خلال هذه الأيام تنظم شبيبة العدالة والتنمية حملة وطنية تحت شعار: "لا سياسة بدون أخلاق"، وهي مناسبة للتأمل في دلالات المفهومين: "السياسة والأخلاق" وإشكالية العلاقة بينهما في سياقنا المغربي، تبين معها أن المشكلة تجد جذورها في اختلاف المرجعيات الفكرية المؤطرة للفاعلين السياسيين وفي اختلاف نظرة كل واحد لمفهوم السياسة ولمفهوم الأخلاق.
ب
عبد العلي حامي الدين
النسبة للتعريفات التي أعطيت لمفهوم السياسة فقد تأثرت بالبيئة الفكرية والمذهبية وبالمرجعيات الإيديولوجية المختلفة، ولذلك فإن هناك الكثير من التعريفات السائدة، لكنها في معظمها تتمحور حول مفهوم السلطة، باعتبارها ضرورة من ضرورات التنظيم الاجتماعي وباعتبار ارتباطها بالتأثير والنفوذ والتحكم في الموارد وما تجلبه من مكاسب وامتيازات مادية ومعنوية...في التراث العربي الإسلامي نعثر على تعريفات أخرى للسياسة من قبيل أن "السياسة هي ما كان الناس معه أبعد عن الفساد وأقرب للصلاح.." (بن عقيل الحنبلي) أو أن "السياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه" (ابن خلدون). هذه التعريفات تقرن مفهوم السياسة بمفهوم الإصلاح، أكثر منه بمفهوم السلطة والتحكم..
أما عن مفهوم الأخلاق فإني سأقف عند الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه عليه السلام:"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا..."..الملفت للانتباه في هذا الحديث هو الربط بين الإيمان والأخلاق، وإذا سمحت لنفسي باستنباط بعض التفسيرات لهذا الحديث فإني أزعم أن الأخلاق الحقيقية هي التي تتأسس على الإيمان، وكلما اكتمل إيمان الفرد وتعمق فهمه لقضاياه كلما تحسنت أخلاقه وارتقت إلى درجة أحسن..
والمقصود بالإيمان ببساطة هو الإيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته والإيمان بالغيب وبالقدر خيره وشره..
أما عن إشكالية العلاقة بين الأخلاق والسياسة، فإن المذهب الواقعي في السياسة الذي أسسه ميكيافيلي ولازال حاضرا في الحياة السياسية المعاصرة يجرد السياسة من أي اعتبارات أخلاقية، ولازالت نصائحه المدونة في كتاب الأمير ملهمة لكل من يريد أن يمارس السياسة بغرض الحصول على السلطة والمحافظة عليها ويسعى لممارسة القوة والنفوذ، غير أن ميكيافيلي الذي نجح على صعيد الفكر والتنظير فشل فشلا ذريعا في عالم السياسة والسلطة، وهذا هو الجانب المجهول عند كثير من الناس في حياة الرجل..
أعود إلى علاقة الأخلاق بالسياسة في الخلاصة التي نريد أن نصل إليها في هذه المقالة وهي أن الأخلاق بعمقها الإيماني هي أساس الممارسة السياسية بمفهومها الإصلاحي، أي أن السياسة التي تقترن بمفهوم الإصلاح لا يمكن أن تتطور إلا بالاستناد على الأخلاق، والأخلاق بدورها لا يمكن أن تكون أخلاقا حقيقية ومتينة إلا إذا ارتكزت على الإيمان العميق..
وتبعا لذلك فإن علاقة الإنسان المسلم بالسياسة لا يمكن أن تكون ناجحة إلا إذا كانت علاقته بربه علاقة سليمة..وهذا المعنى يتأكد في الكثير من السياقات الأخرى..
حاجتنا إلى تعميق الأخلاق بعمقها الإيماني في الممارسة السياسية حاجة مستعجلة، خصوصا عندما وصلت درجة الانحطاط في السياسة إلى درجة تهدد بخراب العمران، بعدما استشرى الجشع في النخبة السياسية وأضحت تختزل مفهوم السياسة في اللهث وراء المنصب والغنيمة، وأصبح التعبير عن الخلاف السياسي لا يخضع لأية ضوابط أخلاقية..قال ابن خلدون في سياق لا يختلف كثيرا عن واقعنا: " صارت الدول لاباع لها إلا في تسخير الناس بغير حق، وتصريف الآدميين طوع الرغبات والشهوات، وإرهاق التجار بالمغارم والمكوس الجائرة، وغير ذلك من آيات الظلم الذاهب بأسباب الرجاء والانشراح، المؤذن بخراب العمران، العائد بالوبال على دوائر السلطان".
لعل واقعنا لا يختلف كثيرا عن الصورة التي رسمها ابن خلدون عن زمانه... إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ب
عبد العلي حامي الدين
النسبة للتعريفات التي أعطيت لمفهوم السياسة فقد تأثرت بالبيئة الفكرية والمذهبية وبالمرجعيات الإيديولوجية المختلفة، ولذلك فإن هناك الكثير من التعريفات السائدة، لكنها في معظمها تتمحور حول مفهوم السلطة، باعتبارها ضرورة من ضرورات التنظيم الاجتماعي وباعتبار ارتباطها بالتأثير والنفوذ والتحكم في الموارد وما تجلبه من مكاسب وامتيازات مادية ومعنوية...في التراث العربي الإسلامي نعثر على تعريفات أخرى للسياسة من قبيل أن "السياسة هي ما كان الناس معه أبعد عن الفساد وأقرب للصلاح.." (بن عقيل الحنبلي) أو أن "السياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه" (ابن خلدون). هذه التعريفات تقرن مفهوم السياسة بمفهوم الإصلاح، أكثر منه بمفهوم السلطة والتحكم..
أما عن مفهوم الأخلاق فإني سأقف عند الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه عليه السلام:"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا..."..الملفت للانتباه في هذا الحديث هو الربط بين الإيمان والأخلاق، وإذا سمحت لنفسي باستنباط بعض التفسيرات لهذا الحديث فإني أزعم أن الأخلاق الحقيقية هي التي تتأسس على الإيمان، وكلما اكتمل إيمان الفرد وتعمق فهمه لقضاياه كلما تحسنت أخلاقه وارتقت إلى درجة أحسن..
والمقصود بالإيمان ببساطة هو الإيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته والإيمان بالغيب وبالقدر خيره وشره..
أما عن إشكالية العلاقة بين الأخلاق والسياسة، فإن المذهب الواقعي في السياسة الذي أسسه ميكيافيلي ولازال حاضرا في الحياة السياسية المعاصرة يجرد السياسة من أي اعتبارات أخلاقية، ولازالت نصائحه المدونة في كتاب الأمير ملهمة لكل من يريد أن يمارس السياسة بغرض الحصول على السلطة والمحافظة عليها ويسعى لممارسة القوة والنفوذ، غير أن ميكيافيلي الذي نجح على صعيد الفكر والتنظير فشل فشلا ذريعا في عالم السياسة والسلطة، وهذا هو الجانب المجهول عند كثير من الناس في حياة الرجل..
أعود إلى علاقة الأخلاق بالسياسة في الخلاصة التي نريد أن نصل إليها في هذه المقالة وهي أن الأخلاق بعمقها الإيماني هي أساس الممارسة السياسية بمفهومها الإصلاحي، أي أن السياسة التي تقترن بمفهوم الإصلاح لا يمكن أن تتطور إلا بالاستناد على الأخلاق، والأخلاق بدورها لا يمكن أن تكون أخلاقا حقيقية ومتينة إلا إذا ارتكزت على الإيمان العميق..
وتبعا لذلك فإن علاقة الإنسان المسلم بالسياسة لا يمكن أن تكون ناجحة إلا إذا كانت علاقته بربه علاقة سليمة..وهذا المعنى يتأكد في الكثير من السياقات الأخرى..
حاجتنا إلى تعميق الأخلاق بعمقها الإيماني في الممارسة السياسية حاجة مستعجلة، خصوصا عندما وصلت درجة الانحطاط في السياسة إلى درجة تهدد بخراب العمران، بعدما استشرى الجشع في النخبة السياسية وأضحت تختزل مفهوم السياسة في اللهث وراء المنصب والغنيمة، وأصبح التعبير عن الخلاف السياسي لا يخضع لأية ضوابط أخلاقية..قال ابن خلدون في سياق لا يختلف كثيرا عن واقعنا: " صارت الدول لاباع لها إلا في تسخير الناس بغير حق، وتصريف الآدميين طوع الرغبات والشهوات، وإرهاق التجار بالمغارم والمكوس الجائرة، وغير ذلك من آيات الظلم الذاهب بأسباب الرجاء والانشراح، المؤذن بخراب العمران، العائد بالوبال على دوائر السلطان".
لعل واقعنا لا يختلف كثيرا عن الصورة التي رسمها ابن خلدون عن زمانه... إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.