بيان صحفي
تنظم محكمة النقض بشراكة مع نقابة هيئة المحامين بأكادير والعيون، القطب المالي للدار البيضاء وغرفة التجارة الدولية، ندوة دولية حول موضوع : « آفاق التحكيم الدولي بالمغرب »، وذلك يومي 5 و6 دجنبر 2014 بفندق أطلنتيك بلاص - المنطقة السياحية بمدينة أكادير.
وسيعرف هذا اللقاء العلمي المتميز مشاركة عدد من الخبراء والقضاة والمحامين والأكاديميين المغاربة والأجانب، إضافة إلى مؤسسات ومراكز دولية هامة تعنى بالتحكيم التجاري الدولي، الذين سيناقشون من خلال خمس جلسات علمية الإشكالات الكبرى التي يطرحها الموضوع في جوانبها القانونية والقضائية والاقتصادية وأبعادها الوطنية والدولية.
ويأتي هذا اللقاء في سياق التفاعل الإيجابي مع ما تعرفه الساحة القانونية والقضائية من ديناميكية تكرس الأمن الاقتصادي والحقوقي ببلادنا، وما تقتضيه التحديات التي فرضتها عولمة الاقتصاد من ضرورة خلق شراكات وفضاءات للمناقشة ووضع تصورات ورؤى جديدة، تسهم في التنزيل السليم للدستور وتؤسس لقضاء قريب من انتظارات المتقاضين وفي خدمتهم.
كلمة الرئيس الاول لمحكمة النقض بالرباط
بسم الله الرحمان الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه؛
الحضور الكريم؛
بفيض من الاعتزاز والتقدير يشرفني أن أرحب بكم اليوم بمدينة لها مكانة خاصة بقلوب جميع المغاربة بعمق رمزي ذي أبعاد ثقافية وروحية، جوهرة الجنوب الشماء، أرض العلم والكرم، أكادير، قطب التجارة والاقتصاد منذ ليالي التاريخ الأولى، ورمز الصمود المغربي والنموذج المعبر عن قدرة المغاربة على البناء والإبداع.
أكادير التي دعا فيها جلالة الملك محمد السادس دام له العز والتمكين في خطابه السامي بمناسبة افتتاح السنة القضائية يوم 29 يناير 2003 إلى : "تنويع مساطر التسوية التوافقية لما قد ينشأ من منازعات بين التجار، وذلك من خلال الإعداد السريع لمشروع قانون التحكيم التجاري، الوطني، والدولي، ليستجيب نظامنا القضائي لمتطلبات عولمة الاقتصاد وتنافسيته، ويسهم في جلب الاستثمار الأجنبي"، انتهى النطق الملكي.
لقائنا اليوم لا يملك فقط رمزية المكان بل أيضا رمزية الشركاء، وهنا لابد أن أخص بالشكر والثناء نقابة المحامين بأكادير والعيون وعلى رأسها النقيب الفاضل المحترم السيد عثمان نوراوي، على كل ما تم بذله من جهد في التفكير والإعداد والتنظيم لهذا الحدث العلمي والمهني المتميز فأضفى عليه زملائنا الكرام طابعا علميا مهنيا ودوليا بامتياز، السيد النقيب لقد أكدتم فعلا من خلال هذا اللقاء على عمق الروابط التي تجمع مكونات أسرة العدالة وعلى وحدة الهدف والرسالة، وأعطيتم المثال والقدوة لما يجب أن تكون عليه مشاريع العمل المشترك والمسؤول.
والأكيد أن الحضور الشخصي لمعالي وزير العدل والحريات الفاضل مصطفى الرميد ومشاركته معنا اليوم بكلمته الهامة والقيمة، أوضح بالملموس العناية والحرص اللذين يوليهما لهذا الموضوع ذي الأبعاد الحقوقية الكبرى وأعطى بكل يقين زخما كبيراً لهذا اللقاء وأضفى عليه الكثير من الجدية والدينامية، فله منا كل عبارات الشكر والتقدير.
والشكر موصول أيضا للسادة المسؤولين عن القطب المالي بالدار البيضاء وعن غرفة التجارة الدولية الذين تفاعلوا إيجابا مع هذا الحدث، وأسهموا في إخراج هذه المبادرة إلى الوجود بالشكل الملائم والمطلوب، فلهم كامل التقدير.
كما أشد بحرارة على أيدي السادة الأفاضل ضيوفنا الكرام الذين قدموا من دول شقيقة وصديقة، وكذا مسؤولي الإدارة المركزية والمتدخلين والمشاركين من قضاة ومحامين وأكاديميين ومختصين الذين تكبدوا عناء السفر قصد المساهمة في أشغال هذا اللقاء، وأقول للجميع، جزاكم الله خيرا، مؤكداً لكم أن محكمة النقض ستبقى دائما رهن إشارة كل المبادرات الوطنية المسؤولة المندرجة في إطار المشاريع التنموية الكبرى التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله بإقدام وحكمة وتبصر.
الحضور الكريم؛
لا شك أن علاقتنا بالتحكيم مرتبطة بالأزمنة الثلاثة (الماضي، الحاضر، والمستقبل).
فكما لا يخفى على كريم عنايتكم فإن الحفريات التاريخية والثقافية تؤكد أن مؤسسة التحكيم وفلسفتها ليس بالغريبة عنا، بل هي من الموروثات المغربية الأصلية، ومن الآليات الأساسية إلى جانب الوساطة والصلح التي كان يتم اللجوء إليها لحل كل الخلافات الفردية أو الجماعية، هذا فضلا عن أن بلادنا كانت من الدول السباقة عربيا وإفريقيا إلى التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالتحكيم التجاري الدولي، وعيا منها بأهميته في حل المنازعات بأسلوب سريع وغير مكلف مع مراعاة السرية المطلوبة.
أما الآن فلا شك أن التحكيم باعتباره آلية تحقق الأمن التجاري بشكل كبير أصبح اللجوء إليها في المنازعات التجارية الدولية مسألة عادية طبيعية وخياراً مفضلا لتسوية الخلافات فرضته عولمة الاقتصاد والزيادة المطردة في المعاملات العابرة للدول والقارات.
والأكيد أن بلدنا في خضم كل هذا التحول عرف تحركا تشريعيا هاما سواء على مستوى إصلاح منظومة العدالة بصفة عامة أو في مجال التحكيم بصفة خاصة، حيث انظم المغرب إلى العديد من الاتفاقيات الإقليمية والدولية ذات الصلة وأحدث غرفا للتحكيم بمجموعة من المدن تقدم خدمات التحكيم المختلفة، حيث عرفت هذه الغرف تزايداً مضطرداً في القضايا التي أحيلت عليها خلال الأعوام الماضية، وذلك نتيجة للنجاح الذى حققته في حل الخلافات بشكل بات وسريع وفعال.
ناهيك عن تنظيم وعقد العديد من المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية وغيرها من الفعاليات الثقافية المتعلقة بالفكر القانوني عامة والتحكيم التجاري خاصة، وترافق ذلك مع زيادة عدد الأبحاث والمطبوعات المتعلقة بالتحكيم التجاري والمواضيع المرتبطة به، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر سلسلة دفاتر المجلس الأعلى التي تصدرها محكمة النقض والتي خصصت أكثر من ثلاثة أعداد لموضوع التحكيم التجاري في أبعاده الوطنية والدولية.
وهو ما يجعلنا نقف على أرضية صلبة وأسس قوية تبشر بمستقبل واعد للتحكيم التجاري الدولي بلادنا.
الحضور الكريم؛
إن من حق المغرب أن يتطلع إلى تبوأ المكانة التي تليق به كبلد رائد في مجال التحكيم التجاري الدولي وكفضاء ملائم لفض الخلافات والمنازعات لما أصبح يتوفر عليه لا فقط من آليات قانونية وتنظيمية وتدبيرية وبنيات اقتصادية ومالية ولوجستيكية كبرى، وإنما أيضا لتكريس بلادنا لسلطة قضائية مستقلة وقضاة أكفاء ذوي تكوين جد متميز وعقلية منفتحة يشهد بها الجميع في كافة المحافل الدولية وهو ما يتجلى بالملموس في العديد من الأحكام والقرارات في المادة التحكيمية، وهنا لابد أن أشير إلى أننا على مستوى محكمة النقض منكبون على تجميع أهم القرارات المبدئية المرتبطة بالموضوع الصادرة منذ مدة طويلة وفهرستها وتبويبها وترجمتها إلى عدد من اللغات لتكون في متناول جميع الفاعلين الاقتصاديين والقانونيين الأجانب والوطنيين كمرجع أساسي يبرز دور القضاء المغربي في تحقيق الأمن الاقتصادي والمالي ولإعطاء صورة حقيقية عن المكانة التي يحظى بها التحكيم وتترجم وعي القضاة بأهميته كآلية من الآليات الأساسية لتحقيق العدالة وتكرس الأمن الاقتصادي والحقوقي. كما أن عددا من مشاريعنا في مجال التكوين والتأطير المسطرة في مخططنا الاستراتيجي تصب كلها في توفير الإطار الملائم لقضاتنا قصد التفاعل الإيجابي مع مثل هذا النوع من القضايا والمنازعات.
الحضور الكريم؛
لا شك أن المواضيع التي سيتم مناقشتها في هذا اللقاء هي من الأهمية بمكان وتطرح العديد من الإشكالات والصعوبات العملية والواقعية وتقتضي منا الكثير من الدقة والاحترافية وتفرض علينا التواصل بشأنها في إطار مقاربات تشاركية بين كافة الفاعلين الاقتصاديين والمهنيين والمهتمين، ولي اليقين أن وجود هذه النخبة البارزة من الخبراء والقانونيين سيعطي لهذا اللقاء خصوصية وتميزاً، وسيفرز توصيات ورؤى واقتراحات تتسم بالجدة والموضوعية والمهنية تجعلنا ننظر إلى المستقبل بكثير من العزم والثقة والثبات.
وفي الختام؛ لا يسعني إلا أن أجدد شكري للجميع سائلا العلي القدير أن يكلل أشغال هذا اللقاء بالنجاح والتوفيق، وأن يحفظ ملكنا الهمام وأن يسدد خطاه وييسر له سبل الفلاح إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.