فارق الحياة الصحفي المعروف خالد الجامعي، ورزئ الجسم الإعلامي الوطني في قامة مهنية كبيرة كانت لها بصمتها الخاصة في ممارستنا الصحفية وفِي السيرة العامة لمهنتنا.
الجامعي، الذي شغل رئاسة تحرير يومية» لوبينيون»لسنوات، وبالرغم من كل الاختلافات التي قد يسجلها العديدون معه في الرأي أو التحليل، فلا أحد يمكن أن ينكر كونه من الصحفيين الذين قرنوا بين ممارسة المهنة والتعبير عن أفكار وقناعات والتزامات بانشغالات الناس وقضايا البلاد، ومن ثم استثمر قلمه ومهنته للإعلان عن آرائه ومواقفه ورؤاه للحياة والسياسة والمجتمع، وأمثال هؤلاء الصحفيين كم يحتاجهم حقلنا المهني اليوم، من أجل الرفع من مستويات الأداء وترسيخ التعددية الموضوعية وتقوية الثقة بين شعبنا ومجتمعنا وصحافتنا الوطنية.
الراحل خالد الجامعي، أوقعته سياقات الزمن السياسي والإعلامي المغربي للعقود المنصرمة في مواقع ومواقف مركبة ومعقدة، وامتلك داخلها الرؤى والتقييمات التي دافع عنها، كما عرف بمزاجيته التي تميزه، وأيضا باختلافه مع العديدين واختلاف آخرين معه في كثير أشياء، ولكنه أصر دائما على الحضور، وبقي مستمرا في المهنة وفِي الصورة العامة منشغلا بالقضايا العامة للبلاد، ولا يتردد في الإفصاح عن مواقفه منها، مهما كانت مختلفة مع آخرين، ولو كانوا من المقربين منه، ولهذا بقي خالد الجامعي متفردا ضمن جيله، وعاش مختلفا، ولكل هذا لم يكن ممكنا أن يعبرنا حضوره بلا أثر أو انتباه أو… بصمة تعرفنا به.
الصحفيون من جيل وحجم خالد الجامعي تميزوا بالاهتمام الواسع بالمعرفة وامتلاك الإطلاع في مجالات السياسة والثقافة والفنون واللغات، وقضايا المجتمع والناس، والكثيرون منهم عرفوا بامتلاك مواقف ملتزمة بأفكار سياسية وقناعات مبدئية، وهذا ما كان يجعل أداءهم المهني متسما بالعمق والرصانة والاجتهاد، فضلا على أن ذلك يمنح للمشهد الإعلامي الوطني تعددية حقيقية في الرأي والفكر، ويكسبه حيوية متميزة…
الأجيال الحالية من الصحفيات والصحفيين يجب أن تستلهم هذا الدرس المركزي، وأن تنكب المهنة برمتها على تمثله، وأن تعمل على تمتين التكوين الأساسي للمهنيين وتنمية قدراتهم المعرفية والسياسية والثقافية، فضلا عن التمرس المهني والتقني، وذلك بغاية تطوير المهنة وتحقيق صحافة الجودة في بلادنا، وأيضا لتعزيز ثقة المجتمع المغربي في صحافته الوطنية.
هي مسؤولية المهنيين أولا، فرديا وجماعيا، ومن ضمن أدوار منظمات ومؤسسات المهنة، علاوة على أن الأمر يندرج كذلك ضمن مسؤولية الدولة والمجتمع، باعتبار أهمية الصحافة والإعلام ودورهما المحوري والإستراتيجي لتحقيق التنمية وتطوير الديمقراطية…
رحيل خالد الجامعي، ورحيل مهنيين كبار في فترات أخرى من قبل، يحملنا جميعا مسؤولية تثمين مساراتهم المهنية والوطنية وتخليدها، كما يفرض علينا استيعاب درس السيرة والاستفادة منه للمستقبل.
واسع الرحمة لصديقنا وزميلنا خالد.
جميل الصبر والمواساة لأسرته الصغيرة.
عزاؤنا واحد في هذا الرزي الفادح.