النشأة و المسار..
تمتد جذور الحزب الاشتراكي الموحد إلى التنظيمات الماركسية اللينينية،( منظمة 23 مارس المنشقة عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، و منظمة إلى الأمام المنشقة عن حزب التحرر و الاشتراكية) التي انبثقت في سبعينيات القرن المنصرم، بعد تباعد الخلاف حول المرجعية الفكرية والموقف السياسي من النظام المغربي و آليات و أفق التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
كانت شبيبة السبعينيات، التي اعتنقت قيم الثورة الماركسية، تتموقع على يسار ما أسمته آنذاك بـ"الأحزاب الإصلاحية"؛ التي انحرفت، حسب نفس التحليل، يمينا بانخراطها في مسلسل التوافقات مع نظام الملك الراحل الحسن الثاني رغم حملات القمع العنيفة، التي شنها نظامه على نضالات الشعب المغربي في الستينيات و السبعينيات. كما أن هذا التحول الثوري كان متفاعلا مع الأحداث الإقليمية و الدولية: المد الاشتراكي، الثورة الطلابية بفرنسا 1968 ثم الثورة الصينية، أزمة الأنظمة القومية العربية، القضية الفلسطينية ونكسة 67 ...
كان النظام المغربي، على عهد الحسن الثاني، منهكا جراء الانقلابين العسكريين و قوة الحركة الديمقراطية و النقابية و الطلابية. لذلك اختزل "إجابته" في شن حملة قمع واسعة على مناضلات و مناضلي الحركة الماركسية اللينينة بكل فصائلها و زج بأطرها في دهاليز المعتقلات السرية و أكره البعض الآخر على المنفى.
و من صلب السجال السياسي والا يديولوجي في المعتقلات والمنافي، اجترحت منظمة "23 مارس"، مجموعة "أنوال"، أفقا نضاليا أسس لـ"العمل الشرعي"؛ فانبثقت، في مطلع الثمانينات، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بقيادة شيخ اليساريين المغاربة "محمد بنسعيد ايت ايدر"، القيادي في جيش التحرير المغربي، والذي كتب بمداد من المجد صفحات نضالية في مقاومة الاستعمار قبل أن "يُذبح" – جيش التحرير- على أعتاب التوافقات والصمت.
ومع منتصف التسعينيات ستدخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي مرحلة سياسية جديدة ساهم فيها بشكل مباشر انعطاف الاتحاد الاشتراكي، بحسب تيار المنظمة الراديكالي، جهة مشاريع "المخزن"، بقبوله دستور 96 ودخول تجربة حكومة "التناوب"، مما أدى إلى تشتيت قسم كبير من اليسار الديمقراطي، فانقسمت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي إلى قسمين جزء بقي وفيا لخطه وتواثبه السياسية فيما جزء آخر( جماعة المريني) التحق بالإتحاد الاشتراكي، كما خرج من رحم الأخير المؤتمر الوطني الاتحادي والوفاء للديمقراطية كتعبير منهما عن انحراف حزب بوعييد عن خطه السياسي الذي سطره مؤتمره الإستتنائي لسنة 1975.
بموازاة ذلك، انتهى مخاض تجميع بقايا اليسار الماركسي اللينيني إلى اندماج قسم من الحركة من أجل الديمقراطية والديمقراطيين المستقلين مع منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في إطار حزب اليسار الاشتراكي الموحد قبل أن تلتحق بهم حركة الوفاء للديمقراطية التي كان يتزعمها خالد السفياني ومحمد الساسي وهو الإلتحاق الذي تشكل عنه ميلاد الحزب الاشتراكي الموحد..
وكان لهذا الميلاد في حينه ضجة إعلامية وسياسية غير مسبوقة تباينت بخصوصه المواقف بين ممتعض منه اعتبره عصيانا وتشويشا على الشعارات الكبرى المؤطرة للمرحلة من قبيل "العهد الجديد" والانتقال الديمقراطي" وهو الموقف الذي تبناه، ولو بشكل غير مباشر، قادة العهد الجديد وبين من رأى في ذلك الانصهار والوحدة حلم اليساريين ومخرج من الورطة التي ظل يحملها معه اليسار مند فشله في خلق حزب سياسي قوي يكون لسان حال الفئات الاجتماعية المقموعة وينجز المهام الديمقراطية، التي فشل، بحسبهم، في تحقيقها النظام وحلفائه، من قبيل الإصلاحات الكبرى السياسية والاقتصادية. وكان الفشل عبر عدم القطع مع ثقافة الريع الإقتصادي والسياسي ورفض تنزيل سليم للديمقراطية فعلا وليس قولا. وهناك الاتجاه الآخر ومثله الإتحاد الإشتراكي الذي اعتبر بحسب العديد من المتتبعين اكبر المتضايقين من اندماج الوفاء وحزب اليسار الاشتراكي الموحد.
وتجلت مشاعر عدم رضى الاتحاديين من وحدة حزب اليسار الاشتراكي الموحد والوفاء للديمقراطية بشكل جلي من خلال تسخير إعلامه للأصوات المعارضة للاندماج من داخل حزب اليسار الاشتراكي الموحد، أي تياري احمد حرزني وعمر الزايدي.
وهكذا، لم يذخر حرزني والزايدي جهدا في فرملة عجلة الاندماج سواء من خلال التمترس خلف المساطر التنظيمية، أو من خلال اتهام مباشر لتيار الوفاء بعلاقته بالأمير مولاي هشام الذي يقود نوعا من المعارضة باسم (الحرص على مستقبل الملكية). كما أبان هذا التوجه عن جوهر موقفهم الرافض للتقارب مع رفاق الساسي، داعين إلى تغيير الوجهة صوب اليازغي بمبرر أنه الأقوى.
لقد رأى الاتحاد الاشتراكي في الاندماج سعيا إلى إيجاد بديل عنه، لاسيما أن الأطراف المندمجة تسعى، تحت شعار " الحزب الاشتراكي الكبير"، إلى توسيع العملية لتشمل قوى أخرى لا تشاطر الاتحاد الاشتراكي رؤيته. وهو الرد الذي عبر عنه اليازغي في جلسة افتتاح مؤتمر نقابة الفيدرالية الديمقراطية للشغل قائلا:" الاتحاد هو بيت كل الاشتراكيين مفتوح لهم إذا كانت هناك إرادة فعلية لتطوير البلاد، و المؤسسات وللسير انطلاقا من الإصلاحات الحالية إلى إصلاحات أخرى تجعل من الاختيار الديمقراطي اختيارا لا رجعة فيه، فمرحبا بكل الاشتراكيين في دارهم وبيتهم، وبهذه المناسبة نحيي إخوتنا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذين قرروا بشجاعة الالتحاق بالاتحاد الاشتراكي ".
وتستمر الأزمة ..
وخلافا للطموحات والأماني التي غذى بها رفاق بنسعيد أنفسهم عشية ميلاد الحزب الإشتراكي الموحد حول اكتساح العملية السياسية وخلق حزب قوي له امتداداته في جميع القطاعات، مراهنين في ذلك على النزول المدوي لأسهم شعبية الإتحاد الاشتراكي نتيجة ما راكمه من سخط كبير تجاه حصيلة "تجربة التناوب"، وهو ما عكسته المشاركة الجد متدنية في إلإنتخابات التشريعية لسنة 2007، وكذا بالرهان على تركيبة الحزب الجديدة بعد انضمام الساسي ورفاقه، فإن كل ذلك لم يشفع للحزب أن يجد له موقعا قويا في الخريطة الحزبية والسياسية رغم كل ما أبدعه من مبادرات كخلق التيارات داخل الحزب وتجديد الهياكل وفتح النقاش الواسع مع الشباب حيث ظل يراوح مكانه ويحصد نتائج مهينة في الانتخابات وصلت في أوجها وعزها إلى خمسة مقاعد برلمانية لحزب صغير بمواقف كبيرة. "وهل تنفع المواقف وحدها في لعبة الحاسم فيها أساسا أرقام؟" يتسائل مناضل من داخل الحزب مستاء من وضعية تنظيمه؟
20 فبراير وتنفس الصعداء..
شكل ميلاد حركة 20 فبراير في الشارع، بالنسبة للحزب الإشتراكي الموحد كميلاد طفل في حضن أم عاقر اقتربت من سن اليأس.
وكما الأم التي قهرها العقر من شدة فرحها بمولودها الجديد تسارع إلى تلبية جميع طلباته واحتضانه بلا حدود، لم يتردد رفاق بن سعيد في دعم حركة 20 فبراير بشكل كبير، تقديرا منهم بكونها الفرصة التاريخية لخلق ميزان قوى سياسي جديد.
وسيبادر "محمد بنسعيد ايت ايدر"، كأول زعيم حزبي، بنشر رسالة دعم لشباب "20 فبراير"، كما أن فروع الحزب ستبادر لاحتضان الاجتماعات التأسيسية للحركة (البيضاء والقنيطرة مثلا). و سيتوج ذلك بإعلان المجلس الوطني، كأعلى هيأة تقريرية في الحزب بعد المؤتمر، دعمه المادي والبشري واللوجيستيكي لمطالب و نضالات حركة 20 فبراير.
ثم راح الحزب يصدر بياناته الداعمة للحركة وفتح لها مقراته ولم يثنيه عن ذلك لا تهديد مبطن ولا مكشوف ولا حتى الإعتداء على مقراته كما حدث في مدينة الدار البيضاء يوم 13مارس الماضي، عندما تم "الإعتداء" على قياداته الوطنية في شخص الساسي والشافعي حسب بيان صادر عن الحزب بالمناسبة.
بل واستطاع الحزب أن يحيي العديد من مناضليه الذين خفت صوتهم ونشاطهم وتركوا مسافة بينهم وبينه بعد أن تسلل اليأس والقنوط لقلوبهم، كما لاقى رفاق بنسعيد تعاطفا كبيرا من طرف شرائح واسعة من المجتمع، لدرجة أن رجل الأعمال الشهير كريم التازي قالها صراحة في حوار له مع يومية المساء "لو ترشح الحزب الاشتراكي الموحد للإنتخبات فسأصوت لصالحه وما دام الأمر قد حسم للمقاطعة فإني سأصوت للعدالة والتنمية".
وعلى مدار عمر حركة 20 فبراير، لم يهادن الحزب أو يساوم، وطاف الساسي المغرب شرقا وغربا وهو يحاضر حول مشروع "الملكية البرلمانية" كما تجند الحزب بحزم لمقاطعة الدستور والانتخابات، وبموازاة ذلك كان يخوض سجالات فكرية وسياسية لا هوادة فيها مع حلفائه في الميدان العدل والإحسان والنهج الديمقراطي.
لقد كان الحزب يخاف أن يقطف احد حلفائه ثمار ما زرع وراح بين الفينة والأخرى يثير نقاش الوضوح الإديولوجي والسياسي.
محمد ناشط من حركة 20 فبرايرعن تنسيقية الرباط، يرى مسألة طرح الحزب للوضوح الإيديولوجي طبيعية ومهمة وانه من حق الحزب أن يتساءل عن مصيره ومصير المغاربة، مضيفا انه "لا يمكن أن نغير استبداد باستبداد آخر". في حين يرى عبد الإله عن تنسيقية سلا أن ضعف الحزب التنظيمي والسياسي هو الذي يجعله يختلق مثل هذه النقاشات "وإلا لماذا لم يثر هذا النقاش بقوة في شهر فبراير أو مارس.."؟ يتساءل المتحدث الأخير.
وبصرف النظر عن كل ذلك ورغم الرجة الكبيرة التي أحدثها الحزب مند ميلاد حركة 20 فبراير فإن متتبعين رأوا أن الحزب لم يستطع استثمار مجهوداته بشكل إجابي لصالحه "الحزب له مشروعية نظرية وسياسية ولكن بنية الاستقطاب لديه وآلياته التنظيمية ضعيفة مما يبخر كل الأحلام من حوله" يقول أحد أنصار الحزب.
هل من منقذ؟
قبل الربيع المغربي، كان سجال قوي يعتمل داخل الحزب وأعضائه بغية إيجاد مخرج لمحدودية انتشاره وتوسعه.
ورغم الانتقادات التي وجهت إلى قصور بعض جوانب خطه السياسي أساسا فإن أهم السجالات وأكثرها شيوعا بين مناضليه ترتبط بطبيعة قيادات الحزب الوطنية.
ويرى كثير من أنصاره أن أزمة الحزب تجد جذورها أساسا في عجزه عن بلورة قيادة سياسية متمرسة، تستجيب لمتطلبات المرحلة وتتمتع بكاريزمية قوية قادرة على السجال وتذويب الخلافات مع خصومه، إضافة إلى قدرتها على إثارة انتباه الجمهور إليها وإلى الحزب.
ففي تقدير المدافعين عن فكرة "أن الأزمة ذاتية ومرتبطة بغياب قيادة مناسبة"، أن الحراك المغربي الجديد والانتعاشة النسبية التي حققها الحزب كلها عوامل تفتح أفاقا أرحب للحزب يبقى فقط ان يقوده وجه بمواصفات سياسية وأخلاقية وتنظيمية في مستوى متطلبات المرحلة.
مصادر متطابقة تقول إن الساسي هو رجل المرحلة المطلوب بالنظر لرصيده النضالي الطويل وتكوينه السياسي والمعرفي القوي إضافة إلى الإحترام الكبير الذي يحظى به داخل الحزب. غير أن خصومه في الحزب يعيبون عنه عجزه عن التواصل مع أوسع الشرائح وخطابه النخبوي، كما يتخوفون من قراراته " الساسي قد يفاجئك بقرار في أي لحظة من شانه أن يخلق مشاكل للحزب ففي أي لحظة قد يستقيل مثلا" يقول مناضل من داخل الحزب فضل عدم ذكر اسمه.
"الساسي نحترمه ونقدر عطائاته داخل الحزب لكن ما يجعلنا نتحفظ على تحمله لمسؤولية الأمانة العامة هو إمكانية قيادته للحزب في إتجاه تحالف مع حزب الإتحاد الاشتراكي وهذا بالنسبة لنا خط أحمر" يقول وجه بارز في حركة 20 فبراير من مناضلي الحزب، مضيفا بسخرية، " اليازغي قال المخزن مات نحن اليوم نقول الإتحاد الاشتراكي هو الذي مات أما المخزن لازال حيا يرزق".
وجه آخر لا يقل وزنا داخل الحزب بدوره يتمتع بحظوظ وافرة للظفر بالأمانة العامة، الأمر يتعلق بمصطفى مفتاح.
فتكوين الرجل السياسي والفكري، حسب العديد ممن استقت "الرهان" آرائهم "جيد" إضافة إلى دهائه الكبير على مستوى التنظيم ولكن المناوئين له يروا انه يفتقر "للحضور العلني". " مفتاح مناضل شريف ونحترمه كثيرا ولكن كأمين عام للحزب لا أتصور ان يكون موفقا" يقول مصدرنا الأخير.
ابراهيم ياسين المعروف وسط الحزب وأعضائه بـ"الإطفائي" لم يعط أية إشارة توحي بترشحه للأمانة العامة، إلا أن مصادر متطابقة أكدت لـ"الرهان" رغبته في الترشح.
وحسب مصادر " الرهان" فإن ياسين لا يمتنع عن الترشح وإنما يتمنع "إنه تكتيك لكسب حشد أوفر" يقول احد مناضلي الحزب الذي أضاف بلغته الخاصة "ابراهيم ياسين صعيب بزاف بالأخص في الامور ديال التنظيم هو مول النبايص في الحزب".
وتبقى الشخصية الأكثر جدلا داخل الحزب وأنصاره هي نبيلة منيب التي تحضى بدعم كبير وسط شباب الحزب.
" نريد امرأة مناضلة على رأس الحزب. سئمنا تدبير الرجال" يقول سعيد الكامل احد مناضلي الحزب" مضيفا "الدفاع المستميت عن حقوق النساء لا يكفي إن لم نستطع أن نترجمه على أرض الواقع. كفانا ازدواجية في تعاطينا مع هذه القضية الديمقراطية، و دعونا نقول بكل بساطة : إننا نحتاج لأمينة عامة لأول مرة في التاريخ".
شعبية منيب وحظوظها القوية للظفر بمنصب الأمينة العامة للحزب ربما هو السبب الذي دفع خصومها لإبعادها عن الترشح، عندما وقعوا باسمها على إحدى مشروعي الأرضيتين المقترحتين للتصويت عليهما في المؤتمر، الشئ الذي دفعها إلى التبرئ من ذلك التوقيع حسب وثيقة بعثتها لـ"الرهان" .
وقالت منيب في ذات الوثيقة ". "لم أوقع على أي من البرنامجين اللذين سيعرضان خلال المؤتمر الوطني، لأنني أعتقد أنه يجب إشراك جميع المؤتمرين في مشروعنا المستقبلي، كي تشارك القواعد المناضلة في المشروع بكل مسؤولية" مضيفة "هناك حتما نقاط إيجابية في المشروعين المقترحين، لكن الأهم يبقى هو استعادة قيم اليسار وإفساح المجال لجميع الأفكار والحفاظ على مكاسب تنوع التيارات داخل الحزب، وهي تجربة يجب إغناؤها وتشجيعها".
وحسب المتحمسين لمنيب فإنه إلى جانب ما تتمتع به الأخيرة من قدرة على "السجال والحوار المنتج" يعتبر ظفرها بمنصب الأمانة العامة كشابة في زمن الربيع العربي الذي أحدثه الشباب، مكسبا مهما للحزب، والصيغة المثلى للرد على حكومة بنكيران، المعادية سرا والمؤيدة جهرا لحقوق المرأة، إضافة إلى أنها سابقة في التاريخ أن تقود شابة حزبا سياسيا مغربيا، الشئ الذي من شأنه أن يغني أكثر الرصيد والنقاط التي تميز الحزب عن باقي الأحزاب الأخرى باعتباره حزبا حداثيا يقبل بتشكل التيارات داخله.
وطبعا، لن تسلم منيب على غرار المترشحين الآخرين من سهام الخصوم الذين يجملون عيوبها في ضعفها في الاشتغال بروح الفريق ونزوعها نحو الاستفراد بالقرارات والأخطر من كل ذلك يقول مناضل من الحزب متحمس جدا للساسي، "اتخاذها للقرارات ثم التراجع عنها وهو ما تجلى في التوقيع على أحد البرنامجين ثم التراجع عن ذلك فيما بعد."
ورغم أن "الرهان" واجهته برد منيب على ذلك إلا انه لم يقتنع بالأمر وأصر على أن منيب وقعت وتراجعت تحت تأثير من وصفهم بـ"خفافيش الحزب الذين لاينتعشون إلا في الظلام الدامس".
وبصرف النظر عمن سيقود الحزب بعد الثامن عشر من دجنبر الجاري، فإن المرحلة القادمة ستكون بلا شك بالغة الحساسية وعصيبة جدا. فمن يستطيع تحمل المسؤولية؟
وهل طرح مناضلو الحزب الأسئلة الصحيحة حتى يقدموا الأجوبة الصحيحة.
هل الأزمة أزمة أشخاص وأخلاق وانضباط وسلوك وبلاغة .. أم هي أزمة فهم وتصورات لمسالك التغيير الديمقراطي المنشود؟
ماهي حدود مساهمة القائد الجديد في خلق حزب سياسي قوي ومحترم عند أغلبية المغاربة، وليس وسط اليسار فقط؟
إلى أي حد استفاد الحزب من تقييم تجربة التناوب؟ هل إفلاس الإتحاد الإشتراكي إفلاس أخلاق أشخاص أم إفلاس تصور وفكرة سياسية؟
ويبقى السؤال العريض الشائك الذي يشكل التحدي الأكبر أمام الحزب الإشتراكي الموحد هوأية ضمانات سياسية وأخلاقية سيقدمها رفاق بنسعيد للمغاربة حتى لا يعيدوا مذبحة "التناوب ومأساة الإتحاد الإشتراكي"؟
تمتد جذور الحزب الاشتراكي الموحد إلى التنظيمات الماركسية اللينينية،( منظمة 23 مارس المنشقة عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، و منظمة إلى الأمام المنشقة عن حزب التحرر و الاشتراكية) التي انبثقت في سبعينيات القرن المنصرم، بعد تباعد الخلاف حول المرجعية الفكرية والموقف السياسي من النظام المغربي و آليات و أفق التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
كانت شبيبة السبعينيات، التي اعتنقت قيم الثورة الماركسية، تتموقع على يسار ما أسمته آنذاك بـ"الأحزاب الإصلاحية"؛ التي انحرفت، حسب نفس التحليل، يمينا بانخراطها في مسلسل التوافقات مع نظام الملك الراحل الحسن الثاني رغم حملات القمع العنيفة، التي شنها نظامه على نضالات الشعب المغربي في الستينيات و السبعينيات. كما أن هذا التحول الثوري كان متفاعلا مع الأحداث الإقليمية و الدولية: المد الاشتراكي، الثورة الطلابية بفرنسا 1968 ثم الثورة الصينية، أزمة الأنظمة القومية العربية، القضية الفلسطينية ونكسة 67 ...
كان النظام المغربي، على عهد الحسن الثاني، منهكا جراء الانقلابين العسكريين و قوة الحركة الديمقراطية و النقابية و الطلابية. لذلك اختزل "إجابته" في شن حملة قمع واسعة على مناضلات و مناضلي الحركة الماركسية اللينينة بكل فصائلها و زج بأطرها في دهاليز المعتقلات السرية و أكره البعض الآخر على المنفى.
و من صلب السجال السياسي والا يديولوجي في المعتقلات والمنافي، اجترحت منظمة "23 مارس"، مجموعة "أنوال"، أفقا نضاليا أسس لـ"العمل الشرعي"؛ فانبثقت، في مطلع الثمانينات، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بقيادة شيخ اليساريين المغاربة "محمد بنسعيد ايت ايدر"، القيادي في جيش التحرير المغربي، والذي كتب بمداد من المجد صفحات نضالية في مقاومة الاستعمار قبل أن "يُذبح" – جيش التحرير- على أعتاب التوافقات والصمت.
ومع منتصف التسعينيات ستدخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي مرحلة سياسية جديدة ساهم فيها بشكل مباشر انعطاف الاتحاد الاشتراكي، بحسب تيار المنظمة الراديكالي، جهة مشاريع "المخزن"، بقبوله دستور 96 ودخول تجربة حكومة "التناوب"، مما أدى إلى تشتيت قسم كبير من اليسار الديمقراطي، فانقسمت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي إلى قسمين جزء بقي وفيا لخطه وتواثبه السياسية فيما جزء آخر( جماعة المريني) التحق بالإتحاد الاشتراكي، كما خرج من رحم الأخير المؤتمر الوطني الاتحادي والوفاء للديمقراطية كتعبير منهما عن انحراف حزب بوعييد عن خطه السياسي الذي سطره مؤتمره الإستتنائي لسنة 1975.
بموازاة ذلك، انتهى مخاض تجميع بقايا اليسار الماركسي اللينيني إلى اندماج قسم من الحركة من أجل الديمقراطية والديمقراطيين المستقلين مع منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في إطار حزب اليسار الاشتراكي الموحد قبل أن تلتحق بهم حركة الوفاء للديمقراطية التي كان يتزعمها خالد السفياني ومحمد الساسي وهو الإلتحاق الذي تشكل عنه ميلاد الحزب الاشتراكي الموحد..
وكان لهذا الميلاد في حينه ضجة إعلامية وسياسية غير مسبوقة تباينت بخصوصه المواقف بين ممتعض منه اعتبره عصيانا وتشويشا على الشعارات الكبرى المؤطرة للمرحلة من قبيل "العهد الجديد" والانتقال الديمقراطي" وهو الموقف الذي تبناه، ولو بشكل غير مباشر، قادة العهد الجديد وبين من رأى في ذلك الانصهار والوحدة حلم اليساريين ومخرج من الورطة التي ظل يحملها معه اليسار مند فشله في خلق حزب سياسي قوي يكون لسان حال الفئات الاجتماعية المقموعة وينجز المهام الديمقراطية، التي فشل، بحسبهم، في تحقيقها النظام وحلفائه، من قبيل الإصلاحات الكبرى السياسية والاقتصادية. وكان الفشل عبر عدم القطع مع ثقافة الريع الإقتصادي والسياسي ورفض تنزيل سليم للديمقراطية فعلا وليس قولا. وهناك الاتجاه الآخر ومثله الإتحاد الإشتراكي الذي اعتبر بحسب العديد من المتتبعين اكبر المتضايقين من اندماج الوفاء وحزب اليسار الاشتراكي الموحد.
وتجلت مشاعر عدم رضى الاتحاديين من وحدة حزب اليسار الاشتراكي الموحد والوفاء للديمقراطية بشكل جلي من خلال تسخير إعلامه للأصوات المعارضة للاندماج من داخل حزب اليسار الاشتراكي الموحد، أي تياري احمد حرزني وعمر الزايدي.
وهكذا، لم يذخر حرزني والزايدي جهدا في فرملة عجلة الاندماج سواء من خلال التمترس خلف المساطر التنظيمية، أو من خلال اتهام مباشر لتيار الوفاء بعلاقته بالأمير مولاي هشام الذي يقود نوعا من المعارضة باسم (الحرص على مستقبل الملكية). كما أبان هذا التوجه عن جوهر موقفهم الرافض للتقارب مع رفاق الساسي، داعين إلى تغيير الوجهة صوب اليازغي بمبرر أنه الأقوى.
لقد رأى الاتحاد الاشتراكي في الاندماج سعيا إلى إيجاد بديل عنه، لاسيما أن الأطراف المندمجة تسعى، تحت شعار " الحزب الاشتراكي الكبير"، إلى توسيع العملية لتشمل قوى أخرى لا تشاطر الاتحاد الاشتراكي رؤيته. وهو الرد الذي عبر عنه اليازغي في جلسة افتتاح مؤتمر نقابة الفيدرالية الديمقراطية للشغل قائلا:" الاتحاد هو بيت كل الاشتراكيين مفتوح لهم إذا كانت هناك إرادة فعلية لتطوير البلاد، و المؤسسات وللسير انطلاقا من الإصلاحات الحالية إلى إصلاحات أخرى تجعل من الاختيار الديمقراطي اختيارا لا رجعة فيه، فمرحبا بكل الاشتراكيين في دارهم وبيتهم، وبهذه المناسبة نحيي إخوتنا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذين قرروا بشجاعة الالتحاق بالاتحاد الاشتراكي ".
وتستمر الأزمة ..
وخلافا للطموحات والأماني التي غذى بها رفاق بنسعيد أنفسهم عشية ميلاد الحزب الإشتراكي الموحد حول اكتساح العملية السياسية وخلق حزب قوي له امتداداته في جميع القطاعات، مراهنين في ذلك على النزول المدوي لأسهم شعبية الإتحاد الاشتراكي نتيجة ما راكمه من سخط كبير تجاه حصيلة "تجربة التناوب"، وهو ما عكسته المشاركة الجد متدنية في إلإنتخابات التشريعية لسنة 2007، وكذا بالرهان على تركيبة الحزب الجديدة بعد انضمام الساسي ورفاقه، فإن كل ذلك لم يشفع للحزب أن يجد له موقعا قويا في الخريطة الحزبية والسياسية رغم كل ما أبدعه من مبادرات كخلق التيارات داخل الحزب وتجديد الهياكل وفتح النقاش الواسع مع الشباب حيث ظل يراوح مكانه ويحصد نتائج مهينة في الانتخابات وصلت في أوجها وعزها إلى خمسة مقاعد برلمانية لحزب صغير بمواقف كبيرة. "وهل تنفع المواقف وحدها في لعبة الحاسم فيها أساسا أرقام؟" يتسائل مناضل من داخل الحزب مستاء من وضعية تنظيمه؟
20 فبراير وتنفس الصعداء..
شكل ميلاد حركة 20 فبراير في الشارع، بالنسبة للحزب الإشتراكي الموحد كميلاد طفل في حضن أم عاقر اقتربت من سن اليأس.
وكما الأم التي قهرها العقر من شدة فرحها بمولودها الجديد تسارع إلى تلبية جميع طلباته واحتضانه بلا حدود، لم يتردد رفاق بن سعيد في دعم حركة 20 فبراير بشكل كبير، تقديرا منهم بكونها الفرصة التاريخية لخلق ميزان قوى سياسي جديد.
وسيبادر "محمد بنسعيد ايت ايدر"، كأول زعيم حزبي، بنشر رسالة دعم لشباب "20 فبراير"، كما أن فروع الحزب ستبادر لاحتضان الاجتماعات التأسيسية للحركة (البيضاء والقنيطرة مثلا). و سيتوج ذلك بإعلان المجلس الوطني، كأعلى هيأة تقريرية في الحزب بعد المؤتمر، دعمه المادي والبشري واللوجيستيكي لمطالب و نضالات حركة 20 فبراير.
ثم راح الحزب يصدر بياناته الداعمة للحركة وفتح لها مقراته ولم يثنيه عن ذلك لا تهديد مبطن ولا مكشوف ولا حتى الإعتداء على مقراته كما حدث في مدينة الدار البيضاء يوم 13مارس الماضي، عندما تم "الإعتداء" على قياداته الوطنية في شخص الساسي والشافعي حسب بيان صادر عن الحزب بالمناسبة.
بل واستطاع الحزب أن يحيي العديد من مناضليه الذين خفت صوتهم ونشاطهم وتركوا مسافة بينهم وبينه بعد أن تسلل اليأس والقنوط لقلوبهم، كما لاقى رفاق بنسعيد تعاطفا كبيرا من طرف شرائح واسعة من المجتمع، لدرجة أن رجل الأعمال الشهير كريم التازي قالها صراحة في حوار له مع يومية المساء "لو ترشح الحزب الاشتراكي الموحد للإنتخبات فسأصوت لصالحه وما دام الأمر قد حسم للمقاطعة فإني سأصوت للعدالة والتنمية".
وعلى مدار عمر حركة 20 فبراير، لم يهادن الحزب أو يساوم، وطاف الساسي المغرب شرقا وغربا وهو يحاضر حول مشروع "الملكية البرلمانية" كما تجند الحزب بحزم لمقاطعة الدستور والانتخابات، وبموازاة ذلك كان يخوض سجالات فكرية وسياسية لا هوادة فيها مع حلفائه في الميدان العدل والإحسان والنهج الديمقراطي.
لقد كان الحزب يخاف أن يقطف احد حلفائه ثمار ما زرع وراح بين الفينة والأخرى يثير نقاش الوضوح الإديولوجي والسياسي.
محمد ناشط من حركة 20 فبرايرعن تنسيقية الرباط، يرى مسألة طرح الحزب للوضوح الإيديولوجي طبيعية ومهمة وانه من حق الحزب أن يتساءل عن مصيره ومصير المغاربة، مضيفا انه "لا يمكن أن نغير استبداد باستبداد آخر". في حين يرى عبد الإله عن تنسيقية سلا أن ضعف الحزب التنظيمي والسياسي هو الذي يجعله يختلق مثل هذه النقاشات "وإلا لماذا لم يثر هذا النقاش بقوة في شهر فبراير أو مارس.."؟ يتساءل المتحدث الأخير.
وبصرف النظر عن كل ذلك ورغم الرجة الكبيرة التي أحدثها الحزب مند ميلاد حركة 20 فبراير فإن متتبعين رأوا أن الحزب لم يستطع استثمار مجهوداته بشكل إجابي لصالحه "الحزب له مشروعية نظرية وسياسية ولكن بنية الاستقطاب لديه وآلياته التنظيمية ضعيفة مما يبخر كل الأحلام من حوله" يقول أحد أنصار الحزب.
هل من منقذ؟
قبل الربيع المغربي، كان سجال قوي يعتمل داخل الحزب وأعضائه بغية إيجاد مخرج لمحدودية انتشاره وتوسعه.
ورغم الانتقادات التي وجهت إلى قصور بعض جوانب خطه السياسي أساسا فإن أهم السجالات وأكثرها شيوعا بين مناضليه ترتبط بطبيعة قيادات الحزب الوطنية.
ويرى كثير من أنصاره أن أزمة الحزب تجد جذورها أساسا في عجزه عن بلورة قيادة سياسية متمرسة، تستجيب لمتطلبات المرحلة وتتمتع بكاريزمية قوية قادرة على السجال وتذويب الخلافات مع خصومه، إضافة إلى قدرتها على إثارة انتباه الجمهور إليها وإلى الحزب.
ففي تقدير المدافعين عن فكرة "أن الأزمة ذاتية ومرتبطة بغياب قيادة مناسبة"، أن الحراك المغربي الجديد والانتعاشة النسبية التي حققها الحزب كلها عوامل تفتح أفاقا أرحب للحزب يبقى فقط ان يقوده وجه بمواصفات سياسية وأخلاقية وتنظيمية في مستوى متطلبات المرحلة.
مصادر متطابقة تقول إن الساسي هو رجل المرحلة المطلوب بالنظر لرصيده النضالي الطويل وتكوينه السياسي والمعرفي القوي إضافة إلى الإحترام الكبير الذي يحظى به داخل الحزب. غير أن خصومه في الحزب يعيبون عنه عجزه عن التواصل مع أوسع الشرائح وخطابه النخبوي، كما يتخوفون من قراراته " الساسي قد يفاجئك بقرار في أي لحظة من شانه أن يخلق مشاكل للحزب ففي أي لحظة قد يستقيل مثلا" يقول مناضل من داخل الحزب فضل عدم ذكر اسمه.
"الساسي نحترمه ونقدر عطائاته داخل الحزب لكن ما يجعلنا نتحفظ على تحمله لمسؤولية الأمانة العامة هو إمكانية قيادته للحزب في إتجاه تحالف مع حزب الإتحاد الاشتراكي وهذا بالنسبة لنا خط أحمر" يقول وجه بارز في حركة 20 فبراير من مناضلي الحزب، مضيفا بسخرية، " اليازغي قال المخزن مات نحن اليوم نقول الإتحاد الاشتراكي هو الذي مات أما المخزن لازال حيا يرزق".
وجه آخر لا يقل وزنا داخل الحزب بدوره يتمتع بحظوظ وافرة للظفر بالأمانة العامة، الأمر يتعلق بمصطفى مفتاح.
فتكوين الرجل السياسي والفكري، حسب العديد ممن استقت "الرهان" آرائهم "جيد" إضافة إلى دهائه الكبير على مستوى التنظيم ولكن المناوئين له يروا انه يفتقر "للحضور العلني". " مفتاح مناضل شريف ونحترمه كثيرا ولكن كأمين عام للحزب لا أتصور ان يكون موفقا" يقول مصدرنا الأخير.
ابراهيم ياسين المعروف وسط الحزب وأعضائه بـ"الإطفائي" لم يعط أية إشارة توحي بترشحه للأمانة العامة، إلا أن مصادر متطابقة أكدت لـ"الرهان" رغبته في الترشح.
وحسب مصادر " الرهان" فإن ياسين لا يمتنع عن الترشح وإنما يتمنع "إنه تكتيك لكسب حشد أوفر" يقول احد مناضلي الحزب الذي أضاف بلغته الخاصة "ابراهيم ياسين صعيب بزاف بالأخص في الامور ديال التنظيم هو مول النبايص في الحزب".
وتبقى الشخصية الأكثر جدلا داخل الحزب وأنصاره هي نبيلة منيب التي تحضى بدعم كبير وسط شباب الحزب.
" نريد امرأة مناضلة على رأس الحزب. سئمنا تدبير الرجال" يقول سعيد الكامل احد مناضلي الحزب" مضيفا "الدفاع المستميت عن حقوق النساء لا يكفي إن لم نستطع أن نترجمه على أرض الواقع. كفانا ازدواجية في تعاطينا مع هذه القضية الديمقراطية، و دعونا نقول بكل بساطة : إننا نحتاج لأمينة عامة لأول مرة في التاريخ".
شعبية منيب وحظوظها القوية للظفر بمنصب الأمينة العامة للحزب ربما هو السبب الذي دفع خصومها لإبعادها عن الترشح، عندما وقعوا باسمها على إحدى مشروعي الأرضيتين المقترحتين للتصويت عليهما في المؤتمر، الشئ الذي دفعها إلى التبرئ من ذلك التوقيع حسب وثيقة بعثتها لـ"الرهان" .
وقالت منيب في ذات الوثيقة ". "لم أوقع على أي من البرنامجين اللذين سيعرضان خلال المؤتمر الوطني، لأنني أعتقد أنه يجب إشراك جميع المؤتمرين في مشروعنا المستقبلي، كي تشارك القواعد المناضلة في المشروع بكل مسؤولية" مضيفة "هناك حتما نقاط إيجابية في المشروعين المقترحين، لكن الأهم يبقى هو استعادة قيم اليسار وإفساح المجال لجميع الأفكار والحفاظ على مكاسب تنوع التيارات داخل الحزب، وهي تجربة يجب إغناؤها وتشجيعها".
وحسب المتحمسين لمنيب فإنه إلى جانب ما تتمتع به الأخيرة من قدرة على "السجال والحوار المنتج" يعتبر ظفرها بمنصب الأمانة العامة كشابة في زمن الربيع العربي الذي أحدثه الشباب، مكسبا مهما للحزب، والصيغة المثلى للرد على حكومة بنكيران، المعادية سرا والمؤيدة جهرا لحقوق المرأة، إضافة إلى أنها سابقة في التاريخ أن تقود شابة حزبا سياسيا مغربيا، الشئ الذي من شأنه أن يغني أكثر الرصيد والنقاط التي تميز الحزب عن باقي الأحزاب الأخرى باعتباره حزبا حداثيا يقبل بتشكل التيارات داخله.
وطبعا، لن تسلم منيب على غرار المترشحين الآخرين من سهام الخصوم الذين يجملون عيوبها في ضعفها في الاشتغال بروح الفريق ونزوعها نحو الاستفراد بالقرارات والأخطر من كل ذلك يقول مناضل من الحزب متحمس جدا للساسي، "اتخاذها للقرارات ثم التراجع عنها وهو ما تجلى في التوقيع على أحد البرنامجين ثم التراجع عن ذلك فيما بعد."
ورغم أن "الرهان" واجهته برد منيب على ذلك إلا انه لم يقتنع بالأمر وأصر على أن منيب وقعت وتراجعت تحت تأثير من وصفهم بـ"خفافيش الحزب الذين لاينتعشون إلا في الظلام الدامس".
وبصرف النظر عمن سيقود الحزب بعد الثامن عشر من دجنبر الجاري، فإن المرحلة القادمة ستكون بلا شك بالغة الحساسية وعصيبة جدا. فمن يستطيع تحمل المسؤولية؟
وهل طرح مناضلو الحزب الأسئلة الصحيحة حتى يقدموا الأجوبة الصحيحة.
هل الأزمة أزمة أشخاص وأخلاق وانضباط وسلوك وبلاغة .. أم هي أزمة فهم وتصورات لمسالك التغيير الديمقراطي المنشود؟
ماهي حدود مساهمة القائد الجديد في خلق حزب سياسي قوي ومحترم عند أغلبية المغاربة، وليس وسط اليسار فقط؟
إلى أي حد استفاد الحزب من تقييم تجربة التناوب؟ هل إفلاس الإتحاد الإشتراكي إفلاس أخلاق أشخاص أم إفلاس تصور وفكرة سياسية؟
ويبقى السؤال العريض الشائك الذي يشكل التحدي الأكبر أمام الحزب الإشتراكي الموحد هوأية ضمانات سياسية وأخلاقية سيقدمها رفاق بنسعيد للمغاربة حتى لا يعيدوا مذبحة "التناوب ومأساة الإتحاد الإشتراكي"؟