سبق وان عودتنا ام الوزارات في السابق كما هو اليوم ان اي مستجدات تطرأ على قواعد اللعبة الانتخابية في هذا البلد لا بد ان تتبعها اثار في الخريطة السياسية والاصلاح الانتخابي المعلق، وان اي متتبع عادي لن يجد صعوبة في اكتشاف الحقيقة المرة التي مفادها ان الانتخابات بالمغرب تكاد تكون سوق رسمي يشكل الصوت الانتخابي السلعة للبيع "الناخب" صاحب العرض، و "المرشح" صاحب الطلب، مظهرا من مظاهر التسوق الهامشية التي يعمل فيها شبابنا في الدعاية للمرشحين كأجراء مؤقتين، وبذلك اصبحت طبيعة العلاقة بين المرشح والناخب فرصة مادية أومعنوية انية او مستقبلية، اما ميثاق الشرف في هذه السوق السياسوية ليست بنوذه اهداف عامة انما هي اغراض شخصية، وهنا لابد من التوقف عند عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية التي انطلقت في المدة الاخيرة استنادا الى قرار وزير الداخلية المنشور بالجريدة الرسمية، القرار الذي ينص على عدم معالجة النظام المعلوماتي كل طلب ادلى صاحبه بعنوان غير صحيح لبريده الاكتروني او ادلى بعنوان بريد الاكتروني سبق استعماله لتقديم طلب قيد او نقل قيد لفائدة شخص آخر، وهو القرار اذي رفضته العدالة والتنمية ووجد الصدر الرحب لدى كل من الاتحاد والاصالة، الذي اعتبره احد قياديي حزب العدالة والتنمية غير دستوري، معتبرا القرار يطعن في جميع الاجراءات المتعلقة بتشجيع المواطنين في التسجيل في اللوائح الانتخابية كما اعتبره اجراء غير دستوري يضرب في العمق القانون، والذي بسببه هدد حزب العدالة والتنمية بمقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة في حال عدم السماح له بتسجيل الناخبين عن طريق الموقع الاكتروني لوزارة الداخلية.
وكان وزير الداخلية قد توعد بالتشطيب على كل التسجيلات المشكوك فيها خلال اجتماع اللجنة الادارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية مشددا على انه لا يمكن لاي حزب سياسي ان يقوم مقام المواطنين للنيابة منهم في تسجيلهم في اللوائح الانتخابية، ويعني بذلك تسجيلات لا تحصى ولا تعد تم تسجيلها بمقرات حزبية ومقرات جمعيات ومنظمات موازية كان لها نصيبها من هذه الكعكة وافرا، كما هو الحال حول تسجيل 1 مليون و 45 الف ناخب تم تسجيلهم عن طريق الانترنيت.
فالسيد وزير الداخلية وهو يستعجل بقراره هذا ليس حبا في نظافة قواعد اللعبة او تعطيل العناصر الانتهازية، علما ان اللوائح الانتخابية تؤطرها مدونة الانتخابات وهذه حقيقة يجب استحضارها، بل للدفع بسناريو الانتخابات التشريعية المقبلة واخراجها في موعدها المحدد في غياب اية استراتيجية اصلاح للمنضومة الانتخابية لخلق شروط جديدة لصراع انتخابي نزيه، واذا كانت عملية تنقية اللوائح الانتخابية ستدفع باتجاه وضع حد للمتاجرين بالعمل السياسي، كان من اللازم ان يتم وضع لوائح جديدة على اساس معيار واحد يتعلق الامر بمعيار السكن، حيث يمكن التثبت من عنوان الشخص المسجل بينما يصعب الامر مع معيار الولادة والعمل، وان مراجعة اللوائح الانتخابية هي عملية تعني بالخصوص فسح المجال فقط للاشخاص الذين لم يسجلوا انفسهم، وهذا غير كاف بكون هذه اللوائح الانتخابية طالتها مفاسد وخروقات وتجاوزات كثيرة جعلت منها اداة سهلة للتزوير، واجراء انتخابات على ضوء لوائح انتخابية فاسدة سيجعل عملية الانتخابات عملية فاسدة مسبقا، وانه من شروط انتخابات حرة ونزيهة ضرورة مراجعة جديدة للوائح الانتخابية الحالية وليس الاقتصار على تنقيتها من لدن الجنة الادارية بل الامر موكول كذلك لكل المتدخلين في العملية الانتخابية احزاب سياسية وسلطة ادارية وكل مواطن اذا تبين له التسجيل على مسجل غير متسوف للشروط القانونية، هذا بالاضافة للاحزاب السياسية قيامها تنظيم انشطة للتوعية خاصة في صفوف الشباب ودراسة اللوائح الحالية وتقديم الطعون وتشكيل لجان محلية خاصة بالاحياء بمشاركة السكان لمحاربة المفسدين.
واذا كان تطهير اللوائح الانتخابية يساهم منطقيا في تطهير الممارسة الانتخابية من بعض مظاهر تزوير ارادة الناخبين، فالعملية الانتخابية عموما تثير دائما مخاوف كثيرة منها ما يزال محور نقاش دائر حول مسيرة اصلاح الاليات الانتخابية، غير انه مباشرة بعد اعلان النتائج يعود الحديث جديد عن مظاهر التدليس الانتخابي بكل اصنافه وتشعباته، وهو الوضع الذي يستدعي اعادة التدقيق في المشهد الانتخابي برمته، ذلك ان التجاوزات الانتخابية لم تعد خرق لنظام اللعبة، انما هي تراكم لاسباب ومسببات اخرى تتعلق بمظاهر التسفيه والتشكيك في الحياة السياسية ككل، وتتم تصفية العمل الحزبي في حالة الصراع الانتخابي ببلادنا، وتبقى انواع الدعاية الحزبية في الحملات الانتخابية شكلية لا فعل لها في اذهان الناخبين وفي ظل هذا الفراغ دخلت على الخط محفزات جديدة استغلت فيها عقلية الناخب المنحطة بالافكار المسبقة ضد مصداقية العمل الحزبي وانتصبت كسلطة مادية او رمزية قادرة على استمالة الناخب.
لكن هل سيضع كل هذا وذاك حدا للمتاجرين بالعمل السياسي ويوقف استعمال المال وشراء الذمم وبالتالي تعطيل العناصر الوصولية والانتهازية التي تجعل من الفعل الانتخابي والعمل الحزبي حصان طروادة لبلقنة المشهد الحزببي وتسخير قنواته قصد الوصول لاغراض الذاتية الضيقة، ويبقى على بلدنا كذالك ان يختار الانسجام مع شعاراته المرفوعة بالانتقال الديمقراطي الحقيقي الواقعي ومصارحة الشعب، والحال لا يقبل التأجيل او الترقيع والتطورات الاقليمية والدولية، هذا الانتقال الديمقراطي الذي تحتاجه البلاد اليوم لتعود للانتخابات معناها وللعملية السياسية جدواها، ضروري اكثر من لحظة يجب ان يتم القطع مع الماضي، يجب ان يتعلم المواطن، ان يختار ويتحمل مسؤوليته، نفسح له المجال ليعبر ويقرر وعليه ان يتحمل النتائج.