أمام تقدم الدور التشادي في حرب مالي، والتعاون التشادي ـ الأزوادي في كيدال، المحرمة على الجيش المالي، ظهر تراجع عمل "الإيكواس" المجموعة الاقتصادية في التطورات الأخيرة وتقدمت أمريكا في النيجر (من خلال قاعدة رسمية لطائرات بدون طيار وفرقة خاصة) وفي موريتانيا لا تتقدم الإيكواس المتحالفة مع فرنسا والمغرب بطريقة متينة لا تنفي ربطها جيوسياسيا بين الأطراف المذكورة.
+++ التحالف الفرنسي مع الإيكواس يتحول إلى توليفة جيوساسية قادها هولاند وبعده محمد السادس لدعم الرباعية السنغال ـ المغرب ـ ساحل العاج ـ الغابون بعد تراجع العمل السياسي للإيكواس، حيث حولتها فرنسا إلى قوات لم تعط ثمارا كبيرة في مالي، فالأمريكيون والتشاديون... أخذوا أدوارا غير مسبوقة في المنطقة
شهد الجميع على دور المغرب "الكبير والخطير" في الحرب لاستعادة مالي لوحدتها كي لا تتمكن شعوب أخرى من إعلان دول جديدة في أفريقيا، لكن باريس فضلت من جهتها، حوار الطوارق عبر الحركة الوطنية لتحرير أزواد ومنعت الجيش المالي من دخول كيدال، فاحتاجت المقاربة المغربية لمواصلة الجهود عبر منظمة "الإيكواس" التي انطلقت منها الشرارة الأولى، لإيجاد " دفعة أخرى" بعد أخذ الأمريكيين كل الدور المتبقي في منطقة الساحل، حيث فرنسا تجد كل المساعدة من الجزائر ومن تشاد بعد تأخر "الإيكواس" في تنفيذ مهامها، وتلك فرصة ثانية "لإحياء الإيكواس" التي تحولت إلى منظمة سياسية بفعل الطلب الفرنسي وعسكرية بطريقة ضعيفة بفعل التدخل الأمريكي في المنطقة وإعادة تجديد روح هذه المنظمة هدف مغربي.
+++ الرئيس الأمريكي منشغل بالشرق الأوسط (زيارة أوباما إلى إسرائيل) ويزور الملك المغربي غرب أفريقيا في عمل لصالح التحالف مع فرنسا
تحالف "الأفارقة" خارج منظمة الإيكواس مع فرنسا أو الأمريكيين بما يتجاوز أي منظمة إقليمية معلنة، وعاد قرار التموقع إلى كل دولة، حسب مصالحها، فضاع الهيكل الأول الذي انطلقت منه باريس.
وتحاول الرباط ـ بمجهودها الديبلوماسي ـ أن يبقى "المهد الأول" لمبادرة فرنسا في منطقة الساحل، عبر منظمة "الإيكواس" شيئا نموذجيا وقويا إلى حد بعيد، لأن التطورات تجاوزت بشكل واسع هذه الرؤية نحو وجهة أخرى "أكثر تأثيرا".
وفي ظل انشغال الأمريكيين بزيارة أوباما للشرق الأوسط وتقدم السوريين نحو الحوار كما اتفقت عليه موسكو وواشنطن لا يريد هولاند أن يظهر في غرب أفريقيا قائدا لمبادرة تحويل الإيكواس من منظمة اقتصادية إلى منظومة سياسية أو إقليمية.
من جهة، لا يريد الفرنسيون أن يزعجوا التشاديين أو الجزائريين المتعاونين "جدا" في حربها على القاعدة في شمال مالي.
ومن جهة ثانية، لا يمكن للرئيس الفرنسي استفزاز الأمريكيين الآن لأنهم يشاركون في الحرب عبر الرصد المعلوماتي، وتزويد المقاتلات الفرنسية بالكيروزين، فيما يجد المغرب مصلحته في النسخة الأولى للإيكواس لدعم باماكو، نحو عمل إقليمي يخدم الأهداف الأولى لفرنسا قبل "تعديلها" بفعل ضغوط الحرب والتدخل الأمريكي في المنطقة انطلاقا من النيجر وموريتانيا...
وفي ظل هذه الحسابات المتداخلة، يتطور الوضع إلى توازنات غير مسبوقة:
أ ـ وضع مالي بين فكي كماشة القوات الأمريكية في كل من موريتانيا في المناورات الأخيرة والنيجر وتقدم التشاديين أفرغ الإيكواس من أي ثقل.
ب ـ القوات الأمريكية في موريتانيا والنيجر، وإن في وضع مؤقت أعادت الإيكواس إلى وضعها الأول كمنظمة اقتصادية إقليمية.
ج ـ أن "الإيكواس" لم تنجح اقتصاديا في تأهيل المجموعة لعمل متقدم على الأرض في مالي من الجانب الإغاثي والاقتصادي، كما يجب أن تكون مهمتها "في الأصل".
من جانب آخر، تصرف الجيش الفرنسي على أساس حلفاءه العسكريين على الأرض، وأصبحت الجزائر وتشاد لاعبين قويين في المعادلات الفرنسية، بما يكفي للقول إن المغرب وحلفاءه في غرب أفريقيا خسروا بعض النقط.
+++ في وقت اعتبر فيه البعض أن فرنسا دخلت مرحلة "التجاعيد السمراء" لشيخوخة دورها في القارة، تقاتل باريس إلى جانب غرب أفريقيا لبقاء جزء من "أفريقيا الفرنسية" الداعم لما سماه التقرير إلحاق المغرب للصحراء "الغربية"، وزيارة المغرب "واجهة أفريقيا الفرنوكوفونية" ساحل العاج جزء من بقاء المصالح الفرنسية المتوسطة المدى
حسب الفرنسيون أن تحول الإيكواس إلى "درع استراتيجي وعسكري" لأفريقيا الفرنسية، لكن الحرب شارك فيها التشاديون ودعمها الجزائريون وخاضها الأمريكيون "من الخلف"، وفي هذه التقديرات:
ـ تقضي فرنسا على "أمراء" الحرب في الصحراء، بحيث لا يمكن تجديد المناورة التي تزعمتها الاستخبارات الفرنسية لفترة، فنقل المهمات من الاستخبارات إلى الجيش سيؤثر على "الأجندة" التي يقودها هولاند.
+++ تدمير الإرهاب لبناء منظومة "إيكواس" على الأهداف المندمجة بين فرنسا وغرب أفريقيا لم تعد ممكنة، لأن واشنطن "شريك كامل" الآن في الحرب وفي السلام بمنطقة الساحل، وتشارك في تحديد مصير "شعوبها وخارطتها الجديدة"
يقول تقرير فرنسي: "إننا أمام بناء الديموقراطية على أسس أخرى عوض الإرهاب"، لكن تحول الخارطة بدأ صعبا، حيث:
ـ نجحت الفرق التشادية فيما فشلت فيه القوات الخاصة الفرنسية.
ـ على دول الإيكواس أن تساهم في المجهود الحربي.
ـ القدرة على تعزيز "النظام الفرنسي الأمني" في منطقة الساحل وغرب أفريقيا أصبح واجبا إلى حدود بعيدة.
ـ الأسس الجديدة للتغلغل الفرنسي لم تعد "متطابقة" بين ما كان مخططا له وما يجري على الأرض في شمال مالي.
ولا يزال الخوف قائما على شيء رئيس هو اختلاف الأهداف الموضوعة عن خارطة الحرب والسلم في مالي ومنطقة الساحل.
+++ المغرب وحلفاءه في الإيكواس لم يشاركوا في المجهود الحربي بشكل مباشر مما دفع باريس إلى الاستعانة بتشاد، والتي لعبت دورا في هزيمة القذافي، والحفاظ على خارطة فرنسا بعد استعمارها للمنطقة، وتساهم الآن في هزيمة تحالف الطوارق والقاعدة وقد حاولا أيضا المساس بهذه الخارطة، فيما تدافع الرباط عن هذه الخارطة كإحدى "عقائدها" في أفريقيا المحددة لسياساتها سياساتها
حاول المغرب أن يكون جزءا ديناميكيا في منظومة الإيكواس وإن من خارجها، لكن التطورات ما بعد قرار مجلس الأمن يجيز الحرب في مالي، وقد أفرز تطورات منها:
ـ أن قوات باريس التي سبقت تدخل أمريكا في العراق، وذهبت إلى ساحل العاج، تعاني حاليا من "نقص عملياتي" عالجته أمريكا، وبالتالي فهولاند ملزم برد منسجم مع المساعدة الأمريكية، فيما تحركت واشنطن عبر حلفاء جدد بما يضمن قدرتها على التحرك الميداني الواسع وغير المسبوق.
ـ ضرورة مساعدة فرنسا على الحفاظ على التحول الذي حدث في غرب أفريقيا عبر منظمة الإيكواس، وبعد حربها في مالي.
+++ القوات المغربية لحفظ السلام في ساحل العاج أخذت دور القوات الفرنسية بعد انسحابها من هذا البلد، وتوجهها للحرب في مالي
منذ 2002، أرسلت فرنسا قوات (ليكورن) إلى ساحل العاج، وليس ما جرى في مالي استثنائيا إلا بحجم الحضور الأمريكي هذه المرة في النيجر وموريتانيا، وتدخلها للمساعدة في ضرب أهداف القاعدة.
+++ انتصر "الالتزام الكامل" على نظرية "الالتزام المتدرج" الذي أطلقته فرنسا في 2007، وقرر هولاند قبل تجاوز أنصار الدين للخطوط الحمراء، فأصبحت المبادرة لصالح القاعدة قبل أن يعيدها التشاديون إلى باريس، وحدثت تطورات على الاستراتيجية المتبعة بفعل "التغيرات السريعة" في الخارطة مما أثر مجددا في أي قرار أمريكي وفرنسي يمكن أن تحدده نطاقات الصحراء الكبرى
ما يجري من "حرب" حاليا في مالي ليس سوى "قطعة التحول" في غرب أفريقيا، لأن مالي على حدود الساحل وغرب أفريقيا والصحراء، ولها تأثيرها على شرق أفريقيا من خلال تدخل القوات التشادية، لأن دورا جديدا للسودان انتهى لتعاون جديد مع الجنوب لتكون المناورة الأمريكية لـ 2006 من موريتانيا إلى أرتيريا قد وضعت أولى معالمها بشكل غير مسبوق في الخرائط المتداخلة في الساحل والصحراء وشرق أفريقيا إلى غربها، ومن غرب أفريقيا إلى شرقها في تقاطعات جديدة من ثلاث زوايا:
ـ أن فرنسا تأخرت في جيبوتي وما حولها من دول.
ـ أن فرنسا تركت خططها جنوب الصحراء.
ـ أن الولايات المتحدة تقاسمت ميدانيا مع فرنسا في حرب مالي، وبالطبع بعدها.
ولا تزال باريس تتخوف من "تأثير خليجي" في المنطقة، فرغم انشغال الإمارات النفطية بسوريا، تدعم التأثير في تونس وليبيا، باتجاه معايير تراقبها باريس، ومجرد أن يتحرك المغرب الحليف التقليدي للخليجيين في المنطقة فإن مصالح فرنسا تجد "أكثر من فرصة" لإبعاد تأثير الخليجيين وتعزيز المنظمة الاقتصادية المسماة "الإيكواس".
+++ تدخل الخليجيين، أغنياء النفط المعروفين، يزيد من إضعاف تأثير منظمة اقتصادية كالإيكواس في محيطها، أو في الدفاع عن نفسها وتحريك الغابون كدولة نفطية لأخذ دور في هذه المرحلة (وهي دولة يزورها الملك المغربي) يذهب باتجاه إعطاء دور أكبر للأفارقة للدفاع عن الخارطة الفرنسية في أفريقيا بعد حرب مالي، وبعد التدهور الذي لحقها جراء الثقل الأمريكي في موريتانيا والنيجر، والقطري والخليجي عموما عبر ليبيا ودول أفريقية قريبة من السعودية لاعتبارات مختلفة
التدخل المالي الخليجي يفقد "الإيكواس" كمنظمة اقتصادية أي فعالية في محيطها، أو في الدفاع عن نفسها وتحريك الغابون لدور أكبر في هذه المرحلة لزيارة الملك المغربي لها، يفيد الأجواء المتقدمة التي يريدها "المغرب + الإيكواس" للحفاظ على فرنسا قوية في غرب أفريقيا وعلى صعيد القارة، لأن أي تأخر لفرنسا عن أداء دورها يكشف صعوبة المتحالفين مع سياسات باريس في الوصول إلى أهداف الفرنسيين أو الحفاظ على مصالحهم.
+++ فتح شهية الجنود الفرنسيين على التوغل في المستنقع المالي يزيد مع التشاديين، والطوارق، وإن بتعاون جزائري وتغطية أمريكية، وفي ظل هذه العمليات الهادفة لاستعادة "الاستقرار" تواجه فرنسا خيارا جديدا لم تواجهه من قبل، فالأمريكيون يواجهون تحولا محتملا في "سايس بيكو" في ظل انشطار سوريا إلى دولتين بعد دولتي غزة والضفة في فلسطين، ويمكن أن تتغير الخارطة الفرنسية في غرب أفريقيا
في هذه الموجة الشديدة التأثير قد تنقلب الخرائط الأفريقية أيضا، وفي تطور مشهود تحولت "الإيكواس" إلى مدافع شرس على "وحدة الدول الترابية" ولا يمكن للمغرب سوى دعم هذه المنظمة كي تكون موسعة وقادرة على دعم المغرب في وحدته الترابية، لكن الرهان يفتقد إلى:
ـ كون "الإيكواس" لم تتطور مع حرب مالي.
ـ أن فرنسا التي حركت "الإيكواس" تتحرك بوسائل وتحالفات أخرى.
ـ أن "الإرهابيين الساحليين" لا يملكون الشرعية، وبالتالي فإن حربهم ليست سياسية بقدر ما تحولت الحرب على مسلحين إلى تنافس حول المنطقة، وهنا يبدأ تحد آخر ضمن تحديات جيوسياسية متوقعة.
وفي الوقت الذي تدافع فيه أمريكا على "سايس بيكو" وخرائط الدول جوار إسرائيل تدافع فرنسا على نفس الهدف، لكن بتقديرات جديدة.
وفي الحالتين، تعيش القوتان ـ الأمريكية والفرنسية ـ ترتيبات "بديلة" على كل الصعد، وبالتالي يزيد الأمريكيون من كبح مسار تحويل إيكواس إلى منظومة إقليمية سياسية، ولا يستطيع الفرنسيون التعاطي بشكل متقدم مع هذه التقديرات المستجدة لظروف الحرب في مالي.
وتبقى المبادرة من داخل "الإيكواس" أو حلفاءها، لأن الأسس الجديدة لهذه السياسة تقضي بالوصول إلى ثلاثة أهداف:
ـ القدرة على إدارة أمن إقليمي يدعم وحدة الدول الترابية.
ـ بناء الإيكواس منظومة بطريقة متقدمة.
ـ احتواء التغييرات الجيوسياسية لما بعد حرب مالي، وعدم تشجيع فرنسا في مخططها مع الطوارق، لأن السماح بمثل هذه التحولات سيكون مؤثرا على مستقبل القارة السمراء، لأن جغرافيا القارة غنية عرقيا وثقافيا، ولا يمكن الانزلاق إلى تصور فرنسي آخر، يمكن أن يؤثر على الاستقرار، فيما ينظر البعض إلى تسوية قضية الطوارق والصحراء "الغربية" بما يدعم الاستقرار الإقليمي.
+++ دعم دول "الإيكواس" لمشروع الحكم الذاتي في الصحراء "الغربية" سيدفع إلى تحديد اتفاق إطار لحل قضية الطوارق بما يناسب أمن غرب أفريقيا
إن دعم المغرب في مشروعه المتقدم لحكم ذاتي في الصحراء "الغربية" هو إعلان عن تحديد اتفاق ـ إطار لحل قضية الطوارق، والحفاظ على الخارطة الفرنسية في الحدود بين الدول.
ولن تأخذ هذه القضية أو غيرها أبعاد أخرى في ظل دعم مجموعة غرب أفريقيا للحدود الموجودة، وقضية الصحراء الأقدم في جداول المنظمات الاقليمية المستحدثة، وبالتالي أصبح من الطبيعي:
1 ـ العمل على قدر كبير من "الأهداف العسكرية الضيقة" لأن ما يجري هو "تعاون عميق" على العمليات الخاصة، فالإرهاب حرب عصابات لا يمكن أن تحسمه سوى استراتيجية "التعاون الخاص والعمليات الخاصة"، وساحل العاج حسمت أمرها ضد غباغبو بعملية خاصة والمغرب شريك أمني للغابون من أمن الرئاسة إلى صعد أخرى، والسنغال "حليف تقليدي" للمملكة، ويخاف الجميع من تغيير دكار لموقفها بعد التطورات الجديدة التي فتحت البلاد لتواجد أمريكي متطور.
وحاليا، تمكنت واشنطن من حضور استخباري غير مسبوق في السنغال وساحل العاج والغابون، وتذهب الأمور إلى تشجيع التعاون الفرنسي ـ الأمريكي.
2 ـ تشجيع التعاون الاستخباري بين المغرب ودول الإيكواس لمنع عمليات إرهابية ارتدادية.
3 ـ تعاون متعدد الأطراف للحفاظ على الأولويات التي أطلقها التعاون القائم بين المغرب ومجموعة منظمة الإيكواس.
+++ أول منظمة أفريقية تدعم أهداف المغرب بطريقة استراتيجية في خصوص الوحدة الترابية لمالي، التي يسهل نقلها إلى المغرب في قضية الصحراء ولا يمكن للرباط خسارة البعد السياسي لهذه التشكيلة، لأن فرنسا تريد إنجاز مهمتها في مالي وأن تعود الإيكواس إلى إطارها الاقتصادي فقط، فيما تحاول الرباط أن تطور هذا التحول لخدمة أهدافها
تعاملت فرنسا بطريقة متطرفة على صعيد استثمار المنظمة الاقتصادية "الإيكواس" في قضية مالي لتنجز ما تريد ثم يعود الإطار إلى حالته الأولى.
وفي الحقيقة أي تحول للإيكواس من منظمة اقتصادية إلى منظومة سياسية وإقليمية هو فوز كبير للمغرب، لكن الأمريكيين والفرنسيين لا يرغبون في هذا التحول، لأن باريس أنجزت أجندتها المتداخلة والمضبوطة، كما حددتها، ويتخذ الأمريكيون خطة عمل جديدة في غرب أفريقيا قد تقلب المعادلات الموجودة، في وقت يحاول لمغرب تثبيتها لربح نقط استراتيجية في ملف الصحراء.
+++ التحالف الفرنسي مع الإيكواس يتحول إلى توليفة جيوساسية قادها هولاند وبعده محمد السادس لدعم الرباعية السنغال ـ المغرب ـ ساحل العاج ـ الغابون بعد تراجع العمل السياسي للإيكواس، حيث حولتها فرنسا إلى قوات لم تعط ثمارا كبيرة في مالي، فالأمريكيون والتشاديون... أخذوا أدوارا غير مسبوقة في المنطقة
شهد الجميع على دور المغرب "الكبير والخطير" في الحرب لاستعادة مالي لوحدتها كي لا تتمكن شعوب أخرى من إعلان دول جديدة في أفريقيا، لكن باريس فضلت من جهتها، حوار الطوارق عبر الحركة الوطنية لتحرير أزواد ومنعت الجيش المالي من دخول كيدال، فاحتاجت المقاربة المغربية لمواصلة الجهود عبر منظمة "الإيكواس" التي انطلقت منها الشرارة الأولى، لإيجاد " دفعة أخرى" بعد أخذ الأمريكيين كل الدور المتبقي في منطقة الساحل، حيث فرنسا تجد كل المساعدة من الجزائر ومن تشاد بعد تأخر "الإيكواس" في تنفيذ مهامها، وتلك فرصة ثانية "لإحياء الإيكواس" التي تحولت إلى منظمة سياسية بفعل الطلب الفرنسي وعسكرية بطريقة ضعيفة بفعل التدخل الأمريكي في المنطقة وإعادة تجديد روح هذه المنظمة هدف مغربي.
+++ الرئيس الأمريكي منشغل بالشرق الأوسط (زيارة أوباما إلى إسرائيل) ويزور الملك المغربي غرب أفريقيا في عمل لصالح التحالف مع فرنسا
تحالف "الأفارقة" خارج منظمة الإيكواس مع فرنسا أو الأمريكيين بما يتجاوز أي منظمة إقليمية معلنة، وعاد قرار التموقع إلى كل دولة، حسب مصالحها، فضاع الهيكل الأول الذي انطلقت منه باريس.
وتحاول الرباط ـ بمجهودها الديبلوماسي ـ أن يبقى "المهد الأول" لمبادرة فرنسا في منطقة الساحل، عبر منظمة "الإيكواس" شيئا نموذجيا وقويا إلى حد بعيد، لأن التطورات تجاوزت بشكل واسع هذه الرؤية نحو وجهة أخرى "أكثر تأثيرا".
وفي ظل انشغال الأمريكيين بزيارة أوباما للشرق الأوسط وتقدم السوريين نحو الحوار كما اتفقت عليه موسكو وواشنطن لا يريد هولاند أن يظهر في غرب أفريقيا قائدا لمبادرة تحويل الإيكواس من منظمة اقتصادية إلى منظومة سياسية أو إقليمية.
من جهة، لا يريد الفرنسيون أن يزعجوا التشاديين أو الجزائريين المتعاونين "جدا" في حربها على القاعدة في شمال مالي.
ومن جهة ثانية، لا يمكن للرئيس الفرنسي استفزاز الأمريكيين الآن لأنهم يشاركون في الحرب عبر الرصد المعلوماتي، وتزويد المقاتلات الفرنسية بالكيروزين، فيما يجد المغرب مصلحته في النسخة الأولى للإيكواس لدعم باماكو، نحو عمل إقليمي يخدم الأهداف الأولى لفرنسا قبل "تعديلها" بفعل ضغوط الحرب والتدخل الأمريكي في المنطقة انطلاقا من النيجر وموريتانيا...
وفي ظل هذه الحسابات المتداخلة، يتطور الوضع إلى توازنات غير مسبوقة:
أ ـ وضع مالي بين فكي كماشة القوات الأمريكية في كل من موريتانيا في المناورات الأخيرة والنيجر وتقدم التشاديين أفرغ الإيكواس من أي ثقل.
ب ـ القوات الأمريكية في موريتانيا والنيجر، وإن في وضع مؤقت أعادت الإيكواس إلى وضعها الأول كمنظمة اقتصادية إقليمية.
ج ـ أن "الإيكواس" لم تنجح اقتصاديا في تأهيل المجموعة لعمل متقدم على الأرض في مالي من الجانب الإغاثي والاقتصادي، كما يجب أن تكون مهمتها "في الأصل".
من جانب آخر، تصرف الجيش الفرنسي على أساس حلفاءه العسكريين على الأرض، وأصبحت الجزائر وتشاد لاعبين قويين في المعادلات الفرنسية، بما يكفي للقول إن المغرب وحلفاءه في غرب أفريقيا خسروا بعض النقط.
+++ في وقت اعتبر فيه البعض أن فرنسا دخلت مرحلة "التجاعيد السمراء" لشيخوخة دورها في القارة، تقاتل باريس إلى جانب غرب أفريقيا لبقاء جزء من "أفريقيا الفرنسية" الداعم لما سماه التقرير إلحاق المغرب للصحراء "الغربية"، وزيارة المغرب "واجهة أفريقيا الفرنوكوفونية" ساحل العاج جزء من بقاء المصالح الفرنسية المتوسطة المدى
حسب الفرنسيون أن تحول الإيكواس إلى "درع استراتيجي وعسكري" لأفريقيا الفرنسية، لكن الحرب شارك فيها التشاديون ودعمها الجزائريون وخاضها الأمريكيون "من الخلف"، وفي هذه التقديرات:
ـ تقضي فرنسا على "أمراء" الحرب في الصحراء، بحيث لا يمكن تجديد المناورة التي تزعمتها الاستخبارات الفرنسية لفترة، فنقل المهمات من الاستخبارات إلى الجيش سيؤثر على "الأجندة" التي يقودها هولاند.
+++ تدمير الإرهاب لبناء منظومة "إيكواس" على الأهداف المندمجة بين فرنسا وغرب أفريقيا لم تعد ممكنة، لأن واشنطن "شريك كامل" الآن في الحرب وفي السلام بمنطقة الساحل، وتشارك في تحديد مصير "شعوبها وخارطتها الجديدة"
يقول تقرير فرنسي: "إننا أمام بناء الديموقراطية على أسس أخرى عوض الإرهاب"، لكن تحول الخارطة بدأ صعبا، حيث:
ـ نجحت الفرق التشادية فيما فشلت فيه القوات الخاصة الفرنسية.
ـ على دول الإيكواس أن تساهم في المجهود الحربي.
ـ القدرة على تعزيز "النظام الفرنسي الأمني" في منطقة الساحل وغرب أفريقيا أصبح واجبا إلى حدود بعيدة.
ـ الأسس الجديدة للتغلغل الفرنسي لم تعد "متطابقة" بين ما كان مخططا له وما يجري على الأرض في شمال مالي.
ولا يزال الخوف قائما على شيء رئيس هو اختلاف الأهداف الموضوعة عن خارطة الحرب والسلم في مالي ومنطقة الساحل.
+++ المغرب وحلفاءه في الإيكواس لم يشاركوا في المجهود الحربي بشكل مباشر مما دفع باريس إلى الاستعانة بتشاد، والتي لعبت دورا في هزيمة القذافي، والحفاظ على خارطة فرنسا بعد استعمارها للمنطقة، وتساهم الآن في هزيمة تحالف الطوارق والقاعدة وقد حاولا أيضا المساس بهذه الخارطة، فيما تدافع الرباط عن هذه الخارطة كإحدى "عقائدها" في أفريقيا المحددة لسياساتها سياساتها
حاول المغرب أن يكون جزءا ديناميكيا في منظومة الإيكواس وإن من خارجها، لكن التطورات ما بعد قرار مجلس الأمن يجيز الحرب في مالي، وقد أفرز تطورات منها:
ـ أن قوات باريس التي سبقت تدخل أمريكا في العراق، وذهبت إلى ساحل العاج، تعاني حاليا من "نقص عملياتي" عالجته أمريكا، وبالتالي فهولاند ملزم برد منسجم مع المساعدة الأمريكية، فيما تحركت واشنطن عبر حلفاء جدد بما يضمن قدرتها على التحرك الميداني الواسع وغير المسبوق.
ـ ضرورة مساعدة فرنسا على الحفاظ على التحول الذي حدث في غرب أفريقيا عبر منظمة الإيكواس، وبعد حربها في مالي.
+++ القوات المغربية لحفظ السلام في ساحل العاج أخذت دور القوات الفرنسية بعد انسحابها من هذا البلد، وتوجهها للحرب في مالي
منذ 2002، أرسلت فرنسا قوات (ليكورن) إلى ساحل العاج، وليس ما جرى في مالي استثنائيا إلا بحجم الحضور الأمريكي هذه المرة في النيجر وموريتانيا، وتدخلها للمساعدة في ضرب أهداف القاعدة.
+++ انتصر "الالتزام الكامل" على نظرية "الالتزام المتدرج" الذي أطلقته فرنسا في 2007، وقرر هولاند قبل تجاوز أنصار الدين للخطوط الحمراء، فأصبحت المبادرة لصالح القاعدة قبل أن يعيدها التشاديون إلى باريس، وحدثت تطورات على الاستراتيجية المتبعة بفعل "التغيرات السريعة" في الخارطة مما أثر مجددا في أي قرار أمريكي وفرنسي يمكن أن تحدده نطاقات الصحراء الكبرى
ما يجري من "حرب" حاليا في مالي ليس سوى "قطعة التحول" في غرب أفريقيا، لأن مالي على حدود الساحل وغرب أفريقيا والصحراء، ولها تأثيرها على شرق أفريقيا من خلال تدخل القوات التشادية، لأن دورا جديدا للسودان انتهى لتعاون جديد مع الجنوب لتكون المناورة الأمريكية لـ 2006 من موريتانيا إلى أرتيريا قد وضعت أولى معالمها بشكل غير مسبوق في الخرائط المتداخلة في الساحل والصحراء وشرق أفريقيا إلى غربها، ومن غرب أفريقيا إلى شرقها في تقاطعات جديدة من ثلاث زوايا:
ـ أن فرنسا تأخرت في جيبوتي وما حولها من دول.
ـ أن فرنسا تركت خططها جنوب الصحراء.
ـ أن الولايات المتحدة تقاسمت ميدانيا مع فرنسا في حرب مالي، وبالطبع بعدها.
ولا تزال باريس تتخوف من "تأثير خليجي" في المنطقة، فرغم انشغال الإمارات النفطية بسوريا، تدعم التأثير في تونس وليبيا، باتجاه معايير تراقبها باريس، ومجرد أن يتحرك المغرب الحليف التقليدي للخليجيين في المنطقة فإن مصالح فرنسا تجد "أكثر من فرصة" لإبعاد تأثير الخليجيين وتعزيز المنظمة الاقتصادية المسماة "الإيكواس".
+++ تدخل الخليجيين، أغنياء النفط المعروفين، يزيد من إضعاف تأثير منظمة اقتصادية كالإيكواس في محيطها، أو في الدفاع عن نفسها وتحريك الغابون كدولة نفطية لأخذ دور في هذه المرحلة (وهي دولة يزورها الملك المغربي) يذهب باتجاه إعطاء دور أكبر للأفارقة للدفاع عن الخارطة الفرنسية في أفريقيا بعد حرب مالي، وبعد التدهور الذي لحقها جراء الثقل الأمريكي في موريتانيا والنيجر، والقطري والخليجي عموما عبر ليبيا ودول أفريقية قريبة من السعودية لاعتبارات مختلفة
التدخل المالي الخليجي يفقد "الإيكواس" كمنظمة اقتصادية أي فعالية في محيطها، أو في الدفاع عن نفسها وتحريك الغابون لدور أكبر في هذه المرحلة لزيارة الملك المغربي لها، يفيد الأجواء المتقدمة التي يريدها "المغرب + الإيكواس" للحفاظ على فرنسا قوية في غرب أفريقيا وعلى صعيد القارة، لأن أي تأخر لفرنسا عن أداء دورها يكشف صعوبة المتحالفين مع سياسات باريس في الوصول إلى أهداف الفرنسيين أو الحفاظ على مصالحهم.
+++ فتح شهية الجنود الفرنسيين على التوغل في المستنقع المالي يزيد مع التشاديين، والطوارق، وإن بتعاون جزائري وتغطية أمريكية، وفي ظل هذه العمليات الهادفة لاستعادة "الاستقرار" تواجه فرنسا خيارا جديدا لم تواجهه من قبل، فالأمريكيون يواجهون تحولا محتملا في "سايس بيكو" في ظل انشطار سوريا إلى دولتين بعد دولتي غزة والضفة في فلسطين، ويمكن أن تتغير الخارطة الفرنسية في غرب أفريقيا
في هذه الموجة الشديدة التأثير قد تنقلب الخرائط الأفريقية أيضا، وفي تطور مشهود تحولت "الإيكواس" إلى مدافع شرس على "وحدة الدول الترابية" ولا يمكن للمغرب سوى دعم هذه المنظمة كي تكون موسعة وقادرة على دعم المغرب في وحدته الترابية، لكن الرهان يفتقد إلى:
ـ كون "الإيكواس" لم تتطور مع حرب مالي.
ـ أن فرنسا التي حركت "الإيكواس" تتحرك بوسائل وتحالفات أخرى.
ـ أن "الإرهابيين الساحليين" لا يملكون الشرعية، وبالتالي فإن حربهم ليست سياسية بقدر ما تحولت الحرب على مسلحين إلى تنافس حول المنطقة، وهنا يبدأ تحد آخر ضمن تحديات جيوسياسية متوقعة.
وفي الوقت الذي تدافع فيه أمريكا على "سايس بيكو" وخرائط الدول جوار إسرائيل تدافع فرنسا على نفس الهدف، لكن بتقديرات جديدة.
وفي الحالتين، تعيش القوتان ـ الأمريكية والفرنسية ـ ترتيبات "بديلة" على كل الصعد، وبالتالي يزيد الأمريكيون من كبح مسار تحويل إيكواس إلى منظومة إقليمية سياسية، ولا يستطيع الفرنسيون التعاطي بشكل متقدم مع هذه التقديرات المستجدة لظروف الحرب في مالي.
وتبقى المبادرة من داخل "الإيكواس" أو حلفاءها، لأن الأسس الجديدة لهذه السياسة تقضي بالوصول إلى ثلاثة أهداف:
ـ القدرة على إدارة أمن إقليمي يدعم وحدة الدول الترابية.
ـ بناء الإيكواس منظومة بطريقة متقدمة.
ـ احتواء التغييرات الجيوسياسية لما بعد حرب مالي، وعدم تشجيع فرنسا في مخططها مع الطوارق، لأن السماح بمثل هذه التحولات سيكون مؤثرا على مستقبل القارة السمراء، لأن جغرافيا القارة غنية عرقيا وثقافيا، ولا يمكن الانزلاق إلى تصور فرنسي آخر، يمكن أن يؤثر على الاستقرار، فيما ينظر البعض إلى تسوية قضية الطوارق والصحراء "الغربية" بما يدعم الاستقرار الإقليمي.
+++ دعم دول "الإيكواس" لمشروع الحكم الذاتي في الصحراء "الغربية" سيدفع إلى تحديد اتفاق إطار لحل قضية الطوارق بما يناسب أمن غرب أفريقيا
إن دعم المغرب في مشروعه المتقدم لحكم ذاتي في الصحراء "الغربية" هو إعلان عن تحديد اتفاق ـ إطار لحل قضية الطوارق، والحفاظ على الخارطة الفرنسية في الحدود بين الدول.
ولن تأخذ هذه القضية أو غيرها أبعاد أخرى في ظل دعم مجموعة غرب أفريقيا للحدود الموجودة، وقضية الصحراء الأقدم في جداول المنظمات الاقليمية المستحدثة، وبالتالي أصبح من الطبيعي:
1 ـ العمل على قدر كبير من "الأهداف العسكرية الضيقة" لأن ما يجري هو "تعاون عميق" على العمليات الخاصة، فالإرهاب حرب عصابات لا يمكن أن تحسمه سوى استراتيجية "التعاون الخاص والعمليات الخاصة"، وساحل العاج حسمت أمرها ضد غباغبو بعملية خاصة والمغرب شريك أمني للغابون من أمن الرئاسة إلى صعد أخرى، والسنغال "حليف تقليدي" للمملكة، ويخاف الجميع من تغيير دكار لموقفها بعد التطورات الجديدة التي فتحت البلاد لتواجد أمريكي متطور.
وحاليا، تمكنت واشنطن من حضور استخباري غير مسبوق في السنغال وساحل العاج والغابون، وتذهب الأمور إلى تشجيع التعاون الفرنسي ـ الأمريكي.
2 ـ تشجيع التعاون الاستخباري بين المغرب ودول الإيكواس لمنع عمليات إرهابية ارتدادية.
3 ـ تعاون متعدد الأطراف للحفاظ على الأولويات التي أطلقها التعاون القائم بين المغرب ومجموعة منظمة الإيكواس.
+++ أول منظمة أفريقية تدعم أهداف المغرب بطريقة استراتيجية في خصوص الوحدة الترابية لمالي، التي يسهل نقلها إلى المغرب في قضية الصحراء ولا يمكن للرباط خسارة البعد السياسي لهذه التشكيلة، لأن فرنسا تريد إنجاز مهمتها في مالي وأن تعود الإيكواس إلى إطارها الاقتصادي فقط، فيما تحاول الرباط أن تطور هذا التحول لخدمة أهدافها
تعاملت فرنسا بطريقة متطرفة على صعيد استثمار المنظمة الاقتصادية "الإيكواس" في قضية مالي لتنجز ما تريد ثم يعود الإطار إلى حالته الأولى.
وفي الحقيقة أي تحول للإيكواس من منظمة اقتصادية إلى منظومة سياسية وإقليمية هو فوز كبير للمغرب، لكن الأمريكيين والفرنسيين لا يرغبون في هذا التحول، لأن باريس أنجزت أجندتها المتداخلة والمضبوطة، كما حددتها، ويتخذ الأمريكيون خطة عمل جديدة في غرب أفريقيا قد تقلب المعادلات الموجودة، في وقت يحاول لمغرب تثبيتها لربح نقط استراتيجية في ملف الصحراء.