HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة
تصفحوا العدد 331 من جريدة حقائق جهوية الكترونيا pdf





في تمجيد الثورة. بمناسبة الذكرى الستون لانتفاضة 20 غشت


ذ: عبدالكبير مولوع
الثلاثاء 20 غشت 2013




في تمجيد الثورة. بمناسبة الذكرى الستون لانتفاضة 20 غشت
-كثيرة هي الأيام التي نقف فيها بعقولنا لاستشراف آفاق مستقبلنا، و20غشت يوم نقف فيه بذاكرتنا للتأمل والتمعن واستخلاص الدروس والعبر للمضي قدما إلى الأمام بروح الوفاء لمن صنعوا بالأمس حاضرنا وعبدوا طريقنا. وواجبنا اليوم نحن الذين يفتننا هذا الحاضر ومستقبله وتغرينا معرفة كل ما يتعلق به، أن نعود لدرس التاريخ، تاريخنا الوطني الحديث الذي يشهد ولادة جديدة وبعثا جديدا ترمم فيه جسد الأمة بعد محاولة انهيار، واستقامت فيه شخصيتنا بعد محاولة إتلاف، وتجلت وترسخت فيه مكونات هويتنا بعد محاولة طمس.
-من هنا تعتبر العودة إلى هذا التاريخ، واجبا وطنيا، ودرسا إلزاميا.فكيف تم هذا؟
أي كيف أن حاضرنا هو من صنع ماضينا، وكيف ترمم الجسد واستقامت الشخصية وتجلت وترسخت الهوية؟
-تعيش الأمم والشعوب في تواريخها لحظات تشكل منعطفات خطيرة تؤدي بها إلى الانحلال والتفسخ والاندثار إن هي لم تعقد العزم على درء الخطر.
ولقد عاشت أمتنا المغربية منذ تاريخها العريق لحظات قوة وازدهار، ورسخت كيانها المميز بين باقي الأمم كما أرادت الدول العظمى التي تعاقبت على حكم المغرب..وعرفت أرض المغرب بأنها بلد الأحرار منذ القدم، وعرف عن أهلها أنهم أهل الحضارة لتفاعلهم الإيجابي ومن رد فعلهم وتحديهم، منذ عهد الحضارات القديمة حتى مجيء الفتح الإسلامي المبارك، وما تلا هذه الحقبة من عهود عرفت فيها الأمة مدا وجزرا في القوة والغلبة.
ويشهد التاريخ أن المغرب الأقصى من الأمم القليلة التي ظلت على امتداد التاريخ محافظة على سيادتها، بل فارضة في كثير من الأحقاب هذه السيادة على باقي البلدان المجاورة لتكون الإمبراطورية المغربية، منذ عهد المرابطين ومن بعدهم الموحدين والمرينيين والسعديين والعلويين، وما عرف المغرب في عهد ملوكهم العظام من قوة ومناعة، إذا نظرنا في ذلك العهد إلى الشرق الإسلامي وجنوب المغرب الإفريقي، ولا أدل على ذلك من أن المغرب كان آخر دولة في شمال إفريقيا تخضع للاستعمار الغربي الحديث، ابتداء من سنة1907 ببداية الهجوم على بعض المناطق المطلة على المحيط الأطلسي وخصوصا مدينة الدارالبيضاء ومنطقة الشاوية، وكان ذلك سنوات قليلة قبل فرض نظام الحماية بفرض التوقيع على ما سمي ب"معاهدة فاس" سنة1912 في عهد السلطان مولاي عبدالحفيظ، أي ما أصبح معروفا بمعاهدة الحماية.
وليس خافيا على أحد كيف أن الأطماع الأوروبية ومنها الفرنسية كانت تبحث عن كل الوسائل التي تمكنها من السيطرة من أجل الاستغلال، فاختارت هذا الأسلوب من التدخل الذي يمكنها بعد ذلك من فرض حكمها المباشر الذي به تريد أن تفعل بالمغرب ما تشاء. وهكذا ابتدعت هذا النظام مستغلة ظروف المغرب الصعبة.
