HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

مدينة قلعة السراغنة بين العيب و العار


البدالي صافي الدين
الثلاثاء 4 فبراير 2025




مدينة قلعة السراغنة بين العيب و العار
كثرت هذه الأيام التعاليق حول تجميد مجموعة من المشاريع وعدم الوفاء باتمامها للضرورة الاقتصادية و الاجتماعية. كما تم السكوت النهائي عن النواة الجامعية و تحرير الملك العمومي ومحاربة العربات المجرورة و التصدي لمظاهر الانحراف و الجريمة.هي تساؤلات وجيهة ومشروعة، حتى أصبح العديد يردد بأن مدينة القلعة أصبحت بين" العيب و العار"،و هو تعبير له بعده الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي . لأنه ما كان لهذه مدينة ، مدينة قلعة السراغنة التاريخية بكل المقاييس من حيث نشأتها وتطورها الاجتماعي والثقافي والسياسي والاستراتيجي منذ تأسيسها في القرن الثاني عشرميلادي، حسب المؤرخ السرغيني الدكتور شوقي ، وفي فترة حكم السلطان العلوي المولى إسماعيل( 1672 - 1727 )، حسب الباحث Pegurier Jacques ، ما كان لها أن تجعلها الأقدار السياسية بين العيب و العار ، و هي التي لعبت دورا رياديا في التجارة و الصناعة التحويلية و التقليدية و شكلت مركزا لاندماج الثقافات والأعراف والتقاليد، وكان لها دور طلائعي في حماية القوافل التجارية بين مراكش و فاس و مقاومة الاستعمار الفرنسي، حيث يشهد سجل المقاومة و جيش التحرير على ذلك . كما عرفت عبر التاريخ أنها قبلة لحفظ القرآن الكريم وتعلم أصول الفقه وعلوم الدين .و كل ذلك تشهد عليه الوثائق التي خلفها الاستعمار و التي تم إتلافها لغاية في نفس يعقوب. مدينة قلعة السراغنة ظلت القلعة المناضلة و المناهضة للاستعمار و الاستغلال . لقد أنجبت المرأة القلعاوية مناضلين ومناضلات ساهموا في المعارك الديمقراطية، فاعتقلوا و حوكموا بالعشرات السنين ، و بعضهم استشهد و البعض الآخر ظل يقود المعارك في سبيل الوطن وفي سبيل هذه المدينة حتى لا تتخلف عن الركب و تصبح في طي النسيان، كما أراد لها أذناب الاستعمار الفرنسي. كما أن أبناءها بفضل ذكائهم و تشبثهم بالعلم والبحث العلمي تبوأوا مراكز عليا في الجامعات العالمية (أمريكا ، أوروبا ، آسيا والخليج العربي) . لم يخنها أبنائها المخلصين و لم يبيعوها في المزاد العلني و للوافدين للانتهازيين بحثا عن المال أو الجاه .لقد توالى على كرسي شأنها المحلي رجال عملوا على تخليصها من التخلف العمراني و من تلاشي بنيتها التحتية . رفعوا شأنها لتكون في مقدمة المدن التي حصلت على ميدالية ذهبية سنة 1980 وعلى شاحنة نقل النفايات (النموذج العصري) كجائزة لأنظف مدينة، وتلتها مدينة الداخلة، وحصلت على الميدالية الذهبية الجهوية كأنظف مدينة بجهة مراكش. و عرفت منشآت اقتصادية ، (سوق الجملة للفواكه والخضر و المجزرة العصرية ، الحي الصناعي … ) . و عرفت منشآت تعليمية (ثانوية مولاي اسماعيل و ثانوية تساوت و مركز تكوين المعلمين و المعلمات و التعليم الأصيل و مدارس ابتدائية و اعداديات ساهمت في تعميم التمدرس. و إنه بفضل ابنائها من أطر إدارية تمت ترقيتها من مركز مستقل إلى بلدية لما حققت أرقاما مهمة من حيث المداخيل و الاستثمارات. و كانت من المدن السباقة إلى وضع تصميم معماري نال إعجاب وزارة الداخلية و المتتبعين للشأن المحلي مركزيا ،مما سمح لها بأن تستفيد من دعم الدولة من أجل إعادة شبكة الصرف الصحي على مستوى المدينة كلها، بالاضافة إلى شبكة الماء الصالح للشرب. إن تقدمها لم يكن يعجب الذين أرادوها أن تظل بقرة حلوبا، أي "الكويت" ، كما كان يصفها الوافدون من مسؤولين . لأنهم يراكمون منها ثروة غير مشروعة. و قد عانى أبناءها البررة و المبدئيين من كيد هؤلاء ومن المستفيدين من الريع و من الإعفاءات الضريبية، و من الامتيازات حتى أنهم تسببوا لبعضهم بالرحيل عنها، واستمر اختراق المدينة و "ترييفها" في إطار سياسة الحد من امتداد النخبة و تقزيم دورها بفعل ضم دواوير اليها : ( البانكة ،كدية الجمالة،دريع العياشي ،دوار الكداري ،دوار لقرع و جنان بن عرش …) ، على غرار عدة مدن مغربية منها : مدن آسفي و صفرو و بني ملال وقصبة تادلة. و ذلك بهدف خلق كتلة ناخبة تستفيد من تسهيلات خارج الضوابط القانونية من خلال البناء العشوائي و استعمال العربات المجرورة و احتلال الملك العمومي و ترويج الممنوعات من مخدرات وغيرها على حساب التطور الحضاري والتنموي للمدينة . هنالك بدأ العد العكسي بسيادة سياسة طمس معالم المدينة وما تحقق فيها من مشاريع منها: اغتيال ساحة الحسن الثاني و إهمال المجزرة العصرية و السوق الأسبوعي و المستشفى الإقليمي و اغتيال أشجارها من زيتون و أوكالبتوس و صفصاف شجر التوت وغيرها لصالح المضاربين العقاريين من شركات وأشخاص , و أصبحت الانتخابات فيها سوقا لبيع الأصوات بمباركة السلطات الوصية مع تزوير اللوائح الانتخابية ، حتى أن أبناء المدينة الغيورين عليها و الذين ينتمون إلى الأحزاب التقدمية لم يعد لهم حظ في الفوز من أجل تدبير شأنها ،لأن الثقافة التي أصبحت سائدة هي " الانتخابات من أجل الاغتناء غير المشروع و البريستيج و الاستفادة من الريع و الامتيازات و توظيف الأقارب و الأحباب " . و هذه السلوكيات تدفع المستفيدين من البقرة الحلوب الى محاربة كل من أراد أن يزرع فيها روح الحضارة والتنمية، لأنهم أصبحوا كالخلايا السرطانية التي تجدرت في جسم هذه المدينة لتحول دون تقدم المدينة وتنميتها ، وأصبح من الصعب تدميرها بدون إرادة قوية لشباب المدينة . و إنه في هذا السياق أصبحت مدينة قلعة السراغنة بين العيب و العار، و هو ما يتردد على الألسن القلعاوية .

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

الاربعاء 22 يناير 2025 - 19:41 العالم تحول إلى عالم سادي

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير