من الهواجس التي تنتابني – و أنا أتتبع من النوافذ الإعلامية ،العالم الخارجي ، وخاصة العربي - الإسلامي، ما آلت إليه الأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية لبعض الدول الصديقة و الشقيقة، جراء تطاحنات إخوة الأمس، أعداء اليوم، و الشهية المفتوحة لذيهم لسفك الدماء، و تدمير الأوطان و البلدان، ضاربين عرض الحائط كل الروابط التاريخية و الدينية التي جمعتهم لقرون ، غير آبهين إلا بخدمة أجندة مضببة ،لا نعلم منها سوى أنها قاتلة للوطن و المواطنة.
إننا و نحن نتتبع صدى هذه المآسي، نترقب - وبكل توجس – ما قد تؤول إليه الأمور – لا قدر الله – ببلادنا. و اليقظة الأمنية لا تبدو هي الحل الوحيد و الأمثل لاستئصال هذا الورم الخبيث الذي بات يهدد كياننا: فالأوضاع الاجتماعية على سبيل المثال لا الحصر، و العلاقات المتفككة التي تستشري في مجتمعنا لَتخدم هذه الكارثة، و لَتعزز توجساتنا.
لقد ألفنا و منذ سنوات التنابز بلقب " بوزبال " و " كيليميني " دون أن نشعر أننا كنا نؤسس لثقافة الطبقية و التفرقة، فكل مجموعة لها "بوزبالها " ترفضه و تمقته، وكل مجموعة أو جماعة بدأت تخلق مجالها الاجتماعي، و في بعض الحالات مجالها الجغرافي، الذي تنشط فيه ، مما يساهم في تعميق الهوة بين الطبقات الاجتماعية، زد على ذلك الفكر العشائري و القبلي الذي يخيم على مناحي الحياة حتى السياسية منها، والتعصب للغة الأمازيغية أو العربية لذى البعض، و الذي قد يؤجج نار التفرقة والتشرذم، و التخوفات من الآثار السلبية الجانبية لمشروع الجهوية المتقدمة؛ إضافة إلى الخدمات السلبية التي يقدمها العالم الافتراضي في تنمية السلوكات العدائية لأبناء الجلدة الواحدة.
فالطبقة المتوسطة التي كانت صمام أمان السلم الاجتماعي ، تقلصت ، وبشكل مهول، و نشطت الهجرة السرية إلى طبقة الحضوة و الرخاء، و تزايدت فيالق الاندحار الاجتماعي إلى طبقة الضعف و الشقاء. الشيء الذي بات يؤجج مظاهر الحقد و الكراهية والعداء، والرغبة في الانتقام و الاقصاء.
و مما قد يكون سبباً في تنامي هذه الظواهر المقلقة، سياسات التعمير ببلادنا ،والتي ما تزال تصاميم التهيئة فيها تخلق " الكيطوهات " ،إذ ما زلنا نشاهد بعض المناطق السكنية معدة لطبقة اجتماعية دون أخرى،: فتجمعات السكن الاجتماعي /الاقتصادي، بعيدة عن مناطق السكن " الراقي " أو الفيلات مثلاً، و الأحياء الشعبية تتوسع بشكل مناف –أحياناً – لتصاميم التهيئة... و أحزمة الفقر المتاخمة للحواضر، وبعض المناطق التابعة للجماعات القروية و المفتوحة للتعمير تنتشر فيها الخلايا المتطرفة كالفطر... ( وما أحداث 16 ماي الأليمة إلا خير دليل ، و درس يمكن الاستئناس به )
إن بلدنا لا يبدو في معزل ولا في مأمن من الوضع المتأزم ببعض الدول العربية و الاسلامية، وهذا مشروع مجتمعي و ورش إصلاح كبير ،يفرض على صناع القرار التعاطي معه بكل حكمة وتبصر و حزم، فالاعتقالات و المحاكمات وحدها، لن تزيد الوضع إلا تعقيداً... و تبقى العدالة الاجتماعية و إصلاح المنظومة التعليمية، و تأهيل الحقل الديني، و تخليق الحياة العامة من أهم مداخل الإصلاح الحقيقي القادر على المحافظة على التماسك الاجتماعي والاستئصال الفعلي للتطرف والاقصاء ونبذ الآخر.
فوحدة الشعب و الوطن لا تكون بترديد الشعارات ، و لا بتسخير القنوات ،ولكن بجبر الضرر و المساواة بين كل مكونات الشعب الواحد الذي ينبذ العنف ،و يشيع التسامح والحوار كآليات للتعايش و التقارب، و لِمَ لا التآخي و التعاضد و التكافل.
ولنا في مشاهد التشرذم و الصراع و الدمار من حولنا ، ما يكفي لاستخلاص الدروس و العبر.