على المثقفين استقراء التحولات التاريخية قبل ان تفرض عليهم دروسا واسقاطات قبلية
قبل التطرق إلى دروس “كورونا ,من كان يظن قبل شهور، أن أفلام الخيال العلمي العالمية ستتحول إلى وقائع، مثلما سيتحول الواقع البشري إلى ما يماثل الخيال العلمي، هذا الفاصل بين الخيال والواقع تم تخطيه كما يكشف عن ذلك تفشي وباء ‘كورونا’ عالميا، فهذا التخطي يكشف عن تطور جيني بيولوجي رهيب لكائنات حية ثانوية تخزن أشكال الدفاع والهجوم عبر عقود .
هذا التفشي يعبر على أن العلم التقني البشري أصبح مغرورا بنفسه، فقد قضى ولو بعد جهد ومدى على الجوائح البيولوجية السابقة فتولدت لديه قناعات بأنه في مأمن من أي خطر، وإذا بفيروس رهيب يهجم جماعيا على الكائن البشري في كل بقاع الأرض في حالة تشبه حالات هجوم سكان كواكب أخرى على الأرض كما تصور لنا أفلام الخيال العلمي، فهذه صدمة كبرى للوعي البشري وللجنس البشري، صدمة من نوع الصدمات الكبرى التي تلقاها الوعي البشري والتي يوجزها فرويد في الصدمة الكوسمولوجية مع كوبرنيكوس والصدمة البيولوجية التي تلقتها البشرية مع داروين مضيفا إليها الصدمة السيكولوجية التي أحدثها التحليل النفسي .
ليس صحيا القول إن البشرية لم تعرف منذ الحرب العالمية الثانية أي تحد بهذا الحجم، لأن حرب أربعينات القرن العشرين كانت بين معسكرين متحالفين، كما أنها لم تكن تشمل الأرض كلها، لذلك فهي تحد أو صدمة جزئية للكائن البشري، أما صدمة ‘الكورونا’ فهي صدمة كوكبية؛ إذ لا توجد منطقة لم يصل إليها، كما أن صدمة الفيروس كلية تشمل المواصلات التقنية والتجارة والاقتصاد، إضافة إلى سرعة انتشارها وحدتها وعدوانيتها، فهي تجني مئات الآلاف من الأرواح وتوقع البشرية في العجز والشلل وهذا هو ما يجعل هذه الجائحة أقرب إلى سلسة التحديات والصدمات الكبرى التي تلقتها البشرية في القرون الأخرى، من حيث شموليتها الجغرافية وكليتها في إصابة كل القطاعات البشرية، وفجائيتها وسرعة انتشارها، وفرض الحميمية والعزل على الملايين من البشر. وبعبارة موجزة إعلان انتصارها على الإنسان وإرغامه على إيقاف كل أنشطته، بل كل مظاهر الحياة .
تلك السمات هي ما يجعل هذه الصدمة راهنة للوعي البشري، وللوعي العلمي وتشكيكه في قدراته وتقنياته، إنها صدمة رابعة راهنة للوعي البشري. كما أن هذه الشمولية والكلية والفجائية وسرعة الانتقال تسببت في ارتباك النظرة إلى الجائحة، هل هي طبيعية ناتجة عن التطور الجيني للكائنات المجهرية، أم هي أسلحة بيولوجية تم تصنيعها وتسخيرها، هل هي نهاية النوع البشري، هل هي عقاب رباني، هل هي مؤامرة كونية ?،وهنا تعددت المنظورات لهذه الظاهرة واقتطعت كل منها جزء من المشروعية وحظها من الجدوى، سواء على صعيد المنظور العلمي البيولوجي، أو الاقتصادي، أو المنظور الجيوستراتيجي، أو المنظورات الفلسفية والميتافيزيقية والدينية التي ترى في هذا الحدث قدرا أو محنة أو بلاء أو تحديا، ومظهرا لما يسميه هايدغر بشراسة الكينونة .
ولعل تعدد المنظورات ومشروعية كل منظور ومدى جدارته قد اتخذت التباسات ناتجة عن تداخل المكونات والمنظورات وهو ما يطرح على المتابع الحصيف أن يتميز على الرغم من حرارة الظرف وحدته بقدر من الحذر الإبستيمولوجي في التشخيص والتفسير والتأويل على مستوى الفهم، وحذرا إيديولوجيا من الإسراع إلى الاقتطاف المتعجل لنتوءات وقطوف الحدث، من مثل القول بالتفوق النهائي للحضارة الشرقية وسقوط الحضارة الغربية وتفكك الاتحاد الأوروبي وعودة المنظورات اللاعقلانية والصوفية وهيمنة منظورات أكبر وأعظم للعدمية ومشاعر اليأس والكآبة الكونية. وبعبارة أخرى، فالمطلوب من الفئات المثقفة هو أن تستقرئ هذه التحولات التاريخية لتستخرج خلاصاتها وتقرأ دلالتها قبل أن تفرض عليها دروسا وإسقاطات قبلية
قبل التطرق إلى دروس “كورونا ,من كان يظن قبل شهور، أن أفلام الخيال العلمي العالمية ستتحول إلى وقائع، مثلما سيتحول الواقع البشري إلى ما يماثل الخيال العلمي، هذا الفاصل بين الخيال والواقع تم تخطيه كما يكشف عن ذلك تفشي وباء ‘كورونا’ عالميا، فهذا التخطي يكشف عن تطور جيني بيولوجي رهيب لكائنات حية ثانوية تخزن أشكال الدفاع والهجوم عبر عقود .
