HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

عام دون رشيد


جمال بدومة
الجمعة 30 ديسمبر 2011




عام دون رشيد
بدل تخليد رأس السنة بكؤوس الشامبانيا والشوكولا والحلويات والسهرات في المطاعم والفنادق وأمام التلفزيون، يجدر بنا أن نقبل هذا «الرأس» كما نفعل مع أي شخص قدم لنا خدمة العمر، على سبيل الامتنان. يجدر بنا أن نقف في خشوع، منتصف ليلة الواحد والثلاثين، كي نؤدي تحية تليق بمقام الجندي الشجاع، الذي يسحب أيامه في اتجاه المجهول، وأن ننقش أرقامه في دفتر التاريخ والذكريات، بما يلزم من ورود ودماء: اثنان صفر واحد واحد... الورقة الرابحة، بعد عقود من الخسارات التي احترفنا تكديسها في هذه الأقفاص التي تسمى «دولا عربية». 2011 يستحق نصبا تذكاريا في الساحات العامة. عام جعل الثورات والانقلابات والانتفاضات التي عاشتها الدول العربية، منذ أن تحررت من الاستعمار، تبدو مجرد مسودات للثورة الرائعة التي أزهرت في الشوارع، دون سابق إيذان، من تونس إلى المنامة، ومن القاهرة إلى صنعاء، ومن طرابلس إلى دمشق، ومن الرباط إلى عمان، مرورا ببقية البلدان التي كسرت شعوبها حائط الخوف وخرجت إلى الشارع تطالب بالحرية والكرامة. لكن «لكل شيء إذا ما تم نقصان»... وأنا أتأمل في تحية تليق بالعام، لا أستطيع إلا أن أفكر في الصديق رشيد نيني، الذي يقضي رأس السنة في زنزانة باردة، رغم أنه لم يسرق ولم يقتل ولم يضرب أحدا. جريمته الوحيدة قلمه. أي بلاد هاته التي تكسر أقلام الصحافيين وتلقي بهم في السجون؟ من الصعب أن نصدق أن شيئا تغير في المغرب، مادام القضاء مريضا بهذا الشكل. عام 2005 كتب رشيد عمودا عنوانه «القضاء على القضاء»، رفض عبد المنعم الدلمي نشره في «الصباح». لكن بعد «الصباح» كان لا بد أن يأتي «المساء»، وظل رشيد يكتب رأيه بحرية في هذا الميزان المغربي الذي لا تستقيم كفتاه أبدا، وظلوا يتربصون به في الخفاء إلى أن أدخلوه عكاشة. أتذكر الآن نهاية عام 1999. كنت في باريس من أجل الدراسة، عندما اتصل بي رشيد من أليكانتي، فرحا، كي يخبرني أنه قرر الدخول إلى المغرب، كي يشتغل في مشروع صحافي جديد، بعد أن تعب من قطف البرتقال في حقول إسبانيا. عندما التقيته بعد بضعة أشهر في الرباط، وجدته سعيدا جدا بالعودة. وطوال عشر سنوات، بدأت البلاد تتحول، وهو يتحول معها إلى صوت لكل المقهورين. وكلما زاد المعجبون بأعمدته، ارتفع عدد الأعداء والمتربصين. البلاد التي تقسو على أبنائها بهذا الشكل بلاد سادية. قست على رشيد في بدايات العمر، عندما تركته مشردا بلا عمل، وأشبعه البوليس ضربا أمام عمالة بنسليمان، حين جاء يطلب شغلا مع رفاقه العاطلين، ولم يبق أمامه سوى الرحيل. وعندما رجع وحقق «معجزة صغيرة» بقلمه، صار مطوقا بالأعداء. إنها ضريبة النجاح. في المغرب، عندما تأتي من الطوابق السفلى، يمكنك أن تشتغل «خماسا» في حقول الآخرين، لكن حذار أن تفكر في غرس أشجارك جنب أشجارهم. الحقول مسيجة بالأسلاك الشائكة، ما إن يتسلل إليها أحد من أبناء الشعب حتى تطلق عليه الكلاب. هذا ما حدث لرشيد بشكل ما. اعتقد أن بإمكانه غرس شجرة عائلته في حديقة الكبار، ووجد نفسه في السجن. توهم أن بإمكانه قطف رؤوس كبيرة في البلد، ولم يفهم أن أصابعه المشققة لا تصلح إلا لقطف البرتقال في حقول إسبانيا. لقد طال الانتظار: انتظرنا أن يطلق سراح رشيد في العيد الصغير والعيد الكبير وعيد المولد وعيد العرش وعيد الشباب وعيد الدستور وعيد الانتخابات وعيد الحكومة... ولم يحدث أي شيء. كأن الرجل أقدم على الخيانة العظمى. كأنه مجرم حرب. الدولة التي تترك كاتبا مرميا في زنزانته عاما كاملا، يمكن أن تكون ذاهبة إلى أي مكان آخر، ماعدا الديموقراطية. أما آن لهذه القطة الحمقاء أن تكف عن أكل أبنائها؟

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

الخميس 19 ديسمبر 2024 - 18:57 اغتيال عمر بنجلون جريمة لا تغتفر

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير