بذل المزيد من الجهود، وتوظيف استثمارات إضافية، للارتقاء بالمدرسة وجعل مردوديتها تستجيب لمتطلبات العصر، وتتماشى مع ما يعرفه المجتمع من تطورات سوسيو-اقتصادية سريعة. إجراء لا يشك أحد في أهميته وضرورته،لأن الكل يجمع على أن المدرسة المشروع الأول للتنمية والعصرنة لكل مجتمع. والدعامة الأساسية المعنية بالمحافظة على توازنه ومنح القوة لأفراده لصنع نخب تتحكم في صناعة القرار السليم، و تسيطر إيجابيا على المجال العام في المجتمع، وتقوم بدورها الرئيس وتحتل موقعها القيادي وتحرر القرار عن سلطة أصحاب الثروة والمال ؛
ولعل تواجد المدرسة، حاليا، في جميع المناطق بما فيها البعيدة، يمكن أن يساهم في إعطاء دفعة قوية لتكوين هذه النخب ومد المجتمع المغربي بموارد بشرية نافعة، ومحاربة التهميش الذي قد تعرفه طاقات مناطق بكاملها، في حال غيابها، بشرط الاهتمام بها وتحصينها من كل ما من شأنه أن يفقدها مصداقيتها ومكانتها داخل المجتمع أو يشوه سمعتها به، مما يجعلها من أهم الأدوات التي يمكن من خلال رصد تحولاتها بمحطات واضحة، من اكتشاف ملامح فقدان التوازن التي قد يتعرض لها المجتمع ونخبه.
فهل ما يعرفه مجتمعنا المغربي حاليا من ظواهر سلبية، وانتشار نوع من اللامسؤولية، وعدم قدرة أفراده على بناء مشاريع شخصية واضحة لحياتهم، تتناغم مع أهداف المشروع العام للبلاد، والقدرة أيضا على تنفيذه بواسطة وسائل وأدوات طبيعية، ناتج عن عدم نجاح المدرسة في إنتاج نخب تتحكم في صناعة القرار السليم و تسيطر إيجابيا على المجال العام في المجتمع؟
تاريخيا،الكل يعرف أن المدرسة المغربية ، بشتى أنواعها، تقليدية كانت أو عصرية، قد ساهمت بقوة في إعادة تشكيل النخب و تجديد دماء المجتمع ، ومدت الدولة بالموارد البشرية الأساسية، وكونت نموذجا مجتمعيا قادرا على استبطان معنى المسؤولية العمومية تجاه الدولة ومحيطه المرتبط به. لكن غياب المدرسة في مناطق عديدة في البلاد منذ الاستقلال ،وفر فرصة لمناطق محدودة، دون غيرها ولمراكز قوى معينة وفئات صغيرة أخرى من قاطني المدن والبوادي، غير المعزولة المحظوظة بالتوفر على أقسام، فأعطاها استثناء التداول على السلطة واحتكارها، لعقود من الزمن، فاحتكرت مهمة إعطاء النخب السياسية الرسمية وأعادت تشكيلها وتوارثها،كما شاءت، في كل مرحلة. مما أعطى ركودا سياسيا لا يحركه سوى تبادل الأدوار فيما بينهم، وهذا ما أفاد البلاد ظاهريا في تلك المرحلة، نضرا لما يظهر من اكتساب هؤلاء لخبرة في تسيير الشأن العام، ولكنه،باطنيا، قد انهكها وشل قواها بعد تفكك النخبة السابقة وانهيار شروط تجديدها بانهيار الحلم النهضوي والتحديثي.
بات واضحاً، الآن، أن تواجد المدرسة بقوة في جميع المناطق،قريبة كانت أو بعيدة، ميسورة أوفقيرة، والاهتمام بها واعتناء المجتمع بها، سوف يساهم، لا محالة، في التغيير وإعادة صياغة النخب الرسمية بطريقة سلسة متجانسة واعية بدورها كأداة للتحديث والحماية واستقطاب المثقف، بدلا من دفعه نحو الاستقالة من دوره كموجه للحركة السياسية المدنية وترمومتر المجتمع، ولكي لا يكون التغيير مجرد إنتاج لنخب مستهلكة غير متجانسة، تنتج تجاذبات سلبية، وتفرز صراعا بين قديم يستميت من أجل البقاء وجديد يناضل من أجل الثبات وإثبات الذات. فإعادة إنتاج النخب على أسس جديدة هي مهمتها ومسؤوليتها قبل غيرها، وهي مهمة عاجلة يمكن أن تقوم بها باقتدار، ليس فقط لإخراج المجتمع من أزمته، بل لتجنيب الدولة فقدان التوازن ومنحها طاقة متجددة بتجدد الأجيال والمناهج والظروف ومتعددة المصادر بتعدد مناطق البلاد وتنوعها.