أضافت خطابات نبيلة منيب وتغطية فيدرالية اليسار الديمقراطي ل90 دائرة انتخابية، إضافة نوعية في المشهد السياسي والاجتماعي العام لحملة انتخابات البرلمان ليوم 7 أكتوبر.
ما السر في إعلان مئات المثقفين والأكاديميين والفنانين والفاعلين بمساندة نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد والتصويت لصالح فيدرالية اليسار الديمقراطي الذي يضم كذلك حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي ومكونين آخرين من الحركة الاتحادية واليسارية مثل البديل الديمقراطي، هذا الدعم تمثل في الحضور الكثيف للتجمعات الخطابية لمنيب وتقاسمها بين عشرات الآلاف في المواقع الالكترونية ومختلف وسائل تواصل العالم الافتراضي التي فاقت في بعضها 200 ألف.
حقيقة العزوف وعدم ثقة نسبة كبيرة من الجماهير في الأحزاب المهيمنة على المسرح السياسي الرسمي، المبنية على أقلية تمثيلية وكثلة ناخبة، هي كون خطاباتها وبرامجها منذ انتفاضة 20 فبراير المجيدة، لم تعد تتضمن موضوعة الحكم، بل كلها تتمحور في موضوعات الحكومة والبرامج القطاعية، أي أصبحت أدبياتها ووجودها وفعلها محصورا على المستوى الأفقي، ومغيبا تماما للمستوى العمودي، وكأننا في المغرب حققنا فعلا دولة القانون والمؤسسات والديمقراطية، وأصبح النظام نظام ملكي برلماني فعلا، يسود فيه الملك ولا يحكم.
نبيلة منيب (باسم فيدرالية اليسار الديمقراطي طبعا) هي وحدها التي تتضمن خطاباتها مهمة بناء الملكية البرلمانية التي لا يعكسها الدستور الحالي نفسه، والتي بدونها تبقى الأحزاب والمؤسسات خاضعة لسلطة النظام المخزني، الذي تحولت في ظله إلى مجموعات خدم تتنافس في ما بينها عن من يخدم المخزن أكثر، مما تتنافس عن خدمة الشعب والوطن.
إذن خطابات نبيلة منيب عرت هذه الحقيقة لدى العدالة والتنمية بالإضافة إلى فكرها المحافظ والرجعي، وفي نفس السياق واجهت حزب الأصالة والمعاصرة بأنه لا يعدو كونه سيشكل بديلا مخزنيا هو الآخر.
أما باقي أحزاب اللعبة فهي تدور في فلك إحدى قطبي المصباح أو الجرار.
هكذا استطاعت منيب أن تنال عطف الطبقات الوسطى خصوصا، وهي نفس قاعدة القوى التقدمية والتي ابتعدت عنها وعزفت عن المشاركة، منذ تخلي خطاب وبرامج هاته الأحزاب الديمقراطية عن المقاربة الأفقية أي الحكم والارتكاز على الحكومة فقط، بل وتخليها عن المشروع المجتمعي الحداثي المبني على أرضية دمقرطة الدولة والمجتمع وتحويل النظام من ملكي مخزني إلى ملكي برلماني، بفصل السلط والإشراك في التقرير والتسيير، كما ورد في بيان المؤتمر الثالث للاتحاد الاشتراكي في سنة 1979 الذي تلاه الفقيد الكبير محمد عبد الجابري في الجلسة الختامية.
ورغم أن تجربة حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي قد أعادت الروح للحقل السياسي المغربي وجزء من الأمل، للانتقال السلمي والتداول على السلطة، فإنها قد أجهضت من جهة المخزن بتعيين جطو من خارج الدائرة وزيرا أول في استحقاقات 2002، وأجهضت من جهة ثانية حين عدم مسايرة المكتب السياسي للاتحاد لموقف اليوسفي الذي اعتبر الحدث خروج عن المنهجية الديمقراطية، وقرروا المشاركة مع جطو بحجة استكمال الأوراش، فكانت النتيجة تطليق قاعدة عريضة من القواعد، ليس للحزب فقط، بل للسياسة والأمل ككل، وما نتائج انتخابات 2007 إلا نتيجة للانقلاب على اليوسفي سنة 2002، فتمت مخزنة الدولة للمجتمع، وفقدت الثقة في كل الأحزاب المشاركة، التي أصبحت عبارة عن كائنات تؤدي دور الكومبارس في مسرحية بسيناريو كرا كزي، بدون جمهور.
فجاءت مبادرة حركة لكل الديمقراطيين حاملة مشروع إعادة جر الطبقة الوسطى للحقل والفعل السياسي والانتخابي، لتكسير لغة الخشب وتعويض شيخوخة الأحزاب، وخلق موضوع للسياسة التي أصبحت بدونه، وهو موضوع الاستثمار والتنمية المستدامة والمبادرة ومحاربة النخب التقليدية المتهرئة والمستفيدة، إلا أن هاته الحركة سرعان ما ذابت وسط التحالف الذي سمي بحزب الأصالة والمعاصرة، والذي يجمع ما بين أطر ذات ماضي كبير في الحركة اليسارية و أغنياء نافذين من محترفي الانتخابات في الأحزاب المخشبة، إلى ان جاء الأمين العام الحالي إلياس العماري الذي وفق بينهما، معلنا عن قطب ليبرالي بمضمون يساري مضاد للعدالة والتنمية المحافظة والظلامية، ولكن بدون مقاربة أفقية لطبيعة النظام هو الآخر.
حين خرجت حركة 20 فبراير 2011 وأعلنت بيانها التاريخي، لم يكن شبابها يعي أن مضمون بيانهم يعيد إنتاج روح المشروع المجتمعي للحركة التقدمية واليسارية المغربية في أغلبيتها.
إن كل علوم الاجتماع البشري تؤكد أن المطالب الحقيقية للشعوب، لا تموت حتى وإن غيبت وطمست ومنع الكلام عنها أو إثارتها بفعل قمع رسمي أو ذاتي، لذا بقيت نفس المطالب التي ناضل عنها الشعب المغربي منذ إصلاحات القرن 19 ومعركة الاستقلال وما بعده، لازالت لم تتحقق في بناء دولة الحق والقانون واستفادة المغاربة من ثروة بلادهم ولو في حقوقهم المقدسة مثل الحياة والصحة والتعليم والعدل والشغل والكرامة.
هذا المشروع المجتمعي الذي كاد أن ينطفئ خصوصا بعد إجهاض حركة 20 فبراير من طرف المخزن والمصباح والأحزاب المشاركة في اللعبة، بقي حيا في الجيل الحالي وفي وسائل التواصل الافتراضي، وبقي حيا في عدة جمعيات حقوقية ومنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وبعض التيارات اليسارية، ومنها فيدرالية اليسار الديمقراطي ومنها نبيلة منيب، التي أعادت إسماع الطبقة الوسطى والمثقفين والمناضلين تطلعاتهم، لا بد أن فيدرالية اليسار سيكون لها نصيب في الدوائر ونصيب أكبر في اللائحة الوطنية، مما يطرح سؤال الأفق والتحالف.
في إحدى المؤتمرات الحقيقية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، (حيث كان الحسن الثاني قد خلق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بعد تصاعد النضال الحقوقي) ، قال الأموي: إن المخزن كلما أنضج الشعب فتاة حتى صارت عروسة إلا وتزوجها.
لاستكمال إعادة الأمل والمصداقية للفعل السياسي، وليس للانتخابات فقط، فإن أفق هذا الفريق أو العدد الجميل من فيدرالية اليسار، هو المعارضة بمهمة بناء وتمثين الفعل الجماهيري الحداثي عبر استراتيجية المجتمع ولم شمل ورأسمال اليسار المشتت والعازف، خصوصا أن الظرف الحالي يفتح هوامش ما سمي بالديمقراطية التشاركية (العرائض مثلا) وهي أوسع وأكثر تأثيرا من المعارضة البرلمانية المهمة كذلك.
والخوف كل الخوف أن يتم التحالف باسم البرنامج المشترك والوقوع في مصيدة المشاركة في المسؤولية، لأن مضمون خطاب منيب ورفاقها أن الأحزاب القائمة/ المشاركة لا تتوفر فيها شروط الالتقاء لأنهم وجوه لعملة واحدة، لأنهم خدم منهم الإخواني ومنهم الشيوعي ومنهم الحداثي ومنهم السلفي.
كلنا ثقة في عودة الأمل في برنامج رفاق منيب ببعده الوطني والفلسطيني والتحرري العالمي، وفي منيب التي لها من الحنكة والتجربة ووضوح الرؤيا، وصدق الخطاب، مما جعلها عروسا للشعب المغربي، فحذاري يا نبيلة من أن يتزوجك المخزن!!