نظام الحماية:
-إن نظام الحماية كما يقول الماريشال ليوطي:"هو نظام دولة تحتفظ بمؤسساتها الخاصة وبحكومتها، وتدير شؤونها بنفسها بواسطة أجهزتها الخاصة تحت مراقبة دولة أروبية، فالفكرة التي تسود هذا النظام وتميزه هي فكرة المراقبة، وهي تخالف فكرة الإدارة المباشرة.".
-إلا أن هذا النظام سرعان ما تحول إلى نظام الحكم المباشر، وأصبحت فرنسا المستعمرة مسؤولة عن كل المآسي التي عانى منها الشعب المغربي، وهي فرنسا التي ادعت أنها أتت لتمكن المغرب من سبل الحضارة والتمدن ولإرجاع الأمن إليه مبتدعة في ذلك ما يسمى بسياسة التهدئة.
-لقد شرعت فرنسا بمجرد دخولها إلى المغرب في التفكير في سبل الاستغلال، ولا أريد التفصيل في الحديث عن المشاريع التي سارعت إلى تنفيذها من الناحية الاقتصادية وهي مشاريع من النوع الاستعماري الرأسمالي، حيث تلعب الأبناك الفرنسية الكبرى دورا وتتحول أداة لجعل اقتصاد المغرب مجال استغلال من طرف المصالح الخاصة بفرنسا، فتم إنشاء شركات ومؤسسات في كل القطاعات، في المعادن والمناجم والطاقة والنقل والسكك الحديدية والتجارة والصناعة. وفي الفلاحة مكنت الحماية المعمرين من تملك الأراضي، وحاولت أن تعطي ذلك صبغة قانونية، حيث اكتسى الاستعمار الفلاحي طابعين: الأول رسمي بتوزيع أراضي المخزن وأراضي الجيش والأحباس بأثمان منخفضة، ومع تسهيلات في الأداء. والثاني حر، وذلك بشراء المعمرين الأراضي من الفلاحين المغاربة بطرق تعسفية كنزع الملكية بالقوة أو الإغراء، وتنظيم نظام المحافظة العقارية تنظيما جائرا.
وبغية التحكم في الاقتصاد المغربي وتسهيل عمليات الاستغلال في كل المجالات أقام نظام الحماية تجهيزات أساسية سخرت المواطنين المغاربة لبنائها وتنفيذها في أسوأ الظروف.
كل هذا وكما نعلم سيترك آثاره التخريبية على اقتصاد البلاد والمجتمع، ففي البداية حرم الناس من أراضيهم وأصبحوا مسخرين عند المستعمرين، وفي المدينة كثرت أحياء الصفيح التي امتلأت بالعمال الذين تجمعوا في البيضاء خصوصا والذين كانوا يتقاضون أجورا زهيدة وكانوا معرضين للبطالة أو للطرد، ولا يملكون الحق النقابي وحرم كل المغاربة من أبسط حقوقهم الإنسانية., بعد هذا نستنتج أن سياسة التهدئة التي نفذها المقيم العام الأول الماريشال ليوطي، لم تكن إلا محاولة لتصفية الأجواء من أجل استغلال ثروات وخيرات البلاد وذلك حين شرع منذ أن وطئت قدماه أرض المغرب بالتصدي لمقاومة الشعب المغربي للحماية منذ بداية عهدها حين أخذت صيغة المقاومة المسلحة التي خاضها سكان الجبال والسهول على السواء ودامت 22سنة.
المقاومة المسلحة في الجبال والسهول:
يذكر المغاربة بفخر واعتزاز كبيرين ما قام به رجالات المقاومة المسلحة مباشرة بعد الدخول الاستعماري، حيث لم تستسلم أية قبيلة ولا مدينة إلا بعد مقاومة عنيفة في كل جهات المغرب ومناطقه ونذكر منها ثورة الجنود في فاس على الضباط الفرنسيين، وفي مراكش واجه السكان الاستعمار بزعامة المجاهد أحمد الهيبة وفي الأطلس المتوسط سجلت القبائل مشاركتها وخلدت أروع الملاحم بزعامة قائدها موحى وحمو الزياني، وفي الريف خاض المقاومون المغاربة بقيادة عبدالكريم الخطابي حربا تحريرية كبد فيها الاستعمار الاسباني والفرنسي أعظم الخسائر وخصوصا في معركة أنوال الخالدة.
