أثار مشروع قانون الصحافة والنشر المعروف بقانون 88- 13، الذي صادقت عليه الحكومة في 23 دجنبر 2015، جدلا كبيرا وسط الإعلاميين والتنظيمات الصحفية والمهتمين بالحقل الصحفي ببلادنا قبل عرضه على أنظار البرلمان، وخلف ردود فعل متباينة داخل الجسم الصحفي، تراوحت بين مؤيد ومعارضة له، فيما اختار فريق أخر الصمت أو التحفظ على بعض فصوله.
فهناك من اعتبره مشروعا واعدا ومتطورا، في إطار السياق ‘‘الإصلاحي’’ الذي يعيشه المغرب لتعزيز ضمانات الحرية في ممارسة مهنة الصحافة، وهناك من اعتبر أن هذا المشروع الجديد هو خطوة صغيرة للأمام وكان بالإمكان أن يكون أفضل مما كان. في حين أبدى العديد من الصحفيين تخوفهم من القانون الجديد الذي لم يأتي بجديد، بل اعتبروه تكريسا لتحكم وهيمنة الدولة على الحقل الإعلامي، وبشكل عام جاء لتقييد حرية الصحافة بدل ضمانها كما أقرتها الأعراف والمواثيق الدولية التي تنص على حرية الصحافة والحق في الحصول على المعلومة وحماية الصحافيين...
ملفات تادلة استقت أراء بعض الصحافيين حول هذا القانون الجديد المثير للجدل، على هامش الندوة الوطنية الثالثة التي نظمها مسلك الإجازة المهنية في الصحافة المكتوبة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالشراكة مع مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية (مدى ) يومي 05 و06 ماي الجاري بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.
نور الدين مفتاح رئيس الفدرالية المغربية لناشري الصحف، اعتبر أن موقفهم واضحا من هذا القانون الذي لم يصل إلى انتظارات المهنيين المعنيين به بالدرجة الأولى، وأضاف أنه مع السقف السياسي لدستور 2011، كان من الممكن أن يكون أحسن بكثير من هذا الذي تم إخراجه بهذه الصيغة.
وتساءل مفتاح عن سبب وجود قانون خاص بالصحافة والنشر ما دام أن هناك وجود فصول في القانون العام يحاكم بها الصحافيين، ويقصد القانون الجنائي المغربي مشيرا إلى أن هذه النقطة كانت موضوع خلاف مع السلطات العمومية، بالإضافة إلى نقط أخرى وقع فيها التلكؤ بدون سبب مفهوم يضيف ذ. مفتاح.
و أشار أن موضوع قانون الصحافة والنشر لم تعد فيه عقوبات سالبة للحرية، ولكن الفصول التي لم يستطع وزير الاتصال أن يسحب منها العقوبات السالبة للحرية سياسيا مثل الثوابت و الوحدة الترابية وغيرها، أخرجها إلى القانون الجنائي وأصبحت بمثابة عقوبات حبسية مهربة إلى قانون أخر، حتى يبقى قانونا خاليا من العقوبات السالبة للحريات وهو إدعاء فقط .
وشبه نور الدين مفتاح هذا الإجراء بشخص يدعي أن غرفته خالية من الشوائب وهو لم يعمل سوى على تحويل تلك الشوائب إلى غرفة أخرى. وأضاف أن الأمر لا يتوقف عند الثوابت، بل عند عقوبات أخرى لا داعي لها كعقوبة تجريم الكراهية الذي تمت مضاعفة عقوبتها عشر مرات، وتحويلها إلى القانون الجنائي مع العلم أننا في بلد ليست فيه حروب أهلية ولا صراعات عرقية، حتى يكون من الضروري تدخل القاعدة القانونية للحد من هذا الأمر.
ومن جهته أوضح الصحافي البشير الزناكي، أن الإشكال الأساسي المتعلق بقانون الصحافة والنشر أن هذا النص تم فصله عن مكونات لها علاقة به ذلك أن القانون الصحفي المهني وقانون المجلس الأعلى للصحافة هما من العناصر الموجودة نظريا ضمن منطق قانون الصحافة والنشر، وأكد أن هذا التفتيت للنصوص لم يساعد كثيرا على فهمها من طرف الرأي العام، رغم الاهتمام المتميز الذي تحضا به الفصول ذات الطبيعة الجنائية أو الردعية أو العقابية اتجاه الممارسة المهنية.
وأضاف أنه من المفروض من الناحية النظرية، أن يكون مشروع قانون الصحافة نصا غايته تطوير الممارسة الإعلامية وتحقيق المبادئ والحقوق الأساسية الخاصة بالتعبير والنشر والأعلام، وليس مكبلا لها.
وتساءل إن كان هذا النص يتضمن أشياء تعطي الأمل بممارسة جديدة مشجعة للجسم الصحفي، مؤكدا أن الانتظارات لم تكن موفقة، ’’وفي المحصلة لم نجد أشياء كثيرة في هذا الموضوع باستثناء عدم الوعد بالمجلس الأعلى للصحافة الذي تم تطويقه أصلا بمجموعة من الشروط في النص السابق، الذي تم التصويت عليه، والذي يظل هو الأخر ناقصا وأضاف أن هناك أشياء جديرة بالمناقشة وبمقاربة أخرى لكن السلطات العمومية و البرلمان لم يعرها أي اهتمام‘‘ يقول الزناكي.
واعتبر محمد العوني رئيس منظمة حرية الإعلام والتعبير، أنه جرى تجزيئ لمدونة النشر والصحافة على اعتبار أن مشروعين قانونيين قد تم تمريرهما، ويتعلق الأمر بقانون المجلس الوطني للصحافة وقانون الصحافي المهني، وهذا التمرير مر بسرعة لضمان أن يكون المجلس الوطني للصحافة أداة لمعاقبة الصحافيين قبل الانتقال إلى مناقشة قانون الصحافة والنشر.
وسجل العوني حصول تراجع فيما يخص الاتفاق على التخلي عن العقوبات السالبة للحريات، ذلك أن المشكل الأساسي بحسبه يتمثل في أن النص الحالي لقانون الصحافة والنشر أحال هذه العقوبات إلى القانون الجنائي، وهذا خطير جدا لأن هذا المشروع أصبح يشرعن العقوبة السالبة للحرية.
وأضاف أن مشروع قانون الصحافة والنشر لم يخرج عن روح وهيكل القانون القديم بعد تعديله في سنة 1972 و2002، ذلك أنه أصبح قانونا لتقييد حرية الإعلام وليس لتنظيم هذه الحرية.
واستغرب من وجود عدة مصطلحات معلقة لا توضيح لها في هذا المشروع مثل الحق في الإعلام وحماية الصحافيين، وهو ما يقتضي بحسبه أن تخصص لها فصول بعينها وليس فقط إشارات، لكن في المقابل فإننا نجد تفصيلا كبيرا في الجوانب المرتبطة بمحاسبة الصحافيين والناشرين يقول العوني.