هذا التفشي يعبر على أن العلم التقني البشري أصبح مغرورا بنفسه، فقد قضى ولو بعد جهد ومدى على الجوائح البيولوجية السابقة فتولدت لديه قناعات بأنه في مأمن من أي خطر، وإذا بفيروس رهيب يهجم جماعيا على الكائن البشري في كل بقاع الأرض في حالة تشبه حالات هجوم سكان كواكب أخرى على الأرض كما تصور لنا أفلام الخيال العلمي، فهذه صدمة كبرى للوعي البشري وللجنس البشري، صدمة من نوع الصدمات الكبرى التي تلقاها الوعي البشري والتي يوجزها فرويد في الصدمة الكوسمولوجية مع كوبرنيكوس والصدمة البيولوجية التي تلقتها البشرية مع داروين مضيفا إليها الصدمة السيكولوجية التي أحدثها التحليل النفسي .
ليس صحيا القول إن البشرية لم تعرف منذ الحرب العالمية الثانية أي تحد بهذا الحجم، لأن حرب أربعينات القرن العشرين كانت بين معسكرين متحالفين، كما أنها لم تكن تشمل الأرض كلها، لذلك فهي تحد أو صدمة جزئية للكائن البشري، أما صدمة ‘الكورونا’ فهي صدمة كوكبية؛ إذ لا توجد منطقة لم يصل إليها، كما أن صدمة الفيروس كلية تشمل المواصلات التقنية والتجارة والاقتصاد، إضافة إلى سرعة انتشارها وحدتها وعدوانيتها، فهي تجني مئات الآلاف من الأرواح وتوقع البشرية في العجز والشلل وهذا هو ما يجعل هذه الجائحة أقرب إلى سلسة التحديات والصدمات الكبرى التي تلقتها البشرية في القرون الأخرى، من حيث شموليتها الجغرافية وكليتها في إصابة كل القطاعات البشرية، وفجائيتها وسرعة انتشارها، وفرض الحميمية والعزل على الملايين من البشر. وبعبارة موجزة إعلان انتصارها على الإنسان وإرغامه على إيقاف كل أنشطته، بل كل مظاهر الحياة .
تلك السمات هي ما يجعل هذه الصدمة راهنة للوعي البشري، وللوعي العلمي وتشكيكه في قدراته وتقنياته، إنها صدمة رابعة راهنة للوعي البشري. كما أن هذه الشمولية والكلية والفجائية وسرعة الانتقال تسببت في ارتباك النظرة إلى الجائحة، هل هي طبيعية ناتجة عن التطور الجيني للكائنات المجهرية، أم هي أسلحة بيولوجية تم تصنيعها وتسخيرها، هل هي نهاية النوع البشري، هل هي عقاب رباني، هل هي مؤامرة كونية ?،وهنا تعددت المنظورات لهذه الظاهرة واقتطعت كل منها جزء من المشروعية وحظها من الجدوى، سواء على صعيد المنظور العلمي البيولوجي، أو الاقتصادي، أو المنظور الجيوستراتيجي، أو المنظورات الفلسفية والميتافيزيقية والدينية التي ترى في هذا الحدث قدرا أو محنة أو بلاء أو تحديا، ومظهرا لما يسميه هايدغر بشراسة الكينونة .
ولعل تعدد المنظورات ومشروعية كل منظور ومدى جدارته قد اتخذت التباسات ناتجة عن تداخل المكونات والمنظورات وهو ما يطرح على المتابع الحصيف أن يتميز على الرغم من حرارة الظرف وحدته بقدر من الحذر الإبستيمولوجي في التشخيص والتفسير والتأويل على مستوى الفهم، وحذرا إيديولوجيا من الإسراع إلى الاقتطاف المتعجل لنتوءات وقطوف الحدث، من مثل القول بالتفوق النهائي للحضارة الشرقية وسقوط الحضارة الغربية وتفكك الاتحاد الأوروبي وعودة المنظورات اللاعقلانية والصوفية وهيمنة منظورات أكبر وأعظم للعدمية ومشاعر اليأس والكآبة الكونية. وبعبارة أخرى، فالمطلوب من الفئات المثقفة هو أن تستقرئ هذه التحولات التاريخية لتستخرج خلاصاتها وتقرأ دلالتها قبل أن تفرض عليها دروسا وإسقاطات قبلية