ونحن نقلب الصفحات من تاريخنا الوطني الحديث وخصوصا في الفترة الممتدة من سنة1912-1934 حين تمكن الاستعمار من القضاء على المقاومة المسلحة في المناطق السهلية والجبلية، ينتابنا الشعور بالفرحة والعزة لما سجله آباؤنا وأجدادنا من المقاومين من ملاحم وبطولات أثناء معاركهم الخالدة تلك التي لم تترك المقيم العام رغم تخطيطاته وإمكانيته وأسلحته المتطورة من أن يحقق التهدئة المرجوة. فما كان إلا أن ابتدع سياسة جديدة يريد بها- زاعما- القضاء على كل انتفاضة محتملة.

الظهير البربري:
إن السياسة الجديدة التي اهتدى إليها الاستعمار مع مطلع الثلاثينات هي التي حاول بها التفريق بين أبناء الأمة الواحدة، العرب والبربر بإصداره للظهير البربري سنة1930، فبعد أن تيقن بأنه عسكريا سيبقى خاسرا، فكر في كسب رهانه بالمناورة السياسية على حساب وحدة الأمة وتماسك أفرادها. غير أنه لم يفلح في تحقيق مراده حيث خرج الشعب المغربي عن بكرة أبيه مستنكرا ومستعيذا بالله، وطالبا منه اللطف والعون على الكفار الظالمين، وكان ذلك أن انخرطت المدن المغربية في الواجهة ضد الاستعمار بالمظاهرات التي أرغمته فيما بعد على التخلي عن تلك السياسة المشؤومة وذلك مآل كل سياسة استعمارية رغم ما تمده بها إدارات الشؤون الأهلية من أخبار وأفكار ومعلومات. ولأن أسرار الشعوب لا يعلمها إلا خالقها...ومن هذا أيضا تنكشف لنا مرة أخرى حقيقة الاستعمار الذي يزعم الرقي بالشعوب إلى الحضارة والتمدن بينما هو يشحذ سكاكينه من أجل تقطيع أوصالها وإغراق أهلها في أوحال التخلف.
ظهور الحركة الوطنية:
لقد كانت مبادرة المستعمر هذه في نظر الكثير من المؤرخين عاملا مباشرا لتفتق الوعي من لدن فئة من المثقفين المغاربة في تلك الفترة بأهداف الاستعمار الذي يهدد وحدة الأمة من أجل إضعاف كيانها، وكانت بداية التحرك ورد الفعل وتم اللجوء هذه المرة إلى أسلوب جديد، وهو التصدي لسياسة المستعمر فكان بذلك أن بدأت مرحلة الكفاح السياسي، حيث تم تشكيل أول إطار سياسي عن صوت الفكر الوطني وهو كتلة العمل الوطني التي شرعت في عملها بتقديم لائحة المطالب التي يجب أن يلبيها الاستعمار لأبناء الشعب المغربي والمتمثلة في حقوقهم الأساسية والتي كانت ذات طابع مدني واجتماعي، ولقد تم حظر نشاط هذه الكتلة، فتشكل بعد ذلك الحزب الوطني الذي لقي نفس المصير ونفي زعيم هذه الحركة الأستاذ علال الفاسي سنة1937...وكانت كل هذه الإجراءات التعسفية من طرف المستعمر دليلا على حقده على هذه الحركة الوطنية التي لم يكن مرتاحا لها. كان يدرك المسار الذي تسير فيه وهو المطالبة باستقلال المغرب، وهو الأمر الذي تم بالفعل بمجرد تأسيس حزب الاستقلال سنة1944 والتوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال يوم11يناير1944.
كفاح الملك المغفور له محمد الخامس:
ونحن نسرد هذه الخطوط العريضة لما قامت به الحركة الوطنية في الثلاثينات من القرن ال20 وبداية الأربعينات نذكر بحقيقة وهي أن الاستعمار حين كان يتابع هذه الحركة بالرفض والقمع كانت عينه لا تنام وهو يحرس القصر الملكي والجالس فيه على عرش أسلافه المنعمين محمد الخامس.
يقول أحد المؤرخين:"والواقع أن محمد الخامس كان قد تولى العرش في سن مبكرة على أساس صغر سنه، ولكن الإقامة فشلت في معرفة أنه أسد صغير سرعان ما تنمو مخالبه ويصل إلى مرحلة الاكتمال، وبشكل يجعل منه ملكا يصعب على الكثير من طغاة الاستعمار أن يتعامل معه. وإذا كانت الفترة الأولى من حياته شهدت منه هدوءا في التفكير ودراسته للموقف قبل أن يقوم بإعطاء ضربات أذهلت الاستعمار والعالم العربي الإسلامي فيما بعد.إذ جاءت من ملك أثبت أنه زعيم شعبي وقائد وطني وإمام إسلامي، فشل العالم العربي والإسلامي في أن يجد مثيلا له."
يجب علينا ونحن الآن بصدد الحديث عن المنعطف الذي سيتخذ معه الصراع بين الحركة الوطنية والاستعمار طابعا صداميا مكشوفا، يجب علينا أن نستحضر تلك المواقف الوطنية الخالدة لمحمد الخامس وهو يوجه وينسق مع أعضاء الحركة الوطنية، وهي المواقف التي ستجعله ملكا يحتل موقع الصدارة في واجهة الأحداث ويظهر على مسرحها بطلا قائدا بعزم وتصميم على حسم الصراع لصالح مبتغى شعبه التواق إلى الحرية والاستقلال.
لقد كانت البداية على مستوى التوجيه والتنسيق منذ أول انتفاضة للحركة الوطنية سياسيا حين قدمت بكل شجاعة،وثيقة المطالبة بالاستقلال وهي المبادرة الشجاعة التي اطمأن إليها قلب الملك وهو يرى أبناء الحركة الوطنية يبلون البلاء الحسن، والذي يتطلب التضحية ونكران الذات، ولم يكن توجيه محمد الخامس ورعايته لهذا العمل الوطني وعطفه وتعاونه أمرا يخفى على الاستعمار، وأصبح على فرنسا أن تواجه هذا الأمر الواقع وهو تعاون الملك ورجالات الحركة الوطنية. وبعد أن أدركت أن أسلوب القمع لن يجديها، فكرت في عهد المقيم"إريك لابون"الذي بدأت فترته بالإعلان عن سياسة تهدف الإصلاح وتهدئة النفوس، وذلك ببرنامج إصلاحي يهدف إشراك بعض المواطنين في مجالس بلدية منتخبة. ومن الناحية الاقتصادية إنشاء شركات برؤوس أموال وطنية وتحسين الأحوال العامة للأهالي، خصوصا في البوادي بإنشاء قرى جماعية يقوم بفلاحتها المغاربة. إلا أن هذا المشروع سيواجه بالرفض من طرف العناصر الوطنية لأنه مبني على أساس فكر استعماري، كما أن من شأنه أن يؤجل ويؤخر تحقيق مطلب الاستقلال الذي أصبح هدفا أسمى لا رجعة فيه.
إننا نلاحظ أن فرنسا في كل أطوار الصراع كانت تبتدع كل مرة أسلوبا جديدا يمكنها من عدم التفريط في المغرب كمستعمرة، ولهذا جربت كل الوسائل وخلال هذه المرحلة كانت فرنسا في وضع لا تحسد عليه من حيث القوة، فقد خرجت من الحرب العالمية الثانية ضعيفة بالإضافة إلى مجهوداتها في محاولة تهدئة الأوضاع في كل من تونس والجزائر.
في مثل هذه الظروف وفرنسا تعيش حالتها هاته جاءت الضربات المتتالية لها من طرف المغفور له محمد الخامس: إن أول ضربة هي مقابلته مع الرئيس الأمريكي روزفلت في قمة أنفا وما جناه من هذه المقابلة من وعد باستقلال المغرب عنها، بالإضافة إلى تكتل أعضاء الحركة الوطنية حول الملك وتناسي الخلافات لمواجهة المستعمر.إن هذا التكتل هو ما أملى على فرنسا ما سمي ببرنامج الإصلاحات وهذا برنامج راهنت على تمريره لكنه سيؤول إلى الفشل.
لقد أصبح الشغل الشاغل عند جلالته آنذاك هو الدفع بقطار الاستقلال وكانت زيارته إلى فرنسا سنة1945 حيث استقبل من طرف الزعيم"دوغول" وهناك جدد جلالته المطالبة باستقلال المغرب بكل شجاعة، وفي سنة 1947 قام محمد الخامس بزيارته التاريخية إلى مدينة طنجة رغم ما كان يحف هذه الزيارة من أخطار وألقى فيها خطابه التاريخي الذي ركز فيه على ارتباط المغرب بالبلاد العربية الإسلامية وبالجامعة العربية.
لقد برزت شخصية محمد الخامس العظيمة إبان هذه الفترة من الكفاح من خلال ثلاثة أبعاد:
بعد وطني: وتجلى ذلك في وقفاته الوطنية من خلال التعاون مع رجالات الحركة الوطنية بتأييده اللامشروط ودعمه لمطلب الاستقلال، وبرفضه الاستماع إلى ما يريده المقيم العام من سن سياسات جديدة تتلاءم مع الظرف وتجلى ذلك في رفضه التوقيع على المراسيم وتحديه الاستعمار بزيارته لمدينة طنجة بالإضافة إلى مواقف كثيرة بارزة ولقد اكتفينا بذكر الحاسمة منها.
بعد قومي: وتجلى في تعبير محمد الخامس عن انتماء المغرب للعالم العربي الإسلامي والجامعة العربية واعتباره أن قضية العالم العربي هي قضية أمة واحدة وما يستوجبه ذلك من تضافر الجهود بين كل الملوك وقادة وزعماء الأمة العربية الإسلامية.
بعد دولي: السعي إلى جعل المغرب دولة كاملة السيادة ومخاطب في شخصية الملك من خلال لقاء أنفا وزيارة فرنسا. وطرح القضية المغربية على مستوى الأمم المتحدة.
كل هذا الضغط الذي مارسته شخصية محمد الخامس أربك سياسة فرنسا التي ضاقت درعا بالملك المقاوم المكافح فتهور مقيمها العام وطلب من الملك التنازل عن العرش أوالنفي. ولقد تم نفي محمد الخامس خارج البلاد، ولم تكن هذه الجريمة في حق ملك البلاد إلا دليلا على ارتباك سياسة فرنسا وتهور مقيمها العام.
20 غشت: انطلاقة ثورة الملك والشعب.
في صيف 1953 يوم20غشت امتدت اليد الآثمة إلى شخص جلالة المغفور له محمد الخامس بنفيه هو وولي العهد المولى الحسن وباقي أفراد الأسرة المالكة. فحكمت فرنسا من حيث لا تدري على نفسها بالنفي في بلاد المغرب الذي انتفض مواطنوه في كل مكان من خلال المقاومة التي اندلعت كالنار في الهشيم. لقد خيم في بادئ الأمر جو الحزن والكآبة على المغاربة وظلوا أياما في حالة ذهول ولكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، وفعلا وبعد أن نظمت المقاومة نفسها من خلال خلاياها بدأ الاستعمار وأعوانه يتلقون الضربات وأذاقهم الأبطال من أبناء شعبنا المخلصين المر وحولوا إقامتهم إلى جحيم ولم تستثنى أي مدينة صغيرة أو كبيرة ولم يستثنى أي إقليم أو جهة من المشاركة في هذه الملحمة التاريخية التي لا يسعنا في هذا العرض إلا أن نذكر بالشهادات التي نسمعها ونقرأ عنها والتي تبين أن أبناء الشعب المغربي الأحرار قاوموا وضحوا بأرواحهم وبكل ما يملكون، وخلدوا أروع الصور في التضحية بأرواحهم بأشكال من الكفاح والنضال والمقاومة ما يعجز القلم عن وصفه ، حتى أرغمت مقاومتهم فرنسا عن البحث عن مخرج من ورطتها فكان قرار إرجاع الملك إلى وطنه وشعبه والتفاوض حول استقلال المغرب.
ومن موقع القوة، فرض جلالته الاستقلال التام واللامشروط وبمعية رجالات الحركة الوطنية وبسند ولي العهد آنذاك جلالة الملك الحسن الثاني تمت ترجمة المطلب الأسمى ألا وهو استقلال المغرب على أرض الواقع.
مغزى ثورة الملك والشعب:
أستسمحكم إن قصرت في تفصيل الحديث عن الأحداث وذكر كل ما عرفته المرحلة من أطوار المقاومة وشخصياتها، وما شهدته من أروع الصور في الاستشهاد من أجل عزة الوطن وكرامة الشعب ونصرة الملك، لأن القصد في مثل هذه الذكرى هو استخلاص الدروس والعبر. وأول درس يمكن استخلاصه هو أن قيد الاستعمار قد انكسر بإرادة وقوة وعزيمة الشعب المغربي وملكه المكافح وأن الاستعمار وفترة الحماية لم تكن بالنظر إلى تاريخ المغرب المجيد إلا واحدة من الفترات العصيبة التي تمر في حياة الأمة التي سرعان ما تستجمع قواها فتعجل بزوال المحنة. لكن جوهر الدرس الذي يجب استيعابه هو أن محنة الأمة المغربية في النصف الأول من القرن20 أي فترة الحماية كانت توشك أن تعصف بالكيان المغربي في بعده الجغرافي والتاريخي والعقائدي والحضاري والثقافي واللغوي والسياسي، بعبارة أخرى كانت توشك أن تحدث تفسخا وانحلالا في فضاء المغرب الجغرافي بتقسيمه وتمزيقه وفي انتمائه التاريخي للعروبة والإسلام وفي التشكيك في عبقريته التي صنعت حضارته المغربية على امتداد تاريخ طويل، وفي تلاحم وتماسك أهله من عرب وإخوانهم الأمازيغ وفي أصالة لغته العربية وعقيدته الإسلامية.
وأخطر من ذلك كله في جوهر نظامه السياسي الذي تتأسس عليه كل تلك العلائق وهو نظام الدولة القائم على التلاحم بين العرش والشعب. لقد جرب الاستعمار كل الوسائل والطرق للتمكن من بلادنا ولم يكن زعمه بإلحاق بلدنا بركب الحضارة والتمدن إلا فرية تكشف عن حقيقتها الأساليب التخريبية التي لجأ إليها. فهو تارة يزعم النهوض بالاقتصاد بينما ذلك من أجل استغلال الثروات حتى وهو يشيد البنى التحتية وهو تارة يزعم الإصلاح الإداري والمجتمعي بينما هو يريد أن يحول أبناء الشعب إلى موظفين منفذين لسياسته بلغته وهو يدعو إلى تحرير العقول بينما يكرس الجهل والأمية ويشيع النصرانية بالبعثات التبشيرية، وهو يزعم استقرار المغرب بينما يشيع التفرقة بين أبناء الأمة الواحدة جهويا وبإصدار الظهير البربري.
هذا الفعل التخريبي هو الذي لا ينبغي أن تنساه الأجيال وهو الذي استشهد وضحى رجال المقاومة وكافة الشعب بقيادة المغفور له محمد الخامس وهو الذي يجعلنا ويجعل الأجيال القادمة تدرك المغزى العميق لما نحيى اليوم ذكراه وهو ثورة الملك والشعب. لقد كانت ثورة على الوضع اقتضتها ضرورة الحفاظ على الوجود، وجود الأمة في كيانها وفي هويتها وفي الأبعاد التي ذكرت سلفا، جغرافيا وتاريخيا وحضاريا ولغويا ودينيا وسياسيا. إنه الدرس الذي يضمن دوام استمرار الروح الوطنية التي بها ندود لحماية الأمة حاضرا ومستقبلا.
فلنقف إجلالا لعظمة شعبنا وكفاح ملكه المغفور له محمد الخامس ولرفيقه في الكفاح آنذاك جلالة المغفور الحسن الثاني ونترحم على جميع من ضحى من أجل عزتنا وحريتنا وكرامتنا من شهداء أمتنا من المقاومين ونشد على أيدي من لازال منهم شاهدا السير على الدرب، درب الكفاح بالروح الوطنية العالية من أجل رفعة الوطن وعزته في ظل رمز سيادته وتحرر باقي أجزائه وراعي تقدمه بكل ما يشيده من مشاريع التنمية والديمقراطية جلالة الملك محمد السادس.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير