HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

بعيدا عن السياسة ، قريبا من السياسة

أتساوت ...أبويا رحال : أيام من زمن البارود


عبدالكريم التابي
الخميس 27 يناير 2011




بعيدا عن السياسة ، قريبا من السياسة
على حصير متلاش بمقهى السي عباس بحي إفريقيا ، وأمام شاشة التلفزيون الرمادية القاتمة التي تنطفئ تلقائيا بين الفينة والأخرى عندما تصاب ب :السخونية كما كان يبرر مسير المقهى العياشي رحمه الله، كنا نتابع في ذات يوم من سنة 76مراسيم تشييع جنازة زعيم الثورة الصينية : ماو تسي تونغ ، وإذا بأحد الرواد الدائمين الذي كانت عينه على الكارطة والأخرى على الشاشة يصيح في بحلقة وعجب : ياه ، شوفو ، بات بريسلي مات !!! اعتقادا منه أن ماو تسي تونغ هو أب الممثل الشهير BRUCELEE .
في الجانب الأخر من المقهى كانت تقام منافسات حارقة في لعبة الرونضة بين لاعبين مهرة ومشاهير ..وفجأة داهم بعض رجال الدرك المكان .. وأنزلوا الريدو الحديدي ، وتركوه مواربا من الأسفل منعا لأية محاولة للفرار ..لتبدأ على الفور وجبات الصفع والركل والسب والشتم .تم شحن سيارة الدجيب بمن وقع عليهم الاختيار .. وانطلقت بسرعة فائقة لتفرغ حمولتها من الصيد في المخفر .أمر المعتقلون بنزع أحذيتهم ونعالهم استعدادا لسفرية باذخة على متن الطيارة المغربية ذات المواصفات المتماثلة ــ وسبحان الله ـ في كل مخافر الضيافة من دار المقري إلى مولاي الشريف إلى الكومبليكس.
يصل الدور على السي أحمد الحداد ، يهوي احدهم على أخمص قدميه بكرباج حديدي مغشى بالبلاستيك ، فيصيح السي أحمد بأعلى صوته : أتساوت ..أبويا رحال ..مستفتحا حصته بهذه الاستغاتة علها تشفع له عندهم أو تساعده على الأقل على تحمل ما هو آت من صاعق الضربات ...فيرد عليه من كان مكلفا بإكرامه : دابا تشوف ليماك بوك رحال غادي ينوض ينفعك.
ويحكي لنا عبد العزيز الذي كان واحدا ممن وقعوا في المصيدة في تلك الليلة ، أنهم كانوا ضيوفا أبرارا في وليمة غاية في الإثارة والاشتهاء وأنه كانت تتخلل الوجبات الدسمة بين الفينة والأخرى فواصل ممتعة ولذيذة من لسعات الكهرباء في بعض مناطق الجسم الحساسة .
وبحكم ترددنا على مثل تلك المقاهي ، فقد كان من المتوقع جدا أن يأتي الدور علينا في يوم ما .. وفعلا تم إيقافنا ـ نحن ثلاثة أشخاص ـ في طريق عودتنا من إحدى المقاهي من طرف بعض عناصر القوات المساعدة الذين طلبوا منا بلطف شديد أن نرافقهم إلى مكان ليس فيه إلا الخير والإحسان ..وضعنا ثقتنا فيهم ومضينا معهم ،إلى أن وجدنا أنفسنا في طابور الانتظار للصعود على متن سيارة الدجيب التي أقلتنا وطافت بنا لكثير من الوقت عبر الأزقة والدروب قبل أن تلقي بنا في المخفر ، حيث تعرضنا لكثير من التقرنيع على الرؤوس .إلا أنه لحسن حظنا لم نجد في ضيافتنا تلك ما حكاه لنا الصديق : ولد السي علال ... وبعد أن قضينا الليلة هناك نترقب موعد الوليمة قذفوا بنا باكرا جدا كسطول القمامة وطبعا بعد أن أخذنا نصيبنا الأخير من التقرنيع لكن هذه المرة ليس على الرأس فحسب ,لكن أينما اتفق .
في اليوم نفسه ، التقينا سيدي أحمد السيكليس وحكينا له ما جرى ، فشرع يؤنبنا : لافوت ديالكم أدراري ، انتوما اللي ما هازينش معاكم الواجبات ديالكم أي الكارنيات ..وفي اليوم الموالي بلغنا أن سيدي أحمد أخذوه هو وواجباته وأكرموه أيما إكرام .ومن يومها صرنا نناديه حتى يومنا هذا : سيدي أحمد الواجبات .
في ليلة قائظة من ليالي الصيف ، كنا مجتمعين فوق كومة من الحجر ، نستهلك الليل والصهد ونلوك حكايات ومنوعات من تخاريف الجد والهزل ، وفي غفلة منا تحلق حولنا جمع من أفراد القوات المساعدة يحملون هراوات سمينة ، وبسرعة فائقة ضيقوا علينا الخناق من كل جانب ، ولم يتركوا لنا فرصة للهرب .قطع الصمت التخاريف ، وتقدم منا أحدهم ، وخاطبنا بفرنسية كسولة ومضحكة :vous etes des carnets ? ،تبادلنا نظرات الهزء من هذه الفضيحة الصرفية ، وكتمنا ضحكنا ..ولما لم يجب أي احد منا ، كرر السؤال بنفس الفضيحة وبانفعال شديد : راه كلت ليماكم :E st_ce que vous etes des carnets ? فصاح أحدنا بهزء أكثر : mais bien sur monsieur nous sommes des carnets . ودون أن يتأكد من وجود الكارنيات ،نهرنا بعنف : يالله نوضو تقو.....من هنا .انسحبنا حتى ابتعدنا عن مكان الخطر وانفجرنا من شدة الضحك ونحن نتكئ على بعضنا البعض.
أثناء توتر العلاقة بين الراحل الحسن الثاني ومنظمة التحرير الفلسطينية ، تقدمنا نحن بعض المسؤولين في النادي السينمائي بابن جرير بالبرنامج الدوري لقائد الملحقة المسمى المعطي البقال الذي كان سليط اللسان وصاحب قاموس بذيء ساقط ..وكان ضمن البرنامج شريطان فلسطينيان .تفحص القائد البرنامج ، ولما وقع بصره على الشريطين ، جحظت عيناه ، وانتفخت أوداجه ، وخرج الزبد من شفتيه ، وصاح في وجوهنا غاضبا : واش نسيتو آش قال سيدنا ديك المرة أولالا ؟؟.ياك قال اللي باقي يجبد هدوك الفلسطينيين طلسو ليه دارو بهداك الشي ...
ــ لا أ السي القايد ما نسيناش ولكن هديك راها مرحلة ومشات .
ــ شكون اللي كال ليك أسيدي مشات ؟ وجيو بعد انتوما : علاه أسيدي مبان ليكم غير الأفلام ديال هدوك ولاد الحرام .مكاين لا أفلام ديال الحب ولا أفلام ديال المصريين .ياك شفتو هدوك ولاد الحرام اللي انتوما معمرين بيهم روسكم ، راه ما في والدين مهم خير .شحال عطيناهم ديال الفلوس من الكارو ديالنا . وكاع من ديك الهضرة هزو عليا كواغطكم ..
وعندما كانت جماعة ابن جرير متربة مغبرة ، بائسة وقانعة بنصيبها العاثر تحت سطوة الحركة الشعبية ، انعقد بدار الشباب جمع عام لتجديد مكتب الفريق المحلي ، ومن عجائب ذلك الزمن أن رئيس الدائرة المسمى لغليمي هو الذي ترأسه وأشرف على أشغاله بطريقة بربرية موغلة في التخلف ، حيث أنه بعد أن شرع بعض الحاضرين في إبداء ملاحظاتهم واقتراحاتهم ، تدخل بخشونة زائدة وقال قولته المشهورة : المال قبل الأخلاق ومن لا مال له لا أخلاق له ..أشوف أسيدي ، حنا راه ما خصنا اللي يجي يخطب علينا ، وباش منبقاشيو نضيعو في الوقت ، اللي عندو خمسة دلملاين يجيبها ويحطها هنا قدامي ، واللي عندو غير القمقومي ينوض أسيدي يعطينا التيساع .فقام أحدهم في مشهد مسرحي معيق جدا ووضع شيكا بخمسة ملايين ، ولم يكن هذا الشخص سوى محمد الشغيبي ،فقال له رئيس الدائرة : الله يربح .فلما طلب ابريك عبودي الكلمة ، رفض رئيس الدائرة إعطاءه إياها ، فقال له ابريك : غادي ننساحب وغادي نسجلها . فرد عليه : وايلي انت هو الامم المتحدة .
رئيس جماعة قروية من الرؤساء إياهم الذين كانت السلطة تختارهم بعناية فائقة ليسوسوا الناس وأحوالهم ، أقام وليمة باذخة ،دعا لها رجال السلطة وأعوانهم والمقربين .حضر الجميع في الوقت إلا رئيس الدائرة ..مرت الساعات والمضيف ينتظر على أحر من الجمر ..ولما غرغرت مصارين الضيوف من الجوع ، أشاروا عليه بإحضار الأكل ما دام حضور رئيس الدائرة بات في حكم المستحيل ..
تناول الضيوف طعامهم مريئا ، وبعد أن فرغوا ، فاجأهم الضيف الكبير الغائب بالحضور ، فعم الخوف والارتباك ، والرئيس المضيف يتلوى من الحرج والخوف .فبدا رئيس الدائرة غاضبا ومنفعلا ،وخاطب مضيفه قائلا :
ــ تبارك الله ، تبارك الله ، ومزيان أسيدي ، مزيان .هيا المخزن مابقات عندو قيمة ..تعرض علي وتحط الماكلة ..وتجمع وتطوي ..ولات السيبة ..
وفي حالة من المذلة والخنوع ، شرع المضيف يتوسل إليه ويرجو مسامحته ويعده بوليمة أضخم منها : ها العار أسيدي ، أنا متـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــايب الله .

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

الخميس 19 ديسمبر 2024 - 18:57 اغتيال عمر بنجلون جريمة لا تغتفر

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير