HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة
تصفحوا العدد 331 من جريدة حقائق جهوية الكترونيا pdf





قضية المرأة / قضية الإنسان


محمد الحنفي
الجمعة 4 مارس 2016




قضية  المرأة / قضية الإنسان







تعتبر قضية المرأة من القضايا التي ارتبطت بوجود الإنسان مند القدم : وقد كتبت حولها الكثير من الدراسات والمقالات , ومن منطلقات مختلفة , ومتناقضة في كثير من الأحيان, ونحن في معالجتنا هده سوف لن نتعرض الى البحت فيما كتب حول المرأة من اجل تحديد الآراء والمواقف , لان دلك لن يفيدنا كثيرا فيما نقبل عليه , والذي يهمنا ان نصل اليه ان قضية المرأة لا تخص المرأة وحدها , و لا تخص الرجل وحده و لا تخص مجتمعا بعينه , إنها قضية الإنسان كما قضية الرجل وقضية الطفل وقضية العامل وقضية الشيخ ,فهي كلها قضايا الإنسان . والخطأ الذي يقع فيه الدارسون على اختلاف منطلقاتهم ومذاهبهم وعقائدهم و ألسنتهم و ألوانهم هو انهم عندما يتعاملون مع قضية المرأة يفصلونها عن المسار العام للمجتمع , والواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي. و هذا الفصل هو اكبر حيف يلحق المرأة , ويلحق المجتمع , ويلحق الواقع , ويلحق المعرفة العلمية التي يمكن اعتمادها في التعامل مع المرأة نفسها .
ان التعامل مع قضية المرأة في عمقه يجب ان يكون جزءا من التعامل مع المجتمع ككل , دون تمييز بين الذكور والإناث. فالمشاكل هي نفسها , سواء تعلق الأمر بالرجال او بالنساء وسواء كان الذكور والإناث في مرحلة الطفولة او المراهقة او الشباب او الكهولة او الشيخوخة , وما يجب اعتباره في التحليل هو خصوصية مشاكل المرأة البيولوجية , وما يترتب عن دلك من خصوصية الحقوق .
فتردي الواقع يصيب المرأة والرجل على السواء,والاستغلال يستهدفهما معا, وتدنى مستوى التعليم , وانعدام الحماية الاجتماعية وضعف المؤهلات المساعدة على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .كل ذلك يصيب مجموع أفراد المجتمع , سواء كانوا ذكورا او إناثا . والحرمان من الحقوق المختلفة يستهدف الجميع .
وفي هده المعالجة المتأنية سنتناول بالتحليل مفهوم المرأة كجنس . وككائن اجتماعي وكانسان وكحقوق لنخلص الى مفهومها كانسان . ثم ان حقوق المرأة هي عينها حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية مع التركيز على جانب الخصوصية , ثم موقف المتنبئين الجدد من قضية المرأة باعتبارها مجرد عورة . واعتبار عملها مجرد سبب في انتشار البطالة في صفوف الرجال واستغلاله في محاربة المخالفين لهم في الانتخابات , وفي المظاهرات المختلفة , ثم سبل تفنيذ دعاوي المتنبئين الجدد , وانطلاقا من التأكد على إنسانية المرأة واعتبار عملها حقا , واحترام كرامتها, ونشر الوعي الحقيقي في صفوف النساء , وتمتيعها بالحريات العامة والفردية ثم علاقة المرأة بالتنظيم , وممارستها للعمل الحزبي والعمل النقابي والجمعوي , والحقوقي ثم اهتمام المرأة بوضعيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والقانونية والحقوقية, ثم نظرة الإسلام للمرأة من خلال النصوص ومن خلال التشريع والممارسة انطلاقا من العادات و التقاليد والأعراف . ثم النضال من اجل المرأة الذي يكون من اجل الحقوق العامة والخاصة , اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومدنيا وسياسيا . ثم كيف يجب ان ننظر الى المرأة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي ؟ لنخلص في النهاية الى ان المرأة إنسان , والنيل من إنسانيتها لا يجب ان يخضع للمساومة , وأنها كالرجل في الحقوق و الواجبات وان ما ينقصنا هو التحرر من عقدة التخلف التي تشدنا الى التمسك بالنظرة الدونية للمرأة وان نسعى الى إنسانية المرأة بإعادة النظر في جميع القوانين حتى تتلاءم مع المواثيق الدولية من اجل تجاوز ما نحن عليه . الى ما هو افضل , تكون فيه المرأة بكافة الحقوق .

مفهوم المرأة / مفهوم الإنسان :

ولمعالجة قضية المرأة لا بد من الوقوف على مفهومين اثنين : مفهوم القضية , ومفهوم المرأة .
فمفهوم القضية ينصب على كل علاقة بالمرأة مما ينشغل الناس به , ومعرفة خواصه المختلفة ومحاولة الإجابة على التساؤلات التي تطرحها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي , وصولا الى إجابات نهائية تساعد على تجاوزها بصفة نهائية .
فالقضية ادن هي كل اهتمام مركزي يحتل مركز الصدارة في تفكيرنا ويعمل على توجيه سلوكنا في اتجاه إيجاد حلول للمشاكل التي تنجم عنها .
ومن القضايا التي تفرض نفسها على اهتمامات الناس الآنية والمستقبلية : قضية المرأة بكل تفاصيلها وتشعباتها في امتداداتها التاريخية والمستقبلية .
فما مفهوم المرأة التي تكون موضوعا للقضية ؟
ومعلوم ان المجتمع ينقسم الى جنس الذكور وجنس الإناث . وكنتيجة لهذا الانقسام الطبيعي تتميز المرأة بمجموعة من المميزات :
1) فهي كائن يختلف في طبيعته البيولوجية عن الرجل وتوكل اليه – بحكم الطبيعة – مهمة الإنجاب , كما توكل إليه – بحكم العادة – تربية الأولاد سواء كانوا ذكورا او إناثا . وهو ما يقودنا الى القول بان جنس المرأة مختلف عن جنس الرجل اختلافا يترتب عنه بناء رؤيا , تصور , وتقرير وظيفة اجتماعية نفسية , واتخاذ موقف معين تجاهها.
وحسب النظرة الجنسية للمرأة ,فإنها تتحول الى مجرد متاع في يد الرجل , يحتكره فيحرص عليه , ويراقبه , وينسب إليه كل الدنايا ويخصه للاستغلال الجنسي , ويوظفه لتحقيق أغراض اقتصادية واجتماعية وسياسية للرجل , فهي خارج النظرة الدونية وخارج إرادة الرجل لاتساوي شيئا . عليها ان تكون كما يريدها الرجل المحكوم بتصور إيديولوجي معين , يسمونه * التصور الإسلامي * او تصور بورجوازي متخلف يسمونه * التصور الحداثي * وفي التصورين معا يبقى كيان المرأة الجنسي غير حاضر وغير وارد في الممارسة اليومية للمرأة , لأنها تبقى رهينة لاحد التصورين المتناقضين , والمتصارعين في نفس الوقت لانتمائها الى إيديولوجيتين متناقضتين .
والتصوران معا يتجسدان على ارض الواقع حيث نجد المرأة الى جانب الرجل الذي يسدل لحيته لا يظهر منها أي شيء , لانه يعتبرها عورة , يجب ان تخفى عن أعين الناس برؤيتها كما نجد رجلا بجانبه امرأة و لا يكاد يستر منها إلا القليل من جسدها يتعامل معها كبضاعة جميلة يعرضها ليتمتع الناس برؤيتها كما قد نجد امرأة تتعامل مع نفسها على أنها عورة او متعة , فتخفي نفسها او تعرض جسدها في السوق .
والتصوران معا تكون فيهما المرأة مستلبة والرجل مستلبا , والاستلاب لا يكون إلا إيديولوجيا , فالمرأة والرجل معا إما مستلبان بإيديولوجية المتنبئين الجدد التي تعيدنا الى عصور الظلام او بإيديولوجية البورجوازية التي تشيئ كل شيء بما في ذلك الجسد سواء تعلق الأمر بالرجل او المرأة .
أما المرأة فلا رؤية لها في نفسها كجنس ,لأنها لا تمتلك الوعي الكافي اللازم لإبداء رأيها او امتلاك تصور عن كيفية تعاملها مع جسدها .
وقد كان من المفروض ان تسود في المجتمع تربية جنسية رائدة تستحضر الاستقلال النسبي لتصورات الأفراد والجماعات عن الجنس بصفة عامة , وعن المرأة , وعلاقة الرجل معها بصفة خاصة , حتى يتصرف الجميع على أساس تلك التربية ويتعامل مع المرأة في إطارها , وبما ان هذه التربية غير موجودة فان النظرة الجنسية الدونية , والقمعية للمرأة تبقى سائدة .
2) والمرأة ككائن اجتماعي تلعب دورا رائدا في السير العادي للمجتمع , فهي ركيزة الأسرة التي بدونها لا تقوم قائمة , وهي المربية الأولى لأفرادها , والموجهة لسلوكهم , والحريصة على سلامتهم من الآفات التي قد يتعرضون لها , وهي التي تنسج شكل العلاقات التي تربط الأسرة بالمجتمع , و بالإضافة الى ذلك فهي مساهمة في بناء اقتصاد الأسرة عن طريق العمل خارج البيت , او منظمة لهذا الاقتصاد , وحريصة عليه وعاملة على استفادة الأسرة من الخدمات الاجتماعية المختلفة كالتعليم والصحة والسكن , والتشغيل ….وكل ما يمكن ان يؤدي الى رفع مستوى الأسرة على جميع المستويات حتى تزداد اندماجا في المجتمع ويسهل اندماج أفرادها فيه. ومع ذلك فهي تعكس كل أشكال التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي نظرا للاعتبارات الآتية :
أ- النظرة الدونية التي تعاني منها سواء تعلق الأمر بإطار الأسرة , او تعلق بالمجتمع ككل تلك النظرة النابعة من طبيعة جنسها , مما يترتب عنه تهميشها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا.
ب- بحرمانها من مجموعة من الحقوق التي يمتاز الرجل بالتمتع بها .
ج- انتشار الأمية بشكل مهول في صفوف النساء , واعتبارها مجالا لانتشار الأمراض الاجتماعية المختلفة .
د- اعتبارها مجرد متاع فيطلب منها ان تحتجب عن الذكور او ان تعرض جسدها بشكل مكشوف في الشارع كما تعرض باقي البضائع التي يتمتع بها الناس .
وتخلف المرة يبقى القاعدة التي تسود ما لم يتم العمل على تجاوز الاعتبارات اعلاه .
3) ونجد المرأة كانسان تشكل عمق الإنسانية بكل ما لهذا المفهوم من دلالة غير محدودة لا بالزمان و لا بالمكان , فهي الام التي ورد فيها قول الرسول * ص* الجنة تحت أقدام الأمهات ) وتستحق ان يرد فيها الحديث النبوي الشريف :( من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال أمك , قيل ثم من ؟ فقال أمك قيل ثم من؟ قال أمك قيل ثم من ؟ قال أبوك ) . كما تستحق ان تكون لها نفس مكانة الرجل كما في قوله تعالى :( و لا تقل لهما أف و لا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ) وقوله في اخرى : ( ان اشكر لي ولوالديك ) وهي الأخت والبنت والزوجة , وهي في جميع الحالات مكمن العواطف النبيلة التي قال فيها الشاعر حافظ إبراهيم :
الام مدرسة ادا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق .
وحتى تكون بمثابة البلسم الذي يعالج كلوم المجتمع , ودواخل النفوس يكون من اللازم العناية بها , ورعاية إنسانيتها والاهتمام بإعدادها الجيد لتحمل المسؤوليات المختلفة . وصفاء إنسانية المرأة يعتبر ضروريا لقيامها بدورها , كما ان هذا الصفاء يساعد على اندماجها , وإحلالها المكانة التي تستحقها .
إلا ان ما يخدش كرامة الإنسان بصفة عامة , وكرامة المرأة بصفة خاصة هو إلغاء إنسانيتها في العادات والتقاليد والأعراف , وفي الاجتماع والثقافة. وفي الاقتصاد والسياسة وفي القوانين العامة والخاصة , وباسم العقيدة في الكثير من الأحيان .
ويتجسد إلغاء الإنسانية في النظرة الدونية التي تتجسد في :
أ‌- التعامل مع المرأة على أنها دون مستوى الرجل ابتدء بمؤسسة الأسرة وانتهاء بالقوانين ومرورا بالممارسة اليومية للمجتمع حتى وان كان هدا الرجل معتوها .
ب‌- اعتبارها مجرد متاع في البيت وتحفة نادرة تعرض في السوق , ومطية للتسلق الطبقي , وهو ما يرسخ في الممارسة اليومية للمجتمع إمكانية شرائها وبيع متعتها الى عامة الناس وجعلها مثار إغراء او منعها من مخالطة الناس .
ج - اعتبارها مثار الشهوات المختلفة , والمتدنية وسببا في الفتن المختلفة التي يعرفها الواقع بكل تجلياته .
د- اعتبارها عورة يجب حجبها عن الأعين حتى لا تسيئ الى المجتمع الذكوري , وكان الرجل ليس عورة من وجهة نظر المرأة .
ولذلك فإلغاء الدونية في الفكر وممارسة التربية على حقوق الإنسان والتعامل مع المرأة , على أساس مساواتها للرجل. وتحريم تبضيعها , واستحضار ضرورة تمتعها بحقوقها المختلفة وخاصة تمتعها بالحرية المنصوص عليها في المواثيق الدولية واستحضار كرامتها في التعامل معها .
4 ) والمرأة كحقوق تعتبر كالرجال في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , والمدنية والسياسية ,. بالإضافة الى حقوقها كامرأة لها خصوصيتها . وللتمتع بتلك الحقوق عليها ان تساهم في تنشيط الجمعيات الحقوقية ,وإنشاء الجمعيات الخاصة بحقوق المرأة .
غير أنها على مستوى التمتع بتلك الحقوق تجد نفسها محرومة منها بحكم العادة والتقاليد و الأعراف وبسبب القوانين السائدة التي تتناقض في معظمها مع ما ورد في المواثيق الدولية مما يكرس حرمانها من تلك الحقوق , وهو حرمان اصبح قاعدة في معظم المجتمعات ذات الأنظمة التابعة , وخاصة المسماة إسلامية ولذلك فوضعية المرأة على المستوى الحقوقي في هده البلدان يعتبر مترديا . ويقف وراء هدا التردي :
أ- إصرار الأنظمة الاستبدادية , وخاصة تلك التي تتستر بالدين الإسلامي على هضم حقوق المرأة على جميع المستويات , واعتبار ذلك الحرمان قرارا إلهيا , وبه وحده تبقى المرأة إما مندمجة في المجتمع , او محرومة من ذلك الاندماج اذا هي حملت قسطا من الوعي يجعلها تسعى الى المطالبة بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .

ب- تعود الناس على هضم حقوق المرأة بسبب النظرة الدونية التي تعاني منها ,وهذا التعود يحضر بامتداداته الاقتصادية والاجتماعية وبأبعاده التاريخية والمستقبلية , وهو ما يجعله حاضرا في وجدانهم ومنتقلا الى الأجيال اللاحقة من خلال النظام التربوي السائد , ولا يمكن اجتثاثه إلا بنظام تربوي نقيض .

ج ) تدني الوعي الحقوقي في صفوف الناس بصفة عامة وفي صفوف المرأة بصفة خاصة , وهو ما ينتج عنه عدم معرفة تلك الحقوق وعدم الوعي بها مما يؤدي الى عدم المطالبة بها . وهدا التدني يعتبر عاما في جميع المجتمعات ذات الأنظمة التابعة .

د- عدم تدريس حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية في المدارس والمعاهد والجامعات مما يجعل الوعي بها واحترامها غير حاضر في وجدان وممارسة الأجيال الصاعدة ومما يجعل معرفة تلك الحقوق غير واردة
ولتجاوز عوامل التردي المذكورة , لا بد من إنضاج شروط تمتع المرأة بالحقوق العامة والحقوق الخاصة التي تتناسب مع وضعيتها كانسان له بعده البيولوجي الذي يمارس بواسطته خصوصية معينة تقتضي حقوقا خاصة بالإضافة الى أبعاده الأخرى التي يشترك فيها مع الرجل , مما يقتضي تمتيعها بمجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية التي تستلزم الكونية والشمولية والجماهيرية والتقدمية والديمقراطية, وعدم تحولها الى وسيلة للابتزاز من قبل جهة معينة لنكون بذلك متجاوزين للقيم المتخلفة التي تسعى الى سجن المرأة في خانة التخلف على جميع المستويات .
حقوق المرأة / حقوق الإنسان :

والرؤيا المبدئية ستؤدي الى طرح إشكالية مفهوم حقوق المرأة . هل هي نفسها حقوق الإنسان , أم إنها تختلف عنها , وما درجة الاختلاف ان وجد ؟ وهل في إمكان المرأة ان تحصل على حقوقها كاملة ؟ أم ان طرح حقوق المرأة هي مجرد إيديولوجية توظف لاستغلال المرأة في محطات معينة ؟ ثم بعد دلك يعود الأمر الى ما كان عليه .
والواقع ان الانطلاق من الرؤيا المبدئية بجنبنا الكثير من المزالق التي قد تقود الى إلحاق الحيف بالمرأة من منطلق ان حقوق المرأة تختلف عن حقوق الناس –هكذا - وأن هذه الحقوق ترتبط بمفهوم معين , او بعقيدة معينة , وهو ما يتنافى مع علاقة الخاص بالعام من جهة , ومع مبدئية الكونية والشمولية من جهة أخرى ، فتجنب المزالق على مستوى المفهوم , وعلى مستوى الممارسة سيجعل المرأة جزءا من حقوق الإنسان ومادامت كذلك فهي ذات :
1 ) حقوق اقتصادية تبيح لها الحصول على مصدر للدخل الاقتصادي الذي يمكنها من حفظ كرامتها وتجنبها المزالق المختلفة التي تنعت بها في المجتمعات المختلفة .
2 ) حقوق اجتماعية تمكنها من التعلم والتطبيب والشغل والسكن , والحماية الاجتماعية حتى تندمج اندماجا سليما في المجتمع , وهذا الاندماج السليم يعتبر شرطا لاحترام كرامة المرأة .
3 ) حقوق ثقافية تقف وراء تكريس ا لنظرة الصحيحة للمرأة بدل النظرة الدونية السائدة في المجتمعات التابعة فالثقافة تقف وراء التصورات والممارسات التي يقوم بها الناس في الواقع على جميع المستويات . ولذلك فالاهتمام بتثقيف المرأة يعتبر أساسيا في جعلها مساهمة في إغناء ثقافة المجتمع والثقافة الإنسانية مما يعتبر مساهمة من المرأة في تغيير النظرة إليها , وتشكيل ممارسة جديدة تجاهها تتناسب مع عصر حقوق الإنسان .

4 ) حقوق مدنية ترفع مكانة المرأة الى مستوى مكانة الرجل في المجتمع وتجعلها مساوية له في الحقوق والواجبات , وأمام القانون لا يلحقها حيف , ولا تضر غيرها إلا بموجب القانون , تتاح لها الفرصة لتحمل جميع المسؤوليات بمحض إرادتها .
5) وحقوق سياسية تجعل المرأة كالرجل في اكتساب حق الانتخاب وحق الترشيح , وحق تحمل المسؤولية الجماعية والبرلمانية وحق الانتماء الى الأحزاب والنقابات والجمعيات وحق إنشائها وتحمل المسؤولية فيها دون توجيه من أحد , او وصاية عليها.
وبالإضافة الى هذه الحقوق , هناك حقوق اخرى تقتضيها طبيعتها كامرأة من اجل حمايتها من كافة الأخطار التي قد تتعرض لها سواء من طرف الرجل او من طرف المجتمع , وهذه الحقوق الخاصة يجب ان تتم أجراتها في القوانين الخاصة كقانون مدونة الأحوال الشخصية .
و تتمتع المرأة بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية وبحقوقها الخاصة عن طريق أجرأة تلك الحقوق في القوانين المعمول بها التي يجب ان تتلاءم مع المواثيق الدولية وخاصة قانون مدونة الأحوال الشخصية الذي يكرس دونية المرأة , ويحط من قيمتها في كل بلد إسلامي .

أهمية المرأة بالنسبة للمجتمع :

وانطلاقا من تمتيع المرأة بالحقوق العامة والخاصة نجد أنها تكتسب أهمية كبيرة على مستوى الأسرة وعلى مستوى المجتمع كزوجة , كأخت, وكبنت , وهذه الأهمية تتنوع بتنوع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية, وبها تصبح ندا للرجل في تلك المجالات , لها ماله , وعليها ما عليه , يراهن المجتمع عليها كما يراهن على الرجل .
1 ) فهي تمارس الأنشطة الاقتصادية في مجالات الصناعة والتجارة والخدمات والزراعة و الابناك وغيرها وبتلك الممارسة تتحول الى مالكة لوسائل الإنتاج او مشغلة لتلك الوسائل, تسعى إما الى تنمية مشاريعها ومقاولاتها , وإما الى تحسين أوضاعها المادية والمعنوية عن طريق إنشاء تنظيمات لهده الغاية .
2) وهي تمارس أنشطة اجتماعية عن طريق اشتغالها في مجالات التعليم والصحة بالخصوص حيث تكون عطاءاتها بدون حدود فتكتسب بذلك أهمية خاصة في قطاعي التعليم والصحة بسبب ما تقدمه من خدمات تتسم بالعمق الإنساني من خلال تعاملها مع الطفل ، الشباب والمريض , وهو ما يجعل خدمتها اكثر إفادة من خدمة الرجل , نظرا لطبيعتها كامرأة .
فتقديم الخدمات الاجتماعية من خلال المؤسسات الخدماتية يعتبر ضروريا حتى تستمر سلامة المجتمع من الأمراض المختلفة , إلا ان تقديم الخدمات تختلف من الرجل الى المرأة بسبب اختلاف طبيعية كل منهما , ولكون المجتمع يطمئن الى خدمات المرأة اكثر من اطمئنانه الى خدمات الرجل لاعتبارات نفسية و إنسانية
3) وهي تساهم في إثراء الثقافة من خلال ممارسة الإبداع الثقافي , والعمل على تنشيط الأدوات الثقافية المختلفة , وخاصة اذا كانت الثقافة مضادة وهادفة لتناسبها مع شكل المرأة على جميع المستويات في المجتمعات المتخلفة والتابعة , فدور المرأة في المجال الثقافي اصبح واردا اكثر من أي وقت مضى لاعتبارات نذكر منها :
ا- ان الوعي الثقافي المقلوب يستهدف تدجين المرأة وتكريس استلابها وهي المعنية بالدرجة الأولى بمقولة التدجين و الاستيلاب في حالة تسرب الوعي الحقيقي إليها .
ب- ان تخلف المجتمع يتجسد بشكل كبير في صفوف النساء , لذلك فمساهمة المرأة في إثراء الثقافة سيقود الى ادراك المجتمع خطورة التخلف من جهة , والى جعل المرأة تدرك خطورة تخلفها من جهة اخرى حتى تعمل على انعتاقها .
ج-ا ن المجتمع لا يمكن ان يستغني عن مساهمة المرأة على المستوى الثقافي نظرا لان معظم الممارسات الثقافية لها علاقة بها، سواء تعلق الأمر بالعادات والتقاليد والأعراف وغيرها مما يجعلها محور الإبداعات الثقافية المختلفة سواء كانت من إنتاج الرجل او المرأة .
د- ان إعداد الأجيال ثقافيا رهين بمساهمة المرأة الرائدة على مستوى التنشيط الثقافي
وبذلك يكون دور المرأة الثقافي حاضرا في الممارسة اليومية في جميع الأنسجة الاجتماعية ودافعا الى التخلص من مجموعة من الأمراض الثقافية .
4 ) وهي تنخرط في الممارسة السياسية من بابها الواسع فتنتمي الى الأحزاب السياسية وتتحمل المسؤولية الأساسية فيها . بل قد تصل الى مستوى القيادة المحلية والوطنية , ومن خلالها قد تتحمل المسؤوليات الجماعية والبرلمانية التي قد توصل الى المسؤوليات الحكومية .
ونظرا لقناعة المرأة باختيارات سياسية معينة فإنها تنخرط في تنفيذ برنامج نضالي معين يستهدف فرض اختيارات نقيضة للاختيارات السائدة حتى تحصل على حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية المؤدية الى إدماج المرأة في التنمية المستدامة تماما كما هو الشان بالنسبة للرجل .
وبسبب تهميش المرأة على المستوى السياسي , فان النظرة الدونية السائدة في المجتمع تجاه المرأة تجعل مساهمة المرأة في الحركة السياسية يعتبر نشازا من المرأة مما يقتضي اختزال ممارستها السياسية في الإدلاء بصوتها كلما كانت هناك انتخابات لتغليب جهة معينة على باقي الجهات المناهضة للاختيارات القائمة , وبعد دلك تعود الى جحرها تختفي فيه , وتنشغل بأمور الحياة اليومية حتى وان كانت موظفة او محامية او مهندسة .... فخروجها لا يجيز لها القيام بالممارسة السياسية .
وللخروج من وضعية ضعف مساهمة المرأة في الحياة السياسية والحزبية , لا بد من إطلاق الحريات العامة والسياسية بالخصوص والعمل على إدماج المرأة في التنمية , وإعادة النظر في القوانين التي تكرس دونية المرأة وملاءمتها مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ,و تجريم ممارسة الدونية ضد المرأة حتى تعود للمرأة المكانة التي تستحقها ,وتمتلك الشجاعة على إعلان انتمائها السياسي , ودخولها في الممارسة السياسية لتسجل حضورها وبكثافة على جميع المستويات .

موقف المجتمع من المرأة :

وكون المرأة ذات أهمية اقتصادية وثقافية ومدنية وسياسية فان ذلك لم يمنع من سيادة موقف منها يكرس دونيتها ويحط من قيمتها , ويجعلها كائنا بيولوجيا يقوم بمهمة الإنجاب , او مجرد متعة للرجل , وحتى إذا سمح لها بالعمل فان ذلك راجع الى رغبة الرجل في المساهمة الاقتصادية للمرأة في العائد الاقتصادي للأسرة بصفة عامة , وللرجل بصفة خاصة . وليس من منطلق تمتيعها بحق من حقوقها الاجتماعية كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية , وفي إطار استقلاليتها عن الرجل في تلك الحقوق .
والموقف من المرأة المهيمن على عقول الرجال والنساء معا ناتج عن :
1 ) الموقف التاريخي , وهو موقف يمتد في التاريخ الأسود للمرأة , رغم الدور الإيجابي لها في مختلف العصور , وبالنسبة لنا فتاريخ المرأة الأسود يمتد الى ما قبل الإسلام حيث كانت المرأة، كقيمة، كباقي الأمتعة التي يملكها الرجل او يرثها وفي هذه الوضعية التي لافرق فيها بين المرأة الحرة والمرأة* الأمة * لا تستطيع المرأة ان تعبر عن نفسها بأي شكل من أشكال التعبير , وما يمكن ان تمتلكه فهو لأبيها او لأخيها او لزوجها . واذا صدر منها او نعتت بما يسئ الى سمعتها فان من حق الرجل كاب او كأخ او كزوج ان يصادر حقها في الحياة .
وهدا الموقف يستمر بشكل او بآخر بعد مجيء الإسلام رغم التطور الذي عرفته البشرية بسبب إقرار مجموعة من الحقوق , ورغم المساواة بين الجنسين في مجموعة من المواقف , وما جاء به الإسلام من إقرار ملكية يمين المرأة و إقرار تعدد الزوجات ,
وعدم ارتفاع ما ترثه المرأة الى مستوى ما يرثه الرجل واختلاف التوجيه الخاص بالرجل عن التوجيه الخاص بالمرأة يتم استغلاله لتكريس النظرة السوداء عن المرأة , والتعامل معها ككائن نجس يجب ستره .
وتاريخ البشرية لا يسجل إلا تاريخ الرجل , وهو تاريخ لازال ممتدا الى يومنا هذا حيث تتكرس دونية المرأة بامتياز على جميع المستويات .
2 ) واذا تصفحنا النصوص الدينية سنجد إنها تجنح الى تكريس المساواة بين الرجل والمرأة مع مراعاة * قوامة * الرجل التي تكرس الفرق بينهما .
فقد جاء في القران الكريم : * والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض * وهذا القول يكرس المساواة القائمة بين الرجل والمرأة .
وجاء أيضا : قل للمومنين بغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم , ان الله خبير بما يصنعون , وقل للمومنات بغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن , و لا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها , وليضربن بخمرهن على جيوبهن , ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... الآية *. وفي هدا القول تبرز أفضلية الرجل على المرأة فيما يخص نوعية الخطاب المختلف .
وجاء في مكان اخر * الرجال قوامون على النساء * وفيه أفضلية القوامة الخاصة بالرجال .
وجاء فيه : * حملته أمه وهنا على وهن * وفيه أفضلية الام على الأب .
وجاء أيضا : * ان اشكر لي ولوالديك * وفيه المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة . كما في قوله تعالى : * و لا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما , واخفض لهما جناح الذل من الرحمة * و في الحديث : ( من أحق الناس يحسن صحابتي ؟ قال املك , قيل ثم من ؟ قال أمك , قيل ثم من ؟ قال أمك قيل ثم من ؟ قال أبوك )وهو قول يكرس بشكل واضح أفضلية المرأة على الرجل .
وفيه ( الناس كأسنان المشط و ( لا فرق بين عربي وعجمي و لا بين ابيض واسود إلا بالتقوى ) وهذان القولان يكرسان المساواة بين الناس جميعا سواء كانوا ذكورا او إناثا .
وبذلك نجد ان الدين الإسلامي الحنيف يساوي بين الرجل والمرأة مع مراعاة قوامة الرجل في جوانب معينة وأفضلية المرأة على الرجل انطلاقا من خصوصيتها كأم , وهذا الموقف متقدم كثيرا على ما كان سائدا قبل الإسلام , ولم يعمل المسلمون به ,ولم يكرسوه على ارض الواقع إلا نادرا . بل ان التشريعات نفسها تكرس أفضلية الرجل على المرأة , أما العادات والتقاليد والإعراف فهي امتداد لما كان سائدا في العصرالجاهلي و لا عبرة فيه بما ورد في الكتاب والسنة .
3 ) وعلى المستوى القانوني نجد تكريس دونية المرأة , سواء تعلق الأمر بقانون العقود والالتزامات ,أو القانون الجنائي او قانون الأحوال الشخصية .
فالمرأة حسب النصوص القانونية المختلفة هي دون مستوى الرجل . لاتقبل شهادتها بمفردها , و لاتزوج نفسها , بل لا بد لها من ولي , وترشيدها لا يتساوى مع ترشيد الرجل .
وهذه الدونية القانونية ناتجة عن كون القوانين غير متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان . وخاصة الميثاق المتعلق بإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة , سواء كان هذا التمييز اقتصاديا او اجتماعيا او ثقافيا او سياسيا , ولذلك فملأءمة القوانين المعمول بها بما فيها قانون الأحوال الشخصية مع المواثيق الدولية اصبح ضروريا من اجل ان يكون موقف القانون من المرأة غير مجحف لها وضامن لحفظ كرامتها .
4 ) وفيما يخص الموقف مع المرأة , فان ذلك يختلف باختلاف الطبقات المكونة للشعب . فالطبقة الإقطاعية او شبهها ,تتعامل معها ككائن معزول عن المجتمع خاص بمتعة الإقطاعيين . والقيام بوظيفتي الإنجاب , والاعتناء بتربية الأبناء . والطبقة البورجوازية تعتبرالمرأة حرة تفعل بنفسها ما تشاء بما في ذلك بيعها جسدها , وفي حالة الزواج بها فهي متعة وتحفة تظهر الى جانبه أمام البورجوازيين يتباهى بجمالها ويتوسل بها عقد الصفقات المربحة بما فيها قضاء المآرب في مختلف الإدارات . والطبقة البورجوازية الصغرى تتأرجح بين اعتبارها كائنا يجب ان يكون معزولا عن المجتمع , وبين ان تفعل بنفسها ما تشاء , وان تكون متعة للرجل , وزينة الى جانبه أمام الناس أما بالنسبة للكادحين فالمرأة ند الرجل تشاركه في العمل في الحقل وفي المشغل ، وتساهم بشكل فعال في بناء الأسرة وتعمل الى جانب الرجل على تربية الأبناء , وتعتبر هي المسؤولة الأولى عن الأسرة .
وهذا الاختلاف في الرأي , وفي التصورات لا يلغي دونية المرأة على أنها مساوية للرجل على المستوى الاجتماعي . أما على المستوى الاقتصادي فان نتيجة عمل المرأة غالبا ما يؤول الى الرجل بسبب انتشار الأمية في صفوفها , وبحكم العادات والتقاليد والأعراف التي تجعل الرجل في مستوى تحمل المسؤولية , وتتعامل مع المرأة باحتقار .
ولذلك فموقف المجتمع من المرأة يبقى رهينا ب :
1 ) مستوى تطور المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي, لان أي تطور حصل فبه لا بد ان ينعكس على الرؤيا والموقف .
2 ) مستوى الوعي السائد فيه فإذا كان الوعي زائفا يكون الموقف من المرأة سلبيا , أما إذا كان حقيقيا , فيكون هذا الموقف إيجابيا , والمجتمعات البشرية غالبا ما تكون محكومة بالوعي الزائف , ولذلك يكون موقفها من المرأة زائفا أيضا .
3 ) مستوى أخلاق المعاملة السائدة التي يطبعها ا احتقار المرأة وإهانتها في الأماكن العامة , وفي الممارسة وفي الجامعة , وفي أماكن العمل , وهي أخلاق أصبحت مترسخة في سلوك الناس، ولا يوجد قانون يجرمها ولا توجد شرطة آداب تراقبها , وتضبط ممارستها وتعمل على زجرها .
4 ) الوعي الزائف الذي يحكم ممارسة المرأة وعقليتها , ونظرتها للمرأة المتسمة بالدونية , كما تؤكد ذلك كل وقائع الحياة اليومية ابتداء بقبولها اعتبار جسدها عورة , وانتهاء بسقوطها في الممارسات المنحطة .
ولذلك فموقف المجتمع من المرأة يستند بالدرجة الأولى إلى ممارسة المرأة نفسها , وهو ما يجب أخذه بعين الاعتبار , للتخطيط في إعادة صياغة وعي المرأة حتى ترقى بنفسها الى مستوى فرض احترامها .

المتنبئون الجدد وقضية المرأة :

ودونية المرأة تتجسد اكثر في فكر وممارسة ٍٍٍ المتنبئبن الجدد الذين يعتمدون على أدلجة الدين الإسلامي , ويعتبرون كل ما يتعلق بالمرأة في قوانين الاحوال الشخصية مقدسا ,ويرفضون مراعاة التطور الاقتصادي والاجتماعي , و الثقافي , والمدني والسياسي في إعادة صياغة تلك القوانين على أساس ان ما يحصل من تطور هو من صنع( المشركين ) الكافرين , والزنادقة , والملحدين والعلمانيين والغربيين) الى غير ذلك من الأوصاف القدحية الدنيئة , والمنحطة التي تملا كتبهم , وجرائدهم من اجل الوصول الى جعل المجتمع يقاوم التغيرات المضللة في قوانين الأحوال الشخصية كما حصل في مصر , وفي المغرب والمقاومة المطلوبة لا تتم إلا بتحريض الرجل والمرأة معا ضد الجمعيات والهيئات المطالبة بإدخال تعديلات على قوانين الأحوال الشخصية والحفاظ على دونية المرأة في المجتمع باعتبارها مقررة في الدين الإسلامي . و لا يجب تجاوزها , لان التجاوز معناه الخروج عن الإسلام , والكفر , والزندقة , والتغريب , وأشياء اخرى نستحي ان نذكرها في هذه المعالجة وهؤلاء المتنبئون الجدد يكرسون دونية المرأة من خلال :
1) اعتبار المرأة عورة ولذلك فخروجها مسافرة يمكن ان يقود الى الفتنة وعملها يعتبر سببا في حدوث العطالة في صفوف الرجال .
2 ) فماذا يقصد هؤلاء المتنبئون الجدد بمفهوم العورة ؟ انهم يقتحمون كل جسد المرأة في هذا المفهوم , من هامتها الى أخمص قدميها , وبالتالي فان عليها ان تستر عورتها , أي ان تحجب نفسها عن الناس , وبما ان العصر الذي نعيشه يفرض خروج المرأة فانهم يحرفون معنى الحجاب ليصبح مجرد شكل من اللباس الذي يسمونه ( إسلاميا ) والحجاب الذي عرف في تاريخ المسلمين يختصر في حرمان المرأة من الخروج, وهو ما لم يرد فيه نص . لان المرأة بعد ظهور الإسلام لم تكن محرومة من الخروج , بل كانت تشارك الرجل في شؤون الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية وكل ما ورد هو توجيه تربوي بفرض احترام الرجل للمرأة , واحترام المرأة للرجل كما ورد في الآية الكريمة : ( قل للمومنين يغضو من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم , ان الله خبير بما يصنعون ,وقل للمومنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) وهذا التوجيه التربوي يستهدف الجانب الأخلاقي الذي لا يكون إلا نسبيا , أي ان اللباس الذي يسمونه ( حجابا ) يختلف في شكله باختلاف الشروط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعيشها المجتمع الذي يحدد تبعا لتلك الشروط ما يقبله , وما يرفضه من أشكال اللباس , ومستوى التعليم في صفوف الرجال والنساء معا يقود الى مستوى من التفكير لا يحضر فيه الجسد بقدر ما تحضر أمور اخرى فيصبح الجسد ثانويا .
واستحضار الجسد في التفكير والممارسة يعبر عن أمرين أساسيين :
الأمر الأول : إلغاء إنسانية المرأة أبديا , فالمرأة الحاضرة في أذهان المتنبئين الجدد لا تتجاوز مجرد كونها مجالا لممارسة الجنس وما سوى ذلك لا قيمة له . وهو ما ينتج احتقار المرأة الذي لا حدود له .
ولذلك فاعتبار المرأة عورة هو ممارسة إيديولوجية تستهدف فرض وصاية المتنبئين الجدد على الدين الإسلامي الذي يختصرون رؤيته للمرأة في الجانب الجنسي فقط . مع ان الإسلام ليس كذلك فالمرأة كالرجل إنسان , لا تحرم من مخالطة الناس جميعا بحكم الضرورة التي تفرض الاحترام المتبادل بين جميع الناس في إطار ممارسة أخلاقية / اجتماعية متعارف عليها , يعتبر شكل اللباس في إطارها مظهرا اجتماعيا متعارفا عليه , وليس التزاما دينيا كما يدعي ذلك المتنبئون الجدد وهو ما ينفي كون المرأة عورة إلا في حدود ما يتفق عليه أفراد المجتمع سواء تعلق الأمر بالمرأة او بالرجل , الذي يمكن ان يوصف أيضا بأنه عورة حسب منطق المتنبئبن الجدد .
2)اعتبار عمل المرأة سببا في انتشار البطالة , وهو اعتبار يحمل في مضمونه الكثير من التجني على المرأة من جهة والكثير من التضليل الذي يصيب عقول الناس ووعيهم باسم الإسلام من جهة اخرى .
وهو - في نفس الوقت – اكبر خدمة يقدمها المتنئون الجدد للنظام الرأسمالي العالمي , والأنظمة المتخلفة التي تسبح في فلكه , وينتمي إليها المتنبئون الجدد بالإضافة الى كون هذا الاعتبار مخالفا لما جاء في الإسلام نفسه الذي اقر عمل المرأة ومشاركتها للرجل في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و السياسية , ومخالفا للمواثيق الدولية التي تعتبر العمل حقا من حقوق الإنسان , تلك المواثيق التي يدعى المتنبئون الجدد إنها مخالفة للإسلام , ومناهضة له . وهو ادعاء يتنافى مع ما تقره تلك المواثيق بما يحقق كرامة المرأة والرجل على السواء .
والواقع ان انتشار البطالة لا يرتبط بعمل المرأة بقدر ما يرتبط بالاختبارات الرأسمالية التابعة وبعولمة اقتصاد السوق . وبكل الأمراض الاقتصادية التي تصاحب ذلك . فالاختيارات القائمة في معظم البلدان التي ينتمي اليها المتنبئون الجدد لا ديمقراطية ولا شعبية , وهي اختيارات تنم عن حقد دفين تجاه الكادحين بصفة عامة لإقحام المرأة بصفة خاصة التي يلبسونها أزمة عدم إيجاد مناصب الشغل للعاطلين من الرجال .فالأزمة ليست في عمل المرأة , إنها في الجري وراء تحقيق المزيد من التراكم الاقتصادي في أيدي قلة من الأشخاص المساهمين في قيام شركات عابرة للقارات , تمتص بشبكة فروعها المبثوثة عبر العالم دماء الكادحين في كل مكان سواء كانوا رجالا او نساء, وهو ما يفند ادعاء المتنبئين الجدد ويفرض عليهم القبول بعمل المرأة كواقع لامفر منه بعد إدخال التعديلات على التصور المتعلق به .
3) اعتبار دور المرأة في محاربة المخالفين للمتنبئين الجدد وهو اعتبار يعكس :
أ- انه في الوقت الذي يحرص فيه المتنبئون الجدد على بقاء المرأة في بيتها حتى لا تنكشف عورتها , وفي احسن الأحوال , ان تستر كل جسدها يطلبون منها ان تقوم بدور رائد في تجسيد خطاب المتنبئين الجدد ,وإشاعته في المجتمع وخاصة في أوساط الشرائح الشعبية الكادحة .
ب- ان المرأة مرشحة اكثر من الرجل للتأثر بخطاب المتنبئين الجدد الذين يدركون جيدا انها اكثر تخلفا , واكثر أمية واكثر فقرا من الرجل . فالبؤس خطابهم, وتسعى الى جعل الجميع يلتمس الخلاص فيه .
ج) ان سيادة التخلف والفقر و الأمية في صفوف الرجال يساعد على استغلال المرأة في القيام بدورها المطلوب منها .
د- ان النظام الرأسمالي يساعد على إشاعة خطاب المتنبئين الجدد لان حصصا بكاملها تخصص لذلك عن وعي او غير وعي وشعب الدراسات الإسلامية في مختلف الكليات يحولها الى مفرخة للمتنبئين الجدد .
ه- ان النظام الرأسمالي التبعي المنتج للفقر , والممارس للقهر يوحي بان خطاب المتنبئين الجدد , يساعد على الخروج من الأزمة من خلال رفع شعار ( الإسلام هو الحل ) وهو ليس الا شعارا ايديولوجيا .
ولذلك فتوظيف المرأة في محاربة المخالفين للمتنبئين الجدد رهين بتخلف المرأة, وزيف الوعي الذي تحمله . ولذلك يجب العمل على انعتاقها وتصحيح وعيها المقلوب حتى تكون مساهمتها في نشر الوعي إيجابية .
4)استغلالها في انتخابات من اجل وصول المتنبئين الجدد الى مراكز القرار الاقتصادي والاجتماعي, والثقافي من اجل تعميق التمكن من المجتمع والسيطرة عليه عن طريق استغلال الدين الإسلامي في إقناع الناخبين عن – طريق المرأة طبعا – بضرورة التصويت على مرشحي أحزاب المتنبئين الجدد . او على مرشحيهم ( المستقلين ) او باسم أحزاب قريبة منهم , لاجل إقامة ( الدولة الإسلامية ) او (الحكومة الاسلاموية ) او في الحدود الدنيا للوصول الى مراكز القرارات في المجالس المختلفة وفي البرلمان وهو مايمكن المتنبئين الجدد من تغيير موازين القوى لصالحهم وفرض تطبيق ( الشريعة الاسلامية) التي يملأون بالحديث عنها الدنيا طولا وعرضا وللوصول الى ذلك لابد من تحقيق :
أ- تشبع المرأة بإيديولوجية المتنبئين الجدد التي يسمونها ب ( الشريعة الإسلامية * حتى تقوم بدورها في إقناع الناس بقناعتها بدونيتها وممارسة تلك الدونية حتى تعمل على إقناع الرجال والنساء معا بها .
ب- استيعابها للبرنامج المرحلي الذي يضعه المتنبئون الجدد حتى تعمل على تحقيقه على ارض الواقع بوصول المتنبئين الجدد الى مراكز القرار.
ج- استعدادها للتضحية بروحها في سبيل تحقيق ذلك البرنامج حتى إقامة ( الدولة الإسلامية ).
ومعلوم ان مخطط المتنبئين الجدد في الانتخابات التي يشاركون فيها لا يعكس ابدا إيمانهم بضرورة تحقيق الديموقراطية جملة وتفصيلا , حتى ولو تعلق الأمر بالانتخابات , لان ادعاءهم ضرورة الديموقراطية ماهو الا تاكتيك للوصول الى ناصية القرار لفرض استبدادهم على المجتمع ككل . ذلك الاستبداد الذي تعتمد المرأة بالدرجة الأولى للوصول اليه , لتعاني اكثر من الرجل بسببه .
5) استغلالها في التظاهرات المختلفة بسبب استلابها وانسياقها وراء خطابات المتنبئبن الجدد، فهي تعتقد ان حضورها في التظاهرات السياسية المختلفة جزء من الدين الإسلامي باعتباره ( جهادا في سبيل الله).
لذلك نجد ان المتنبئين الجدد يستغلون هذا الاستلاب , ويحشرون النساء في التظاهرات السياسية المختلفة التي يقيمونها وباللباس المختلف , والمعبر عن الجنوح الى تكوين طائفة منفصلة فكرا وممارسة عن المجتمع , ومستعدة لاقصاء الطوائف الأخرى ولو بالقتل والإبادة اذا دعت الضرورة الى ذلك ويسمونه ( جهادا) في سبيل الله غير مستحضرين لقوله الله تعالى : ( ومن قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ).
والمرأة عندما تستغل في إقامة التظاهرات المختلفة التي يقيمها المتنبئون الجدد في مختلف المناسبات تفقد قيمتها كامرأة , لان عملية الحشر في التظاهرات بدون إرادتها بفقدها إنسانيتها ,ويجعلها مجرد قطيع مملوك للمتنبئين الجدد , وهم في ذلك يختلفون عن النظام البورجوازي الذي يسئ للمرأة ويحولها الى مجرد متاع معروض في السوق يسعى الراغبون الى التمتع به .
والمتنبئون الجدد عندما يطرحون قضية المرأة فلأجل الحكم عليها بالتخلف والقهر , وحرمانها من ممارسة حرياتها وقمعها بواسطة قوانين الأحوال الشخصية التي يسمنوها شريعة , ويوظفونها لتحقيق أهدافهم السياسية , والطائفية , ويوحون إليها بالعمل على الجهاد من اجل تطبيق الشريعة الإسلامية , وهذه الممارسة تبقى المرأة متخلفة حتى وان كانت تحتل المناصب السياسية وتتصدر الطبقات الاجتماعية المالكة لوسائل الإنتاج . وفي استمرار تخلف المرأة يبقى المجتمع متخلفا , ومجالا لتفريخ المتنبئين الجدد الذين يوهمون الناس بالقضاء على أسباب التخلف التي يربطونها بوجود منابر التنوير في المجتمع .

سبل تفنيد دعاوي المتنبئين اتجاه المرأة :


ولتجاوز ما يمارسه المتنبئون الجدد في حق المرأة مما يغرقها في المزيد من التخلف , ويكرس تبعيتها للرجل , ويعرقل عملية تطور المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا , وسياسيا لا بد من :
1) التأكد على إنسانية المرأة الذي يعتبرضروريا للتعامل معها على جميع المستويات، لان وبدون ذلك التأكيد لا ترتفع مكانة المرأة في المجتمع ولا تكون محمية من جميع الأخطار التي تحدق بها وبالمجتمع ككل . وعملية التأكيد تلك لاتحضر إلا من خلال:
أ-رفع الحيف الاجتماعي الممارس ضد المرأة سواء تعلق الأمر بالأسرة او بالمجتمع والنضال من اجل تجريم ذلك الحيف حتى يمسك الناس عن ممارسته .
ب- تجريم التحرش الجنسي الذي تتعرض له المرأة في الأماكن العمومية , وفي مختلف الإدارات العمومية والخاصة وإنشاء شرطة الآداب التي تقوم بمراقبة السلوك العام وتتلقى الشكايات من النساء المعانيات من ذلك .
ج- تعميم إجبارية التعليم في صفوف الفتيات في الحواضر والبوادي , وتجريم حرمانهن من حقهن في التعليم سواء تعلق الأمر بالآباء او بالأولياء او تعلق بالجماعات المحلية او بالمسؤولين عن التربية والتعليم .
د- تعميم محاربة الأمية , وتجريم الامتناع عن ذلك سواء في صفوف النساء او في صفوف الرجال او تعلق الأمر بالجهات المسؤولة عن محاربة الأمية .

ه- دعم الجمعيات المهتمة بالدفاع عن النساء , والمطالبة بتمتيعهن بحقوقهن الكاملة , وتبسيط مسطرة تكوين فروع لها في المدن والبوادي , وفي الجبال وفي السهول .
و- تجريم استغلال العمل الجماهيري لاغراض خارجة عن الأهداف المرسومة في قوانينها الأساسية . حتى تبقى الجمعيات النسائية مستقطبة للنساء .
ز- العمل على ملاءمة قوانين الأحوال الشخصية مع المواثيق الدولية من اجل ضمان تمتع المرأة بكامل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية الى جانب الرجل .
ح- تجريم تشغيل القاصرات في البيوت باعتباره وسيلة للحرمان من التمتع بمرحلة الطفولة, ويعرض القاصرات للكثير من المخاطر النفسية والجسدية بالإضافة الى الحرمان من التعليم , واكتساب المؤهلات المساعدة على إدماج المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .
ط- إعطاء الأولوية لتشغيل النساء في القطاعات المتناسبة مع كونهن امرأة بنسبة معينة لضمان مساهمتها في التنمية .
ي- تنظيم حملات لتوعية النساء بحقوقهن سواء في المدينة او في البادية حتى تمتلك القدرة على مقاومة ما يمارس في حقها من أي جهة كانت , وخاصة من قبل المتنبئين الجدد واذنابهم .
2) اعتبار عمل المرأة حقا وليس امتيازا لانه في المجتمعات المختلفة ذات الأنظمة التابعة ، فان عمل المرأة حتى وان كان متدنيا يعتبر امتيازا يعتبره المتنبئون الجدد ضارا بحق الرجل في العمل , وسببا رئيسيا في انتشار بطالة الرجال كما أشرنا الى ذلك . والواقع ان المرأة كالرجل من حقها ان تمارس عملا معينا , تختاره بمحض إرادتها , و لا أحد يرغمها على ذلك او يمنعها عنه, كما يحق لها ان تمارس مهنة حرة تختارهت ولا تفرض عليها ولا تمنع من ممارستها بما فيها حق ممارسة التجارة وسواء عمات المرأة او مارست مهنة حرة فان ذلك سيكون وراء دخل اقتصادي خاص بها يمكنها من حفظ كرامتها بدل ان تبقى في حاجة الى الرجل يعيلها. ولذك فعملها سيكون تعبيرا عن:
أ- تمتع المرأة بأحد الحقوق التي كثيرا ما تحرم منها . مما يشعرها بأهمية التمتع بالحقوق المختلفة فتسعى الى الحصول عليها بكافة الوسائل , وتنشئ لهذه الغاية جمعيات خاصة بها , او تنخرط فيها وتلتزم ببرامجها الهادفة الى تحرير المرأة من التبعية للرجل .
ب- تمتعها بحريتها على الأقل حتى لا تبقى تحت رحمة الرجل , وتتمكن من الحصول على حاجياتها بعيدا عنه , والقيام بإعالة أسرتها وأفراد عائلتها كما يفعل الرجل حتى يتبين للجميع ان المرأة كالرجل في اكتساب المؤهلات ,والحصول على العمل في إعالة الأسرة ...الخ وأنها تفضله بكونها تكون أما , وتحمل في وجدانها عواطف إنسانية نبيلة .
ج- مساهمتها في بناء الاقتصاد الوطني / القومي , كمستثمرة او كعاملة , او مستخدمة او موظفة . و هذه المساهمة تجعل الوطن القومي لا يراهن على الرجال فقط بل يراهن أيضا على النساء, ودورهن في تنشيط الصناعة , والتجارة والخدمات , وهي أمور لا بد منها في أي نهضة اقتصادية , لان مراهنة الوطن القومي على الرجال وحدهم كمن يراهن على جسد نصفه مشلول , لان النصف المشلول سيعرقل حركية النصف غير المشلول .والحياة لا تنتظم إلا بإعادة الحياة للنصف المشلول حتى يتحرك بكامل حريته ,ويعمل على تطوير نفسه لاكتساب رشاقة الإبداع الاقتصادي الذي يرفع من مكانة الوطن القومي المعتمد على أبنائه جميعا ذكورا وإناثا .
د- قدرتها على اكتساب الوعي الحقيقي الذي بيعدها عن تضليل المتنبئبن الجدد , ويخلصها من الوعي المقلوب فتعمل على معرفة الواقع العام و واقعها الخاص معرفة علمية دقيقة تفيدها في معرفة ما يجب عمله للخروج من الوضع المتردي للمرأة . هذا بالإضافة الى وعي المرأة بحقوقها العامة والخاصة كاملة غير منقوصة وإدراك ما يجب عمله للتمتع بتلك الحقوق.
ه- استعدادها التام للمساهمة في جميع الأنشطة الاجتماعية / التربوية التي يستفيد منها الأطفال على مستوى المؤسسات الإنتاجية والاجتماعية والخدماتية والثقافية , لاشعار الأطفال بالدور الذي تقوم به الام كامتداد لدورها على مستوى الأسرة ,والدفع بهم الى التمتع بحقوقهم كاملة غير منقوصة حتى ينشأوا على التربية على حقوق الإنسان كما هي في المواثيق الدولية .
فعمل المرأة – إذن – ضروري لحمايتها من إهدار كرامتها ولمساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية , ومن اجل النهوض بالوطن القومي والرفع من مستوى إعداد الأجيال الصاعدة , وتتحقيق مستقبل تسود فيه العدالة الاقتصادية والثقافية والسياسية، خال من الأمراض الحاطة من كرامة المرأة على جميع المستويات .
3) التأكيد على احترام كرامة المرأة التي لا تتحقق إلا بتمتيعها بجميع الحقوق العامة والخاصة , والعمل على حل مشاكلها الاجتماعية في إطار إيجاد مؤسسات مختصة بتعهد الأطفال حرصا على اطمئنانها على أبنائها وإيجاد مؤسسات للتعليم الأولي في جميع المناطق النائية كما في الحاضرة , ودعم تمدرس الأبناء وتوفير الشغل للعاطلين وإيجاد مؤسسات لعلاج المرضى في الوسط القروي كما في الوسط الحضري , وجعل مصاريف العلاج في مستوى دخل الإنسان المغربي ... الخ .... لان كرامة امرأة من كرامة المجتمع , وكرامة المجتمع لا تحضر إلا من خلال كرامة المرأة .
فالمرأة أولا و أخيرا إنسان , لا بد ان تحضر إرادتها في اختيار ما له علاقة بحياتها , وفي المساهمة في تقرير مصير وطنها , وفي بناء الاقتصاد الوطني الذي تراه مناسبا لها , وفي ايجاد تعليم وطني , لبناء إنسان متحرر وديموقراطي وعادل , وفي النضال من اجل ديمقراطية حقيقية من الشعب والى الشعب بمضامينها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , ومن اجل مؤسسات منتخبة انتخابا حرا ونزيها بما فيها مؤسسة البرلمان التي تعمل على :
أ- تشكيل الحكومة التي أفرزت اغلبتها صناديق الاقتراع والتي تعمل مباشرة على إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية للمشاكل القائمة في جميع القطاعات .
ب- العمل على ملاءمة القوانين للمواثيق الدولية وخاصة قوانين الأحوال الشخصية مساهمة منه في حفظ كرامة المرأة التي تعاني الأمرين . تلك القوانين في العديد من بلدان المسلمين التي تدعي أنظمتها التابعة أنها تطبق الشريعة الإسلامية بواسطة تلك القوانين .
وحتى تكون تلك الانتخابات حرة ونزيهة لابد من توفير الشروط التي من جملتها :
أ- التخفيف من حدة الأمية السائدة في المجتمعات الإسلامية والتي تقف وراء التخلف المسيطر في هذه المجتمعات .
ب- العمل على إعادة الاعتبار للمرأة عن طريق تمتيعها بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية حتى تشعر بأهميتها .
ج- العمل على حل مشاكل الشباب الغارق في العطالة ويتهالك بسبب المشاكل التي تعشش فيه .
فالتأكيد على احترام كرامة المرأة يعتبر ضرورة تاريخية واجتماعية وثقافية , أي ضرورة كاملة شاملة وكونية من اجل ضمان مساهمة المرأة في حركة الحياة بكل أبعادها لصياغة حياة جديدة لا وجود فيها لدونية المرأة .
4) نشر الوعي الحقيقي في صفوف النساء، والوعي الحقيقي هو خلاف الوعي الزائف الذي يهيمن على عقول الناس جميعا. وتلك الهيمنة تقتضي منا :
أ- تحديد مفهوم الوعي الحقيقي الذي يعني العمل على معرفة الواقع كما هو وبأدوات علمية حقيقية , من اجل ضبط قوانينه , ومعرفة كيفية تحويله الى الأحسن , والواقع المستهدف بالوعي الحقيقي في موضوعنا هذا، هو واقع المرأة في أبعاده المختلفة الذي يجب إدراكه كما هو , وهو إدراك القوانين المتحكمة فيه , والعمل على تغيير تلك القوانين من اجل الارتقاء بالمرأة الى واقع احسن .
ب-تحديد وسائل بث ذلك الوعي في صفوف النساء وهذه الوسائل هي :
أولا: الوسائل السمعية البصرية التي يمكن ان تبث برامج تجعل المرأة تملك وعيها بالصوت و الصورة , والتمرس على تمثل ذلك الوعي .
ثانيا - الوسائل المكتوبة / المقروءة التي تبسط الواقع بما فيه واقع المرأة . وتبرز من خلال ذلك التبسيط مظاهر التضليل الممارس على المجتمع بصفة عامة , وعلى المرأة بصفة خاصة من اجل إزاحة ذلك التضليل من أذهان الناس , وفضح الأباطيل التي تلتصق بالمرأة , والكشف عن الجهات المستفيدة من تلك الأباطيل.
ثالثا-العروض والندوات حول مختلف القضايا التي تتعلق بالواقع الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي والمدني والسياسي بهدف الكشف عن مختلف التناقضات التي يزخر بها , من اجل التسريع بتفجيرها وكذلك القضايا المتعلقة بالمرأة التي تجعلها غير قادرة على المطالبة بحقوقها المختلفة .
رابعا : الفنون والآداب التي يجب ان توظف لنشر الوعي بين الناس , وخاصة الوعي بشدة معاناة المرأة الناتجة عن القهر الاجتماعي كامتداد للقهر الطبقي المسلط عليها . ومعلوم ما لانحياز الفنون والآداب من دور في بث وعي معين بين الناس بصفة عامة وبين النساء بصفة خاصة .
خامسا : المناسبات الاجتماعية المختلفة التي يجب ان تستغل لتغيير العادات والتقاليد والأعراف المكرسة لدونية المرأة بعادات وتقاليد و أعراف جديدة تحضر فيها قيم احترام كرامة الإنسان بصفة عامة , وكرامة المرأة بصفة خاصة .
وبذلك يمكن الانطلاق من الوضوح من اجل ان يكون الناس مشبعين بذلك الوعي , وان تكون المرأة الحاملة له أول من يقاوم كل أشكال التضليل المؤدية الى النيل من كرامة المرأة .
5) تمتيع المرأة – الى جانب الرجل – بالحريات العامة والفردية, ذلك ان أي مجتمع اذا لم يتمتع أفراده بحرياتهم كاملة غير منقوصة , فان إبداعهم سيكون ناقصا على جميع المستويات , فالحريات السياسية النقابية والجمعوية التي هي العمود الفقري للحريات العامة ستكون ضرورية لجميع أفراد المجتمع, لأنها ستمكنهم من اختيار مصير بلادهم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي , حتىلا يبقى في يد قلة من البشر يوظفون البلاد والبشر ومستقل البلاد لحماية مصالحهم الطبقية , كما ستمكنهم من حق إنشاء التنظيمات المناسبة لهم سواء كانت حزبية او نقابية او جمعوية وحق الانتماء إليها , و النضال وفق برنامج حزبي او نقابي او جمعوي محدد, من أجل تحقيق أهداف محددة لها علاقة بالاقتصاد و الاجتماع والتقافة والسياسة .
والمرأة في المجتمع كالرجل , يجب ان تتمتع بنفس الحريات حتى يستفيد المجتمع من إبداعاتها المختلفة , فتمتع المرأة بالحريات العامة يمكنها من :
أ- المساهمة في الحياة العامة من خلال إتاحة الفرصة للمرأة من اجل التواجد في القطاعات المختلفة , وتسيير الشؤون العامة , والمساهمة في المحطات الانتخابية ترشيحا وتصويتا وتحمل مسؤولية الحكومة المحلية و الوطنية , وممارسة مهن التجارة والصناعة والزراعة والتوثيق والمحاماة والطب و الصيدلة و أشياء اخرى تحضر فيها شخصية المرأة بكثافة حتى تبرز مساهمتها في رفع مستوى الوطن القومي .
ب- المساهمة في الحركة السياسية / الحزبية , عن طريق حضورها المكثف في إنشاء الأحزاب وتنظيمها ووضع برامجها والمساهمة في تنفيذ تلك البرامج , وتحمل مسؤولياتها المحلية والوطنية , والحرص على ان تستحضر الأحزاب دور المرأة السياسي , وإمكانية مساهمتها في صياغة اختيارات اقتصادية واجتماعية وثقافية شعبية وديموقراطية لجعل الشعوب تطمئن على مستقبلها الذي هو في نفس الوقت مستقبل حرية المرأة .
ج – المساهمة في الحياة النقابية من خلال الحضور الفعال في بناء الحركة النقابية محليا ووطنيا والعمل على ترسيخها في الواقع ووضع برامجها النضالية , وخوض النضالات المختلفة من اجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , والدفاع عن المطالب المادية والمعنوية للمراة العاملة والموظفة وربة البيت التي يجب الدفع في اتجاه اعتبارها عاملة بقوة الواقع , والعمل على إيجاد تنظيم نقابي خاص بها حتى تنخرط بدورها في النضالات المطلبية لا ضد الأزواج باعتبارهم ضحايا الاختيارات القائمة , بل ضد الاختيارات نفسها التي لا تولي اية أهمية لربة البيت التي تقدم خدمات كبيرة للمجتمع لا تقوى المرأة العاملة على تقديمها فما لنا بالرجل .
د - المساهمة في الحركة الثقافية عن طريق إتاحة الفرصة لنشر الإبداعات المختلفة التي تنتجها المرأة سواء تعلق الأمر بالقصة او بالرواية او بالمسرح او بالموسيقى ,والدعاية لها ودعمها, وخاصة تلك التي تشرح واقع المرأة على جميع المستويات وتسعى الى بسط مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية وتطرح أفاق تحريرها من مختلف القيود التي يفرضها المجتمع عليها . بالإضافة الى مساهمة المرأة , في مختلف الجمعيات الساعية الى نشر الثقافة الجادة , ومحاربة الثقافة المائعة ,و العمل على تقويم المسلكيات الفردية والجماعية . وتغيير الرؤى والتصورات حول مختلف القضايا خاصة قضية المرأة .
ه-المساهمة في إيجاد حركة حقوقية رائدة ابتداء بالعمل على تأسيس الجمعيات الحقوقية العامة والخاصة من خلال النضال الحقوقي العام ، ومن اجل ترسيخ مفهوم حقوق الإنسان في الواقع، والعمل على التمتع بمختلف الحقوق ، وفرض الحقوق الخاصة بالمرأة والطفل من أجل إنسان بكافة الحقوق .
و- المساهمة في تكريس استقلالية المرأة عن الرجل , وخاصة على المستوى الاقتصادي عن طريق التحرر من تبعيتها له , وبخروجها للعمل في مختلف القطاعات , وممارستها لمختلف المهن الحرة التي تختارها . وسعيها الى فرض اعتبار عمل المرأة في البيت عملا مؤدى عنه ان لم يؤد الى اعتبار المرأة مشاركة للرجل في الممتلكات التي تكونت إلا برضاها وبرغبة منها ومساواتها للرجل في كل شيء لتكريس استحضار هيمنتها وتجريم كل الممارسات التي تؤدي الى احتقار المرأة .
وبذلك يكون تمتيع المرأة بالحريات الفردية والجماعية والسياسية والنقابية والجمعوية مناسبة لتمكينها من الإبداع في مختلف مقومات حضارة الوطن الذي تنتمي إليه. ومساهمتها الفعالة والرائدة لا تتأتى إلا بالتنظيم .

المرأة والتنظيم :

ولكي تحضر المرأة في الواقع بكل تجلياته الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والمدنية والسياسية لا بد من انتظامها في إطارات معينة تساهم في تنظيم عطاءاتها ,وتستفزها من اجل التأثير في واقع متخلف , تسعى مختلف التنظيمات الجادة الى تغييره او العمل على تطويره الى الأحسن , والتنظيمات التي تدعو الضرورة الى الانخراط فيها تكون ذات طابع عام سياسي او نقابي او جمعوي , حقوقي او ثقافي او تربوي ,وذات طابع خاص يتعلق بالمرأة او بخصوصية مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية او الثقافية فالتنظيمات ذات الطابع العام تساهم فيها الى جانب الرجل نظرا للهم المشترك الذي يجمع بينهما , والرغبة المشتركة في تغيير واقعهما , واهم التنظيمات العامة التي تنخرط فيها :
1)المرأة والتنظيم الحزبي : ونظرا لعلاقة قضية المرأة بالجانب السياسي فإننا نجد ان الأحزاب السياسية تهتم بقضية المرأة الى جانب باقي القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ولذلك نجد ان المرأة تنجذب الى الارتباط بالأحزاب السياسية كمجال للتعبير عن وجودها في الواقع الذي تتحرك فيه تلك الأحزاب . لكن ما هو الحزب السياسي ؟ إنه تنظيم يقوم على ثلاثة أسس تتكامل مع بعضها البعض , وإذا افتقد أحدها يفتقد مبرر وجود التنظيم الحزيي :
أ- الأساس الإيديولوجي باعتباره معبرا عن مصالح طبقة معينة تنتظم في ذلك الحزب , وبما ان المجتمع – أي المجتمع – ينقسم الى مجموعة من الطبقات , فان الإيديولوجية تتعدد بتعدد تلك الطبقات . فهناك إيديولوجية الإقطاع التي توظف الدين لتكريس هيمنتها , وتأييد سيطرتها على المجتمع وإيديولوجية البورجوازية القائمة على التحديث واستغلال الدين وخاصة في المجتمعات التابعة , وإيديولوجية الطبقات الوسطى التي غالبا ما توفق بين مختلف الإيديولوجيات ,و لا تتورع هي بدورها عن توظيف الدين لأغراض سياسية/ حزبية . وإيديولوجية الكادحين التي لا تكون الا علمية . والمرأة باعتبارها من المجتمع فهي كالرجل تنتمي الى طبقة من الطبقات الاجتماعية ولذلك فهي تقتنع بإحدى الإيديولوجيات المعبرة عن مصلحتها الطبقية إلا إذا اختارت الاقتناع بإيديولوجية نقيضة .
ب – الأساس التنظيمي المنسجم مع الإيديولوجية لان الانسجام بينهما يعتبر ضروريا , و إلا فان أحدهما سيكون منتفيا . فالتنظيم الحزبي الإقطاعي المعبر عن إيديولوجية الإقطاع يجب ان يكون مطبوعا بالخضوع المطلق لكبير الإقطاعيين , زعيم الحزب , والتنظيم البورجوازي يحاول ان يعكس قيم البورجوازية الليبرالية المتجلية في ممارسة شكل من ( الديموقراطية ) الداخلية التي تجعل كل فرد في الحزب يعتقد انه سيصل في يوم من الأيام الى قيادة الحزب , ومن خلاله الى قيادة السلطة القائمة , وحزب الكادحين ينسجم مع إيديولوجيتهم العلمية التي تقتضي بناء حزب ديموقراطي حقيقي يتساوى في إطاره القيادة والقاعدة , ويخضع فيها الجيمع لمبدأ القيادة الجماعية , وبذلك يكون التنظيم المنسجم مع الإيديولوجية هو التنظيم الحزبي المعبر عن القناعة الإيديولوجية , وعن الانتماء الى طبقة معينة . أما تنظيم البورجوازية الصغرى والمتوسطة فهو تنظيم مائع , وبإيديولوجية مائعة , لذلك نجده معرضا باستمرار للاهتزازات التنظيمية. وتجدر الإشارة الى ان جميع الأحزاب في المجتمعات ذات الأنظمة التابعة تكون مطبوعة بالميوعة نظرا لسيادة عدم الوضوح الإيديولوجي الناتج عن عدم الوضوح الطبقي .
ج- الأساس السياسي المعبر عن الانتماء الطبقي والقناعة الإيديولوجية نظرا لكون الموقف السياسي يجسد مصلحة الطبقة التي يعبر عنها الحزب ويقودها باعتباره إفرازا لها , ولكونها منطلقا للحركة الحزبية في أفق تحقيق تلك المصلحة , وهو الموقف المعتمد في تعبئة الجماهير لتبني موقف معين في محطات معينة وبكل الوسائل بما فيها الإعلام الحزبي . فالموقف السياسي للحزب الإقطاعي الؤدلج للدين , غالبا ما يسعى إلى تكريس مجتمع محافظ يتسم بالخضوع الشامل لإرادة الإقطاعيين , والموقف السياسي للحزب البورجوازي يسعى الى جعل تحقيق الحداثة اللبرالية دون تجاوزها الى أية حداثة اخرى وصولا الى جعل كل مواطن يعتقد انه قادر على الوصول الى امتلاك الثروة , والاصطفاف الى جانب البورجوازيين , وبالتالي الوصول الى قيادة السلطة كما يقول منطق البورجوازيين . وموقف حزب الكادحين لا يهدف إلا الى تغيير الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية السائدة التي لا تخدم مصلحتهم باختيارات نقيضة , وتبقى بعد ذلك الكلمة للشعب في اختبار من يشرف على تطبيق الاختبارات الجديدة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وفي إطار ديموقراطية حقيقية من الشعب والى الشعب .
وبهذه الأسس الثلاثة يتحدد مفهوم التنظيم الحزبي الذي يستهدف تنظيم الرجل والمرأة على السواء ,لكن يبقى ما هو الحزب الذي تجد فيه المرأة التعبير عن مصلحتها كامراة ؟ هل هو الحزب الإقطاعي ؟ هل هو الحزب البورجوازي ؟ هل هو حزب الكادحين ؟ هل هو حزب البورجوازية الصغرى ؟
إن المرأة كأي إنسان في المجتمع تنتمي الى إحدى الطبقات السائدة فيه , فهي إما إقطاعية أو بورجوازية او كادحة او بورجوازية صغيرة , وكل طبقة من هذه الطبقات تجد نفسها في الحزب الذي يناسبها .
إلا ان النظرة الدونية للمرأة السائدة في المجتمعات ذات الأنظمة التابعة تجعل المرأة لا تجد نفسها إلا في الحزب الذي يحترم الديموقراطية الداخلية . ويناضل فعلا من اجل ديموقراطية حقيقية من الشعب والى الشعب . إلا ان المرأة قد تنخدع بشعارات الأحزاب البورجوازية , وأحزاب البورجوازية الصغرى والمتوسطة . فتصل الى الياس , وتنكمش على نفسها , واما أنها تعيد النظر في انتمائها , فترتبط بحزب يحترم الديموقراطية الداخلية , ويناضل من اجلها .
وتلعب المرأة في حالة انتمائها الى حزب معين دورا كبيرا في التأثير على جميع القطاعات بسبب طبيعتها التي تسمح لها باقتحام صفوف النساء بالخصوص من اجل إيصال الموقف الحزبي الى قطاع عريض من المجتمع , وهو ما لم يتمكن الرجل من الوصول اليه بسبب سيادة المحافظة في نسيج المجتمعات ذات الأنظمة التابعة بالخصوص .
وتكون المرأة الحزبية اكثر استيعابا لواقع المرأة من الرجل وتملك أساليب تمرير الخطاب الى النساء , وتستطيع تعبئتهن وتعبئة جميع أفراد الأسرة في نفس الوقت .
كما أنها بذلك تحرص على كونها لا تختلف عن الرجل في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , وهي في ممارستها تنشر الوعي بتلك المساوات بين الرجال والنساء على حد السواء, وتنال النساء قسطا اكبر من ذلك الوعي الذي يستهدف استيعاب طبيعة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و المدنية والسياسية التي يجب ان يتساوى فيها الرجال والنساء معا.
والوقوف على الأسباب التي تحول دون التمتع بتلك الحقوق ودون تحقيق المساواة المنشودة . ومن هي الطبقة المستفيدة من الحرمان و من مختلف الحقوق وانعدام المساواة ؟ وماذا يحب عمله لازالة العوائق المختلفة لجعل جميع الناس يتمتعون بحقوقهم ويتساوون فيما بينهم ؟ وكيف يتم القضاء على جميع الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الحاطة من كرامة الإنسان بصفة عامة , ومن كرامة المرأة بصفة خاصة .
والمرأة بذلك تؤسس لتحقيق مطالبها المختلفة عن طريق فرض تلك المطالب في التنظيم الحزبي , ثم البرامج الحزبية حتى تتحول الى مطالب سياسية تناضل الأحزاب من اجلها الى ان تتحقق على المستوى القانوني والإجرائي , وتحتل المرأة المكانة التي تليق بها من اجل ان تصيح متمتعة بكافة الحقوق ومساعدة للرجال ومشاركة له في كل شؤون الحياة , ومستقلة عنه , تتمتع بكرامتها في اختيار الحياة التي تراها مناسبة لها .
والمرأة بذلك تساهم في النضال من اجل ديموقراطية حقيقية من الشعب والى الشعب , ديموقراطية بمضمون اقتصادي واجتماعي وثقافي , ومدني وسياسي . ديموقراطية تضع حدا للأنظمة الاستبدادية التي عانت منها الشعوب كثيرا وانتجت لنا التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي , ذلك التخلف الذي كان ومازال وراء دونية المرأة المتفشية في الواقع , والتي تتولد عنها أوصاف تعمق الشعور بها لدى الرجال والنساء على السواء.
والمرأة بذلك تساهم في بناء حزب رائد , يساوي في تنظيمه بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات , ويصل الى قيادته من يضحي اكثر سواء كان رجلا او امرأة . هذا الحزب الذي لا بد ان يكون ديموقراطيا , ويناضل من اجل الديموقراطية التي تعيد للمرأة ريادتها في الحزب , وفي بناء النظام الاجتماعي على السواء .
2)المرأة والتنظيم النقابي : ونظرا لكون المرأة الشغيلة بصفة عامة . والمرأة العاملة بصفة خاصة كباقي الشغيلة من الرجال تسعى الى تحسين أوضاعها المادية والمعنوية , وللوصول الى ذلك لابد من انخراط المرأة في النقابات القائمة او العمل على تنظيم نقابات جديدة . لان النقابة هي الإطار الذي تمارس الشغيلة من خلاله العمل النقابي المنظم وفق تصور معين لذلك العمل، وانطلاقا من مبادئ معينة ,وصولا الى جعل النقابة في خدمة الشغيلة .
لكن يبقى السؤال : ما هي النقابة التي تنخرط فيها المرأة الشغيلة ؟
انها النقابة المبدئية التي نجد أعضاءها ومسؤوليها على السواء , يلتزمون بمبادئ العمل النقابي الصحيح التي يمكن حصرها في الجماهيرية والتقدمية , والديموقراطية والاستقلالية والوحدة . وهي مبادئ اذا توفرت كان العمل النقابي جادبا للشغيلة مهما كان جنسها وملتحما مع النضالات الجماهيرية المختلفة ومؤيدا من قبل الأحزاب التقديمة الحقة , وساعيا الى اكتساب الشغيلة مكانة بين شرائح الشعب وقائدا لنضالاتها المطلبية الرامية الى تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية .
والفرق بين النقابة والحزب السياسي . أن النقابة لا ينتظم في إطارها الا شرائح الشغيلة المختلفة , بينما نجد ان الحزب ينتظم في إطاره مجموع أفراد الشعب المقتنعين بإيديولوجية معينة ,وتصور تنظيمي معين , وبموقف سياسي معين . والنقابة لا تتجاوز اهدافها تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة في الوقت الذي يسعى فيه الحزب الى الوصول الى السلطة , وعلى أساس الأهداف المختلفة نجد اختلاف البرنامج النقابي عن البرنامج الحزبي .
فالبرنامج النقابي ذو بعد تحريضي من اجل انخراط الشغيلة في النضالات الهادفة الى انتزاع مكاسب معينة تحسن الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة . والبرنامج الحزبي ينقسم الى برنامج مرحلي يهدف الى تحريض أفراد المجتمع وتعبئتهم حول ذلك البرنامج الذي يسعى الى تحقيق تحسين الأوضاع المادية والمعنوية لمجموع أفراد المجتمع ,وقيادتهم في اتجاه تحقيق البرنامج الاستراتيجي الذي يمكن الحزب من الوصول الى السلطة لتطبيق برنامجه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي .
والعلاقة بين النقابة والحزب هي علاقة الخاص بالعام من جهة . وعلاقة جدلية من جهة اخرى .
فإذا كانت النقابة تسعى الى تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة , فان الحزب يسعى – وهذا هو المفروض – الى تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للمجتمع ككل . وبذلك نجد ان النضال النقابي يعضد النضال الحزبي , والنضال الحزبي يدعم النضال النقابي . وهذا يجسد العلاقة القائمة بين النقابة والحزب بخلاف الذيلية التي تجعل النقابة تابعة للحزب مما ينفي عنها المبادئ التي أشرنا إليها , ويلغي العلاقة الجدلية التي يجب ان تسود بينهما .
وبناء على ما ذكرنا , فان الشغيلة في عملها اليومي ترتبط بالنقابة , وتسعى الى إيجاد حلول لمشاكلها المختلفة , وهي التي تنتظر الضوء الأخضر من الحزب بقدر ما تفرض عليه الحضور اليومي في الشارع لتتبع ما يجري في ساحة الشغيلة ,وانقاد المواقف .
ولكي تقوم النقابة المبدئية بدورها , على العاملين فيها ان يجسدوا المبادئ على ارض الواقع , وان يعملوا على المحافظة عليها لحماية العمل النقابي من الانحراف . وجعل الشغيلة ترتبط اكثر بالنقابة من اجل الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية .
وعلى هذا الأساس فالنضال النقابي لا يكون إلا من تصور سياسي محدد . والمطالب ليست الا تعبيرا سياسيا عن الطبقة المستغلة في مقابل الطبقة المستفيدة من الاستغلال , ولذلك فعلاقة النضال النقابي بالنضال السياسي هي أيضا علاقة الخاص بالعام المجسد للصراع القائم في المجتمع .
والمرأة الشغيلة العاملة , والمستخدمة , لا يمكن الا ان يكون لها دور رائد في حركة الصراع بين المستغلين والمستفيدين من الاستغلال , وهذا الدور الرائد تقتضيه الشروط التالية :
أ‌- كون المرأة تعاني من الدونية في المجتمع ككل .
ب‌- كونها غير مساوية للرجل في الأجور وامتيازات العمل .
ج‌- كونها مهمشة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي .
د- كون الأعباء الاجتماعية الكبرى تلقى على كاهلها .
ه- -كون خصوصية مطالبها غير واردة في المفاوضات بين النقابات والمالكين لوسائل الإنتاج والحكومات .
ولذلك فدورها سيبقى حاضرا من خلال المطالب الخاصة بها كامرأة عاملة كبقية العمال , و كخصوصية , وكربة بيت و كأم , وهي مطالب تقتضي مراعاة هذه الخصوصيات التي تجعل مساهمة المرأة في تطور عملية الإنتاج تمتد الى المجتمع , والى النسيج الاجتماعي انطلاقا من الأسرة .
فصياغة المطالب النقابية بما ينسجم مع وضعية المرأة والدور الذي تلعبه في تطوير الواقع بكل أبعاده , يعتبر اكبر مساهمة في رفع مكانة المرأة في المجتمع , وفرض احترامها , ووضع حد للدونية التي تعاني منها , ومقدمة لعملية إدماج المرأة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية والسياسية .
فإعطاء الاعتبار للمرأة على مستوى المطالب يجعل المراة اكثر حرصا على تطوير النضال النقابي من خلال :
أ- المساهمة في تطوير التنظيم النقابي من خلال الحرص على ديموقراطيته وتقدميته , وجماهيريته , واستقلاليته ووحدويته , لان الحرص يعني التجديد المستمر للنسيج النقابي واستيعاب المستجدات القائمة في المجتمع والتي لها علاقة بالعمل النقابي , وهو ما يجعل النقابة تجدب المزيد من الشغيلة اليها بسبب ديناميتها, وتطوير مطالبها وعملها على حل مشاكل العمال , وقطعها مع عوامل البيروقراطية والذيلية .
ب- المساهمة الفعلية للمرأة في صباغة البرنامج المطلبي الذي يستهدف تحقيق مطالب الشغيلة بصفة عامة ومطالب المرأة بصفة خاصة , والمساهمة الفعالة في تنفيذ ذلك البرنامج بتعبئة الشغيلة حوله , وتحريك المراة العاملة بإنجاح المعارك النقابية المختلفة .
والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هو : هل يمكن ان تتقوى النقابية بدون الانخراط الواسع للمرأة العاملة في صفوفها ؟ ان ما يمارس لحد الآن , وفي كل الإطارات النقابية : أن انخراط المرأة لا زال ضعيفا, وان تحملها للمسؤولية لا زال اضعف , وان تنظيم المرأة العاطلة وربة البيت غير وارد في صفوف النقابات . ولذلك فإعادة النظر في مجمل الممارسات النقابية يعتبر أساسيا وضروريا لإتاحة الفرصة لمساهمة المرأة الإيجابية وبشكل مكثف في النضال النقابي مما سيعتبر قوة للنقابة وإضافة جديدة للنضال النقابي .
3) المرأة والعمل الجمعوي : ومساهمة المرأة لا تقتصر على العمل النقابي , بل تمتد الى المساهمة في العمل الجمعوي الذي يهتم بالقضايا الثقافية والتربوية والتنموية , وهي قضايا ترد فيها تصورات مختلفة , مقاربة او مناقضة للتصورات الرسمية . لذلك يعتبر إنشاء جمعيات لتصريف التصورات المختلفة للثقافة والتربية والتنمية على صعيد المجتمع حتى لا تبقى رهينة بأفكار أصحابها.
والعمل الجمعوي هو ممارسة يومية من خلال جمعيات ينتظم في إطارها أناس تجمعهم نفس القناعة حول قضية معينة او مجموعة من القضايا الاقتصادية و الاجتماعية من اجل تنظيم تصريف تلك القناعة وبصفة قانونية .
والعمل الجمعوي كالعمل النقابي , لابد ان يقوم على أساس احترام مبادئ الديموقراطية والتقدمية و الجماهيرية والاستقلالية , وهي مبادئ تضمن انفتاح الجمعيات على جميع أفراد المجتمع . وتتيح لهم الفرصة من اجل الانتظام في إطارها, والمساهمة في صباغة برامجها , وتنفيذ تلك البرامج الهادفة الى ترسيخ قناعة معينة تؤدي الى تغيير الممارسة الاجتماعية تجاه قضية ثقافية أو تربوية او تنموية .
ويمكن ان تلعب المرأة دورا كبيرا في هذا الاتجاه نظرا لخصوصيتها , ولكونها المستفيدة من أي تغيير في الواقع الاقتصادي والاجتماعي . ومساهمتها تكون اكثر ريادة في العمل التربوي المهتم بالأطفال واليافعين , والعمل الثقافي الذي يستهدف تغيير المسلكيات المختلفة, وخاصة تلك المتعلقة بتكريس دونية المرأة . أما ما يتعلق بالعمل الجمعوي التنموي فهو لازال يحتل المراتب المتأخرة على مستوى مساهمة المرأة على جميع المستويات .
ونظرا لما اصبح للجمعيات من دور تنموي . فان على المرأة ان تنخرط في الجمعيات المهتمة بمجال التنمية , وان تسعى الى فرض ديموقراطية الاستفادة من الممارسة التنموية سواء تعلق الأمر بالاستفادة من محو الأمية , او من المشاريع الصغرى . او تأطير العمل التنموي . او الإشراف عليه حتى لا يبقى هذا المجال إطارا لتصريف كل أشكال الممارسة الانتهازية المجهضة للعمل التنموي ، والتي قد يقوم أشخاص ينسبون الى أنفسهم قيادة العمل التنموي من خلال جمعيات تدعي أنها تمارس التنمية , وهي في الواقع لا تمارس إلا عمليات النهب للميزانيات المرصودة لهذا الغرض .
لهذا نجد ان الانخراط بكثافة في الجمعيات المهتمة بمجال التنمية يعتبر شرطا لفرض احترام مبادئ العمل الجمعوي , ولتحقيق جماهيرية التنمية , وتقدميتها , وديموقراطيتها واستقلاليتها , وخاصة إذا تعلق الأمر بالجمعيات العاملة في صفوف النساء .
والمرأة بذلك تلعب دورا كبيرا ورائدا في تطوير الجمعيات باعتبارها مجالا لتصريف القناعات المختلفة , وإطارات لفرض الممارسة الديموقراطية التي يكمن اعتبارها مدخلا لمصادرة الاستبداد المعشش في نسيج المجتمع , والذي يتسرب عن طريقه الى الإطارات الجماهيرية المختلفة التي تصبح رهينة بيد قادة الجمعيات المختلفة.
لكن هل يتقوى العمل الجمعوي بدون مساهمة المرأة ؟ ان ما يجري لحد الآن ان العديد من الجمعيات الثقافية والتربوية بالخصوص يستبد بها الرجال دون النساء , واذا كانت هناك مساهمة نسوية فإنها غالبا ما تكون ضعيفة ومهمشة . وهذا هو السبب الذي يقف وراء ضعف الجمعيات المختلفة , إلا ان بداية ازدهار الحركة النسائية المتقاطعة في اغلبها مع الحركة الحقوقية , تسعى الى إشعار النساء بدورهن في تنشيط الجمعيات النسائية بصفة خاصة والجمعيات الثقافية والتربوية والتنموية بصفة عامة , ثم بدورهن الأساسي والرائد في تنشيط الحركة الاجتماعية من خلال تحملهن للمسؤوليات في مختلف القطاعات الاجتماعية , وعندما تعي المرأة بذلك الدور فإنها تحول وعيها الى ممارسة يومية من خلال الإطارات المختلفة التي تساهم في تغيير قيم الاستبداد القائمة الى قيم جديدة تساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات .
فالجمعيات المختلفة لا تستمر ولا تتطور إلا باحترام المبادئ ولا تتقوى إلا بتغلغل الوعي الجمعوي في صفوف النساء والرجال على السواء , و لا تكتسب قيمتها الا باستئصال جذور الاستبداد من صفوفها.
4) المرأة والعمل الحقوقي :وسعيا الى تمتع المرأة بحقوقها المهضومة يطرح عليها الانخراط في المنظمات الحقوقية القائمة وبكثافة , والعمل على إنشاء منظمات حقوقية من اجل ممارسة العمل الحقوقي الهادف الى جعل الناس جميعا يتمتعون بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية والعمل الحقوقي كالعمل النقابي والجمعوي بصفة عامة إلا انه يختص بالعمل في مجال حقوق الإنسان دون سواه, وهو لا يعمل على تحقيق الأهداف المحددة إلا باحترام المبادئ التي يشترك فيها مع العمل النقابي , والعمل الجمعوي المشار إليها في الفقرات السابقة ويزيد عليها بالكونية و الشمولية , لانه بدون احترام تلك المبادئ تتحول حقوق الانسان الى شعارات ايدبولوجية صرفة ترفع لتحقيق أهداف حزبية ضيقة .
وضرورة دواعي وجود عمل حقوقي تكمن في :
أ- سيادة الأنظمة الاستبدادية التابعة القائمة على قمع الشعوب ومصادرة حقوقها الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية لضمان تأبيد الاستبداد .
ب: سيادة عقلية الاستبداد التي تجعل الحرمان من الحقوق في العلاقات والمعاملات هو القاعدة و ان احترام تلك الحقوق يعتبر استثناء حتى في إطار الأسرة التي لا يوجد فيها أي احترام لها في معظم الأحيان
ج- الانتهاكات اليومية لمختلف الحقوق من قبل الأفراد والجماعات والمؤسسات والجمعيات بالإضافة الى الانتهاكات التي تمارسها السلطات المختلفة .
د- غياب الوعي الحقوقي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والمدني مما يجعل عامة الناس يقبلون الخروقات الممارسة عليهم ويعتبرونها شيئا عاديا .
ه- العمل على إشاعة حقوق الإنسان في مختلف المجتمعات من خلال التعريف ببرامج المنظمات الحقوقية وما تقوم به لمناهضة مختلف الخروقات , والتعريف بمضامين المواثيق الوطنية و الإقليمية والجهوية والقارية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان حتى تصبح جزءا ومكونا أساسيا للاهتمامات العامة .
و- الحاجة الى وجود جمعيات ومنظمات تهدف الى تنظيم العمل الحقوقي وتعبئة الناس ذكورا و إناثا من اجل انتزاع حقوقهم المختلفة .
ز – اعتماد جنس النساء والأطفال ككائنات بدون حقوق .
وهذه الدواعي وغيرهما مما يمكن تصنيفه في هذا الإطار تجزم بضرورة وجود عمل حقوقي هادف يسعى الى تأصيل حقوق الإنسان في الواقع حتى يتأتى لجميع الموطنين التمتع بها كممارسة حقوقية ديموقراطية يقتضيها السعي الى تطور المجتمع اقتصاديا وثقافيا ومدنيا .
وبهدف العمل الحقوقي الى :
أ- إنشاء جمعيات للدفاع عن حقوق الإنسان , والعمل على صياغة برامجها وتحديد أهدافها , و التعريف بتلك البرامج , و إعداد الناس للارتباط بها , والانخراط في صفوفها والالتزام ببرامجها .
ب- التعريف بحقوق الإنسان وإشاعتها من خلال التعريف بالمواثيق الدولية المتعلقة بها عن طريق الوسائل السمعية البصرية والمكتوبة , و إقامة العروض والندوات , والدورات التكوينية .
ج- التربية على حقوق الإنسان عن طريق تدريسها , وتحسيس الناس بضرورة احترامها على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .
ه- رصد الخروقات المختلفة ,وفضح تعرية القائمين بها ومساندة المتضررين , والعمل على رفع الحيف الذي لحقهم, وتشكيل لجان مناهضة الخروقات , من اجل جعل تلك المناهضة جزءا من الممارسة اليومية للمواطينن .
و –تعبئة الإطارات السياسية والنقابية و الجمعوية من اجل التنسيق والعمل المشترك في مجال حقوق الإنسان , باعتبار النضال من اجل احترامها هما للجميع .
ز- العمل على ملاءمة القوانين والتشريعات مع المواثيق الدولية والعمل المشترك في مجال حقوق الإنسان وإدخالها في الممارسة اليومية للمواطنين .
ح‌- العمل على تفعيل القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية من اجل وضع حد للخروقات المختلفة.
وتحقيق هذه الأهداف يعتبر أساسيا بالنسبة للرجل والمرأة معا , وخاصة إذا كان ذلك نتيجة لحركة حقوقية رائدة , يساهم فيها الرجال والنساء , والأحزاب والجمعيات , وباقي مكونات المجتمع، وتلعب المرأة دورا كبيرا باعتبارها المتضررة الأساسية من غياب احترام حقوق الإنسان , في تنشيط الحركة الحقوقية عن طريق المساهمة في التأسيس والتنظيم والبرمجة والتنفيذ من اجل ان تعود للمرأة إنسانيتها المفقودة . وتعمل على إعادة الاعتبار الى نفسها في الحياة العامة والخاصة وتناضل من اجل مجتمع بلا خروقات وبلا حيف يلحق الرجال والنساء والأطفال . وللوصول بالمرأة الى مستوى المساهمة الرائدة في تفعيل الحركة الحقوقية لا بد من :
أ- محاربة الأمية في صفوف النساء , وتجريم عدم تعليم الفتيات باعتبار ذلك مسؤولية مشتركة بين الآباء والأولياء وبين الدولة .
ب- تحسيس النساء بحقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , حتى تتهيأ للنضال من اجل تحقيقها .
ج- تنظيمهن في جمعيات او لجان خاصة من اجل تعميق البحث في الوضعية الحقوقية للمرأة , و إنجاز ملفات حولها .
د- تجريم انتهاك حقوق النساء الخاصة حتى يتخلى الجميع عن ممارسة الدونية التي يجب ان تعتبر جريمة قائمة في حد ذاتها .
ه- الاهتمام بإنشاء مقاولات خاصة , والسعي الى دعم كل المشاريع التنموية الخاصة بالمرأة , من اجل إكسابها واستقلالا ماديا عن الرجل .
و-التخطيط من اجل حركة نسائية لمناهضة ممارسة الدونية ضد المرأة على جميع المستويات القانونية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية .
وباحترام الدور الذي تلعبه المرأة تتكرس المساواة على أرض الواقع بين الرجال والنساء على السواء ولا ينقص إلا ان تصبح تلك المساواة قانونية إجرائية تمارس يشكل عادلي.
ويبقى ان نتساءل كما فعلنا ذلك سابقا في مجالات اخرى :
هل يتقوى العمل الحقوقي بدون مساهمة المرأة ؟
ان تجذر العمل الحقوقي في المجتمع , أي مجتمع , في حاجة الى جميع أفراده , رجالا ونساء , لان حقوق الإنسان تهم الجميع، إلا ان خصوصية حقوق المرأة وخصوصية معاناتها تجعل حقوق المرأة في العمل الحقوقي اكثر إلحاحا . ولذلك فنشر الوعي الحقوقي في صفوف النساء سينعكس على رفع وتيرة مشاركة المرأة ومساهمتها في النضالات الحقوقية الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والمدنية والسياسية لانتزاع المزيد من المكاسب في هذه المجالات لمجموع أفراد المجتمع بصفة عامة و وللنساء بصفة خاصة , و للوصول الى جانب التنظيمات الحقوقية المطالبة بإدماج المرأة في مجالات التنمية المختلفة , ذلك الإدماج الذي تكون نتيجة إزالة الدونية من وجدان المجتمع .
وهكذا نجد ان علاقة المرأة بالتنظيم هي علاقة جدلية فبقدر ما ترتبط المرأة بالتنظيمات بقدر ما تزداد فعالية التنظيمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية نظرا لفعاليتها وحرصها على جعل تلك التنظيمات في خدمة انعتاق المرأة من الجهل والتخلف والحرمان من مختلف الحقوق مما يقتضي تنظيم المرأة لاجل ذلك.

اهتمام المرأة بوضعيتها :


ومساهمة المرأة ضرورية في مختلف مكونات المجتمع ناتجة عن ارتباط وضعيتها بالوضعية العامة للمجتمع الذي تنتمي إليه . والذي قد يكون محكوما بنظام اجتماعي ,محكوم بإيديولوجية إقطاعية تحط من قيمة الإنسان غير الإقطاعي , وتتعامل مع المرأة على أنها دون مستوى الرجل , وتعرضها لكافة أشكال الإهانة الصادرة عن النظام الإقطاعي والتي تنتقل الى ممارسة الذكور الذين يمارس عليهم الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي . فيتحولون بسبب ذلك الى مجرد اقنان او مايشبه الاقنان . او بإيديولوجية البورجوازية التي تحول المرأة – كما تفعل مع الرجل – الى مجرد سلعة – مما يكرس النظرة الدونية لها من قبل العمال وسائر الكادحين الذين يمارس عليهم الاستغلال والذي يبيعون قوة عملهم كما تبيع المرأة جسدها . او بإيديولوجية البورجوازية التابعة التي تؤلف بين إيديولوجية الإقطاع وإيديولوجية البورجوازية فتجمع بسبب ذلك بين اعتبار المرأة دون الرجل , فتمارس تبعا لذلك السيطرة عليها . وإخضاعها لارادته وبين السماح لها تبضيع نفسها باعتبار ذلك التبضيع من قيم الحداثة الاجتماعية . او بإيديولوجية الطبقة العاملة التي تتعامل مع المرأة كانسان , وهي تبعا لذلك مساوية للرجل في الحقوق والواجبات مع مراعاة خصوصيتها كامرأة , وهذه الأيديولوجية تستحضر كرامة المرأة كما تستحضر كرامة الرجل . ويتم العمل على محاربة كل أشكال التخلف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تصيب جميع أفراد المجتمع على السواء وخاصة النساء من اجل الانتقال بأفراد المجتمع رجالا ونساء الى مستوى احسن . او بإيديولوجية البورجوازية الصغرى الملفقة التي تجمع بين الإيديولوجيات المختلفة لاستنبات إيديولوجية لا اصل لها ولا فصل نظرا لافتقاد الأساس المادي لوجودها فتستند الى الإيديولوجيات القائمة , وكنتيجة لذلك فوضعية المرأة تتأرجح في نظر البورجوازية الصغرى بين الرؤيا الإقطاعية , والرؤيا البورجوازية العمالية ليختلط كل ذلك في رؤيا البورجوازية الصغرى .
ولذلك فوضعية المرأة هي جزء من وضعية المجتمع المحكوم بنظام معين , قد يكون بورجوازيا او إقطاعيا او عماليا, او بورجوازيا صغيرا . تعاني فيه المرأة نفس معاناة الرجل وتزيد عليه بدونيتها حتى وان كانت منتمية الى الطبقة السائدة .
والعمل على تحسين أوضاع المرأة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , والمدنية , والسياسية هو جزء من العمل على تحسين أوضاع المجتمع ككل . لان المرأة جزء من المجتمع . ولان العلاقة القائمة بين المرأة والمجتمع هي علاقة جدلية .
واذا بقي المجتمع محافظا على شروط تردي أوضاع المرأة فان ذلك التردي ينتشر في نسيج المجتمع نظرا للتأثير المتبادل بينهما .
واهتمام المرأة بوضعيتها العامة والخاصة لا يمكن ان ينفصل عن الاهتمام بالمجتمع ككل , لان ذلك الاهتمام يؤدي الى حركة نضالية على صعيد المجتمع ككل , وما ينتزع من مكاسب لصالح المرأة يستفيد منه المجتمع .
وتتجلى وضعية المرأة المتردية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . فمعاناتها متعددة الأوجه , وهي تشارك الرجل في تلك المعاناة وتتقاسم معه الهموم التي تزيد عليها هموم دونيتها في :
1) المجال الاقتصادي : الذي يعكس اكثر الوضعية المتردية للمرأة فهي تابعة للرجل ورهينة إرادته حتى وان كان لها دخل قار او كانت لها ممتلكات . والغريب في الأمر ان دخلها لا ينجيها من الاستغلال بقدر ما يجعلها ضحية السماسرة والانتهازيين . وهي لا تقوى على درء الضرر الذي يلحقها , لانها ستكون بدون شك عرضة لتشويه سمعتها والحط من قيمتها , وتكريس دونيتها . وما سوى ذلك فهي :
أ- ربة بيت تنتظر زوجها ورأفته ورحمته مقابل المتعة والتعب الذي تقضي فيه سحابة وقتها دون اعتباره عملا مؤدى عنه , وحتى إذا ما طرح عمل ربة البيت للمناقشة تصدى لاعتبار عملا دهاقنة المتنبئن الجدد من خلال تعبئتهم للعناصر الرجعية في المجتمع لمقاومة ذلك .
ب- المعطلة عن العمل التي تنتظر من العادات والتقاليد والأعراف إنقاذها من الصراع , و اذا لم يكن , فان مصيرها التشرد , وما ذلك إلا لغياب الحماية الاجتماعية بسبب انعدام الدخل الاقتصادي الذي يتوفر عن طريقه قيام المرأة بحماية نفسها من الأخطار التي تهدد حياتها التي من بينها سقوطها في تبضيع نفسها .
ج- وعاملة تتحمل مسؤولية إعالة نفسها وأسرتها مما قد يعرض دخلها الى النزيف , وكأنها غير عاملة بسبب كثرة التزامها تجاه أبنائها وأبويها ,وأفراد عائلتها . وهي لا تقوى على ذلك بالإضافة الى تعرضها للابتزاز من قبل أبيها او زوجها .
د –زوجة للبورجوازي او الإقطاعي او البورجوازي الصغير التي عليها ان تتحول الى تحفة يضعها بين يديه في البيت او الى دمية يعرضها أمام أعين الناس في الحفلات والمناسبات المختلفة وكأنه ااقتناها من السوق لهذه الغاية.
و- والمرأة في كل الأحوال لا تملك من أمر أنفسها الا ان تكون رهن إشارة الرجل سواء كانت ذات دخل اقتصادي محدد ام محرومة من ذلك الدخل , أي إنها مجرد كائن لا قيمة له . لانه لا يمكن ان يرقي الى مستوى الرجل الذي هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة على المرأة في مجال الاقتصاد .
و لتخليص المرأة من الوضعية الاقتصادية المتردية نقترح :
أ- العمل على إدماج المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن طريق اكسابها المؤهلات الضرورية لتمكينها من عمل معين او ممارسة مهنة حرة او اعتبار عملها في البيت عملا مؤدى عنه من قبل الجهة المشغلة , وفرض مقاسمة زوجها الممتلكات التي تكونت عند انتهاء فترة الزواج .
ب -المساواة بين الرجال والنساء في الأجور , والقضاء النهائي على التفاوت الحاصل في هذا المجال تكريسا للمساواة بين الجنسين .
ج- تشجيع النساء على ممارسة المهن الحرة , وممارسة التجارة والحرف المختلفة حتىلا تبقى رهينة البيت تنتظر صدقة زوجها او أخيها او أبيها .
د- محاربة العطالة في صفوف المجتمع ككل وفي صفوف النساء بصفة خاصة لتخليص المرأة من البؤس الذي تعيشه, والذي ينعكس سلبا على مجموع أفراد المجتمع .
ه- النضال من اجل إقرار التعويض عن العطلة الذي لازالت معظم الأنظمة التابعة لا تقول به وهو تعويض عن إهدار الكرامة الذي يتعرض له الإنسان بسبب فقدان إمكانية حصوله على العمل .
وبذلك يتم التخفيف من هول مأساة المجتمع ككل وبؤس النساء بصفة خاصة , وصولا الى مجتمع تتوفر فيه عوامل الرخاء والازدهار الموحية بتمتيع الناس جميعا بحقوقهم الاقتصادية التي تمكنهم من حفظ كرامتهم .
2) الاهتمام بالمجال الاجتماعي : وهو اهتمام يحضر في ممارسة المرأة اليومية بحكم العلاقات الاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . التي تنسجها المرأة في المجتمع , وبحكم العادات والتقاليد والأعراف التي تكون في الواقع الاجتماعي .
والمراد بالوضعية الاجتماعية على المستوى العام هو ما يكون عليه المجتمع من تقدم او تخلف , او بين بين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ,وما يصيب تلك المجالات من تطور او جمود مما ينعكس إيجابا او سلبا على حياة الناس في الأحوال العادية .
اما الوضعية الاجتماعية للمرأة فترتبط جدليا بوضعية المجتمع , إلا ان خصوصية معاناتها تقتضي تميز وضعيتها حسب مساواتها للرجل , او غياب تلك المساواة وحسب درجة الدونية الممارسة عليها , وحسب تمتعها بحقوقها المختلفة او حرمانها , وتتجلى هذه الوضعية بوضوح في :
الوضعية التعليمية التي تتميز بتدني مستوى تعليم المرأة فيما يخص نسبة التمدرس التي تختلف من المدينة الى البادية , ومن الدول المتقدمة الى الدول المتخلفة الى الدول ذات الأنظمة التابعة , وهو ما يكرس دونية المرأة في تبعيتها للرجل على المستوى المعرفي . فالرجل يعرف كل شيء , والمرأة لا تعرف أي شيء في معظم الأحيان بسبب انعدام الفرصة أمامها . في الوقت الذي تتاح فيه تلك الفرصة أمام الرجل الى أقصى حد ممكن .
وتبعا لتفشي الأمية في صفوف النساء وتدني مستوى المتعلمات منهن , نجد ان الوضعية الصحية للمرأة تزداد تدنيا إلى أقصى الحدود حتى لا تقوى على تحمل أعباء الحياة لضعف بنيتها الصحية , فكان ذلك الضعف وجد ليكون ملازما لها حتى تتكرس قوامة الرجل عليها .
ج) وتأسيسا على وضعية المرأة التعليمية والصحية يأتي دور العادات والتقاليد والأعراف التي تتدخل لترسيخ دونية المرأة في مختلف المسلكيات التي تستهدفها في الوقت
الذي تتدخل فيه تلك العادات والتقاليد والأعراف لتكريس ثقافة قوامة الرجل على المراة التي يقال عنها أنها عورة . وإنها خلقت من ضلع اعوج . وإنها يجب ان تخضع لأوامر الرجل و رهن إشارته سواء كان أبا اواخا او زوجا او ابنا نظرا لقصورها النظري والفكري .
د) وبما ان المرأة ضعيفة لا تقوى بسبب ذلك على اكتساب المؤهلات التي تمكنها من إيجاد عمل قار في المجتمع يمكنها من إزاحة الدونية التي أصابتها، ولذلك فتشغيل المرأة يعتبر أيضا ضعيفا لا يشكل الا نسبة ضئيلة لا تتناسب مع عدد النساء، وكثير من الأعمال التي تمارسها لا تحسب لها بقدر ما تحسب عليها، ولا يتم الاعتراف الاجتماعي بها مع أنها أعمال تنموية غير مأجورة مثل قيامها بالأعمال المنزلية ومساهمتها في اقتصاد الأسرة والقيام بأعمال الزراعة والرعي في البادية ... الخ . وهو ظلم يستفيد منه الرجل . والأنظمة القائمة في تكريس تدني وضعية المرأة .
وبسبب إدخال المرأة في مجال الاستغلال الإيديولوجي تتدخل الأحزاب والنقابات والجمعيات المختصة في المطالبة برفع الحيف عن المرأة . والعمل على تشغيلها في مختلف القطاعات حتى تصبح المرأة مساوية للرجل , على جميع الأصعدة ,وهو استغلال سرعان ما ينكشف عندما يتحمل مدعوه المسؤوليات الحكومية فيلجاون الى تكريس دونية المرأة .
والإطارات الوحيدة التي تسعى الى رفع الحيف عن المرأة وبصدق . هي الجمعيات الحقوقية التي تعمل على إشاعة حقوق الإنسان بصفة عامة وإشاعة حقوق المرأة بصفة خاصة انطلاقا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , ومن المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ومن ميثاق إلغاء كافة أشكال الميز ضد المرأة . وبالتالي فان الجمعيات الحقوقية تناضل من اجل رفع الحيف عن المرأة وتمتيعها بكل الحقوق التي تستحقها في المجتمع الذي تنتسب إليه .
وسبل تجاوز الوضعية الاجتماعية للمرأة تكمن في :
أ‌- تمتيع المرأة بالتعليم الى ابعد الحدود .
ب‌- العمل على تشغيلها حتى لا تبقى عاطلة .
ج‌- تمتيعها بكافة الحقوق التي تضمنها المواثيق الدولية .
د‌- تجريم ممارسة الدونية على المرأة .
ودور المرأة في تجاوز هذه الوضعية يبقى واردا نظرا لازدياد وعيها بحقوقها المختلفة , ومواكبتها للتطور الذي تصل إليه المرأة في العديد من مناطق العالم . وانخراطها في التنظيمات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية , وهو ما يجعل دورها يزداد يوما بعد يوم في كل الدول ذات الأنظمة التابعة التي لم تعد بعيدة عن معرفة ما يجري في الدول الرأسمالية المتقدمة . وكل ذلك يجعل المرأة تتحرك بكثافة للوصول الى فرض مكاسب لصالحها .
3) الاهتمام بالمجال الثقافي : ولا يتوقف اهتمام المرأة بالمجال الاقتصادي والاجتماعي فقط , بل يمتد الى المجال الثقافي باعتبار الثقافة وسيلة أساسية للاندماج في المسار العام للمجتمع .
والثقافة هي ممارسة يومية للفرد والجماعة تعكس الانتماء الى لغة معينة وشعب معين , وذات أهداف معينة من اجل تحقيق وحدة روحية ووجدانية , وفكرية وعملية لشعب من الشعوب .
وتتجسد الثقافة بالخصوص في العادات والتقاليد والأعراف التي يمارسها الناس دون وعي محدد ومقصود بممارستها .
والثقافة التي توحد السلوك الفردي والجماعي للأفراد والجماعات في إطار نظام معين تتحدد في إطار القيم الثقافية الموجهة لذلك السلوك .
وتتغذى ثقافة المجتمع بواسطة أدوات معينة , منها التعليم , والإعلام , والإبداع الأدبي والفني والمسرحي . مما يجعلها تتحول باستمرار تبعا للتحول الذي تعرفه تلك الأدوات التي تتعاطى جدلا مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمدني والسياسي .
والثقافة تنقسم الى ثقافة التأبيد التي تكرس التصور السائد والرسمي لما يجب ان يكون عليه المجتمع لتابيد سيطرة طبقة من الطبقات وثقافات التجديد التي تسعى الى تغيير الواقع الثقافي بما يخدم الرغبة في تغيير السيطرة الطبقية , وهو ما يصطلح على تسميته بالثقافة المضادة .
وللوصول الى تكريس ثقافة التغيير يحتاج المجتمع الى نخبة طليعية من المثقفين لتكريس الثقافة الجادة الحاملة للوعي الحقيقي من اجل نقض الوعي الزائف الناتج عن ثقافة التكريس وتأبيد السيطرة الطبقية . ولا تكرس ثقافة التغيير الجادة الا بأدوات جادة هادفة توظف لغاية تحقيق مستوى من الوعي يعيد صياغة السلوك الفردي والجماعي بما يتماشى مع الرغبة في التغيير.
وتهدف الثقافة الجادة الى :
أ -إثارة وعي الناس بزيف ثقافة التأبيد التي تعمل على سلب الإرادة , وتحويل الناس الى مجرد أدوات لتنفيذ السياسات الرسمية في إطار الخضوع المطلق للطبقات المسيطرة على الواقع وعلى المجتمع من اجل تسخيرهن لخدمة مصلحتها الطبقية .
ب – وتستهدف ثقافة التغيير مجموع العادات والتقاليد والأعراف التي تعتبر قناة أساسية لتمرير ثقافة التأبيد التي ترسوا على عقول الناس ووجدانهم , مما يعتبر وسيلة لانتاج سلوك الخضوع المطلق للطبقة المستفيدة من ثقافة الوعي الزائف. لذلك نجد ان ممارسة ثقافة التغيير وبأدوات جادة تسعى الى جعل العادات والتقاليد والأعراف حاملة لقيم نشر الوعي الحقيقي في صفوف الناس , مما يؤدي الى تغيير في السلوك الذي يتحول في اتجاه صقل الممارسة التي تستحضر إرادة الناس وتنبذ الاستلاب الذي اصبح يعرقل عملية التحول والتطور .
ج- وبإعادة صياغة العادات والتقاليد والأعراف يشرع الناس في تكريس الثقافة المضادة , و يدخلون مباشرة في ممارسة الصراع الثقافي الذي ينخرط فيه الافراد والجماعات بسبب تجدر الوعي الحقيقي في صفوفهم مما يجعلهم ينخرطون في عملية المقاومة التي تعتبر مدخلا لنقض الثقافة السائدة والسالبة لارادة الناس .
وعملية النقض ليست عملية بسيطة بقدر ما هي عملية معقدة تحتاج الى مجهود متعدد المشارب و الأهداف لذلك لا بد من توظيف كل الإمكانيات الثقافية والأدوات المختلفة التي تتجه نحو تأييد الممارسة الثقافية الهادفة الى تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي .
د- وللوصول الى ذلك لا بد من إتاحة الفرصة للمبدعين من اجل إثراء الثقافة المضادة بواسطة مختلف مكونات الإبداع . والإبداع لا ينشط , و لا يصل الى درجة الإثراء إلا في مناخ ديموقراطي متحرر من جميع القيود التي تكبت كل الإمكانيات والقدرات من اجل مساهمة فعالة للمبدعين في مجال الشعر والقصة والموسيقى والمسرح والسينما والنحت والرقص وكل الأشكال الفنية الهادفة الى إيجاد وعي متجدر في المواطنين , وفي صفوف أصحاب المصلحة في التغيير الذين يعتبرون ضحايا الوعي الزائف .
وبتحقيق هذه الأهداف مجتمعة تكون الثقافة قد شرعت في لعب دورها الذي يؤدي بها الى المساهمة في عملية التغيير .
وكما يساهم الرجل في إثراء ثقافة التغيير نجد ان المرأة تلعب دورها كذلك في هذا الاتجاه . لان علاقة المرأة بالثقافة هي علاقة بالعادات والتقاليد والاعراف التي تجرها الى الثبات من جهة , وهي علاقة بكل ما يساعدها على تغيير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية من جهة اخرى. فهي اكبر مستهلك للثقافة السائدة بسبب استغلالها لوسائل التثقيف الرسمية , ونظرا لحالة الجمود التي يعاني منها المجتمع المكرس لدونية المرأة نجد ان احتكاكها بالوسائل التثقيفية المناهضة للوعي الزائف يكاد يكون منعدما ,لذلك فهي لا تتشبع بالثقافة النقيضة ,و لا تعمل على مناهضة الثقافة السائدة , بقدر ما تكرسها كشيء مسلم به ويرجع تكريس الوضعية الثقافية المتردية في صفوف النساء الى :
أ- تخلف المرأة على المستوى الثقافي, فهي غاليا ما تبقى رهينة البيت , و أسيرة العادات والتقاليد و الأعراف المطبوعة بالجمود في غالب الأحيان , ولتبعيتها للرجل على المستوى الاقتصادي , ولدونيتها التي تفرض عليها الالتزام بعدم القيام بأية مبادرة لا ترضى المجتمع المتخلف بصفة عامة , ولا ترضى الرجل بصفة خاصة بما فيها المبادرة الثقافية التي تكاد تكون منعدمة في صفوف النساء .
ب- وقوعها ضحية للثقافة السائدة المتعددة القنوات. فالتعليم يمرر الى الوجدان البشري رؤى و تصورات منحطة عن المرأة . والإعلام الرسمي يسعى الى تشويه صورتها, والوجدان يحتقرها , والموروث الثقافي يرسم صورة مشوهة عن ماضيها , فهي المخطئة دائما , وهي المنحطة ,وهي المرشحة للقيام بكل الممارسة الخبيثة . والهدف الأساسي من وراء ذلك هو تكريس دونية المرأة التي تسهل عملية استغلالها اكثر .
ج – ولتجاوز تكريس الدونية , نرى ضرورة الاهتمام بتثقيف المرأة عن طريق إشاعة الحرية في المجتمع والتي تمكنها من التعاطي مع الأدوات الثقافية الجادة . وإشاعة الحرية في صفوف النساء لا يتم الا عن طريق العمل على تحررها من التبعية الاقتصادية للرجل , وتمكينها من الوعي الحقيقي , والنضال من اجل دعم إعلام جاد ومسؤول , وتمكين المرأة من الحقوق الثقافية الخاصة بها .
د- تتبع جوانب القصور في الثقافة المتعلقة بالمرأة عن طريق إخضاع مختلف القيم الثقافية السائدة في المجتمع , وفي الإطارات الحزبية والنقابية والجمعوية للمناقشة والتحليل من اجل الكشف عن جوانب تكريس دونية المرأة فيها . والعمل على تطويرها او تغييرها حتى تتحول الى عامل من عوامل مناهضة تكريس دونية المرأة , وتسييد وإنتاج القيم المكرسة لمساواتها للرجل . ومحاربة كل أشكال الاستلاب التي تعاني منها , وإتاحة الفرصة أمامها لتحويل المجتمع الى تكريس الممارسة الديموقراطية على جميع المستويات وخاصة المستوى الثقافي .
ه- العمل على جعل الثقافة وسيلة لإكساب المرأة وعيا محددا . والثقافة لا تؤدي ذلك الدور إلا إذا كانت حاملة لذلك الوعي . والوعي المقصود هنا ليس إلا وعيا اقتصاديا واجتماعيا , وثقافيا , ومدنيا و سياسيا . أي وعيا طبقيا , والوعي الطبقي هو كل وعي نقيض للوعي الزائف الذي تعمل الطبقة الحاكمة على فرضه على المجتمع بكل الوسائل الممكنة , انه الوعي الإيديولوجي الواهم الذي يغرق الناس في متاهات الوهم المغرقة في التضليل الذي يغيب الجماهير بصفة عامة و المرأة بصفة خاصة عن الواقع . والثقافة المستنيرة تمهد الطريق لاكتشاف الوعي الزائف، والعمل على أزاحته ليحل محله الوعي الحقيقي الذي يجعل المرأة تتمثل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , وتعمل على اكتسابها على ارض الواقع , وتسعى الى فرض حقوق الإنسان على مستوى المجتمع ككل .
ونظرا لما للمرأة من أهمية في المجتمع , فان المنتظر منها ان تلعب دورا في إثراء الثقافة الجادة . هذا الإثراء الذي يجب ان يبتدئ بالانسلاخ من هيمنة الثقافة السائدة التي يجب العمل على تفكيكها ونقضها ثم العمل على نفيها , ثم بعد ذلك تطرح ثقافة المساءلة التي تسعى الى البحث عن إجابات بديلة لإشكاليات الواقع الاجتماعي و إشكاليات واقع المرأة .
والمرأة كمثقفة وكمروجة للثقافة المستنيرة لا يمكن ان تكون مصلحتها في إعادة إنتاج الثقافة السائدة باعتبارها ثقافة تبضيع المرأة وتضبيعها , بقدر ما تكون تلك المصلحة في إنتاج ثقافة نقيضة تعمل على تحريض الناس بصفة عامة , والمرأة بصفة خاصة حتى يلعب الجميع دوره في مناهضة ثقافة التبضيع و التضبيع . لتحل محلها الثقافة الجادة التي تستحضر إنسانية الرجل والمرأة معا , وثقافة المساواة في الحقوق والواجبات، ثقافة التعاون والتعاضد بين الكادحين والكادحات في جميع مجالات الحياة . ثقافة الأمل والإبداع الثقافي المختلفة التي يروج لها بكل الوسائل الممكنة .
4) الاهتمام بالمجال السياسي : الذي يجب ان يحضر في وجدان المرأة باعتباره أداة للممارسة الهادفة الى طرح القضايا الكبرى التي تهم المجتمع ككل , وخاصة قضية الديموقراطية بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . بالإضافة الى المفهموم السياسي , ومعلوم ان مجموع أفراد المجتمع ومهما كان مستواهم الاقتصادي , او الاجتماعي او الثقافي . يستحضرون في ممارساتهم اليومية ممارسة سياسية معينة تحدد مدى مستوى الوعي السياسي لأي فرد من أفراد المجتمع , وما مدى نجاعة ممارسته السياسية سواء كان هذا الفرد رجلا او امرأة .
والسياسة تعني نوعا من ممارسة المواقف المختلفة والمتناقضة أحيانا تجاه قضية معينة او مجموعة من القضايا المحلية , والقومية والعالمية , والمواقف السياسية الممارسة لا بد ان تكون منجسمة مع واقع التنظيمات التي تعلن عنها انطلاقا من إيديولوجية معينة حتى تجسد أفكار الطبقة التي تنتمي الى تلك التنظيمات.
وعلاقة السياسة بالحزب هي علاقة الكل بالجزء , لان مفهوم الممارسة يشمل كل المواقف السائدة عن مختلف الأحزاب والشخصيات والدولة . ومفهوم الحزب تعبير عن تنظيم يمارس رؤيا سياسية معينة لطبقة اجتماعية معينة تنتظم في ذلك الحزب . هذا من جهة ومن جهة اخرى , فالعلاقة بين السياسة والحزب هي علاقة جدلية نظرا للتفاعل الحاصل بين مختلف المواقف الصادرة عن مختلف الجهات , والتي تتفاعل فيما بينها سلبا او إيجابا لتنتج مواقف متطورة ,او متراجعة عما كانت عليه حسب ما تقتضيه المصلحة الطبقية .
أما علاقتها بالتنظيمات الجماهيرية فتاتي من خلال :
أ- الدعم المتبادل بين العمل الحزبي, والعمل الجماهيري نظرا لوجود نقاط مشتركة بين الأحزاب والمنظمات الجماهيرية من جهة , ولحاجة المنظمات الجماهيرية الى الدعم الحزبي من جهة اخرى .
ب- توجيه عمل مناضلي الأحزاب في مختلف المنظمات الجماهيرية التي تتبع كل مراحل عملها .
د- وقد تنتفي هذه العلاقة بصفة نهائية , وبين بعض المنظمات الجماهيرية وباقي الأحزاب السياسية فتعمد المنظمات الجماهيرية على دعم الدولة .
وبصفة عامة فالعمل الجماهيري يصرف من خلال المنظمات الجماهيرية من منظورات سياسية رسمية,او نقيضة لها وقد تهدف المنظمات الجماهيرية الى تحقيق مطالب ذات بعد سياسي معين , و هو ما يجعل العلاقة بين السياسة والمنظمات الجماهيرية الى تحقيق مطالب ذات بعد سياسي معين , وهو ما يجعل العلاقة بين السياسة والمنظمات الجماهيرية علاقة جدلية يحضر فيها التأثير المتبادل بشكل واضح .
وتتفاعل السياسة مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي انطلاقا من :
أ‌- التفاعل مع المنظمات الجماهيرية النقابية والجمعوية كما أشرنا الى ذلك .
ب‌- العمل على تصريف برامج الأحزاب السياسية المرحلية والاستراتيجية التي قد تكون متقاربة او متناقضة أحيانا كثيرة .
ج- خلال برامج الدولة التي تساهم المؤسسات الرسمية في صياغتها .
د- خلال عمل المنظمات الجماهيرية الذي يتخد أبعادا سياسية معينة .
والواقع بكل تجلياته يكون هو الهدف بالمواقف والقرارات السياسية الرسمية والمعارضة , و بالتالي فان تفاعلات الواقع في مختلف التجليات تكون ذات أبعاد سياسية معينة .
والمرأة كفرد من المجتمع تجد نفسها معنية بالممارسة السياسية العامة , والممارسة السياسية في المنظمات الجماهيرية المختلفة , كما هي معنية بالتفاعلات السياسية التي تستهدف الواقع الاقتصادي الاجتماعي والثقافي ولذلك نجد ان من حقها :
أ- الانتظام في الحزب السياسي الذي ينسجم مع قناعاتها الإيديولوجي و والعمل على تحقيق برامج ذلك الحزب المرحلية والاستراتيجية . فقناعتها البورجوازية تقودها الى الانتظام في الحزب البورجوازي , وقناعاتها الاشتراكية العلمية تدفع بها الى الانتظام في الحزب العمالي , وهكذا .
ب- وفي انتظامها في حزب معين تسعى الى امتلاك تصور سياسي معين عن واقع المرأة ينسجم مع القناعة الإيديولوجية التي تحصل عندها . وهذا ما يمكن ان نفسر به لماذا تنساق النساء وراء التصور الإقطاعي او البورجوازي او البورجوازي الصغير . فالمرأة بتبعيتها الإيديولوجية للرجل تمارس الاستبعاد على نفسها , وبقناعتها الإيديولوجية المتناقضة مع مصلحتها تمارس الاستعباد على جميع نساء المجتمع. و هي لا تتحرر إلا بالانعتاق من الأسر الإيديولوجي الواهم . وذلك لا يكون إلا بالاقتناع بالإيديولوجية العلمية التي تعمل على التحرر من ذلك الأسر لاتخاذ موقف سياسي منسجم مع طموحات المرأة الهادفة الى إزاحة دونيتها , والتمتع بالحقوق المختلفة على أساس المساواة بينها وبين الرجل .
وبانعتاق المرأة الإيديولوجي تسعى الى التأثير في المواقف السياسية الصادرة عن الأحزاب والمنظمات الجماهيرية .وعلى الممارسة السياسية العامة , فتتغير البرامج الحزبية والنقابية , وبرامج الدولة بما ينسجم مع رغبة المرأة في تغيير واقعها الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي ,ويكرس مساواة المرأة للرجل ويلغي دونيتها .
وتبرز مساهمة المرأة في تطوير السياسة بشكل واضح في تطوير برامج الأحزاب السياسية فيما يخص حقوق الإنسان بصفة عامة , وقضية المرأة , وخصوصية حقوقها ودونيتها ومساواتها للرجل بصفة خاصة , والمرأة بذلك تعمل على تغيير ميزان القوى لصالح الجماهير الشعبية الكادحة التي تشكل المرأة قطاعا عريضا منها .

والمرأة بتلك المساهمة في تطوير العمل السياسي تقدم اكبر دعم لسياسة التغيير من اجل :
أ- وضع دستور يقر المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات , ويتلاءم مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان , ويقر ديموقراطية حقيقية من الشعب الذي تتشكل غالبيته من الكادحين الذين يتكون معظمهم من النساء .
ب- انتخاب المؤسسات الجماعية والتشريعية انتخابا حرا و نزيها تلعب فيه المرأة دورا بارزا قي الترشيح والتصويت من اجل ان تكون تلك المؤسسات في خدمة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعمل على ملاءمة التشريعات المحلية والوطنية مع حقوق الإنسان , وإزالة كل العوائق التي تحول دون الإقرار بمساواة المرأة والرجل .
د- ولا يتأتى ذلك إلا بالعمل على مناهضة الميز ضد المرأة الذي لا زال يمارس في مجموعة من المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية . ذلك الميز الذي يعتبر عرقلة في تطور وتطوير النظر الى المرأة واكبر وسيلة لتكريس دونيتها .
ه- والى جانب مناهضة الميز لا بد من مناهضة مختلف الخروقات التي تستهدف حقوق الإنسان بصفة عامة , وحقوق المرأة بصفة خاصة ومقاضاة القائمين بها , مهما كان مستواهم من اجل إعطاء الاعتبار لكرامة الإنسان المكرسة لكرامة المرأة كانسان .
و- وجعل السياسية في خدمة حقوق الإنسان , على ان تكون معبرة عن اردة الشعب من خلال برنامج سياسي نال مقدموه أغلبية في المؤسسات المنتخبة انتخابا حرا ونزيها , حتى يتأكد الجميع من مصداقية ذلك البرنامج عن طريق إجرائه .
ولان السياسة الحقيقية التي تفرض التعامل العام مع الواقع , ونبذ الإيديولوجية الواهمة واستحضار مصلحة الشعب في التقرير والتنفيذ , ومراعاة إزالة كل ما يؤدي الى تكريس دونية المرأة وإهانتها في الحياة العاملة والخاصة .
5) المرأة و حقوق الإنسان : لان المرأة وبسبب ارتباطها بالعمل الجماهيري . فإنها تجد نفسها اكثر ارتباطا بالعمل الحقوقي للاعتبارات الآتية :
أ- لضخامة الخروقات التي تمارس في حقها على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والمدنية والسياسية , سواء تعلق الأمر بالأسرة او بالمجتمع او بمؤسسات الدولة او بالقوانين .
ب- لان الحركة الحقوقية تتميز بطرح وضعية المرأة على المستوى الحقوقي , وتفضح الخروقات التي تمارس عليها وتحقق مكاسب لصالحها وتتعرض للهجومات المختلفة بسبب ذلك .
ج-لان أمل النساء رهين بما تقوم به الحركة الحقوقية مستقبلا لوضع حد للحيف الذي يمارس عليهن.
د-لان معظم الهيئات التي تنشئها النساء تهتم بالملفات الحقوقية للمرأة والطفل , وبالخروقات التي ترتكب في حقها .
ولذلك نجد ان اهتمام المرأة بحقوق الإنسان ناتج عن الدور الرائد للحركة الحقوقية , فيما يخص إشاعة حقوق الإنسان في المجتمع نظرا لقيامها أولا بالتعريف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و المدنية والسياسية . وبالمواثيق الدولية المتعلقة بها , والتي تعتبر مرجعيتها الأساسية. وتنظيم ندوات , ودورات وعروض لهذه الغاية في جميع أنحاء العالم , وتعمل على جعل الأنظمة تقوم بتدريس حقوق الإنسان في المؤسسات التعليمية حتى ينشا المجتمع على احترام حقوق الإنسان , وتسعى الى إيجاد نظام تربوي يفرض التربية على حقوق الإنسان في النسيج الاجتماعي .
وافضل ما يمكن ان يكرس التربية على حقوق الإنسان هو النضال الحقوقي الذي يتخذ عدة مستويات :
أ- بناء المنظمات , و إعداد الكوادر العاملة في مجال حقوق الإنسان حتى تنجز المهام المنوطة بها .
ب - تنفيذ برامج المنظمات الحقوقية على ارض الواقع لجعل المجتمع ينخرط في الحركة الحقوقية لانتزاع المزيد من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .
ج - تنظيم حملات إعلامية تستغل فيها الوسائل السمعية البصرية , والمقروءة , وعن طريق العروض , والندوات والمهرجانات لجعل حقوق الإنسان في متناول الجميع , ولجعل المتضررين يعون حقوقهم , وينخرطون في الحركة الحقوقية .
وبذلك تتحول التربية على حقوق الإنسان من مهمة تقوم الجمعيات الحقوقية بها , الى مهمة تقوم بها الدولة , ومن خلال مؤسساتها التربوية , الى مهمة يقوم بها المجتمع ككل . وبذلك تحقق الغاية من وجود الحركة الحقوقية , ويتحول الناس جميعا الى حريصين على تلك التربية , ومناضلين من اجل حماية مكتسباتهم في هذا المجال .
والنضال الحقوقي كالنضال النقابي والنضال الجمعوي يمارس في الواقع انطلاقا من تصور سياسي معين له علاقة ببرنامج حزبي معين يعمل على إشاعة حقوق الإنسان إطلاقا من مرجعية معينة .
ولذلك فالعلاقة بين النضال الحقوقي والنضال السياسي هي علاقة الخاص بالعام من جهة , وعلاقة تأثير وتأثر من جهة اخرى , والهدف هو اعتبار النضال الحقوقي نضالا سياسيا في نفس الوقت يمارس من وجهة نظر سياسية , ولكنه في نفس الوقت يؤدي الى تطور الموقف السياسي فيما يخص قضية حقوق الإنسان وجميع القضايا التي لها علاقة بها , كقضية المرأة والطفل.
وكما قلنا عن مساهمة المرأة في النضال السياسي والنضال النقابي والنضال الجمعوي / الثقافي والتربوي فان المرأة تساهم في النضال الحقوقي من بابه الواسع , لانسجامه مع الرغبة في تغيير وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية وتتجلى مساهمتها بشكل واضح في :
أ- الانخراط في المنظمات الحقوقية , و تفعيل لجانها المختلفة وخاصة لجن المرآة التي تختص في دراسة وضعية المرأة من كل الجوانب . وتعمل على رصد الخروقات المختلفة ,وتضع برامج العمل من اجل رفع الحيف الذي يلحق المرأة على جميع المستويات وتوصي المنظمات بالعمل على تنفيذ ذلك البرنامج .
ب- والى جانب ذلك العمل تعمل المرأة على تأسيس جمعيات خاصة بحقوق المرأة التي تنكب على دراسة وضعية المرأة الحقوقية ورصد الخروقات الممارسة في حقها وتنظيم حملات للتوعية في صفوفها وتعتبر هذه الجمعيات اكبر دعم للجمعيات الحقوقية لأنها تتكلف بتنظيم النساء . ومعالجة الخروقات في صفوفها وتعبئتها لانتزاع حقوقها .
ج- والمرأة عندما تنتظم في الجمعيات الحقوقية العامة والخاصة . فلأنها تعمل على انتزاع حقوقها في العمل وفي ممارسة المهن الحرة , وكل أشكال العمل التي تؤدي الى تحرر المرأة على المستوى الاقتصادي ووضع حد لتبعيتها للرجل .
د- والى جانب ذلك تسعى الى فرض التمتع بحقوقها الاجتماعية , فتفرض تعليمها ومحاربة الأمية في صفوفها وتمتيعها بالتغطية الصحية , وتوفير مؤسسات تقديم الخدمات للتخفيف من العب ء الذي تتحمله المرأة على المستوى الاجتماعي.
ه- وحتى يرتفع مستوى وعيها تسعى الى التمتع بجميع الحقوق الثقافية عن طريق إتاحة الفرصة لها من اجل الانخراط في المؤسسات والتنظيمات الثقافية ,والاستفادة من كل أشكال التثقيف المختلفة , ودعم جميع المساهمات التي تصدر عن المرأة ,والعمل على نشرها في صفوف النساء بالخصوص .
و- والمرأة لا تزول دونيتها إلا بفرض مساواتها للرجل على المستوى القانوني , لذلك فهي تسعى الى فرض ملاءمة القوانين مع المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية وإلغاء كل أشكال الميز ضد المرأة وتجريم من يمارسه على ارض الواقع .
ز- والمرأة لا تفرض هذه المساواة إلا بانخراطها في التنظيمات السياسية السلمية، إلا بتفويض هياكل الاستبداد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي , لأنها بذلك الانخراط تفرض وصول هذه الأحزاب الى مراكز القرار لتحقيق المطالب السياسية الخاصة بالمرأة .
وهكذا نجد أنفسنا أمام دور رائد للمرأة , يمكن ان تجسده على ارض الواقع إذا هي امتلكت وعيها الجنسي الذي يمكن اعتباره جزءا أساسيا من الوعي الطبقي الذي يؤهلها للعب دور كبير في مختلف النضالات المطلبية التي تخوضها المرأة , ويخوضها المحرومون في نفس الوقت .
وهذا الدور الرائد لا يتجلى إلا في :
أ- مناهضة أشكال الوعي الزائف التي تمارس يوميا وفي مختلف المناسبات , والتي تستهدف بالدرجة الأولى تكريس دونية المرأة . والعمل على إشاعة الوعي الحقيقي يعطي للمرأة حقها في احتلال مكانة الإنسان في المجتمع .
ب- الحرص على ضمان ملاءمة القوانين , وخاصة قوانين الأحوال الشخصية المجحفة مع المواثيق الدولية , وخاصة ميثاق إلغاء كل أشكال الميز ضد المرأة .
ج-تنظيم حملات إعلامية مساندة للمرأة في مناهضتها للخروقات الممارسة عليها , والعمل على اعتبار مرتكبي انتهاكات حقوق المرأة مجرمين ضد الإنسانية , سواء كانوا أفرادا او تنظيمات , او دولا, واعتبار قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في معظم الدول التابعة وثائق الإثبات لارتكاب جرائم ضد الإنسانية .
ويبقى السؤال الذي يقودنا إلى القول بان النضال الحقوقي يلعب دورا كبيرا في رفع الحيف عن النساء سواء كان اقتصاديا او اجتماعيا او ثقافيا , وما على التنظيمات الحقوقية إلا ان تطور آليات العمل وان تسعى الى إقامة جمعيات حقوقية من اجل الدفاع عن حقوق المرأة , وان تعمل على تفعيلها , وحشد التأييد الشعبي حولها , وان تنظم حملات إعلامية واسعة للتعريف بها في صفوف الشعب الكادح الذي يعاني من كل أشكال التضليل التي تستهدف تركيعه أمام أعتاب الاستغلال التي تلغي حقوقه.
وهكذا نجد ان اهتمام المرأة بمختلف جوانب وضعيتها على بينة من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية مما برفع وعيها ويحفزها على الانخراط في النضالات المطلبية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية عن طريق الانخراط في النقابات والجمعيات الثقافية/ التربوية والجمعيات الحقوقية , والأحزاب السياسية المناضلة , والمساهمة في صياغة برامج مختلف التنظيمات والعمل على تنفيذ تلك البرامج .

المرأة والإسلام :

وقد بقول قائل ان ما ذهبنا إليه في الفقرات السابقة مجانب لما جاء به الإسلام , وهو قول مردود خاصة وان الدارسين لنصوص الدين الإسلامي يقرون بان الإسلام هو دين الرحمة , ودين الحق والعدالة .
وهو ما يجعلنا نتساءل : هل من الرحمة استبداد الرجل بالمرأة ؟ وهل من العدالة تكريس دونية المرأة باسم الإسلام ؟ وهل من الحق حرمان المرأة من حقوقها المختلفة ؟ إننا أمام تناقض صارخ بين القول بان الإسلام الذي جاء ليحرر الإنسان وفي نفس الوقت يتم الاستبعاد القانوني للمرأة باسم الإسلام . فكيف يعمل الإسلام على تحرير الإنسان، و المرأة إنسان ؟ كيف يستعبد المرأة ويكرس تبعيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية للرجل ؟
والواقع ان الإسلام جاء فعلا ليساهم في تحرير الإنسان لينقل الرؤية إليه من واقع الى واقع آخر .فهو قبل الإسلام شيء وبعد ظهوره شيء آخر , والمرأة كانسان نالت بعضا من حربتها وملكت بعضا من قيمتها كالرجل ,وأصبحت مساوية له في الكثير من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وما ورد من فروق بينها وبين الرجل يرجع الى الطبيعة البيولوجية للمرأة وللرجل كذلك وتلك الطبيعة تجعل مطالب المرأة اكثر إلحاحا في عصرنا هذا , كما يرجع الى الشروط الموضوعية التي كانت في ذلك الوقت تفصل الرجل على المرأة . وتجعل المجتمع ككل تحت رحمة الرجال . والإسلام في مرحلة نزول القران الكريم كان يراعي هذه الشروط التي تتغير بشكل سريع , فتتغير بذلك الأحكام بنزول الآيات التي تنسخ آيات سابقة وهو ما اصبح يعرف عند المفسدين بأسباب النزول ,وبالناسخ , والمنسوخ الذي رصدت له كتب بكاملها.
وقد وردت نصوص عدة عن المرأة في القران الكريم تكرس المساواة بينها وبين الرجل مع مراعاة الفروق الجنسية الذي يؤدي الى اختلاف في الخطاب الموجه لكل منهما , ومن تلك النصوص نجد :
1- قوله تعالى : ( والمومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض )
2- قوله تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها . وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) وهو قول يؤكد المساواة بين الجنسين في الأصل والتقوى وفي الآفاق المستقبلية .
3- قوله تعالى :( قل للمومنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم ان الله خبير بما يصنعون ,وقل للمومنات يغضضن أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ... ) وهو قول يساوي بين الرجل والمرأة . ومن جهة اخرى باعتبار التحلي بالوقار والحشمة كأخلاق حميدة تعني الرجل كما تعني المرأة، ومن جهة اخرى يزيد من الخطاب الموجه للمرأة كخصوصية نظرا للقصور الذي أصابها في ذلك الوقت بسبب العقلية التي كانت سائدة قبل مجيء الإسلام .
4- إعادة تربية المرأة على قيم الاحترام والكرامة الإنسانية . والقضاء على كل القيم الجاهلية التي كانت سائدة من قبل .
وإذا كانت الآيات التي أوردناها في هذا السياق لا توحي بتكريس دونية المرأة , فان ما ينسب الى الإسلام مما يرد في القران الكريم قد يكون باطلا إذا لم تثبت صحته . وما ورد من فرق واضح بين المرأة والرجل يخص الإرث ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) يعتبر متقدما بالنسبة الى ما كان سائدا في الجاهلية حيث كانت المرأة تورث ولا ترث بالإضافة الى مراعاة الشروط الموضوعية في ذلك الوقت . والتي كانت تحكم على المرأة بالمكوت في البيت . والاكتفاء بالإنجاب وتربية النشء .
وإذا أجاز القران الكريم للرجل ان يتزوج اكثر من واحدة كما جاء في قوله تعالى : ( احل لكم النساء مثنى وثلاث ورباع . فان خفتم ان لا تعدلوا فواحدة او ما ملكت إيمانكم ) فان ذلك ناتج عن :
أ‌- ازدياد عدد النساء على عدد الرجال في المجتمع بسبب كثرة من يموتون في الحروب التي صاحبت ظهور الإسلام .
ب‌- استحالة تحقيق العدالة بين النساء مما يرجح اكتفاء الرجل بامرأة واحدة .
ج- استمرار تأثير ثقافة ما قبل الإسلام في المجتمع الذي امن أفراده بالدين الإسلامي .
د- مراعاة الشروط الموضوعية التي تقطع مع ما قبل الإسلام .
ه- الرغبة في تطهير المجتمع الإسلامي من الدعارة التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي حيث كانت تنتشر الدور الخاصة بها . كما تنتشر صواحبات الرايات .
7 ) وإذا ورد قوله تعالى : ( الرجال قوامون عن النساء ( للقول بمبدأ قوامة الرجل على المرأة ) , فان القوامة في ذلك الوقت تقتضيها ظروف المرأة التي كانت تعاني من القهر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . وهذه الشروط تغيرت الآن ولم تعد قائمة و أصبحت أيضا قوامة على الرجل في أمور، والرجل قوام على المرأة في أمور اخرى . وهو ما يجعل مفهوم القوامة متبادلا بين الرجل والمرأة وهو ما يفيد معنى الاية الكريمة ( والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض ).
وقد انصف القران الكريم النساء في قوله تعالى : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها في زوجها وتشتكي الى الله والله بسمع تحاوركما) وهو إنصاف يزكي المساواة بين الجنسين في الإسلام .
وما رصدنا بعضه من خلال الآيات الواردة في القران الكريم يحيلنا الى بعض ما ورد في الحديث الشريف حيث نجد ان :
1) قول االرسول ( ص ) : ٌ لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض واسود إلا بالتقوى ٌ ٌ يساوي بين الناس جميعا بقطع النظر عن جنسيتهم او لغتهم , او لونهم ماداموا يتقون الله , وتقوى الله تعني في عمقها احترام كرامة الإنسان . وفي نفس المعنى نجد قول الرسول : ٌ الناس كأسنان المشط ٌ.
2) وقول الرسول ( ص): ٌ كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته فالرجل راع في أهل بيته , وهو مسؤول عن رعيته , والمرأة راعية في بيت زوجها , وهي مسؤولة عن رعيتها ٌ وهو قول يحدد مجال المسؤولية انطلاقا من الشروط الموضوعية التي تحكم المجتمع ككل . وتحكم الرجل والمرأة معا . هذا من جهة ومن جهة اخرى نجد ان الحديث يقرر ما يفهم من قوله تعالى ٌ والمومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض ٌ
3 ) وبعض الأحاديث تعطي للمرأة الأفضلية على الرجل كما جاء في الحديث: ٌ من احق الناس بحسن صحابتي قال أمك قيل ثم من ؟ قال أمك . قيل ثم من ؟ قال أمك، قيل ثم من ؟ قال أبوك ٌ وهذا الحديث يعكس الأهمية التي تحتلها المرأة في المجتمع , وان سلامة المجتمع رهينة بدور المرأة في إعداد الأجيال الصاعدة , وهو ما يكسبها مكانتها التربوية .
واذا وردت في الكتب أحاديث تكرس دونية المرأة فان ورودها يرجع الى أحد أمرين :
الأمر الأول : كون تلك الأحاديث تنطلق من الشروط التي كان يعيشها المجتمع في ذلك الوقت , والتي تكرس سيادة الرجل على المرأة .
الأمر الثاني : كونها لا ترقى الى مستوى الاستشهاد بها واعتمادها في القول بشرعية دونية المرأة الذي ينفذ قول الرسول ( ص) : ٌ اتقوا هذه الحميرى فإنها نصف دينكم ٌ يشير الى عائشة رضي الله عنها ويوحي بأفضليتها على الرجال علما وعملا , وفهمها لرسول الله ( ص ) وحبها لنبوته . كما قالت عنه : ٌ كان خلقه القران ٌ.
وحسب هذه النصوص المأخوذة من القران الكريم ومن الحديث الشريف فان نظرة لإسلام الى المرأة لا يمكن ان تكرس الدونية بقدر ما ترفع من ما كانت عليه قبل الإسلام . إلا ان المتنبئين الجدد وبحكم ادلجتهم للدين الإسلامي وقولهم بجمود الشريعة الإسلامية , وحرصهم على تأويلاتهم المغرضة لنصوص القران الكريم واعتمادهم الأحاديث التي تخدم أهدافهم يصرون على تقرير دونية المرأة في الإسلام وهو ما يتنافى مع روحه .
وإذا ما انتقلنا من النصوص الى ما صار يطلق عليه الإسلام الشعبي نجد ان هذا الإسلام وبسبب الأمية التي لازالت تسري على نسبة كبيرة من الطبقات الشعبية الكادحة يمتزج بالفكر الخرافي , وبالأساطير والفكر المغرق في المثالية . وبالتالي فموقف الإسلام الشعبي لا يعتد به, ولا يمكن اعتباره صائبا , لأنه مجرد خليط من الخرافات والإيديولوجيات . وكل ما يسئ الى المرأة ويحط من كرامتها.
وهذا الإسلام يحتاج الى التطهير من الفكر الخرافي . ومن الإيديولوجيات ومن كل الممارسات التي لا علاقة لها بالإسلام حتى يلعب دوره في إعادة تربية أبناء الشعب المسلم والكادح على القيم النبيلة , واحترام كرامة الإنسان . سواء كان رجلا او امرأة .
وتعمل العادات والتقاليد والأعراف على تشويه صورة الإسلام الشعبي لكونها تحسب من الإسلام , وهي لا علاقة لها به , وقلما نجد ان ما يمارس من العادات والتقاليد والأعراف يحترم القيم الإسلامية الحقة إلا ان أد لجة الدين الإسلامي تتدخل لتوظيف الإسلام الشعبي مما يزيده إفسادا ومخالفة للقيم الإسلامية النبيلة .
ولذلك فاعتبار العادات والتقاليد والأعراف الممارسة في البلدان الإسلامية من الإسلام يجانب الحقيقة نظرا لتوظيفها لإهانة المرأة , وهو ما يتنافى مع حقيقة موقف الإسلام الذي أشرنا إليه اعلاه.

النضال من اجل امرأة بكافة الحقوق :


وتحول المرأة رهين بالنضال من اجل تمتيعها بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , وهذا النضال ليس من مهمة التنظيمات النسائية وحدها , و لا من مهمة التنظيمات الحقوقية , او الجمعوية او النقابية او الحزبية انه مهمة الجميع في إطار جبهة للنضال من اجل حقوق المرأة , هذه الجبهة التي يجب ان تتكون على أساس برنامج حد أدنى يتضمن :
1) الجوانب الاقتصادية الخاصة بالمرأة والتي تهدف الى :
أ- تأهيلها للقيام بمختلف الأعمال الاقتصادية في الصناعة والتجارة والخدمات حتى تكتسب مكانتها في هذه القطاعات .
ب- تشجيعها على العمل في الوظائف العامة . وفي القطاع الخاص على ان تخصص لها نسبة لا تقل عن 50% من تلك الوظائف .
ج- تشجيعها على العمل على إنشاء مقاولات خاصة بها وتقديم القروض لها لهذا الغرض حتى تساهم في التخفيف من حدة العطالة , وخاصة في صفوف النساء .
د- استفادتها من التعويض عن العطالة الذي يجب ان يستفيد منه الرجال والنساء على السواء, نظرا لكون العاطلين لا يتحملون مسؤولية عطالتهم .
ه- وضع برنامج نضالي محدد ومدقق يرسم ما يجب القيام به على المستوى الإعلامي , وعلى مستوى توعية المجتمع بحقوق المرأة الاقتصادية , وتحررها من التبعية للرجل عن طريق العروض والندوات , وإنجاز لقاءات مباشرة مع الأسر , ومع الناس في مختلف الأحياء الشعبية , والانتقال الى خوض معارك نضالية تتمثل في لقاءات مباشرة مع الأسر , ومع الناس في مختلف الأحياء الشعبية ,ثم الانتقال الى خوض معارك نضالية تتمثل في الوقفات الاحتجاجية والمسيرات والتوقف عن العمل . لاشعار المرأة بإنسانيتها وبضرورة تمتعها المنصوص عليها في الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية .
2) الجوانب الاجتماعية الخاصة بالمرأة المتمثلة في :
أ-محاربة الأمية في صفوف النساء في الحواضر والبوادي على السواء , من اجل امرأة بدون أمية حتى تستطيع الاندماج في الحياة.
ب- الحرص على توفير المقاعد الدراسية لجميع الفتيات وتجريم امتناع الآباء عن تسجيل بناتهم في المدارس المختلفة وتوفير الشروط الضرورية لانجاح العملية التعليمية حيثما وجدت المدرسة .
ج- توفير دور الحضانة لإيواء الأطفال أثناء الذهاب الى العمل . والنضال من اجل عدم إخضاعها للمضاربات.
د- تعميم الحماية الاجتماعية على جميع النساء وإنشاء مؤسسات تقديم الخدمات الصحية في مختلف الأحياء , وتنظيم المراقبة الصحية على جميع النساء باعتبارهن اكثر تعرضا للأخطار الصحية المختلفة .
ه- مراقبة السكن الاجتماعي للوقوف على مدى مناسبته للسكن وهل تتوفر فيه شروط السلامة أم لا ؟ وهل يرتبط بالتجهيزات الأساسية أم لا ؟ ألا يشكل خطرا على صحة المرأة وأولادها ؟ وهل يسهل الارتباط بالمؤسسات التعليمية والصحية والتثقيفية أم لا ؟ وهل توجد بمحيطه دور الحضانة ؟ لان هذه المراقبة الغائبة في البلدان ذات الأنظمة التابعة بالخصوص تجعل السكن الاجتماعي غير صالح في معظم الأحيان , وغير مستفيد من التجهيزات الأساسية في الغالب , وهو ما يحول هذا السكن الى مفرخة للأمراض الجسدية والنفسية , والعقلية والاجتماعية . وهي أمراض تعكس عمق التخلف الذي يصيب الأسر التي لا تستطيع الحصول على السكن الاجتماعي الملائم .
و- وبالإضافة الى ذلك لا بد من توفير التجهيزات الاجتماعية الأساسية بالقرب من السكن , كالمصارف الصحية , والكهرباء , وخطوط الهاتف والمدارس والمستوصفات , والمراكز الصحية والمستشفيات ودور الشباب , وأماكن الترفيه نظرا لدور هذه التجهيزات في تسهيل عملية الاندماج الاجتماعي أمام جميع أفراد المجتمع وخاصة المرأة التي توضع عراقيل كبيرة أمام اندماجها حتى وان كانت عاملة او موظفة أو مسؤولة اجتماعية في مجال من المجالات نظرا للنظرة الدونية السائدة في المجتمع .
ومن الواجب إدراج هذه الجوانب ضمن المطالب الخاصة بالمرأة والنضال من اجل تحقيقها , وفي خطة مدروسة ومحددة تضعها الجبهة من اجل حقوق المرأة .
3) الجوانب الثقافية التي تكاد تكون غائبة من تفكير المسؤولين في البلدان ذات الأنظمة التابعة, وتتجلى هذه الجوانب في :
أ- اشتراط توفير وسائل التثقيف الذاتي ضمن التجهيزات المنزلية كخزانة الكتب , والمذياع والتلفزيون , وآلة التصوير, والحاسوب والهاتف , وكل ما يمكن ان يساهم في عملية تقويم شخصية الرجل والمرأة , ويتحرر الاثنان من سيطرة الغريزة التي يمكن اعتبارها مصدرا لدونية المرأة وسيادة الرجل عليها ,في الحياة العامة والخاصة . فاشتراط وسائل التثقيف الذاتي له علاقة برفع مستوى الأسرة .
ب- تشجيع تكوين الجمعيات مع إخضاع برامجها للمراقبة التربوية , وخاصة تلك التي تستهدف الأطفال واليافعين والنساء حتى تكون برامجها جادة , وترفع مستوى وعي النساء والأطفال و اليافعين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية كمدخل للتمتع بها مستقبلا .
ج- دعم الجمعيات النسائية ماديا ومعنويا حتى تتوفر لها الإمكانيات الكافية لنشر الثقافة الجادة في صفوف النساء, وعن طريق إقامة العروض والندوات والمعارض الثقافية , وعرض الأشرطة الفنية الوثائقية , والقيام بجولات ميدانية لتحسيس النساء بأهمية التثقيف الجماعي في إطار الجمعيات النسائية , و تحريضهن على تكوين جمعيات ثقافية , والانخراط في الجمعيات المتواجدة . والحرص على حضور الأنشطة الثقافية التي تنجزها لامتلاك وعي ثقافي معين بشعر المرأة بمساواتها للرجل , ويطهر فكرها ووجدانها من ثقافة الخضوع والخنوع والتضليل التي تبثها الأنظمة التابعة عبر وسائلها التثقيفية المختلفة والمتناقضة , و المتفقة فيما يخص تضليل المرأة او استلابها .
د- تشجيع الإبداعات الثقافية النسائية في مجالات الأدب والمسرح والموسيقى والسينما , والنحت والرسم والعمل على التعريف بها على نطاق واسع , وتقديم دعم للمبدعات من النساء حتى يستمرن في الحرص على المزيد من الإبداع الثقافي , وبرمجة الإبداعات النسائية في مختلف الأسلاك التعليمية وفي المؤسسات التربوية حتى يكون ذلك سببا في تحسيس المرأة بإمكانياتها التي لا تقل عن إمكانيات الرجل ان لم تتفوق عليه في مجال الإبداع الثقافي الذي يجب ان يحمل وعيا متقدما , ومتطورا حتى يكون مجرد إعادة إنتاج الوعي الذكوري بقدرات نسائية .
ه- تنظيم دورات تكوينية للجمعيات النسائية المهتمة بالمجالات الثقافية من اجل تطوير أداء تلك الجمعيات في صفوف النساء , وامتلاك المؤهلات التي تمكنها من وضع آليات العمل التي تمكن من تحقيق الارتباط بالنساء , وجعلهن ينخرطن في العمل الثقافي من بابه الواسع , وامتلاك الوعي الذي يساهم في انعتاقهن من الاستغلال المزدوج , واستغلال الأنظمة التابعة والطبقات السائدة من جهة , واستغلال الرجل لها في البيت من جهة اخرى , والدخول في عملية مقاومة ذلك الاستغلال المزدوج وبكافة الاشكال حتى تتحقق المساواة على جميع المستويات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية كتعبير عن عملية الانعتاق التي يجب ان تستأصل جذور الاستغلال المزدوج .
و- فرض تعميم دور الثقافة والشباب على جميع المدن والقرى والأحياء السكنية الهائلة وتكليف موظفين أكفاء بذلك الدور , وامدادها بالتجهيزات المساعدة على إقامة الأنشطة التربوية الثقافية في صفوف الرجال والنساء واليافعين , والأطفال حتى تصبح الثقافة بمفهومها الصحيح في متناول الجميع , وضمن اهتماماته , ويصبح الحديث عن ربة البيت المثقفة , والموظفة المثقفة , والعاملة المثقفة , والفلاحة المثقفة ..... الخ .
ز- والى جانب ذلك يجب ان تلعب المؤسسات التعليمية في مختلف الأسلاك ,دورها التثقيفي عن طريق تفعيل المذكرات والقرارات التي ترد عليها , وتعمل على الحصول على منشطين ثقافيين تابعين لوزارة الثقافة , ووزارة الشبيبة والرياضة في البلدان التابعة حتى يقوم هؤلاء بربط الشباب والأطفال بالتنشيط الثقافي ,والتعود على استهلاك الوسائل التثقيفية لربط المؤسسات التعليمية بالمؤسسات الثقافية ,والعمل على تنظيم أنشطة الجمعيات , وخاصة النسائية منها داخل المؤسسات التعليمية من اجل تحسيس الأطفال واليافعين بدور الثقافة في محاربة الوعي الزائف وامتلاك وعي حقيقي يجعل المرأة محترمة في المجتمع وفي الوجدان الفردي . وتخصيص حصص تثقيفية داخل الصفوف الدراسية , وبأشراف تربوي لجعل التلميذات والتلاميذ يستأنسون بالثقافة ,ويجعلونها مطية للتعبير عن آرائهم حول مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية كممارسة ثقافية تساهم في إبراز مواهبهم الثقافية و تبلور شخصياتهم , وتمرسهم على بلورة مواقف صحيحة تجاه مختلف القضايا التي يحفل بها الواقع , و التطهر من المواقف السلبية تجاه تلك القضايا , وخاصة قضية المرأة التي تتجه إليها الأنظار من اجل تشريحها , وتغييب التفكير فيها تكريسا لدونية المرأة وحطا من قيمتها .
وهذه الجوانب الثقافية مجتمعة يجب ان تحضر في برامج الأحزاب , والنقابات , والجمعيات , وخاصة النسائية منها , لجعلها في مركز التفكير , وفي مقدمة المطالب التي تناضل من اجل تحقيقها .
4) الجوانب المدنية المتعلقة بوضعية المرأة القانونية بالخصوص , حيث نجد ان المرأة دون مستوى الرجل في القوانين والتشريعات المعمول بها في مختلف القطاعات في البلدان ذات الأنظمة التابعة. ففي قوانين الأحوال الشخصية نجد انه لا إرادة لها في معظم الأحيان فهي تفتقر الى الولي . والرجل هو سيد الموقف في الأسرة , و لا تستطيع تطليق زوجها كما يفعل الرجل , و لا ترث مثله من تركة أقاربها الاعلين او الادنين, و لا تستطيع ان تسافر إلا بإذن زوجها . وهذه الدونية تتجاوز قوانين الأحوال الشخصية الى ما سواها من القوانين الأخرى .
ويحاول المتنبئون الجدد ان يجدوا مبررا لدونية المرأة في النصوص الدينية , والقوانين الفقهية , ويعتبرون كل من لم يقل بها خارجا عن الدين , وكافرا، مستغلين في ذلك تدني وعي المسلمين الذين يتوهمون الخلاص بالالتزام بتنفيذ خطاب المتنبئين الجدد المتمثل في شعارهم : ٌ الإسلام هو الحل ٌ لكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . فخطاب المتنبئين الجدد المتلعق بوضعية المرأة بالخصوص يقودنا الى تقرير ما يدعونه بتطبيق الشريعة الإسلامية لمحاصرة خطاب تحرير المرأة وانعتاقها .
فبفضل النضال الحقوقي على الصعيد العالمي والقاري والقطري أصبحت المرأة تتمتع بمجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , إلا انه مع ذلك لا زالت القوانين المعمول بها لاتوفر للمرأة التمتع بالمساواة الكاملة مع الرجل في الحقوق والواجبات .
ان المرأة على المستوى المدني لا ترقى الى مستوى الرجل للاعتبارات الآتية :
أ- نظرا لتعود أفراد المجتمع بحكم العادات والتقاليد , والأعراف على تكريس دونية المرأة , فان تلك القوانين تجد لنفسها مبررا للاستمرار .
ب- انتشار الأمية في البلدان ذات الأنظمة التابعة في صفوف المقهورين المستغلين , مما يجعلهم يقعون ضحايا الدعوة الى تطبيق الشريعة الإسلامية , فيعتبرون دونية المرأة جزءا من تلك الشريعة .
ج- تدني الوعي الطبقي في صفوف المجتمع بصفة عامة وفي صفوف الكادحين خاصة , مما يجعلهم لا يدركون عمق خطورة تكريس دونية المرأة على المستوى القانوني .
د- استفادة الطبقات الحاكمة في الأنظمة التابعة, من تكريس دونية المرأة الذي يؤدي الى مضاعفة استغلالها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لصالح سيادة تلك الطبقات , وتأبيد سيطرتها .
ه- غياب وجود تنمية حقيقية ذات بعد وطني وقومي , وشعبي يؤدي الى التحرر من التبعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ويؤدي الى حدوث تطور إيجابي في الوعي الاجتماعي والوعي الطبقي بالخصوص .
و- غياب سوق قومية مشتركة تتفاعل في إطارها التجارب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و المدنية والسياسية يؤدي الى الاستمرار في التبعية للمراكز الرأسمالية التي لا تكتسب من ورائها إلا الانهيار والعودة الى الذات , والاستنجاد بالجوانب المنظمة من التراث التي تساعدنا على الانطواء وتكريس دونية المرأة التي ينظر اليها على أنها مصدر التخلف .
ونظرا لاستمرار الاعتبارات اعلاه بسبب الاختيارات الرأسمالية التبعية اللاديموقراطية واللاشعبية في البلدان ذات الأنظمة التابعة , فان وضعية المرأة المتدينة في الواقع , وفي الممارسة اليومية , وعلى مستوى القوانين المعمول بها . ولا يمكن إزالة الدونية الا بالنضال من اجل فرض اختيارات ديموقراطية شعبية تحرر الإنسان من قيود التخلف والقهر والتبعية , وكل أشكال التخلف الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي وبناء أنظمة ديموقراطية متحررة تحمي تحرر الإنسان وتعمل على انعتاقه , وتضع قوانين تقطع مع تكريس دونية المرأة ,وترفع مكانتها الى مستوى الرجل .
5) الجوانب السياسية : وكما تناضل المرأة من اجل التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والمدنية فإنها تناضل من اجل ان تكون لها مكانة سياسية في المجتمع, وتحدد الطموحات السياسية للمرأة في :
أ- إقرار مساواتها للرجل في جميع المجالات , مساواة تامة غير منقوصة وفق ما تنص عليه القوانين المحلية المتعلقة بالحريات العامة , والحريات السياسية عن طريق ملاءمتها مع المواثيق الدولية المشار إليها , وتجريم جميع من يخرق الحقوق السياسية للمرأة .
ب- تمتيع المرأة بحق الترشيح والتصويت في جميع المحطات الانتخابية الجماعية , والبرلمانية اسوة بالرجل في إطار ممارسة ديموقراطية حقيقية من الشعب والى الشعب, وتمكينها من تحمل جميع المسؤوليات السياسية الجماعية والبرلمانية والحكومية ومسؤوليات الدولة , وممارسة توجيه السياسة العامة انطلاقا من تلك المسؤوليات .
ج- تمكينها من حق تأسيس الأحزاب السياسية انطلاقا من القناعة الإيديولوجية الحاصلة عندها . وتشجيعها على الانخراط في الأحزاب القائمة , وتحمل المسؤوليات الأساسية فيها محليا , وإقليميا , ووطنيا , و مساهمتها في صياغة برامجها المرحلية والاستراتيجية , وقيادتها والعمل على تحويل تلك البرامج الى واقع ملموس على جميع المستويات .
د- إعطائها فرصة بلورة نضال سياسي جبهوي تساهم فيه جميع الأحزاب المناضلة من أجل ديموقراطية حقيقية يساهم الرجال والنساء في ترسيخها على حد سواء , من اجل مستقبل تكون فيه المرأة كالرجل متحررة اقتصاديا ’ واجتماعيا وثقافيا , ومدنيا وسياسيا انطلاقا من تصور علمي, ودقيق للديموقراطية والنضال الديموقراطي .
ه- مساهمتها بكثافة في النضال من اجل دستور ديموقراطي تكون فيه السيادة للشعب , ويساوي بين الرجل والمرأة , ويضع حدا للامتيازات التي بتمتع بها الرجال في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , وتمكين المرأة من دسترة جميع حقوقها كما هي في المواثيق الدولية وخاصة ميثاق إلغاء جميع أشكال الميز ضد المرأة حتى تحضر إنسانية المرأة في جميع التشريعات التي يعاد النظر فيها لتتلاءم مع الدستور , ومع المواثيق الدولية مع رفع جميع التحفظات المسجلة من قبل الأنظمة التابعة .
و- إعادة النظر في الممارسات القانوينة التي تحد من مساهمة المرأة السياسية والكف عن التعامل معها على أساس أنها مجرد احتياط انتخابي لصالح الاختيارات الرأسمالية التي تكرسها الطبقات الحاكمة من الرجال بالخصوص . والتي تجعل المرأة دون الرجال في الممارسة السياسية .
والمرأة عندما تكتسب حقوقها السياسية المختلفة سوف تلعب دورا كبيرا في نهضة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , تلك النهضة التي تكون لصالح المجتمع بقطع النظر عن كون المستفيدين من الذكور او الإناث . تلك النهضة التي لا تعني الا العمل في إطار نهج اختيارات تعيد للطبقات الكادحة والمقهورة مكانتها السياسية التي تحرم منها بسبب الاختيارات القائمة .
وهكذا نجد ان المجتمع أي مجتمع لا ينهض إلا بتمتع أفراده , كافة أفراده , بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . بمن فيهم النساء اللواتي لا تتأتى مساهمتهن إلا بإلغاء كافة أشكال الميز ضدهن حتى يتمتعن الى جانب الرجال بجميع الحقوق في تلك النهضة وتعطاهن الفرصة للمساهمة في الحركة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بما يخدم النهضة الحقيقية للمجتمع , ويرفع من مكانة أفراده .
ويبقى السؤال الوارد يقتضي منا إعادة النظر في ممارستنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية من اجل إعادة الاعتبار للمرأة في تلك الممارسات حتى تتمتع بإنسانيتها التي هي جوهر كينونتها والتي لا تحقق إلا ب :
1) تمتيعها بحقوقها الاقتصادية التي بها تتحقق استقلاليتها عن الرجل وتحفظ كرامتها وتفرض احترامها على المجتمع عن طريق توفير فرص الشغل أمامها , وتشجيعها على إنشاء مقاولات خاصة بها وممارسة الصناعة والتجارة وتقديم الخدمات المختلفة .
2) تمتيعها بحقوقها الاجتماعية المختلفة التي تساعدها على الاندماج وترسم أمامها سبل تطوير الخدمات الاجتماعية انطلاقا من المهام التي توكل إليها في المجتمع الذي تنتمي إليه .
3) تمتيعها بكافة الحقوق الثقافية , وإتاحة الفرصة أمامها حتى تلعب دورا كبيرا في تطوير الأدوات الثقافية , وتشجيع الإنتاج الذي يساهم في تطوير الوعي الاجتماعي بمختلف القضايا وتحفيز النساء على امتلاك وعيهن بحقوقهن.
4) تمتيعها بحقوقها المدنية المتمثلة بالخصوص في تحقيق مساواتها للرجل على المستوى القانوني وخاصة قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في البلدان ذات الأنظمة التابعة.
5) تمتيعها بحقوقها السياسية التي يمكن ان توصل الى مسؤوليات الدولة عبر تحمل المسؤوليات الحزبية والجماعية والبرلمانية .
وبذلك نصل الى ان المرأة التي نريد هي المرأة المتحررة , الإنسان المتمتعة بكافة الحقوق المدافعة عنها, والمتمسكة بها . الساعية الى تمتع أفراد المجتمع بها , الرامية الى حفظ كرامتها عبر حفظ كرامة المجتمع ككل , وهي بذلك تساهم في صياغة مجتمع الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية الذي هو حلم كل إنسان .

خــــاتمة :

وما نخلص إليه من بعد هذه المعالجة المتأنية هو ان المرأة إنسان . وكل من يتعامل معها على أنها ليست كذلك يعمل على تحويلها الى مجرد كائن لا رأي له ,تكمن قيمته في خضوعه لارادة الطبقة الحاكمة , والمستفيدة من إلغاء المرأة والرجل الذي ينوب عن تلك الطبقة – بوعي او بدون وعي – في عملية الإخضاع تلك .
وهذه الوضعية لا يمكن ان تتخطاها المرأة – الإنسان - إلا بحضورها المكثف في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , من اجل فرض التمتع بحقوقها المختلفة التي هي مطية تحقق إنسانيتها .
واستفادة المرأة من مختلف الحقوق لا تتم إلا بإعادة صياغة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمدني والسياسي بناء على رؤى وتصورات تتناسب مع الواقع الذي لا يثبت على حالا , ويتفاعل مع ما يجري في العالم من اجل واقع جديد لا يمكن ان تبقى بعيدة عنه .
وإعادة النظر في الرؤى والتصورات يقتضي مراجعة القوانين والتشريعات المتعلقة بالحريات العامة, والحريات النقابية والجمعوية , والقوانين الجنائية والعقود والالتزامات والأحوال الشخصية من اجل ملاءمتها مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وإزالة البنود والفقرات المكرسة لدونية المرأة . واحلال بنود و فقرات اخرى تكرس مساواتها للرجل , وتضمن كرامتها على جميع المستويات بما فيها الاعتراف لها بان ما تقوم به في البيت يعتبر عملا مؤدى عنه , واستحقاقها لنصف ممتلكات الرجل المتكونة أثناء الزواج , وتجريم كل الممارسات التي تحط من كرامتها , وإنشاء شرطة لهذه الغاية .
والى جانب ذلك لا بد من ضمان تمتعها بكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , لانه بدون ضمان تمتعها بتلك الحقوق على المستوى العملي تتكرس دونيتها ويتراجع مستوى مساهمتها في تطور المجتمع وتطويره .
وفوق كل ذلك لا بد من ان تتاح لها فرصة المساهمة في تفعيل التنظيمات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية , وان تقدم لها كافة الإمكانيات من اجل مساهمتها في المجالات التنموية المختلفة حتى تتحرر من تبعيتها للرجل .
وبذلك نصل فعلا الى تحقيق واقع جديد تتحرك فيه المرأة الإنسان من اجل امرأة بكافة الحقوق , وتحقيق إنسانيتها التي سلبت منها .
فالمرأة ككيان إنساني بتدفق عطاء , وحبا للإنسان تبقى هدفا للدونية التي يعمل على تكريسها المتنبئون الجدد , وفي نفس الوقت يجب ان تكون هدفا للنضال من اجل امرأة تتمتع بجميع الحقوق وتسعى الى فرض كرامتها في الحياة العملية وفي النصوص القانوينة .
وهكذا نجد ان هذه المعالجة المتأنية حاولت رصد الواقع المتردي للمرأة من خلال تحليل مفهوم المرأة / مفهوم الإنسان في أبعاده الجنسية والاجتماعية والإنسانية , والحقوقية , واعتبار حقوق المرأة هي حقوق الإنسان في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . مع مراعاة خصوصية حرية المرأة , ودواعي تلك الخصوصية واستعراض أهمية المرأة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .وموقف المجتمع من المرأة باعتبارها عورة , وسببا في انتشار البطالة في صفوف الرجال , واستغلالها في محاربة المخالفين لهم في الانتخابات وفي التظاهرات المختلفة , لنأتي على استعراض سبل تفنيد دعاوي المتنبئين الجدد تجاه المرأة بالتأكيد على إنسانيتها , واعتبار عملها حقا , واحترام كرامتها وتمتيعها بالحريات العامة والفردية لنخلص الى ان المرأة لا يمكن ان تنتزع حقوقها المختلفة إلا بالانخراط في التنظيمات الحزبية والنقابية والثقافية والحقوقية والسياسية لننتقل بعد ذلك الى استعراض موقف الإسلام من المرأة من خلال القران الكريم والحديث الشريف وعلى مستوى الممارسة انطلاقا من العادات والتقاليد والأعراف لنخلص الى ان انعتاق المرأة يقتضي النضال من اجل امرأة بكافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية محاولين الإجابة على السؤال :كيف يجب ان ننظر الى المرأة على جميع المستويات .
وبذلك نرسو على القول بان قيام مجتمع سليم من كافة الأمراض الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية رهين بتمتع المرأة بكل الحقوق , وبانعتاقها , ومناهضة كل مظاهر التخلف المكرسة لدونيتها من اجل امرأة بكافة الحقوق من اجل المرأة / الإنسان .



         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

الخميس 19 ديسمبر 2024 - 18:57 اغتيال عمر بنجلون جريمة لا تغتفر

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير