يحتج البعض على استئثار واحتكار الولاة والعمال بصلاحيات واسعة وحصرية في تدبير وضعية أزمة الوباء داخل دائرات نفوذهم الترابي في الجهة والعمالة والاقليم، كما يجادلون في شكليات وطريقة تصريفهم لهذا التدبير؟ ويدعون الى اعتماد الكتابة كشكلية وحيدة لممارسة الولاة والعمال لهذا التوكيل وهذا الاختصاص الحصري في التدبير.
وهناك من يدعو العمال والولاة الى كسر وتغيير نهج التدبير وادارة الأزمة، باعتمادمقاربة تشاركية في ذلك؟. ولأهمية هذه المناقشات وعلاقتها بمحال تخصصي ونضاليفي حماية القانون والدفع الى تطويره، آليت على نفسي المشاركة فيه.
وقبل الحديث عن خلفيات المتحكمة في المطالبات المستجدة ؟ تجدر بنا الاشارة أولا الى الإطار القانوني لاختصاص الولاة والعمال؟، وتحديد طبيعته؟ وهل يمكنهم التصرف فيه وتغييره؟
أولاً: الاحتجاج على طريقة تدبير العمال للأزمة سياسي في جوهره وخلفياته، وليس قانوني؟
إن الملاحظات الموجهة ضد صلاحيات واختصاص الولاة والعمال الاستثنائية في تدبير ظرفية أزمة وباء كرونا؛ الحرجة، والصعبة، والدقيقة في كل شيء وفي كل الماحي داخل مجال تدخلهم الترابي في الجهة والعمالة، بما فيه الجماعات الترابية، هو من صميموصلب المنازعة السياسة في الاختصاص، لانعدام سند ومرجع في القانون يشرعن هذا الاحتجاج ويؤيده، خلافا لمسوغات الادعاء والتبرير .
فالمنازعة والمخاصمة القانونية في الشكل، هو قناع يستتر الصراع السياسي حول السلطة، وليس منازعة في المراسيم المتخذة من قبل الحكومة، لأنها هي المحددة لطريقة تدبير أزمة كرونا، كسلطة حكم وادارة، فأعلنت حالة الطوارئ الصحية بمقتضى المرسوم 292.2.20، واعتمدت تدابير في اطارها بمقتضى المرسوم 283.2.20.
وتتاح قانونيا امكانية الطعن في الموضوع أمام الغرفة الادارية بمحكمة النقض قبل المصادقة عليه في البرلمان، ويخضع للرقابة الدستورية بعد هذه المصادقة، دون أن يتم اللجوء إلى ذلك من طرف من ينازعون في هذا الاختصاص، وآثروا اللجوء الى الاعلام وجمهور المواطنين منن أجل ولغاية تحريضهم ضد جهاز وسلطة الدولة.
ثانيا: فئة المنازعين في توكيل الولاك والعمال من الحكومة، ولهم أغلبية برلمانية؟
وتبقى الملاحظة الجديرة بالكشف أن الذين يحتجون ضد منح الولاة والعمال لحصرية اختصاص تدبير أزمة وباء الأزمة الصحية من أجل حماية الأمن الصحي ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية؛ مثل رئيس مجلس جماعة الرشيدية، ولا يملك اخلاقيا وسياسيا حق المجادلة في هذه الاختصاصات الممنوحة منه ومن حزبه للولاة والعمال.
فالمعني بالأمر ينتمي الى حزب العدالة والتنمية، الذي يقود رئاسة الحكومة، وله أغلبيةبرلمانية. وحزبه هو الذي منح الولاة والعمال هذا الاختصاص ومنحهم هذا التوكيل المطلق، وكان حري به أن يوجه خطابه ولومه ضد رئيس حكومة حزبه، وضد نواب حزبه في البرلمان، وفي محلس المستشارين الذين يصادقون على المراسيم، سند هذه الاختصاصات وهذا التوكيل الحصري في تدبير أزمة الطوارئ الصحية
ثالثا:مرسوم اعلان الطوارئ ومرسوم تدابيرها منحا توكيلا عاما للولاة والعمال لتدبيرالطوارئ الصحية ؛
أسند مرسوم اعلان حالة الطوارئ الصحية بكل الاقليم المغربي ومرسوم تدابيرها اختصاصا عاما ومطلقا ومفوضا للولاة والعمال لاتخاذ مايرونه ويقدرونه مناسبا ومفيدا ومجديا ونافعا لحماية ووقاية الأمن الصحي للمواطنين .
ولا شرط يقيد ويحد في ممارسة هذا التوكيل، وهذه الصلاحية سوى الهدف منها؛ وهيمن أجل حماية وصيانة هذا الهدف الأساسي والأسمى والمقدس؛ الأمن الصحي للمواطنين المغاربة.
والقيد الثاني الذي وضعه مرسوم قانون التوكيل يكمن في التنسيق مع المصالح الصحية المعنية، والشرط الثاني في جوهره، هو تحصيل حاصل، مادام الوالي والعامل ينسق قانونا مع المصالح الخارجية للوزارات، منها وزارة الصحة. فمراعاة الغاية والهدف الأساسي والوحيد في تقدير اتخاذ الأوامر والقرار ات في حماية الأمن الصحي هو المعيار الوحيد الواجب مراعاته أثناء تنفيذه.
رابعاً: نطاق وحدود توكيل الحكومة للولاة والعمال في تدبير الطوارئ الصحية؛
إن الانتداب والتوكيل الذي منحته الحكومة بمرسوم قانون للولاة والعمال؛ حصري ومطلق من أجل تدبير أزمة الطوارئ الصحية في الجهة والعمالة والاقليم، وفق المقاربة المغربية، والذي يتطابق عموما وفي مجمله مع استراتيجية مجموعة من الدول. وهذه المقاربة لها وحهان؛ صحي تتولاه وزارة الصحة وأمني وبتنفيذ من طرف وزارة الداخلية مع مراعاة التنسيق مع الأولى.
وقد كان مرسوم اعلان تدابير حالة الطوارئ المرسوم 292.20.2 واضحا في تحديد الجهة التي تتولى تنفيذه؛ وهي وزير الصحة ووزير الداخلية. كما أن المرسوم 293 .20.2 في مادته الثالثة منح توكيلا مطلقا وعاما ومفوضا للولاة والعمال لاتخاذ جميع التدابيرالتي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي ليس في صورتها التوقعية، بل من الوقاية والحماية، وهي كلمات وردت في نفس المادة متتالية، لابراز طابع التوكيل العام والمطلق،دون قيود ولا شروط.
ومنح المرسوم للولاة والعمال بصريح المادة الثالثة الحق والاختصاص في فرض حجر صحي اختياري او اجباري، أو فرض قيود مؤقته على الأشخاص في مساكنهم، أو الحد من تنقلاتهم، أو منع تجميعهم. كما تمتد صلاحياتهم ونطاق توكيل الحكومة لهم الى اغلاق المحلات المفتوحة للعموم، وإلى اقرار أي تدبير من تدابير الشرطة الادارية. فالولاة والعمال مأمورون في المرسوم لتنفيذ انتداب مفوض لهم من طرف الحكومة.
خامسا: تنفيد الولاة والعمال للطوارئ الصحية يتم بالأوامر والقرارات؛
فرضت المادة الرابعة في فقرتها الأولى من مرسوم اعلان الطوارئ الصحية 292.20.2 على الأشخاص التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية. كما أن المادة الثانية من مرسوم 293 .29.2 سمحت وللولاة في الحهات والعمال في العمالات والأقاليم اتخاذ تدابير تنفيذية لحفظ النظام العام الصحي.
ويلاحظ أن الحكومة في المراسيم سند التوكيل وضعت الأمر في الصدارة قبل القرار، وفيالمرسوم 293.20.2 استعملت كلمة تدبير تنفيذي، فالسرعة والاستعجال هي التي فرضت تصريف الولاة والعمال لتنفيذ الوكالة الممنوحة لهم من طرف الحكومة في اطار أمر لايخضع لشكلية الكتابة، ولهم ولاية وصلاحية اتخاذ أي تدبير توقعي ووقائي واحترازيلحماية الأمن العام الصحي فورا ودون شكليات، لأن الهدف محدد وجهة التنسيق الوحيدة محددة في المصالح الصحية.
في النهاية:
إن ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم أُعْطِيَ لهم توكيلا قانونيا وحصريا من طرف الحكومة، وحددت لهم الجهة الوحيدة المطلوب التنسيق معها ولوحدها؛ وهي المصالح الصحية .
وحددت لهم الهدف في حماية ووقاية الأمن العام الصحي، وفي نفس الوقت حددت له مشكل تنفيذ التوكيل بالأوامر والتدابير التنفيذية بالأولوية والصدارة والقرارات في المرتبة الثالثة بالنظر الى حالة الاستعجال الواقعية والمتوقعة والمفترضة، والأمر والتدبير التنفيذي لا يستلزم شكلية الكتابة.
محامي، خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء