بالنسبة إلى جهاز القضاء، هناك ثلاثة مستويات لإصلاح هذا القطاع المعطوب: هناك القضاة وكتاب الضبط وجهاز الدفاع، أي المحامون. وطيلة أشهر وجهاز كتاب الضبط يحتج ويضرب عن العمل من أجل تنزيل مطالب القانون الأساسي لممتهني كتابة الضبط. وعوض أن تجد الحكومة حلا لهذه الكارثة التي تعطل محاكم المملكة ومعها شؤون عباد الله، اكتشفنا أن المحامين انضموا بدورهم بالأمس إلى هذه الحركة الاحتجاجية في أغلب محاكم المملكة وتوقفوا عن العمل ورددوا شعارات غاضبة بسبب وجودهم في حالة بطالة منذ أشهر طويلة بسبب الإضرابات الأسبوعية المتكررة لكتاب الضبط.
هذه الوضعية الخطيرة جدا التي وصلت إليها المحاكم تنذر بالأسوأ إذا لم يتم حلها عاجلا. والحل لا يوجد اليوم في يد وزير العدل، وإنما يوجد في يد وزير المالية الذي يتلكأ في تنفيذ الوعود المالية التي اتفق بشأنها وزير العدل مع النقابات الممثلة لموظفي وزارة العدل.
ويبدو أن وزير المالية صلاح الدين مزوار لديه فقط الوقت لكي يزور أحد مستشاري حزبه في إحدى مقاطعات الدار البيضاء الشعبية التي يعاني سكانها من مشاكل في السكن، في إطار المساندة الحزبية، لكنه لا يجد الوقت لمطالعة مئات المقالات التي ظلت تصدر في الصحافة منذ أشهر حول محنة كتاب الضبط. ولهذا لم يخجل من نفسه عندما صرح بأنه لم يكن على علم بوجود شيء اسمه «القانون الأساسي لكتاب الضبط».
وهذا عذر أقبح من الزلة، لا يفضح فقط استهانة وزير المالية بمشاكل كتاب الضبط، وإنما يفضح أيضا استهانته بمصالح آلاف المواطنين والمستثمرين المغاربة والأجانب الذين تعرقلت ملفاتهم القضائية في المحاكم بسبب الإضرابات المتكررة لكتاب الضبط.
لقد أعطى الملك تعليماته الواضحة للاعتناء بهذه الطبقة من موظفي وزارة العدل، والذين بدونهم لا يمكن أن تشتغل المحاكم بشكل طبيعي. وأمر الوزير الأول وزيره في المالية بالجلوس إلى ممثلي كتاب الضبط لحل مشكلهم ماليا. ورغم كل اللقاءات والاجتماعات التي عقدها وزير العدل مع ممثلي هؤلاء الموظفين، والتي انتهت بالوصول إلى اتفاق يقضي بتوقيف الإضرابات مقابل تحقيق جزء من المطالب الأساسية لشغيلة القطاع، نرى كيف أن وزير المالية يتجرأ على القول إنه لم يكن على علم بالقانون الأساسي لكتاب الضبط.
فهل ينتظر وزير المالية صلاح الدين مزوار أن يطلب منه إلياس العماري حل مشكل كتاب الضبط لكي يقوم بذلك؟
إن إنجاح ثورة إصلاح القضاء التي أطلقها الملك يمر بالضرورة عبر إصلاح الأوضاع الاجتماعية لكتاب الضبط. ومن يقف حجر عثرة أمام هذا الإصلاح فإنما يعرقل، في الواقع، نجاح ثورة الإصلاح داخل جسم القضاء.
وقد أصبح واضحا اليوم أن هناك جهات تبحث بكل الطرق والوسائل لإجهاض هذه الثورة وإفشالها عبر وضع العراقيل أمام أي اتفاق حكومي لتسوية ملف كتاب الضبط، وبالتالي فتح المحاكم على سلسلة متواصلة من الإضرابات ينضم إليها المحامون وتنتهي بإحداث شلل تام في المحاكم وعرقلة الجهاز القضائي بشكل تام.
هكذا، يتم إجهاض هذه الثورة البيضاء داخل جهاز القضاء حتى تظل لوبيات الفساد المسيطرة على الأجهزة القضائية داخل وزارة العدل ملتصقة بأماكنها، محكمة السيطرة على مناصبها وامتيازاتها وسلطاتها القضائية الواسعة.
عندما نرى كيف يشيـِّد مدراء مصالح في وزارة العدل ووكلاء عامون للملك قصورا في طريق زعير بالرباط تساوي الملايير، ويشترون ضيعات فلاحية شاسعة، ويؤسسون لأبنائهم وبناتهم شركات مجهولة الاسم ويتدخلون من أجل الحصول لها على صفقات بالملايير، نفهم أن المعركة ضد هؤلاء الفاسدين ستكون صعبة للغاية. إنهم أسوأ من بقايا حزب بنعلي الذي يرفض أن يتفكك في تونس لكي يتنفس الشعب أخيرا هواء الحرية.
إن أخطر ما يواجهه ملف كتاب الضبط اليوم هو الاستغلال الحزبي الضيق لمعركتهم من أجل تصفية الحسابات بين حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة الذي يعتبر صلاح الدين مزوار أحد أعضائه الأساسيين.
ومثلما صنع وزير المالية مزوار مع ملف 4500 من موظفي صندوق الضمان الاجتماعي عندما جمد ملفهم في الثلاجة للدفع بالوضعية الاجتماعية داخل هذه الإدارة نحو المزيد من الاحتقان، لسحب البساط من تحت أقدام المدير الحالي وتنصيب مدير جديد يقترحه عليه إلياس العماري، ليس شخصا آخر غير جعفر هيكل، المدير العام للتجمع الوطني للأحرار، فكذلك يصنع مع ملف كتاب الضبط عندما ادعى أنه لا علم له بقانونهم الأساسي.
وهذا اللعب بالملفات الاجتماعية يشبه كثيرا اللعب بالنار، خصوصا في قطاعات حساسة لديها علاقة مباشرة بمصالح المواطنين اليومية، كالضمان الاجتماعي والتقاضي أمام المحاكم.
إن وصول مجموعة من القطاعات إلى الباب المسدود، في حواراتها مع القطاعات الحكومية المسؤولة عنها، سببه ضعف وترهل الأحزاب السياسية ووصولها إلى مرحلة متقدمة من الفساد، بحيث أصبحت قياداتها مشغولة فقط بالتخطيط لتوريث الزعامة للأبناء والأصهار عوض الدفاع عن مصالح الطبقات الشعبية والعمالية أمام البرلمان.
لذلك فالحل الوحيد لإنقاذ هذه الأحزاب من التحول إلى جثة متعفنة يدوسها الجرار بعجلاته الفولاذية هو أن يبادر المناضلون الحقيقيون داخلها، سواء كانوا من الشباب أو من الجيل القديم، إلى القيام بثورة داخلية على قيادات هذه الأحزاب المتواطئة ضد مصالح الشعب وطبقاته العاملة.
إن هذا القتل الرحيم، الذي تتعرض له الأحزاب التاريخية على أيدي قيادييها، يعتبر جريمة سياسية نكراء لا يجب السكوت عليها، لأنها جريمة في حق نضال وجهاد الآلاف من المغاربة الذين أعطوا شبابهم وأعمارهم وأرواحهم من أجل أن ينعم المغرب بتعدديته الحزبية والسياسية.
ولعل المكان الذي يجب أن يفتح فيه النقاش العمومي حول هذه الثورة الداخلية المنتظرة وسط الأحزاب السياسية هو الإعلام العمومي، سوى أن هذا الإعلام العمومي المعول عليه مصاب بدوره بسكتة دماغية وحالة إغماء عميقة بدأت منذ قرر الماسكون بملف الإعلام العمومي إغلاق المجال في وجه النقاش العمومي قبل عشر سنوات.
لقد آن الأوان لكي يقطع الإعلام العمومي المغربي مع سياسة التجهيل والتمييع و«الاستحمار» التي يشنها يوميا على المغاربة. ما عاد مقبولا أن يستمر الإعلام العمومي في إجبار المغاربة على الهجرة نحو الفضائيات بحثا عن برامج يفقهون بها أنفسهم وأبناءهم في الدين والسياسة والثقافة، في الوقت الذي يمولون من جيوبهم ميزانيات إعلام عمومي يقتل فيهم الغيرة الوطنية والدينية ويحطم النواة الصلبة لعائلاتهم بسبب كل تلك المسلسلات الهجينة التي يستوردها ويحشو بها عقول ومخيلات أبناء وبنات المغاربة.
لقد كان المغرب سباقا قبل عشرين سنة إلى إنشاء أول قناة خاصة اسمها «القناة الثانية»، شكلت في بداياتها هامشا حقيقيا للنقاش العمومي الحر والجريء، فظهرت برامج حوارية سياسية ينشطها صحافيون أكفاء، ساهمت في إفراز نخبة سياسية ومثقفة استطاع كثير من «نجومها» أن يعبروا من بلاطوهات التلفزيون إلى كراسي الحكومة.
واليوم، بعد مضي أكثر من عشرين سنة على إنشاء هذه التجربة الإعلامية، أصبحت هذه القناة متخصصة في نقل سهرات الكباريهات الرخيصة، وعرض المسلسلات التافهة التي تحطم النسيج الأسري المغربي عبر تهييج مشاهديها جنسيا بتلك الأجساد المستوردة من دول أمريكا اللاتينية والهند وتركيا وغيرها من الثقافات البعيدة عن ثقافة المجتمع المغربي.
أما البرامج الحوارية التي يريد المشاهد المغربي متابعة قضاياه ومشاكله ومشاغله عبرها، فقد أصبحت شبه محظورة في قنوات الإعلام العمومي. وحده مصطفى العلوي، الذي يذكر المغاربة بسنوات الرصاص وإدريس البصري والقمع، مسموح له بمناقشة قضايا الساعة مع ضيوفه الذين ينادونه بمولاي مصطفى والذين لا يتردد في قمعهم ومعاملتهم مثلما يعامل المعلم تلاميذه الكسالى.
هذه، إذن، هي القطاعات الثلاثة التي تحتاج إلى ثورات داخلية عاجلة وهادئة: إعلام عمومي في خدمة قضايا المواطنين، وعدالة تنتصر لحقوق المظلومين، وأحزاب سياسية تعطي الأسبقية لمصالح الشعب وقضاياه العليا على مصالح الزعماء الشخصية ومصالح ذويهم وأقربائهم.
إنها ثورة الملك والشعب المتجددة، والتي يجب أن يساهم كل مغربي من موقعه في إنجاحها، حتى يتسع المغرب لكل أبنائه، بمن فيهم العاقون الذين يتمنون رؤيته مكبلا بأصفاد التخلف والفساد حتى تسهل عليهم سرقة جيوبه لوقت أطول.
هذه الوضعية الخطيرة جدا التي وصلت إليها المحاكم تنذر بالأسوأ إذا لم يتم حلها عاجلا. والحل لا يوجد اليوم في يد وزير العدل، وإنما يوجد في يد وزير المالية الذي يتلكأ في تنفيذ الوعود المالية التي اتفق بشأنها وزير العدل مع النقابات الممثلة لموظفي وزارة العدل.
ويبدو أن وزير المالية صلاح الدين مزوار لديه فقط الوقت لكي يزور أحد مستشاري حزبه في إحدى مقاطعات الدار البيضاء الشعبية التي يعاني سكانها من مشاكل في السكن، في إطار المساندة الحزبية، لكنه لا يجد الوقت لمطالعة مئات المقالات التي ظلت تصدر في الصحافة منذ أشهر حول محنة كتاب الضبط. ولهذا لم يخجل من نفسه عندما صرح بأنه لم يكن على علم بوجود شيء اسمه «القانون الأساسي لكتاب الضبط».
وهذا عذر أقبح من الزلة، لا يفضح فقط استهانة وزير المالية بمشاكل كتاب الضبط، وإنما يفضح أيضا استهانته بمصالح آلاف المواطنين والمستثمرين المغاربة والأجانب الذين تعرقلت ملفاتهم القضائية في المحاكم بسبب الإضرابات المتكررة لكتاب الضبط.
لقد أعطى الملك تعليماته الواضحة للاعتناء بهذه الطبقة من موظفي وزارة العدل، والذين بدونهم لا يمكن أن تشتغل المحاكم بشكل طبيعي. وأمر الوزير الأول وزيره في المالية بالجلوس إلى ممثلي كتاب الضبط لحل مشكلهم ماليا. ورغم كل اللقاءات والاجتماعات التي عقدها وزير العدل مع ممثلي هؤلاء الموظفين، والتي انتهت بالوصول إلى اتفاق يقضي بتوقيف الإضرابات مقابل تحقيق جزء من المطالب الأساسية لشغيلة القطاع، نرى كيف أن وزير المالية يتجرأ على القول إنه لم يكن على علم بالقانون الأساسي لكتاب الضبط.
فهل ينتظر وزير المالية صلاح الدين مزوار أن يطلب منه إلياس العماري حل مشكل كتاب الضبط لكي يقوم بذلك؟
إن إنجاح ثورة إصلاح القضاء التي أطلقها الملك يمر بالضرورة عبر إصلاح الأوضاع الاجتماعية لكتاب الضبط. ومن يقف حجر عثرة أمام هذا الإصلاح فإنما يعرقل، في الواقع، نجاح ثورة الإصلاح داخل جسم القضاء.
وقد أصبح واضحا اليوم أن هناك جهات تبحث بكل الطرق والوسائل لإجهاض هذه الثورة وإفشالها عبر وضع العراقيل أمام أي اتفاق حكومي لتسوية ملف كتاب الضبط، وبالتالي فتح المحاكم على سلسلة متواصلة من الإضرابات ينضم إليها المحامون وتنتهي بإحداث شلل تام في المحاكم وعرقلة الجهاز القضائي بشكل تام.
هكذا، يتم إجهاض هذه الثورة البيضاء داخل جهاز القضاء حتى تظل لوبيات الفساد المسيطرة على الأجهزة القضائية داخل وزارة العدل ملتصقة بأماكنها، محكمة السيطرة على مناصبها وامتيازاتها وسلطاتها القضائية الواسعة.
عندما نرى كيف يشيـِّد مدراء مصالح في وزارة العدل ووكلاء عامون للملك قصورا في طريق زعير بالرباط تساوي الملايير، ويشترون ضيعات فلاحية شاسعة، ويؤسسون لأبنائهم وبناتهم شركات مجهولة الاسم ويتدخلون من أجل الحصول لها على صفقات بالملايير، نفهم أن المعركة ضد هؤلاء الفاسدين ستكون صعبة للغاية. إنهم أسوأ من بقايا حزب بنعلي الذي يرفض أن يتفكك في تونس لكي يتنفس الشعب أخيرا هواء الحرية.
إن أخطر ما يواجهه ملف كتاب الضبط اليوم هو الاستغلال الحزبي الضيق لمعركتهم من أجل تصفية الحسابات بين حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة الذي يعتبر صلاح الدين مزوار أحد أعضائه الأساسيين.
ومثلما صنع وزير المالية مزوار مع ملف 4500 من موظفي صندوق الضمان الاجتماعي عندما جمد ملفهم في الثلاجة للدفع بالوضعية الاجتماعية داخل هذه الإدارة نحو المزيد من الاحتقان، لسحب البساط من تحت أقدام المدير الحالي وتنصيب مدير جديد يقترحه عليه إلياس العماري، ليس شخصا آخر غير جعفر هيكل، المدير العام للتجمع الوطني للأحرار، فكذلك يصنع مع ملف كتاب الضبط عندما ادعى أنه لا علم له بقانونهم الأساسي.
وهذا اللعب بالملفات الاجتماعية يشبه كثيرا اللعب بالنار، خصوصا في قطاعات حساسة لديها علاقة مباشرة بمصالح المواطنين اليومية، كالضمان الاجتماعي والتقاضي أمام المحاكم.
إن وصول مجموعة من القطاعات إلى الباب المسدود، في حواراتها مع القطاعات الحكومية المسؤولة عنها، سببه ضعف وترهل الأحزاب السياسية ووصولها إلى مرحلة متقدمة من الفساد، بحيث أصبحت قياداتها مشغولة فقط بالتخطيط لتوريث الزعامة للأبناء والأصهار عوض الدفاع عن مصالح الطبقات الشعبية والعمالية أمام البرلمان.
لذلك فالحل الوحيد لإنقاذ هذه الأحزاب من التحول إلى جثة متعفنة يدوسها الجرار بعجلاته الفولاذية هو أن يبادر المناضلون الحقيقيون داخلها، سواء كانوا من الشباب أو من الجيل القديم، إلى القيام بثورة داخلية على قيادات هذه الأحزاب المتواطئة ضد مصالح الشعب وطبقاته العاملة.
إن هذا القتل الرحيم، الذي تتعرض له الأحزاب التاريخية على أيدي قيادييها، يعتبر جريمة سياسية نكراء لا يجب السكوت عليها، لأنها جريمة في حق نضال وجهاد الآلاف من المغاربة الذين أعطوا شبابهم وأعمارهم وأرواحهم من أجل أن ينعم المغرب بتعدديته الحزبية والسياسية.
ولعل المكان الذي يجب أن يفتح فيه النقاش العمومي حول هذه الثورة الداخلية المنتظرة وسط الأحزاب السياسية هو الإعلام العمومي، سوى أن هذا الإعلام العمومي المعول عليه مصاب بدوره بسكتة دماغية وحالة إغماء عميقة بدأت منذ قرر الماسكون بملف الإعلام العمومي إغلاق المجال في وجه النقاش العمومي قبل عشر سنوات.
لقد آن الأوان لكي يقطع الإعلام العمومي المغربي مع سياسة التجهيل والتمييع و«الاستحمار» التي يشنها يوميا على المغاربة. ما عاد مقبولا أن يستمر الإعلام العمومي في إجبار المغاربة على الهجرة نحو الفضائيات بحثا عن برامج يفقهون بها أنفسهم وأبناءهم في الدين والسياسة والثقافة، في الوقت الذي يمولون من جيوبهم ميزانيات إعلام عمومي يقتل فيهم الغيرة الوطنية والدينية ويحطم النواة الصلبة لعائلاتهم بسبب كل تلك المسلسلات الهجينة التي يستوردها ويحشو بها عقول ومخيلات أبناء وبنات المغاربة.
لقد كان المغرب سباقا قبل عشرين سنة إلى إنشاء أول قناة خاصة اسمها «القناة الثانية»، شكلت في بداياتها هامشا حقيقيا للنقاش العمومي الحر والجريء، فظهرت برامج حوارية سياسية ينشطها صحافيون أكفاء، ساهمت في إفراز نخبة سياسية ومثقفة استطاع كثير من «نجومها» أن يعبروا من بلاطوهات التلفزيون إلى كراسي الحكومة.
واليوم، بعد مضي أكثر من عشرين سنة على إنشاء هذه التجربة الإعلامية، أصبحت هذه القناة متخصصة في نقل سهرات الكباريهات الرخيصة، وعرض المسلسلات التافهة التي تحطم النسيج الأسري المغربي عبر تهييج مشاهديها جنسيا بتلك الأجساد المستوردة من دول أمريكا اللاتينية والهند وتركيا وغيرها من الثقافات البعيدة عن ثقافة المجتمع المغربي.
أما البرامج الحوارية التي يريد المشاهد المغربي متابعة قضاياه ومشاكله ومشاغله عبرها، فقد أصبحت شبه محظورة في قنوات الإعلام العمومي. وحده مصطفى العلوي، الذي يذكر المغاربة بسنوات الرصاص وإدريس البصري والقمع، مسموح له بمناقشة قضايا الساعة مع ضيوفه الذين ينادونه بمولاي مصطفى والذين لا يتردد في قمعهم ومعاملتهم مثلما يعامل المعلم تلاميذه الكسالى.
هذه، إذن، هي القطاعات الثلاثة التي تحتاج إلى ثورات داخلية عاجلة وهادئة: إعلام عمومي في خدمة قضايا المواطنين، وعدالة تنتصر لحقوق المظلومين، وأحزاب سياسية تعطي الأسبقية لمصالح الشعب وقضاياه العليا على مصالح الزعماء الشخصية ومصالح ذويهم وأقربائهم.
إنها ثورة الملك والشعب المتجددة، والتي يجب أن يساهم كل مغربي من موقعه في إنجاحها، حتى يتسع المغرب لكل أبنائه، بمن فيهم العاقون الذين يتمنون رؤيته مكبلا بأصفاد التخلف والفساد حتى تسهل عليهم سرقة جيوبه لوقت أطول.