شكلت سنة 2015 سنة متميزة في مجال النهوض بحرية الصحافة ببلادنا واحترام استقلاليتها وتعزيز التعددية وإرساء ضمانات الحماية. معا لإقرار بوجود تحديات ورهانات، تستدعي من الجميع الانخراط الفعال في مواصلة دينامية الإصلاحات بمقاربة تشاركية وإرادة جماعية بهدف توسيع دائرة الحريات وتعزيز صورة المغرب والرفع من تنافسية إعلامه.
من الناحية القانونية تميزت سنة 2015بمصادقة الحكومة على مشروع قانون 88.13 يتعلق بالصحافة والنشر وكذلك مصادقة البرلمان على مشروع قانون 90.13 يتعلق بالمجلس الوطني للصحافة كهيئة منتخبة ومستقلة للتنظيم الذاتي للمهنة، وكذا على مشروع قانون 89.13 يتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين. وهو مسار انطلق منذ سنة 2012، بناء على رصيد تراكم طيلة العشر سنوات الماضية، ووفق مقاربة تشاركية واسعة شملت الهيآت المهنية والجمعيات والمؤسسات والقطاعات المعنية.
وكما حصل بالنسبة لقانون المجلس الوطني للصحافة والنظام الأساسي للصحفيين المهنيين، فإنه بالنسبة لمشروع قانون الصحافة والنشر والقانون المتعلق بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ومشروع قانون تعديل القانون 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري فإن الحكومة تبقى منفتحة على أية ملاحظة معقولة من شأنها ترسيخ الضمانات الواردة في الدستور. على أساس أن الإطار المرجعي الذي حكم الإصلاح هو الاستجابة للتوجيهات الملكية السامية وتنزيل أحكام الدستور وترجمة الالتزامات الدولية للمغرب وكذا التوصيات التي وافق عليها المغرب ضمن الآليات الأممية لحقوق الإنسان والاجتهادات الفضلى، وصيانة المكتسبات التي تحققت لصالح القطاع، والحرص على الاستجابة لانتظارات المهنيين في القطاع. وهذا هو الإطار الذي سيحكم التعامل مع أية ملاحظة مستقبلية، ونسجل انه في الجسم المهني هناك تقدير للإيجابيات التي تحققت والتفاعل الايجابي مع استجابة وزارة الاتصال لمختلف الملاحظات الواردة في مذكرات الهيآت الفاعلة في القطاع، كما نسجل التثمين المسجل لدى الجسم الصحفي لمصادقة البرلمان على نصين أساسيين من نصوص مدونة الصحافة والنشر.
وهذا يجسد الإرادة السياسية للمغرب في النهوض بقطاع الصحافة في إطار الإصلاح الشامل والعميق، وفي إطار نظرة استشرافية تستند على الدستور وتعتبر حرية الصحافة وإرساء التنظيم الذاتي لاحترام أخلاقيات المهنة شرط أساسي لبناء وتقوية دولة الحق والقانون.
على المستوى العملي، شكلت 2015 سنة إرساء منظومة الدعم الجديدة للصحافة، ويسجل في هذا الإطار زيادة الحجم الإجمالي للدعم المالي المباشر الموجه للصحف بنسبة 50 بالمائة بين سنتي 2012 و2015، حيث انتقل حجم الدعم من 42 مليون درهم سنة 2012 إلى 60 مليون درهم سنة 2015. وهذه المساهمة ليست إلا جزءا من المساهمة المطلوبة لدعم المقاولات الصحفية والتي تواجه عددا من التحديات على مستوى النموذج الاقتصادي تهدد استقلالية خطوطها التحريرية وتمس بمبدأ التعددية وبحق المواطن في الخبر. ونشاطر القلق الكبير المعبر عليه من قبل الناشرين، ولهذا تم سنة 2015 إطلاق دراسة حول المقروئية من أجل الوقوف على حجم التحديات المطروحة على هذا القطاع.
سنة 2015 أيضا شكلت سنة الانخراط العملي في تعزيز الأوضاع الاجتماعية للصحافيين، حيث تم إرساء نظام الدعم التكميلي من خلال التوقيع على اتفاقية من جمعية الأعمال الاجتماعية للصحافة المكتوبة التي نعتز بالشراكة معها.
وتعتبر 2015 سنة اعتماد الإطار القانوني للمجلس الوطني للصحافة، باعتباره هيئة للتنظيم الذاتي مستقل ومنتخب وفق المعايير الأممية المتعلقة باستقلالية هذه المجالس والمنصوص عليها وفق مبادئ باريس في قرار رقم 48/134 اتخذته الجمعية للأمم المتحدة يوم 4 مارس 1994 بخصوص المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان. ونشاطر رأي الهيآت المهنية بخصوص التحديات المرتبطة بأخلاقيات المهنة، خاصة فيما يتعلق بعدم المس بالحياة الخاصة والحق في الصورة، وعدم احترام الأخلاقيات المرتبطة بنشر حق التصحيح والرد والتي تبقى هي المسؤولة أولا عن النهوض بهذه الأخلاقيات.
وكانت سنة 2015 كذلك سنة تعزيز الضمانات القضائية لممارسة حرية الصحافة، وإن كنا نمتنع عن التدخل في أحكام القضاء، فإننا نسجل بإيجابية تراجع عدد الأحكام الصادرة في القضايا ذات الصلة بمجال الصحافة والنشر إلى 24 حكم فقط، مقارنة ب 56 حكم سنة 2014. ومن ضمن الأحكام 24 هناك 14 حكما بالبراءة وبالبطلان وبعدم المتابعة وبعدم الاختصاص. كما نثمن في هذا الإطار مسار إرساء غرف متخصصة في قضايا الصحافة على مستوى كل من الدار البيضاء والرباط، كما نقدر مجهود وزارة العدل في تكوين القضاة في المادة الصحفية، بالإضافة إلى تقدير المجهود الذي يُبذل على مستوى إتاحة المعلومة القضائية. كما أن دور القضاء في حماية حرية الصحافة سيتعزز باضطلاعه، إلى جانب المجلس الوطني للصحافة، باختصاص سحب بطاقة الصحافة سواء بالنسبة للصحافة الوطنية أو الصحافة المعتمدة.
يسجل خلال هذه السنة أن القضاء تبنى خيار اعتماد غرامات معتدلة في قضايا الصحافة والنشر إلا في حالات استثنائية. أما فيما يتعلق بما يثار حول الإكراه البدني في حق الصحافي في حالة عدم سداده للغرامة، فإن الأمر غير مطروح بمقتضى قانون المسطرة الجنائية، كما نجدد التأكيد على أنه من غير المقبول تطبيق الإكراه البدني في قضايا تهم حرية الرأي والتعبير.
كما أن المؤشرات المتعلقة بتطور حرية الصحافة خلال سنة 2015 قد تعززت أساسا بالقطع بشكل نهائي مع عدم الترخيص بتوزيع المطبوعات الأجنبية لأسباب سياسية متعلقة بالرأي. كما لم تُسجل خلال سنة 2015 أية حالة لحجب موقع إلكتروني أو مصادرة أو منع جريدة وطنية، هذا بالإضافة إلى التراجع الكبير في حالات الاعتداء على الصحافيين أثناء مزاولة المهنة، والتي بلغت سنة 2015 ست حالات فقط مقارنة ب 13 حالة سنة 2013، بحسب تقارير النقابة الوطنية للصحافة المغربية.
فيما يخص الصحافة الرقمية تميزت 2015 بتتويج مسار ابتدأ سنة 2012، حيث تم الاعتراف القانوني بهذا القطاع، حيث تم إرساء الضمانات القانونية لحرية الصحافة الرقمية. حيث ينص الإطار القانوني على أن حرية الصحافة الرقمية مكفولة للجميع، كما تم إرساء عدد من المقتضيات لتمكين الصحف الرقمية من رخص التصوير وضمانات حقوق الملكية الفكرية. وسجلت مؤشرات سنة 2015 تزايدا ملحوظا في عدد الصحف الرقمية التي أودعت تصريحا بالإحداث، حيث انتقل الرقم من 0 موقع سنة 2012 إلى 21 موقعا رقميا سنة 2013 ثم 113 موقعا رقميا برسم سنة 2014 ليصل الرقم إلى 254 موقعا رقميا سنة 2015. وارتباطا بهذا المسار التصاعدي، انتقل عدد الصحافيين المشتغلين في الصحافة الرقمية الحاصلين على بطاقة الصحافة المهنية تحمل اسم الموقع الذي يشتغلون به، من 46 صحافيا سنة 2014 إلى 98 صحفي برسم سنة 2015، وهو ما يعزز الحماية المهنية للصحافيين المشتغلين في هذا القطاع. في ذات السياق، تميزت سنة 2015 بانطلاق الدعم العمومي للصحافة الرقمية. ويسجل في هذا الصدد ارتفاع الاستثمارات الاشهارية في هذا القطاع بنسبة 42 بالمائة برسم سنة 2015 مقارنة مع 2014.
وفيما يخص الحماية المهنية عن طريق بطاقة الصحافة، ارتفع عدد الصحافيين المهنيين الحاصلين على البطاقة المهنية برسم سنة 2015 بحوالي 20 بالمائة مقارنة مع سنة 2014، حيث حصل على البطاقة المهنية 2600 صحافي مقارنة ب 2100 صحافي سنة 2014. و على مستوى النهوض بالموارد البشرية العاملة بالقطاع، فقد شهدت سنة 2015 توقيع اتفاقية التكوين مع نادي الصحافة بالصحراء وإرساء مشروع خيمة الصحافة بالعيون كمركب سوسيو-ثقافي لفائدة صحافيي المنطقة.
أما على مستوى تعزيز التعددية، يسجل المغرب تنوعا غنيا في وسائط الاتصال و الصحف والمواقع الرقمية والإعلام السمعي البصري العمومي. كما يسجل على مستوى المضمون تعددية على مستوى البرامج، وهو مايعكس التعددية اللغوية والثقافية والسياسية والمدنية الموجودة في المغرب. وعلى مستوى الاتصال السمعي البصري يسجل المغرب تنوعا في بحسب تقارير الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، ارتفعت نسبة حضور أحزاب المعارضة في البرامج الحوارية من 33,76% سنة 2011 إلى 43,56% سنة 2014. كما تم تعزيز الخدمة العمومية بقنوات الإعلام العمومي، عبر تثمين التنوع والتعددية الثقافية، وتقوية العرض الإخباري والبرامج الحوارية. ونتيجة لذلك عرفت نسبة مشاهدة قنوات القطب العمومي ارتفاعا، حيث سجلت مشاهدة القنوات التلفزية الوطنية، وقت الذروة خلال شهر دجنبر 2015، نسبة 55.8 بالمائة بحسب نتائج مؤسسة "ماروك ميتري مقابل 47.4 بالمائة سنة 2010.
وتميزت سنة 2015 بتعزيز النظام التنافسي لولوج شركات الإنتاج الخاصة إلى الإعلام السمعي البصري العمومي، حيث يسجل أنه خلال الفترة الممتدة من منتصف 2013 إلى نهاية 2015 تم داخل شركتي الإعلام السمعي البصري العمومي إطلاق 20 طلبا للعروض، لإنتاج أزيد من 160 برنامجا وبلغت القيمة الإجمالية لتلك الصفقات حوالي 620 مليون درهم واستفادة 70 شركة من تلك الصفقات. ومن نتائج إعمال النظام الجديد لولوج شركات الإنتاج الخاصة إلى قنوات القطب العمومي تسجيل تراجع في نسبة احتكار الفوز بتلك الصفقات، ذلك أن عدد الشركات المستفيدة من الصفقات زادت ب7 شركات جديدة خلال سنة 2015. كما أن من نتائج هذا النظام الجديد ترشيد الإنفاق العمومي على البرامج المنتجة وكذلك ارتفاع نسبة مشاهدة القنوات الوطنية وبحوالي 10 بالمائة خلال الفترة من 2011 و2015.
كما شهدت سنة 2015 إنجاح عملية الانتقال نحو البث التلفزي الرقمي، وفاء للالتزام الدولي للمغرب، وذلك عبر تعزيز الاستثمار في البنيات التحتية والعمل على تمكين الأسر المغربية من أجهزة تحويل البث الرقمي، وتأهيل الإطار القانوني، وإطلاق حملة تواصلية وتحسيسية مكثفة حول الموضوع.
أما على مستوى النهوض بالمرأة في الإعلام، فقد شهدت سنة 2015 أساسا المصادقة على تعديل القانون رقم 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري من أجل محاربة التمييز وبث الصور النمطية السلبية ضد المرأة، بالإضافة إلى تطور حضور الشخصيات العمومية النسائية في وسائل الاتصال السمعي البصري والتي بلغت خلال الفصل الثاني من سنة 2015، 10.05 بالمائة مقابل نسبة حضور بلغت 9,83 في المائة سنة 2014 و5 في المائة مع نفس الفترة من سنة 2013، بحسب بيانات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وإن كنا لا زلنا نسجل محدودية حضور المرأة على مستوى قطاع الإعلام الخاص. كما تم تفعيل المرصد الوطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام.
وشهدت 2015 إطلاقالمرصد الإفريقي لحرية الصحافةبمناسبة انعقاد المنتدى الإعلامي حول القارة الإفريقية، بمدينة مراكش في دجنبر 2015، حيث أعلن المغرب عن دعمه لتفعيل مبادرة إطلاق ، وهو المرصد الذي تم إطلاقه في أكتوبر 2015. حيث تم الاتفاق على تفعيل هذه الآلية في إطار التعاون بين المملكة المغربية وجمهورية كوت ديفوار، وسيكون مقره بأبيذجان وبرئاسة مشتركة بين البلدين.كما تم الإعلان في نفس المنتدى عن إطلاق مبادرة المركز الإفريقي للتكوين بوجدة.كما شهدت سنة 2015 تعزيز العمل على مستوى الفيدرالية الأطلسية لوكالات الأنباء الإفريقية، التي أحدثت في شهر أكتوبر 2014 بمناسبة انعقاد المنتدى الأول لوكالات أنباء إفريقيا الأطلسية والغربية الذي نظمته وكالة المغرب العربي للأنباء، وذلك سواء عبر برامج تكوينية أو لقاءات تصب في خانة تعزيز التعاون المشترك وتطوير العلاقات المهنية بين وكالات أنباء الدول الإفريقية الأطلسية.
وعلى الرغم من حجم ومتانة الإنجازات التي تحققت في قطاع الإعلام والصحافة خلال السنوات الأخيرة فإن هناك صعوبات وتحديات لا تزال مطروحة أمامنا جميعا. لقد تجاوزنا العديد منها بفعل المقاربة التشاركية التي تم تبنيها وأيضا بفعل الإرادة الجماعية التي حكمت كل الفاعلين والمتدخلين في القطاع. وأنا متأكد على أنه بنفس المقاربة وبنفس الإرادة سنتجاوز مختلف التحديات المطروحة على مستقبل القطاع مهنيا واقتصاديا وقانونيا. والغاية أن يبقى سجل بلادنا خاليا من مصادرة الصحف وخاليا من الاعتداء على الصحافيين وخاليا من حجب المواقع الرقمية.
في الأخير أعتبر أن الإنجازات التي تحققت عبارة عن جهد جماعي، وأشكر كل مدراء وأطر وكافة العاملين في وزارة الاتصال والمؤسسات الإعلامية العمومية والمنابر الإعلامية والمنظمات المهنية والحقوقية على مابذلوه من جهد في إنجاح مختلف الأوراش التي فتحت منذ سنة 2012، كما أشكر المساهمين في إعداد هذا التقرير الذي أصبح تقليدا سنويا لقياس مدى التقدم الحاصل في قطاع الإعلام والصحافة باعتباره قطاعا استراتيجيا وحيويا لتنشيط الفعل الديمقراطي ببلادنا.