تلاحق الانتر بول بن على حيثما سيكون في المستقبل ، ولن ينفعه كل ما ادخره طوال سنوات حكمه ، والعبرة لمن يعتبر ،ما أظن أحدا من الباقين على كراسي الحكم يتعضون .بالأمس كان أشد الرؤساء ضراوة صدام حسين ، حتى بما أتي من الكاريزما والقوة الجسدية والشجاعة التي لم ولن يضاهيه فيها هؤلاء ، كان يزأر من بغداد فيسمع زئيره في كل الدنيا ، في ذروة الملاحقة فر تاركا وراءه أبناءه وأزواجه وقصوره في مهب الريح ، لم يأخذ معه في النهاية إلا صندوقا به مجموعة من الدولارات ، كان يملك حقيقة أن أمريكا ودولاراتها هي من تلاحقه ، وان العبرة في الحكم ليس بمراكمة الأموال، واقتناء أجود سلالة الأسود والملابس، والإغداق على المومسات، وتسخير علب الليل لرفع سقف المتعة على حساب الشعب ، ومع ذلك وفر قسطا من تلك العملة ليغالب شطف العيش، الذي لا بد وان يعترضه في طريق المجهول ، لم تنفعه عضلاته عندما كان يقطع الفرات سباحة في تشبهه بالكبار ، زالت النعمة من أمامه بسرعة رمش العين ، لم يستفيد الباقون بعد، كانوا يتفرجون على شاشاتهم غداة شنقه، ولا أملك ما يمكن أن يتخيله هؤلاء وهم يشاهدون آخر اللحظات من نهاية واحد من أفضع وأقوى وأجسر الحكام إطلاقا على الخريطة العربية المعاصرة.
انتهى صدام والصدامية مشتقة من اسم الرجل، كانوا يهبونه على طول مضايق الخليج ، ويذعنون له ولرغباته ، ولكن إرادة أمريكا وليس شعب العراق من أنهى الأسطورة والتراجيديا وخلص شعب بلاد الرافدين من جهنمية ذلك الوحش ، بعدها أرخى القدافي بذيول السلام ، واستجاب ونام قرير العين وله الآن أن يستريح ، وهو ثاني اثنين من الحكام الأشاوس إن شئنا ، مع أن سلوكه السياسي لا يقارن بمفهوم الحكم النزيه ، الرجل كان يملك من العزم ما لم يتوفر في ثلة من الرعديدين الخانعين ، في انتظار أن ينقلب عليه الليبيون كما انقلب على السنوسيون من قبل . مبارك ما يزال يحاول تهدئة الأوضاع وسط رغبة المصريين الكبيرة في التخلص من حاكم أذاق البلد طعم العلقم أو أشد ، لم يعودوا يرغبون في رؤية شيخ يقود البلد ، زين العابدين هو الاخر غادر وظهر أن كل البلدان تتساقط كورق التوت، وأن الأنظمة التي تحكم هي مجرد كراكيز من العجين، لنقل أنها أنظمة كريش الطائر ، خفيفة ضعيفة واهنة ، ستبدأ الشعوب في النبش مند الآن لامتحان إراداتها ولامتحان أجهزتها وعسكرها والقابضين بزمام أمورها ، والأيام القادمة تحمل المفاجأة لكل من أمن مكر الشعوب ، يجب أن نلتفت لان في التاريخ العربي محطات تعيد نفسها، فالعالم العربي يشبه ساعة سقوط الأندلس عندما أخذت المماليك تتوارى كالطود العظيم ، الواحدة تلو الأخرى في مشهد اختصرته الأبيات الشعرية من قصيدة رثاء الأندلس :
لكل شيء إذا ما ثم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول فمن سره زمن ساءته أزمان
والدهر لا يبقي على احد ولا يــــدوم لــحـالـه شــــان
هو نفس المضمار ، مضمار خطوب السياسة وحطبها ، قسوتها ، وجبريتها ، تونس بالأمس، ومصر اليوم، وغدا يعلم القدر وحده أين سيحل لغط الشعوب، لا أظن أن الدقيق ، السكر ، الشاي ، الأناشيد الوطنية الحماسية، والخطب البهيمية، كافية لردع الجماهير في خروجها السحري وثورتها الغاضبة ، بكثير من الإيمان لا تنتظر الشعوب الآن إلا من سيفتح فاهه الأول ليبدأ العد العكسي في ردة البشر، واغلب الظن أن المنافسة حامية الوطيس نحو من سيسبق في أخد المبادرة، والشعوب كالقطعان لا تتبع إلا من يبدأ رحلة الألف ميل في تخوم وفيافي القارات ، آن لساعة الفتح الأكبر أن تقبل ، وأنه صار لزاما على الباقين خيارين لا ثالث لهما لتجنب سوء العاقبة ، وحتى يسلم من يحكم من الهروب بشماتته أو يموت تحت أحدية الثوار، هو مطالب بإعادة توزيع الثروة بين الناس وإرجاع مدخرات الأوطان، والتزام القانون وإعطاء المواطنين حقهم في تقرير مصيرهم، بدل نقل الأموال إلى الخارج - سويسرا – أوروبا - التي لا أظن صاحب عقل يملك مجرد حتى التفكير على الإبقاء على تلك الأموال بعيدا ، فيحصل ما حصل لابن علي الذي جمدت أرصدته ، وهي بالنهاية جهد شعب على حساب شقاءه ،عريه، حزنه جهله وأميته.
للإشارة فقط فاسم الفزاعة يعني ذلك المجسم الذي يضعه الفلاحون عادة على شكل إنسان لإخافة الطيور، حتى لا تأتي على الحقول ، قد تخشى الطيور المقدامة في الوهلة الأولى من حركة الفزاعة في تناغمها مع رياح المساء من قرب موسم الحصاد ، لكن تلك الطيور المتلهفة لانتصار إرادة الشبع والأكل وملء البطون ثم المناقير، لا تثنيها مغامرة ، وفي النهاية يفاجئ الفلاح أن صناعته وحرصه الشديد على حقوله وحرمانه للطيور من أن تنال حضها وفراخها، أنها أصبحت لا تخاف ألاعيب ذلك الفلاح الحريص ، يحدث هذا عندما يقف على مشهد استراحة الفراخ والطير على مناكب وأذرع القصب التي صوبها بنفسه لإخافة أعداءه وسماها الفزاعة. تلك هي حال أكثر الشعوب ساعة الضيق والحرج.