عندما يلتحقون بالأحزاب اليسارية، لا بد أن يكون لهم دور بارز حزبيا، وجماهيريا، وإيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا.
السؤال السابع: قوى اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة، ومساواتها، ودورها الفعال. كيف يمكن تنشيط، وتعزيز ذلك داخل أحزابها، وعلى صعيد المجتمع؟
في البلاد العربية، تعتبر حقوق المرأة مهضومة، وكرامتها مهدورة، واليسار هو الجهة الوحيدة التي عرفت النضال المتواصل، من أجل تمتيع المرأة بحقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومن أجل حفظ كرامتها في المجتمع الاستغلالي الرأسمالي التبعي، المشبع بأدلجة الدين الإسلامي بالخصوص.
واليسار عندما يسعى إلى تمتيع المرأة بحقوقها، وحفظ كرامتها، فلأنه يرى أنها كالرجل، لا فرق بينهما، لا في الحقوق، ولا في الواجبات، تجاه المجتمع، وتجاه الإنسانية بصفة عامة.
ولتنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزاب اليسار، فالمرأة اليسارية، كالرجل اليساري، لا فرق بينهما، إذا توفرت الشروط المفترضة أيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا: نظريا، وممارسة، لإسناد المسؤوليات الحزبية الأساسية للمرأة، كما للرجل، ولتمثيل الحزب اليساري في مختلف المنتديات، واللقاءات، على مستوى البلد العربي الواحد، أو على مستوى البلاد العربية، أو على المستوى الدولي؛ لأن مساواة المرأة للرجل في الحقوق، وفي الواجبات، مع ضرورة استحضار خصوصية المرأة في شروط معينة، هو الذي يميز الأحزاب اليسارية، في تعاملها تنظيميا مع المرأة.
أما على مستوى المجتمع، فإن اليسار يسلك نفس المنهجية، عندما يتحمل المسؤوليات الحكومية، وعندما يصل إلى البرلمان، وعندما يتحمل المسؤوليات الجماعية. فهو عندما يتعامل مع المرأة، يستحضر كونها مساوية للرجل، ولها نفس الحقوق، وتزيد عليها بسبب خصوصيتها، وعليها نفس الواجبات، وهي كالرجل في الترشيح للانتخابات، والوصول إلى المؤسسات المنتخبة، وتحمل المسؤوليات الحكومية، أو البرلمانية، أو الجماعية، وتشغل نفس الوظائف الحكومية المركزية، والقطاعية، وأن تمارس الأعمال الحرة، كما يمارسها الرجل.
والشكل القائم في البلاد العربية، كما في بلدان المسلمين، أن المرأة تقبل بتكريس الدونية عليها، وتخضع، باختيارها، لإرادة الطبقة الحاكمة، ولمؤدلجي الدين الإسلامي في كل بلد من البلاد العربية، كما تقبل وصاية الرجل عليها، واعتبارها مجرد بضاعة تباع، وتشترى، في سوق الرقيق الأبيض. وقلما نجد قلة من النساء اللواتي يتحدين الواقع النمطي، المفروض على المرأة في البلاد العربية، والارتباط باليسار، والتنظيم فيهن والانخراط في نضالاته، من أجل رفع الحيف، الذي يلحق المجتمع ككل، والذي يلحق المرأة بالخصوص، وصولا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية كأهداف كبرى، تحقق العدالة في مستوياتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية للمرأة، كما للرجل، ولكن بعد نضال مرير، وبعد تقديم المزيد من التضحيات، التي تقتضيها مسارات اليسار النضالية.
السؤال الثامن: هل تتمكن الأحزاب اليسارية، والقوى العلمانية، في المجتمعات العربية، من الحد من تأثير الإسلام السياسي السلبي، على الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وقضايا المرأة، والتحرر؟
إن على الأحزاب اليسارية، والقوى العلمانية، في البلاد العربية، أن تعرف من هي؟ وماذا تريد؟ وتؤسس على معرفتها التدقيق في المفاهيم، التي يستعملها اليسار، أو يستعملها العلمانيون، سعيا إلى الوصول إلى مصوغات مفاهيمية يسارية، أو علمانية، مقبولة في صفوف الجماهير الشعبية، المعنية بالخطاب اليساري، وبالخطاب العلماني في نفس الوقت.
ولعل من المفاهيم التي يجب الوقوف عندها، مفهوم الإسلام السياسي، هذا المفهوم الذي يثير حساسية في صفوف الجماهير الشعبية، التي تومن بالإسلام كدين، وتعتقد أن ما يسمى في السؤال بالإسلام السياسي، هو الإسلام الصحيح. ولذلك نرى: أن على اليساريين، والعلمانيين، أن يميزوا في خطابهم بين مستويين:
أولا: مستوى الإسلام كدين يومن به غالبية أفراد المجتمع، في كل بلد من البلاد العربية.
ثانيا: مستوى الإسلام، أو الدين الإسلامي المؤدلج، الذي لا علاقة له بالدين الإسلامي، والموصوف بالإسلام السياسي، والموظف أيديولوجيا، وسياسيا للدين الإسلامي.
فالإسلام كدين، وكمعتقد للمسلمين، وكنص ديني تاريخي، يحترم كما تحترم كل المعتقدات، التي يومن بها أفراد الشعوب، في كل البلاد العربية.
أما الإسلام، كدين إسلامي مؤدلج، وكتوظيف سياسي للدين الإسلامي، من أجل الوصول إلى حشر المسلمين وراء الأنظمة المؤدلجة للدين الإسلامي، ووراء الأحزاب، والنقابات، والجماعات، والجمعيات المؤدلجة له كذلك، فإن على اليساريين، والعلمانيين، أن يعملوا على تفكيك أدلجته، وتفنيد طروحات المؤدلجين، أنى كانوا، والعمل على فضح ممارساتهم السياسية، التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي، سعيا إلى جعل المسلمين يميزون بين الدين الإسلامي، الذي يومنون به، وبين الدين الإسلامي المؤدلج، الذي يوظفه المؤدلجون في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، من منطلق أن الأدلجة تحريف للدين الإسلامي، وخروج عنه، وأن الدين الإسلامي يجب أن يبقى بعيدا عن الأيديولوجية، والسياسة، وأن المؤسسات الدينية يجب أن تبقى محايدة، وأن القيمين على تلك المؤسسات يجب أن يبتعدوا عن توظيفه إيديولوجيا، وسياسيا.
ومعلوم أن البلاد العربية، تأثرت سلبا بسيادة أدلجة الدين الإسلامي، على يد الدول، أو على يد الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، والجماعات، بجعل الدين الإسلامي قائما على الرهبانية، مع أنه لا رهبانية في الإسلام، ومثيرا للنعرات الطائفية، تبعا لتعدد المؤدلجين، الذين يتحولون إلى زعماء لطوائف، يقودون الصراع الطائفي / الطائفي، بالإضافة إلى تحريض المسلمين ضد المومنين بالمعتقدات الأخرى، وضد اللا دينيين، الذين من حقهم أن يطمئنوا على سلامة حياتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وهو ما يعني أن المؤدلجين يفسدون الحياة، وعن قصد، من أجل تسييد أيديولوجيتهم، في أفق وصولهم إلى السلطة، من أجل تكريس الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل.
ومعلوم، كذلك، أن الاستبداد الديني لا يعترف بشيء اسمه الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وقضية المرأة، والتحرر؛ لأن كل ذلك، في نظر المستبدين باسم الدين، خروج عن الدين الإسلامي. فهو كافر، وملحد. وفي عرفهم، فإن الكافر، والملحد، يجب تصفيته جسديا باسم الدين الإسلامي. وهو ما يتناقض مع الدين الإسلامي نفسه.
ولذلك، فمهمة مؤدلجي الدين الإسلامي، مهمة لا يمكن أن تقود إلا إلى تكريس تخلف البلاد العربية، وهذا التخلف، يفرض على اليساريين، وعلى العلمانيين، أن يجعلوا منه قضية مركزية في برامجهم، وفي تحالفاتهم، وفي إبداعاتهم النظرية، مهما كانت التضحيات التي يقدمونها، لأن المرحلة القادمة، بعد نجاح الثورات العربية، وبعد وصول مؤدلجي الدين الإسلامي إلى الحكم ،كما حصل في تونس، وفي ليبيا، ستعرف مواجهة أيديولوجية، وسياسية بين اليساريين، والعلمانيين من جهة، وبين مؤدلجي الدين الإسلامي من جهة ثانية. وعلى اليساريين والعلمانيين أن يستعدوا لذلك.
السؤال التاسع: ثورات العالم أثبتت دور، وأهمية تقنية المعلومات، والأنتيرنيت، وبشكل خاص الفيسبوك، والتويتر... إلخ. ألا يتطلب ذلك نوعا جديدا، وآليات جديدة، لقيادة الأحزاب اليسارية، وفق التطور العلمي، والمعرفي الكبير؟
إن تقنية المعلومات، والأنتيرنيت، والتويتر، والفيسبوك، أثبتت جدارتها في الحراك الشعبي، في البلاد العربية، أو في الثورات العربية، لكونها حطمت كل حواجز الرقابة الإعلامية، وقربت المسافات، وجعلت المعلومة رهن إشارة المتتبع، بعيدا عن الصحافة المكتوبة، وعن الفضائيات التي لا تمجد إلا الأنظمة الاستبدادية، ولا تروج إلا الفكر المكرس للاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
وهذا المعطى الجديد في مسار الإنسان في البلاد العربية، يجب أخذه بعين الاعتبار، باعتباره متاحا لكل إنسان، شرط أن يمتلك القدرة على استخدام الحاسوب، حتى يتمكن من فتحه، والشروع في عملية البحث، والتواصل مع الأصدقاء، والمعجبين، وأصحاب المجموعات، وغير ذلك، مما يمكن من توصيل المعلومة، واستقبالها، وبالسرعة الفائقة.
وهذا التطور الحاصل في المجال المعلوماتي، لا بد أن يؤدي إلى إعادة النظر في كل الآليات التقليدية، التي كانت معتمدة في تفعيل الأحزاب اليسارية بالخصوص، على مستوى تشبيب القيادات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، وعلى مستوى التواصل مع مختلف الأجهزة الحزبية، ومع جميع مناضلي الأحزاب اليسارية، وعلى مستوى أساليب التسيير اليومي للحزب، وعلى مستوى تفعيل القرارات الحزبية، في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، باعتماد التكنولوجية الحديثة، التي تجعل جميع أفراد المجتمع حاضرين في المشهد اليساري، ومساهمين في تطوره، وتطويره، عن طريق التفاعل الإيجابي مع أيديولوجيته، ومع الفكر اليساري، ومع الممارسة اليسارية، مما يعد بحق حافزا لاعتماد التكنولوجية الحديثة، للتعرف على التراث الاشتراكي، الذي أصبح متداولا، وبشكل كبير، في العديد من المواقع الإليكترونية. وهو ما يعطي دفعة كبيرة لليسار على المدى المتوسط، والبعيد، إذا قام مفكرو اليسار بنقض أدلجة الدين الإسلامي، وبالتمييز بينها، وبين الدين الإسلامي كمعتقد يجب احترامه، وإشاعة ذلك النقض، عن طريق التكنولوجية المعلوماتية المتطورة، التي تمكن اليسار من الوصول إلى أي نقطة من العالم.
وباعتماد التكنولوجية المعلوماتية الحديثة، والمتطورة، يجد اليسار نفسه مضطرا، كذلك، لمواكبة التطور العلمي، والمعرفي، الذي يساعد كثيرا على تطوير النظرية، والممارسة، والمنهج الاشتراكي العلمي، ويساعد على تطور، وتطوير التعاطي مع التكنولوجية الحديثة.
السؤال العاشر: بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن. كيف تقيمون مكانته الإعلامية، والسياسية، وتوجهه اليساري المنفتح، ومتعدد المنابر؟
للحوار المتمدن مسار نضالي إعلامي متميز، منذ تأسيسه قبل عشر سنوات. وهذا المسار النضالي، وقف وراء:
أولا: إعادة الاعتبار للتراث الماركسي، باعتباره تراثا إنسانيا، مما يجعله حاضرا في الفكر، وفي الممارسة النظرية، والعملية للمهتمين بالتراث الماركسي الإنساني، الذي تؤكد كل الشروط الموضوعية القائمة الآن في العالم، وعلى مستوى البلاد العربية، ضرورة الرجوع إليه.
ثانيا: التأكيد على أهمية دعم الحركة الديمقراطية في العالم، وعلى مستوى البلاد العربية بالخصوص، باعتبارها حركة مناضلة، من أجل إسقاط الاستبداد، وتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الحقوقية، وفسح المجال أمام الشعوب، من أجل أن تقوم بدورها الكامل في تقرير مصيرها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
ثالثا: فسح المجال أمام الحركة العلمانية، من أجل أن تتواصل مع القارئات، والقراء، من أجل حضور الفكر العلماني في الممارسة اليومية، وجعل هذا الفكر فاعلا في الواقع، في تجلياته المختلفة، وصولا إلى الاقتناع بضرورة علمنة المجتمع، وقيام الدولة العلمانية.
رابعا: إنضاج شروط إعادة الاعتبار لليسار على المستوى الإعلامي، وعلى مستوى الممارسة اليومية، التي أخذت تعيد لليسار مكانته، من خلال الفعل اليومي، حتى يتأتى له إعادة الانتشار من جديد، بعد أن عرف انكماشا، وتقوقعا، خلال السبعينيات، والثمانينيات، والتسعينيات من القرن العشرين، وخاصة بعد أن سقط الاتحاد السوفيتي السابق.
خامسا: تقوية الحركة العمالية، ودعمها من خلال تقوية أحزابها، التي تنطلق من أن الطبقة العاملة هي طليعة المجتمعات في البلاد العربية، وأن أحزاب الطبقة العاملة، التي تعتبر ديمقراطية، ويسارية، إلى جانب كونها عمالية، تلعب دورا أساسيا في قيادة النضالات السياسية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باعتبارها المعنية، بالدرجة الأولى، بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في أفق العمل على الانتقال إلى المرحلة الاشتراكية، على أسس علمية، وموضوعية دقيقة.
وهذا الوقوف وراء إعادة الاعتبار إلى التراث الماركسي، والتأكيد على أهمية دعم الحركة الديمقراطية، وفسح المجال أمام الحركة العلمانية، وإنضاج شروط إعادة الاعتبار لليسار، وتقوية الحركة العمالية، لا يمكن أن يضع الحوار المتمدن إلا في صدارة المواقع، التي تعطي أهمية قصوى لخدمة مصالح الكادحين: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعل منه بحق، منبرا للحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، بالإضافة إلى كونه منبرا علمانيا بامتياز.
ولذلك، وبهذه المناسبة: مناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، المتعدد المنابر، والذي يعتبر بحق، مؤسسة متعددة التخصصات، أتوجه بالاحترام والتقدير الكبيرين، إلى هيأة الحوار المتمدن، المشرفة على جميع منابر هذا الموقع، الذي يزداد زواره يوما بعد يوم، وإلى مؤسسيه بالخصوص، وإلى كل الكتاب الديمقراطيين، واليساريين، الذين يساهمون في تنشيطه.
وإني أنتظر المزيد من العطاء، ومن الإبداع، على صفحات الحوار المتمدن.
محمد الحنفي:
عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.
ابن جرير في 16 / 11 2011